كشف الغمة 356- كتاب الحج والعمرة (03) فضل الحج والعمرة

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 355- كتاب الحج والعمرة (02) فضل الحج والعمرة

صباح الإثنين 30 ربيع الأول 1447هـ 

 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  حكم العمرة 
  •  مغفرة الذنوب بواسطة الحج والعمرة
  •  ما هو الحج المبرور؟
  •  تكفير الحج لما كان قبله
  • َ سؤال السيدة عائشة عن الجهاد
  •  أي الأعمال أفضل؟
  •  حج آدم عليه السلام
  •  120 رحمة تنزل على الكعبة، وآثار النظر إليها
  •  هدم الكعبة في آخر الزمان
  •  توضيح حديث ابن عمر عن رفع الكعبة أيام الأنبياء
  •  قصة حج النبي آدم
  •  استغفار رسول الله للحاج
  •  استقبال الحاج عند رجوعه البلد
  •  ثواب من أدركه الموت وهو في حج أو عمرة
  •  حكم من مات وهو مُحرم

نص الدرس المكتوب: 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبسندكم المتصل إلى الإمام أبي المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني -رضي الله تعالى عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)، إلى أن قال:

 

"فرع: وكان رسول الله ﷺ يقول: "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة"، وكان ﷺ يقول: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، فقال رجل: يا رسول الله ما بر الحج؟ قال: إطعام الطعام وطيب الكلام وإفشاء السلام"، وكان ﷺ يقول: "الحج يهدم ما كان قبله"، وفي رواية: "الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن"، وكان ﷺ يقول : "إن آدم -عليه السلام- أتى البيت ألف أتية لم يركب فيهنّ قط من الهند على رجليه"، وكان ﷺ يقول: "الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم"، وكان ﷺ يقول: "ينزل على أهل البيت كل يوم مائة وعشرون رحمة ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين"، وكان ﷺ يقول: "استمتعوا بهذا البيت فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة"، يعني: بعد الثالثة. 

وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: لما أهبط الله آدم من الجنة قال: إني مهبط معك بيتاً أو منزلاً يطاف حوله كما يطاف حول عرشي ويصلى عنده كما يصلى حول عرشي فلما كان زمن الطوفان رُفِع، وكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يحجون ولا يعلمون مكانه فبوّأه الله تعالى لإبراهيم فبناه من خمسة أجبل حراء وثبير ولبنان وجبل الطير وجبل الخير، وكان ﷺ يقول: أوحى الله تعالى إلى آدم عليه السلام أن يا آدم حج هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث الموت قال: وما يحدث علي يا رب؟ قال: ما لا تدري وهو الموت، قال وما الموت قال: سوف تذوق، قال: من أستخلف في أهلي؟ قال: اعرض ذلك على السموات والأرض والجبال، فعرض على السموات فأبت وعرض على الأرض فأبت وعرض على الجبال فابت وقبله ابنه قاتل أخيه، فخرج آدم من أرض الهند حاجاً فما نزل منزلاً أكل فيه وشرب إلا صار عمراناً بعده وقرى حتى قدم مكة فاستقبلته الملائكة بالبطحاء فقالوا: السلام عليك يا آدم برّ حجك، أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، قال رسول الله ﷺ: "والبيت يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان من يطوف يرى من في جوف البيت ومن في جوف البيت يرى من يطوف فقضى آدم نسكه فأوحى الله إليه يا آدم قضيت نسكك؟ قال: نعم يا رب، قال فاسأل حاجتك تعط، قال: حاجتي أن تغفر لي ذنبي وذنب ولدي، قال: أما ذنبك يا آدم فقد غفرناه حين وقعت بذنبك، وأما ذنب ولدك فمن عرفني وآمن وصدق رسلي وكتابي غفرنا له ذنبه"، وكان ﷺ يقول: "قال داود -عليه السلام-: إلهي ما لعبادك عليك إذا هم زاروك في بيتك فإن لكل زائر حقاً على المزور؟ قال: يا داود إن لهم عليّ أن أعافِهم في الدنيا وأغفر لهم إذا لقيتهم ، وكان ﷺ كثيراً ما يقول: "اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج"، والله أعلم.

 

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

 

 

الحمد لله مكرمنا بالشريعة الغرّاء وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى سيدنا محمد صلى الله وسلم وكرم على آله من حُبُوا به طُهرا، وصحبه من رُفِع لهم به قدرا، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان وبمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

 وبعد، 

فيتحدث الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- عما جاء من الفضل في شأن الحج والعمرة.

وقد تقدم معنا أن العمرة:

  • عند الشافعية والحنابلة: فرض مثل الحج، تجب عليه في العمر مرة واحدة.
  • وقال المالكية وأكثر الحنفية: إن العمرة سنة مؤكدة أيضاً في العمر مرة واحدة.
  • وقال بعض الحنفية: إنها واجبة؛ والفرق عندهم في اصطلاحهم بين الواجب والفرض. 

 

ثم يذكر لنا في هذا الفرع فضائل الحج والعمرة والمتابعة بينهما، فقد تضافرت على ذلك النصوص الواردة وجاء في ذلك الأخبار والآثار، وقال سبحانه وتعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)[الحج:27-28]، وأورد حديث: "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب -ويكونان سبباً في المغفرة للذنب وفي تيسير الرزق- كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة"، فيرجعهما صافيين من كل ما وُشِيَ فيهما أو وُضِع من غيرهما، كذلك تُصفَّى ذات المؤمن مما اكتسب من الخطايا والذنوب بواسطة الحج والعمرة، والحديث عند الترمذي والنسائي وعند الإمام أحمد في المسند.

 

ثم ذكر الحديث آخر: " وكان ﷺ يقول: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، فقال رجل: يا رسول الله ما بر الحج؟ قال: إطعام الطعام وطيب الكلام وإفشاء السلام"، فما الحج المبرور إذًا؟ 

الحج المبرور: هو المقبول عند الله، وما هو الذي يكون مقبولاً عند الله؟ هو الذي لا يخالطه شيء من الإثم ويؤدى على التمام.

فإذا: 

  • أخلص القصد والنية لوجه الله.
  • وحج من مال حلال.
  • وأدى فرائض الحج وواجباته كلها.
  • ولم يقترف معصية صغيرة ولا كبيرة من حين أحرم إلى أن يتحلل.

فقد صار ذا حج مبرور. 

ويقول الإمام النووي: الذي لا يخالطه شيء من الإثم، وهكذا إذن الحج الذي وُفِّيت أحكامه، وأُخلص فيه لوجه الله تعالى، وكانت فيه النفقة من حلال، ولم يقارف صاحبه ذنباً صغيراً ولا كبيراً من حين الإحرام إلى التحلل؛ فهذا هو الحج المبرور، ليس له جزاء إلا الجنة.

وهي الدعوة التي دعا بها الملائكة لآدم حين حج أول ما خرج إلى الأرض، وقالوا: "بَرَّ حجك يا آدم". 

وتمام البر في الحج بما أشار إليه الحديث من الإحسان إلى الرفقة ومن معه، وأن يحسن القول لهم ويطيب كلامه، وأن يبدأ بالسلام من لقيه، يعني: راجع إلى حسن الخلق والمواساة للحجاج، فهذا تمام بر الحج.

 

"وكان ﷺ يقول: "الحج يهدم ما كان قبله"، كما رواه في رواية الامام مسلم: " يهدم ما كان قبله"، وكذا الهجرة والحج، معناه يكفر ما كان قبله من الذنوب والمعاصي.

قالوا: والحج المبرور يكفر الذنوب الصغائر والكبائر، ولا يبقى إلا تبعات الناس، التبعات المتعلقة بحقوق الخلق. 

 

"وفي رواية: "الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن"، -وهو عند الطبراني في الأوسط- هذا الحج إذا أقيم على وجهه عظمت فضائله، وجاء فيه كثير من الأحاديث منها:

  • "منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ"، أي: لا ذنب عليه، كما جاء في الصحيحين. 
  • وجاء أيضاً عند الإمام مسلم: " ما من يومٍ أكثرُ من أن يعتِقَ اللهُ فيه عبيدًا من النَّارِ من يومِ عرفةَ ، وأنه لَيدنو ، ثم يباهي بهم الملائكةَ ". 

 

والمتابعة بين الحج والعمرة الذي ذكره هذا، كما ذكرنا عند الترمذي وحسنه، قال: "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة"، "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" وتقدم معنا الحديث الذي هو في البخاري والنسائي سؤال السيدة عائشة لرسول الله عن الجهاد، قالت: نرى الجهاد أفضل عمل، أفلا نجاهد؟ فقال: "لا، لكن أفضل الجهاد حجٌ مبرور". 

وجاء أيضاً في الصحيحين سؤال : أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "جهاد في سبيله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور". وكذلك جاء في الصحيحين: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

 

كذلك روي أنه  قال: "الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم".

 

كما ذكر لنا حج آدم عليه السلام، فالبيت الحرام أول بيت وُضع للناس، كما قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) [آل عمران:96]. "وكان ﷺ يقول : "إن آدم عليه السلام أتى البيت ألف أتية لم يركب فيهنّ قط من الهند على رجليه"، "فما نزل منزلاً أكل فيه وشرب إلا -تحول إلى قرية أو مدينة- صار عمراناً بعده وقرى"، وفيه أنه تعمَّرَ على ظهر الأرض بعد خروجه من السماء ألف عام، ويحج في كل عام.

 

"وكان ﷺ يقول: "ينزل على أهل البيت -وفي لفظ على هذا البيت- كل يوم مائة وعشرون رحمة ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين"، ففيه أن النظر إلى البيت العتيق يفيد صاحبه تحصيل رحمات من الله -تبارك وتعالى- فإذا كان كذلك، فما منزلة النظر إلى وجه المؤمن بعين المودة والرحمة والتعظيم؟ فكيف إذا كان من المقربين أو الصديقين أو النبيين صلوات الله وسلامه عليهم، النظر. فمن كان يطوف بالبيت ويصلي حوله وينظر إليه بعين التعظيم، فهو مشارك في كل من المئة والعشرين رحمة يصل نصيبه من الستين حق الطائفين، ونصيبه من الأربعين حق المصلين، ونصيبه من العشرين حق الناظرين. 

ويروى أن كل نظرة للبيت العتيق بعين التعظيم بعبادة سنة، حتى أن كثيراً من الصالحين إذا أتوا مكة يفتح عينيه وينظر إلى البيت ويغمضها، وينظر ويغمضها، وينظر ويغمضها، ليتعدد له النظرات، فتكون له بكل نظرة عبادة سنة. 

واختلفوا فيمن صلى حول البيت، أينظر إلى موضع السجود أم إلى البيت الكعبة؟ وفرق بعض الفقهاء بين الآفاقي والمقيم: 

وقالوا: المقيم بمكة ينظر إلى موضع سجوده لأنه يتمكن من نظر البيت في أوقات كثيرة، والآفاقي الذي جاء من خارج مكة ويريد أن يرجع إلى بلده فينظر إلى الكعبة حتى وهو في أثناء الصلاة، يجعل نظره إلى الكعبة المشرفة.

 

"وكان ﷺ يقول: "استمتعوا بهذا البيت فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة"، يعني بعد الثالثة"، والمراد بالثالثة التي تأتي آخر الزمان على يد الرجل الذي وصفه ﷺ يهدم البيت حجراً حجراً ويرميه في الكعبة وهذا بعد سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام، بعد وفاة سيدنا عيسى بن مريم بعد خروجه وحكمه ثم وفاته، بعد المهدي، بعد يأجوج ومأجوج، بعد عيسى بن مريم يحصل هدم البيت بعدهم، ماعاد يبنى -خلاص- أصلا وتهب الريح التي تخطف أرواح المؤمنين، ولا يبقى في الأرض إلا كافر، ثم لا يبقى إلا كافر ابن كافر، ثم يبقى ثلاث طبقات كلهم كفار، كافر ابن كافر ابن كافر، شرار الخلق عليهم تقوم الساعة.

وكان البيت في عهد نبي الله آدم عليه السلام، ثم لم يزل الأنبياء كذلك يطوفون بالبيت حتى جاءت السيول وخربت البيت، فبوأه الله لإبراهيم. 

 

"وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: لما أهبط الله آدم من الجنة قال: إني مهبط معك بيتاً أو -قال-منزلاً يطاف حوله كما يطاف حول عرشي ويصلى عنده كما يصلى حول عرشي فلما كان زمن الطوفان رُفِع، وكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يحجون ولا يعلمون مكانه" هذا أيضاً يكون نقله ابن عمر عن أحد من أهل الكتاب، لا يصح بالصورة التي ذكرها، فإن الزمن ما بين نوح إلى إبراهيم طويل فيه قرون كثيرة، وفيه أنبياء كثير وأمم؛ (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا)[الفرقان: 38]، وقد نص ﷺ على حج النبي هود والنبي صالح، ولم يذكر أنه إلى غير البيت المعلوم أو لا يدرون مكانه، وذكرهم في حجة الوداع، وقال: "مر بهذا الوادي نبي الله هود وهو راكب على جمل" ووصفه كذا وكذا وهو يلبي وذكر النبي صالح كما ذكر النبي موسى عليه السلام، لكن ما بين نوح إلى إبراهيم عدد كبير وكثير من الأنبياء ومن القرون. 

قال: "فبوّأه الله تعالى لإبراهيم فبناه من خمسة أجبل -يعني حجر من- حراء وثبير ولبنان وجبل الطير وجبل الخير، وكان ﷺ يقول: أوحى الله تعالى إلى آدم عليه السلام أن يا آدم حج هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث الموت قال: وما يحدث علي يا رب؟ -هو أول الخلق في بني ءادم وما في موت بعد- قال: ما لا تدري وهو الموت، قال وما الموت قال: سوف تذوق، -خروج الروح من الجسد ويبقى الجسد هامد وانتقال من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ- 

قال: من أستخلف في أهلي قال اعرض ذلك على السموات والأرض والجبال -انظر إذا يحملوا الخلافة عنك في القيام بالمهمة في الأرض وهو مهمة التكليف التي كلفوا بها (فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ) [الأحزاب: 72]- قال: فعرض على السموات فأبت وعرض على الأرض فأبت وعرض على الجبال فابت وقبله ابنه قاتل أخيه، فخرج آدم من أرض الهند حاجاً فما نزل منزلاً أكل فيه وشرب إلا صار عمراناً بعده وقرى حتى قدم مكة فاستقبلته الملائكة بالبطحاء فقالوا: السلام عليك يا آدم برّ حجك" أي: جعل مبرورا "أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام"، وفيه أنه كان موجود من قبل هبوط آدم عليه السلام إلى الأرض وحجوه قبله بألفي عام.

"قال رسول الله ﷺ: والبيت يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان من يطوف يرى من في جوف البيت ومن في جوف البيت يرى من يطوف فقضى آدم نسكه -حجَّه- فأوحى الله إليه يا آدم قضيت نسكك؟ قال: نعم يا رب، قال فاسأل حاجتك تعط، قال: حاجتي أن تغفر لي ذنبي وذنب ولدي، -يعني: ذريته- قال: أما ذنبك يا آدم فقد غفرناه حين وقعت بذنبك وأما ذنب ولدك فمن عرفني وآمن وصدق رسلي وكتابي غفرنا له ذنبه"، اللهم اعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

 

قال: "وكان ﷺ يقول: "قال داود عليه السلام: إلهي ما لعبادك عليك إذا هم زاروك في بيتك فإن لكل زائر حقاً على المزور؟ قال: يا داود إن لهم عليّ أن أعافهم في الدنيا وأغفر لهم إذا لقيتهم"، وكان ﷺ كثيراً ما يقول: "اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج"، فكان الحاج مغفوراً له، باستغفار رسول الله ومن استغفر له الحاج أيضاً مغفور له بواسطة استغفار الرسول الله ﷺ بواسطة هذا الحاج، "اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج" فطلب الغفران للحاج، وكل من استغفر الحاج له فقد دخل في استغفار رسول الله ﷺ "ولمن استغفر له الحاج".

ولذا كانوا يحبون تلقي الحجاج وطلب الدعاء بالمغفرة واستغفارهم لهم؛ رجاء حصول هذا الموعود على لسان رسول الله ﷺ. 

وجاء في الأخبار أيضًا أنه يغفر لمن استغفر له الحاج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وعشراً من ربيع الأول. 

وكانوا يحبون الوصول إليه أول قدومه إلى بلده قبل أن يذهب إلى بيته، وأن يجلس مع أهله وتمر عليه الأيام فهذا أفضل. 

وقد كانت المدن والقرى تستقبل الحاجين منهم في موكب ويطلبون منهم الاستغفار، ويدخلون إلى بلدانهم في مواكب استقبال تعظيماً لشعائر الله، (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ"وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج:32].

 

فرع: في بيان أجر من مات في طريق مكة 

 

تقدم في كتاب الجنائز قوله ﷺ في المحرِم الذي وقصته ناقته فمات: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً"، وكان رسول الله ﷺ يقول: "من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمرين إلى يوم القيامة، ومن خرج غازياً فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة"، وكان ﷺ يقول: "من مات في طريق مكة ذاهباً أو راجعاً لم يعرض ولم يحاسب، وفي رواية: غفر الله له ذنوبه". 

 

وهذا في ثواب من أدركه الموت وهو في حج أو عمرة، سواء مع ذهابه أو مع إيابه أو أثناء الحج والعمرة.

 

قال: تقدم معنا في الحديث الذي هو عند الشيخين البخاري ومسلم، حديث "الذي وقصته ناقته فمات -في أثناء الحج- اغسلوه بماء وسدر" وفيه أن السدر ليس بطيب، وهو منظف ومصفٍّ للبدن وليس بطيب، وهو الذي يتخذ من ورق النبق هذا من ورق الدوم، من ورق شجر السدر، فيُيبَّس ثم يُدق فيُطحن فيكون منظفاً للبدن مع استعماله مع الماء. "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبه" أي ثوب الإحرام، "ولا تمسوه بطيب"، لا تطيبوه، فإن الطيب حرام على المحرم، ويطيب الميت غير المحرم استعداداً للقاء الله وتعظيماً "ولا تخمروا -أي: تغطوا- رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً" جزاء له، لأن ما قطعه عن الحج وإتمامه إلا الموت، فيبعث ملبياً يوم القيامة كأنه لا يزال في الحج.

 

فإذا مات محرم أو محرمة:

  • يقول الشافعية والحنابلة: يحرم تطيبهما لأنهما محرمان، وحكم الإحرام يستمر لهما من حيث الثواب والمنزلة عند الله تعالى، حتى كما قرأتوا في الحديث الثاني: "من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمرين إلى يوم القيامة، ومن خرج غازياً -في سبيل الله- فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة"

من هنا قال الشافعية والحنابلة: يحرم تطيب المحرم إذا مات، أو أخذ شيء من شعره أو ظفره، ويحرم ستر رأس الرجل ووجه المرأة، وإلباس المخيط للرجل كذلك، ما يلبس محيط به.

"اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً"

  • قال الحنفية والمالكية: يُكفَّن المحرم والمحرمة كغيرهما، أي: يغطى رأسه ووجهه ويطيب، نعم. ويذكرون ما جاء عن سيدنا علي أنه قال: إذا مات المحرم انقطع إحرامه. ويقولون: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث". فقالوا: بأنه كغيره في تغسيله وتكفينه. 

وقال الشافعية والحنابلة ما ورد في الحديث والسنة وثبت أنه لا يُمَسُّ الطيب ولا يغطى رأس الرجل ولا وجه المرأة المحرمة إذا ماتت محرمة، "وأنه يبعث يوم القيامة ملبياً". والله أعلم.

 

قبلنا الله وجميع حجاج بيته والمعتمرين به والزائرين نبيه، وجميع الساعين في الخيرات، ووقانا الأسواء والأدواء، وأصلح لنا السر والنجوى، ومنفذات الإحسان مع الاستقامة، وأتحف بأنواع الكرامة، ودفع الآفات عنا وعن المؤمنين والمؤمنات. 

 

بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ

 إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ 

اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ 

الْفَاتِحَة

تاريخ النشر الهجري

01 ربيع الثاني 1447

تاريخ النشر الميلادي

23 سبتمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام