(535)
(339)
(364)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 355- كتاب الحج والعمرة (02) أحكام الاستئجار والإجارة والتجارة في الحج
صباح السبت 28 ربيع الأول 1447هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وبسندكم المتصل إلى الإمام أبي المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني -رضي الله تعالى عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)، إلى أن قال:
"وكان ﷺ يرخص في كراء الرجل نفسه في طريق الحج، وجاءه رجل مرة فقال: يا رسول الله إنا نكري الناس ونحملهم إلى مكة والناس يزعمون أنه ليس لنا حج فسكت النبي ﷺ حتى نزلت: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ)[البقرة:198]، فدعا الرجل وقال: بل أنتم حجاج، وسأل رجل ابن عباس -رضي الله عنهما- فقال: إني أكري نفسي إلى مكة وقد زعم الناس أنه ليس لي حج؟ فقال: بل أنت ممن قال الله فيهم: (أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا)[البقرة:202]، وفي رواية فقال: "إذا فعلت المناسك فأنت حاج"، وكان ﷺ يرخص في النيابة في الحج وسأله رجل فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير وقد أدركته فريضة الحج ولا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن فقال رسول الله ﷺ: "حج عن أبيك واعتمر".
وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: قلت يا رسول الله، هل على النساء من جهاد؟ قال: "نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة". وكان جابر يقول: سئل رسول الله ﷺ عن العمرة أواجبة هي؟ قال: "لا، وأن تعتمروا هو أفضل". وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لولا أني لم أسمع من رسول الله ﷺ في العمرة شيئًا لقلت العمرة واجبة. وكان قتادة -رضي الله عنه- يقول: استقر الأمر من أكثر الصحابة -رضي الله عنهم- على وجوب العمرة كالحج".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مكرمنا بشريعته الغَرَّاء وبيانها على لسان خير الورى سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في مسيرهم، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد، فيواصِل الشيخ -عليه رحمة الله- ما يتعلق بالحج والعمرة من الأحكام، وذكر في هذه الفقرات ما يجوز من الإجارة في الحج -الاستئجار والإجارة وكذلك التجارة-، وذلك ليس هو المقصود الأصل، ولكن يُعمَل لأجل الكفاية والعفاف؛ فيعفّ نفسه عن المسألة. فقد عِيب على أقوام يقولون أنهم متوكلون ثم يذهبون للحج ويسألون الناس، فأنزل الله:(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ)[البقرة:198].
إذًا فيمكن أن يستأجر ويؤجِّر نفسه، يعني: يعمل بأجرة، أو يؤجر شيئًا من متاعه للحج من أجل أن المردود لتلك الإجارة يصرفه في شؤون الحج، وفيما يحتاج له في إقامة هذه الفريضة؛ أو لأمر يتعلق بمهمٍّ في الدين وما إلى ذلك. وهذا بإخلاص يُقصد به وجه الله -تعالى- لا يغير عليه شيء؛ كونه استعمل الإجارة أو التجارة في أثناء الحج وليس مقصوده من السفر التجارة؛ ولكن مقصوده أن يحج بيت الله لأنه ليس عنده من المال ما يكفيه لنفقته؛ فيتّجر لأجل أن يعفّ نفسه ويأتي بالكفاية، ففي هذا جاء الترخيص.
وأما أن يكون الدافع للذهاب إلى أداء هذه المناسك نفس التجارة؛ أو نفس الإجارة لتحصيل أرباح وما إلى ذلك؛ فهذا يناقض الإخلاص في الحج وفي العمرة، ويصرف وجه قلب الشخص عن قصد إرادة الله -تبارك وتعالى-، أما إذا لم يكن هو المقصود، ولكن الحامل والدافع إرادة الحج وإرادة العمرة واتخذ هذا وسيلة، فلا إشكال في ذلك.
"وكان ﷺ يرخص في كراء الرجل نفسه في طريق الحج، وجاءه رجل مرة فقال: يا رسول الله إنا نكري الناس ونحملهم إلى مكة والناس يزعمون أنه ليس لنا حج، -يعني: إنما تذهبون من أجل أن تحصلوا الأجرة- فسكت النبي ﷺ حتى نزلت: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ). فدعا الرجل وقال: بل أنتم حجاج، وسأل رجل ابن عباس -رضي الله عنهما- فقال: إني أكري نفسي إلى مكة وقد زعم الناس أنه ليس لي حج؟ فقال: بل أنت ممن قال الله فيهم: (أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا)" قال: إذا فعلت المناسك فأنت حاج، هذه المسألة متعلقة بالكسب، سواء إجارة أو تجارة أو نحوها.
والمسألة الثانية يتكلم عنها: النيابة في الحج، "وكان ﷺ يرخص في النيابة في الحج" يعني: ينيب غيره ليحج عنه.
فالحج عن الغير:
وقد استدل الجمهور بما جاء في السنة:
فدلت الروايتان على أن الحج عبادة تقبل النيابة.
وكذلك استدلوا من جهة العقل:
يقول : "وكان ﷺ يرخص في النيابة في الحج وسأله رجل فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير وقد أدركته فريضة الحج ولا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن فقال رسول الله ﷺ: "حج عن أبيك واعتمر"، هكذا في رواية الترمذي والنسائي وأبي داود. فهذا فيما يتعلق بالإحْجاج، أن يطلب من يحُج عنه، فلا يصح ذلك إلا ممن عجز عن الحج بنفسه، فيحج غيره عنه، يستأجر غيره ليحج عنه.
يقول الصاحبان لأبي حنيفة، وكذلك عند الشافعية والحنابلة: أنه لا يمكنه أن يستأجر أحد يحج عنه إلا إن كان هو بنفسه عاجزًا، أما إن كان هو قادرًا أن يذهب للحج فلا يجوز أن يستنيب عنه أحدًا يحج عنه.
ويقول: من وجب عليه الحج وهو قادر على الحج بنفسه، ثم حضره الموت:
والشرط كذلك عند الشافعية والحنابلة:
وهكذا عند المالكية القول عندهم بأن الحج واجب على التراخي. وكذلك عند الشافعية واجب على التراخي، لكن لا يصح أن يحج عن غيره حتى يحج عن نفسه عند الشافعية.
واستدلوا:
فما دام معضوبًا عاجزًا بنفسه وهو في الحياة، لا يجوز أن يُحَجَّ عنه إلا بأمره، فإذا مات صار الحج دينًا في ذمته، ولكن كما سمعت، قال الحنفية والمالكية: إذا مات لم يُحَج عنه إلا إن أوصى.
لكن يقول الشافعية والحنابلة: من مات وعليه الحج فهو كأنه عليه دين، واجب الإحْجاج عنه من تركته، سواءٌ أوصى أم لم يوصِ، لعموم قوله ﷺ: "فدين الله أحق بالقضاء".
فإذا لم تكن له وِرْثَة:
بعد ذلك يذكر الجهاد للنساء، "قالت عائشة -رضي الله عنها- تقول: قلت يا رسول الله، هل على النساء من جهاد؟ قال: "نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة"، أي: يدركن به ثواب الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى.
كما جاء في مسند الإمام أحمد وعند ابن ماجه يقول: "وكان جابر يقول: سئل رسول الله ﷺ عن العمرة أواجبة هي؟ قال: "لا، وأن تعتمروا هو أفضل"..
اختلافهم في العمرة هل هي واجبة:
ثم كان الاستدلال:
وأُجيب في حديث جابر هنا حين "سئل رسول الله ﷺ عن العمرة أواجبة هي؟ قال: "لا، وأن تعتمروا هو أفضل"، هذا الحديث في الترمذي وعند الإمام أحمد في المسند والدارقطني.
"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لولا أني لم أسمع من رسول الله ﷺ في العمرة شيئًا لقلت العمرة واجبة. وكان قتادة -رضي الله عنه- يقول: استقر الأمر من أكثر الصحابة -رضي الله عنهم- على وجوب العمرة كالحج"، وهو الذي عليه الشافعية والحنابلة أنه يلزم المستطيع الحج والعمرة، وكلاهما في العمر مرة.
الْحَجُّ فَرْضٌ وَكَذَاكَ الْعُمْرَهُ *** لَمْ يَجِبَا فِي الْعُمْرِ غَيْرَ مَرَّهْ
والله أعلم.
رزقنا الله الاستقامة، وأتحَفنا بالكرامة، وأحيا فينا سنن نبينا وهديه الكريم، ويثبتنا على صراطه المستقيم، وأحيا فينا وفي الأمة العلوم النافعات ورزقنا الفهم عنه فيما أوحى إلى حبيبه مما بيّنه ﷺ ودلّ عليه في سنته الكريمة، وأصلح شؤون أمته وفرّج كروْب أمته ودفع البلاء عنهم.
بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ
إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ
اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
الْفَاتِحَة
28 ربيع الأول 1447