كشف الغمة 350- كتاب الصيام (27) فرع في جواز الفطر عن صوم التطوع

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 350- كتاب الصيام (27) فرع في صوم المرأة تطوعا وجواز الفطر عن صوم التطوع

صباح السبت 14 ربيع الأول 1447هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  حكم الفطر عن صوم التطوع
  •  حديث أم حرام
  •  كراهة قطع الصوم بغير عذر
  •  أعذار قطع صوم التطوع
  •  هل يقضى صوم التطوع؟
  •  كيف تضيف الصائم ؟
  •  قول النبي لعائشة وحفصة بالفطر
  •  فطر سيدتنا أسماء عند وفاة أبي بكر

نص الدرس المكتوب: 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبسندكم المتصل إلى الإمام أبي المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني -رضي الله تعالى عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)، إلى أن قال:

فرع: في جواز الفطر من صوم التطوع 

كان رسول الله ﷺ يفطر تارة من صوم التطوع وتارة لا يفطر، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: "رأيت رسول الله ﷺ دخل على أم حرام -رضي الله عنها- فقدمت إليه تمراً وسمناً فقال ردوا هذا في وعائه وهذا في سقائه فإني صائم"، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول كان رسول الله ﷺ يقول: "صوموا تصحوا"، وكان ﷺ لا يأمر أحداً أفطر من صوم تطوع بشيء، وكان ﷺ يقول: "المتطوّع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر"، وفي رواية: "إنما مثل صوم المتطوّع مثل الرجل يخرج صدقته فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها"، وكان ﷺ كثيراً ما يفطر من صوم التطوع بعد أن نواه، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- وابن عباس وحذيفة وأبو الدرداء وأبو طلحة وغيرهم -رضي الله عنهم- كثيرا ما يدخلون البيت فيقولون لأهلهم: هل عندكم طعام؟ فإن قالوا لا قالوا: إنا صائمون يومنا هذا. 

وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: إذا دعي أحدكم إلى طعام فليقل إني صائم ولا يقل لا آكل، وكان ﷺ يقول: "من نزل بقوم فلا يصومن إلا بإذنهم وإذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطراً فليطعم وإن كان صائماً فليُصَلِّ يعني يدعُ". 

وكان ﷺ يقول: "تحفة الصائم الزائر أن تُغَلِّف لحيته وتُجَمَّر ثيابه ويُذَرَّر، وتحفة المرأة الصائمة الزائرة أن تمشط شعرها وتجمر ثيابها وتذرُّر"ش، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- "دخل رسول الله ﷺ مرة على أم هانئ -رضي الله عنها- فشرب ﷺ ثم ناولها لتشرب فشربت ثم قالت إني صائمة ولكن كرهت أن أرد سؤرك، فقال ﷺ: "إن كان قضاء من رمضان فاقضي يوماً مكانه وإن كان تطوعاً فإن شئت فاقضه وإن شئت لا تقضي"، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "أهدت لنا حفصة طعاماً وكنا صائمين فأفطرنا ثم دخل رسول الله ﷺ: فقلنا يا رسول الله إن حفصة أهدت لنا هدية واشتهيناها فأفطرنا، فقال رسول الله ﷺ: "لا عليك صومي مكانه يوماً آخر"، قالت عائشة -رضي الله عنها- ولما حضرت أبا بكر الوفاة أوصى أسماء بنت عميس أن تغسله وكانت صائمة فعزم عليها لتفطرن وقال: لأنه أقوى لك، وكان ﷺ يأمر الصائم تطوعاً إذا قدم عليه ضيف أن يفطر ويأكل مع ضيفه ويقول: "إن لزائرك عليك حقاً". 

 

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتك، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

 

الحمد لله مكرمنا ببيان الشريعة على لسان عبده المصطفى صاحب الوَجاهات الوسِيعة، اللهم أدم صلواتك على المختار سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومن والاهم فيك واتبعهم بإحسان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وأصحابهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وعلى جميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

يتحدث عليه -رحمة الله تبارك وتعالى عن جواز الفطر من صوم التطوع

  • وذلك عند الشافعية والحنابلة مطلقًا يجوز له:
    • فإن أفطر من صوم التطوع بغير عذر لم يكن له فيما مضى أجر، وجاز له الفطر وليس عليه قضاء ولا كفارة.
    • وإن كان أفطر بعذر أُجِرَ على ما مضى من صيامه؛ هذا عند الشافعية والحنابلة. 
  • وأما عند الحنفية والمالكية: فإنه لا يجوز للصائم أن يفطر إلا بعذر وإن كان في التطوع، إذا شرع في التطوع لَزِمَ عندهم الصوم بالشروع فيْه، كالحج والعمرة عند الشافعية وغيرهم؛ أنه إذا ابتدأ فيهما وإن كانتا تطوعًا لَزِمَتَاه، ويجب عليه أن يكمل العمرة ويجب عليه أن يكمل الحج وإن كان تطوعًا، ولا يجوز أن يقطعه ويقول إنما هو نفل وإنما هو سنة.

 

فهكذا يقول: "كان رسول الله ﷺ يفطر تارة من صوم التطوع وتارة لا يفطر"؛ ليبين الجواز عليه الصلاة والسلام كما ذهب إليه الشافعية والحنابلة. 

 

وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: "رأيت رسول الله ﷺ دخل على أم حرام -عليها رضوان الله تبارك وتعالى-،  فقدمت إليه تمراً وسمناً فقال: ردوا هذا في وعائه وهذا في سقائه فإني صائم"، وهذا أيضًا لسقوط الكُلفة بينه وبين أم حَرَام وهي مَحْرَمٌ له؛ لأن ذلك أيضًا لا يؤذيها ولا يوقِعُ في نفسها شيء، فإذا علمت أنه صائم ردّت ما عندها من الطعام بطيب نفسٍ ولم تتأثر، فلذلك لم يفطر ﷺ وقال: "ردوا هذا في وعائه وهذا في سقائه فإني صائم"، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وبه -كما سمعت- أخذ الحنفية والمالكية أن صوم التطوع يلزم بالشروع فيه، فإذا شرع فيه وابتدأ يجب عليه أن يتمه، واستدلوا بأحاديث من مثل هذا، ومن مثل قوله ﷺ كما جاء في صحيح مسلم: "إِذا دُعِيَ أَحدُكم فَلْيُجِبْ، فإنْ كانَ صائمًا فلْيُصلِّ، وإنْ كانَ مُفطِرًا فلْيَطْعَمْ"، معنى "فلْيُصلِّ": يدعو لهم، يذهب إلى عندهم ويدعو لهم، وتكون هذه إجابة دعوتهم. 

فقالوا: لو كان الفطر جائزًا لكان الأفضل الفطر لإجابة الدعوة؛ فاستدلوا على وجوب إتمام الصوم. 

 

قال: "وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "صوموا تصحوا"، وكان ﷺ لا يأمر أحداً أفطر من صوم تطوع بشيء".

وبالأحاديث الأخرى استدل الشافعية والحنابلة أنه لا يلزم صوم التطوع بالشروع فيه، ولا يجب عليه إذا أفطر -فقطع الصوم- شيء، مثل رواياته في الحديث أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "يا رَسولَ اللهِ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقالَ: أَرِينِيهِ، فَلقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا -قالت:- فأكَلَ"، هذا جاء عند مسلم، وزاد النسائي -عليه رحمة الله- في روايته: "إنما مثلُ صومِ المُتطوِّعِ مثلُ الرجلِ يخرجُ من مالِه الصدقةَ فإن شاء أمضاها وإن شاء حبَسها"، ويروى عنه ﷺ أنه قال: "الصَّائمُ المتطوِّعُ أمينُ نفسِهِ -وفي رواية: أميرُ نفسِه- إن شاءَ صامَ وإن شاءَ أفطرَ".

 

ثم يقول أيضًا الشافعية والحنابلة: 

  • أنهم مع جواز الفطر فيُكره لغير عذرٍ أن يقطع الصوم خروجًا من خلاف من أوجبه، ولئلا يبطل عمله لقول الله تعالى: (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) [محمد:33].

 

وذكر الحنفية والمالكية من الأعذار لجواز الفطر من صوم التطوع: 

 

  • إذا حلف على الصائم صاحبُ الطعام بطلاق امرأته إن لم يفطر، فحينئذ يُفطر. 
  • وقال الحنفية: حينئذٍ يندب له الفطر لدفع تأذي أخيه المسلم؛ ولكن قيَّدَ الحنفية ذلك بما قبل نصف النهار، أما ما بعده فما يجوز له ما بقي إلا القليل.
  • ومن الأعذار التي يذكرها الحنفية: الضيافة للمضيِّف وللضيف، إذا كان صاحبها ممن لا يرضى بمجرد الحضور؛ ولكن قالوا: شريطة أن يثق من نفسه بالقضاء، عليه القضاء عندهم. 

 

القضاء في صوم التطوع:

  • وقال الحنفية: يجب القضاء عند إفساد الصوم مطلقًا، أي: بقصد أو بغير قصد،؛ حتى لو أنها صامت تطوعًا فجاءها الحيض، ما عليها شيء بطل صومها ولكن عليها القضاء، فعندهم القضاء عام في كل صوم فسد.
  • إلا ما هو معلوم من صيام يومي العيدين وأيام التشريق، فإنه لا يصح الصوم من أصله، ولو صام فأفطر لم يلزمه القضاء؛ لأنه إنما ينبني وجوب القضاء على وجوب الصوم، والصوم نفسه باطل بالنسبة لأَيام العيدين. 
  • ويقول المالكية: لا يلزم القضاء إلا لمن أفطر عمدًا، أما من جاءها الحيض ومن نسي وما إلى ذلك فلا قضاء عليه. 
  • وقد علمنا قول الشافعية والحنابلة: أنه لا قضاء مطلقًا على من أفطر في صوم تطوع، لكن يسن ويندب له القضاء. وعليه يُحمل ما جاء في الحديث من أمرِه لسيدتنا عائشة ومن معها أن يقضوا يومًا مكانه، وكان أمره ندبًا، أي: ذلك للندب.

 

وقوله: "صوموا تصحوا"؛ للإشارة إلى أن للصوم أثرًا في تقويم صحة البدن كما له أثر في تقويم صحة القلب. 

"وكان ﷺ لا يأمر أحداً أفطر من صوم تطوع بشيء"، وكان ﷺ يقول: "المتطوّع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر"، وفي رواية: "إنما مثل صوم المتطوّع مثل الرجل يخرج صدقته فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها".

"وكان ﷺ كثيراً ما يفطر من صوم التطوع بعد أن نواه، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- وابن عباس وحذيفة وأبو الدرداء وأبو طلحة وغيرهم -رضي الله عنهم- كثيرا ما يدخلون البيت فيقولون لأهلهم: هل عندكم طعام؟ فإن قالوا لا قالوا: إنا صائمون يومنا هذا". 

"وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: إذا دعي أحدكم إلى طعام فليقل إني صائم ولا يقل لا آكل".

وكان ﷺ يقول: "من نزل بقوم فلا يصومن إلا بإذنهم -إذا نزل ضيف عند أحد فينبغي أن لا يُحدث صومًا حتى يشعرهم ويخبرهم ويستأذن منهم.- وإذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطراً فليطعم وإن كان صائماً فليُصَلِّ يعني يدعُ". 

 

يقول: وكان ﷺ يقول: "تحفة الصائم الزائر.." إذا جاء عندك صائم؛ هو زائر لك ولكنه صائم، فبماذا تكرمه؟ قال: "أن تُغَلِّف لحيته وتُجَمَّر ثيابه ويُذَرَّر"، أي: يُطيَّب بالذرور. وكذلك المرأة إذا زارت وهي صائمة، قال: وتحفة المرأة الصائمة الزائرة أن تُمَشَّط شعرها وتُجَمَّر ثيابها وتُذَرَّر" أي: يجعل عليها الذرور من الطيب. 

 

وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- "دخل رسول الله ﷺ مرة على أم هانئ -رضي الله عنها- فشرب ﷺ ثم ناولها لتشرب فشربت، ثم قالت: إني صائمة ولكن كرهت أن أردَّ سؤرك" -يا رسول الله- كنت صائمة ولكن لما ناولتني الماء بعد أن شربت منه كرهت أن أرد سؤرك والماء الذي قد شربت منه، فقال ﷺ: "إن كان قضاء من رمضان فاقضي يوماً مكانه وإن كان تطوعاً فإن شئت فاقضه وإن شئت لا تقضي"، وفيه بيان ما ذهب إليه الإمام الشافعي والإمام أحمد، أن الصائم بالتطوع إذا أفطر يسن له القضاء، إن شاء قضى وإن شاء لم يقضِ؛ بخلاف من كان في صوم واجب فإنه إذا أفطر فعليه القضاء.

 

وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "أهدت لنا حفصة طعاماً وكنا صائمين" وفي رواية أن واحدة معها كانتا صائمتين، فأفطرنا ثم دخل رسول الله ﷺ: فقلنا يا رسول الله إن حفصة أهدت لنا هدية واشتهيناها فأفطرنا، فقال رسول الله ﷺ: "لا عليك صومي مكانه يوماً آخر"، أي: على سبيل الندب. 

"قالت عائشة -رضي الله عنها- ولما حضرت أبا بكر الوفاة أوصى أسماء بنت عميس أن تغسله -وكانت زوجته- وكانت صائمة فعزم عليها لتفطرن -لماذا؟-وقال: لأنه أقوى لكِ" على إحسان الغسل وأداؤه بسننه، لما علم من معرفتها بسنن الغسل للميت وهي زوجته فاختار أن تتولى تغسيله. 

 

وكان ﷺ يأمر الصائم تطوعاً إذا قدم عليه ضيف أن يفطر ويأكل مع ضيفه ويقول: "إن لزائرك عليك حقاً"، نعم، وهذا أيضًا كما سمعت أنه من الأعذار عند من يوجب صوم التطوع، يقول إذا نزل به ضيفٌ أو ضُيِّفٌ فألح عليه، أو حلف عليه صاحب الضيافة أن يأكل، أو حلف بطلاق أهله، فحينئذٍ يندب له أن يساعده حتى لا يتأذى بسبب صومه، والله أعلم.

 

رزقنا الله الاستقامة وأتْحفنا بالكرامة، ورزقنا الإنَابة والخشية، ورزقنا الاهتداء والاقتداء بسنة حبيبه محمد ﷺ وبارك وكرم عليه وعلى آله في جميع شؤوننا وأحوالنا، وبلغنا بِه من الخيرات فوق آمالنا في دنيانا ومآلنا، وأصلح شؤون أمته، وتفرج كروب أمته، وادفع البلاء عن أمته، واجعلنا في خيار أمته وأبرك أمته ومن أسعد أمته به وبقربه وشفاعته ونصرته وخدمته وخدمة شريعته وسنته ومنهجه وهديه في لطف وعافية.

 

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه

 وعلى آله وأصحابه

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

16 ربيع الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

07 سبتمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام