(535)
(339)
(363)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 342- كتاب الصيام (19) باب في صوم التطوع
صباح الأحد 2 صفر الخير 1447هـ
باب صوم التطوع
"كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم"، وكان ﷺ يقول: "من صام رمضان ثم أتبعه بعد الفطر ستاً من شوال كان كصيام الدهر"، فإن الله تعالى جعل الحسنة بعشر أمثالها فشهر بعشرة أشهر وستة أيام بشهرين فذلك تمام السنة، وفي رواية: " صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة فكأنما صام السنة كلها"، وفي رواية: "خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
فرع: في صوم عشر ذي الحجة
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ يصوم عشر ذي الحجة، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: ما رأيت رسول الله ﷺ صائماً في العشر قط".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته، عبده وصفوته، سيدنا محمّد صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وصحابته وأهل وَلائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خِيرة الرحمن في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الباب صوم التطوع.
صوم التطوع: هو ما عدا ما فرض الله -تبارك وتعالى- بالأصل كرمضان على جميع المكلفين المُطيقين، وما جاء لكفارة أو كان بالنذر، وما عدا ذلك فالتطوُّع.
والتقسيم عند الأئمة -عليهم رضوان الله تعالى-:
فالصوم عندهم مسنون ومندوب ونفل، فالمسنون يوم تاسوعاء وعاشوراء، والمندوب ما ورد فيه غير ذلك من غير تاسوعاء وعاشوراء، وفيه فضل وثواب من مثل صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم الإثنين والخميس، وصوم ست من شوال، وصوم داود، وما عدا ذلك فهو النفل.
يقول: كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم". قال: أخرجه ابن ماجة.
"زكاة الجسد" يعني: ما يقضي بتنميته وحفظه وكلاءته وصحته؛ لأن الزكاة النماء والتطهير، فالصوم للجسد مطهرٌ أيضًا ومنَمٍّ. "صوموا تصحوا"، وزكاة الجسد الصوم، فتركه للشهوات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فيه تزكية وتنمية وصلاح للجسد من حيث الظاهر ومن حيث الباطن.
وكان ﷺ يقول: "من صام رمضان ثم أتبعه بعد الفطر ستاً من شوال كان كصيام الدهر".
فإذا كان الصوم تطوع على كل المصطلحات المذكورة عند الأئمة، فمتى وقته؟
ثم متى آخر وقت النية؟
علمنا هذا، وأن المالكية يقولون؛ لابد من تبييت النية، والحنفية يقولون: إلى الضحوة الكبرى، وأن الشافعية يقولون: إلى الزوال، فقال الحنابلة: ما دام جزء النهار موجودًا يكفي ولو بعد الزوال.
ثم إن التعيين في النية لأجل الثواب المخصوص، فإذا صام ونوى صومًا مطلقًا فله ثواب عموم الصوم، لكن إذا كان يوم عاشوراء، أو يوم تاسوعاء، أو ست من شوال، أو غير ذلك مما ورد، فينبغي أن يعيّنه، يقول: نويت صوم كذا، يوم عاشوراء أو ست من شوال وهكذا..، حتى يحصل له الثواب المخصوص على ذلك الصوم، أو صوم غدٍ من أيام البيض إلى غير ذلك.
وكلام الإمام النووي: ينبغي أن يُشترط التعيين في الصوم المرتَّب كصوم عرفة؛ ولكن المعتمد أيضًا أنه إذا نوى الصوم في ذاك اليوم وقع عن ذلك اليوم بفضله وما فيه، فهذا الذي قرّره أكثر الشافعية مع قول الإمام النووي أنه ينبغي أنه يجب التعيين لإدراك ثواب الصوم المعين، على كل حال فالتعيّين أولى.
فإذا كان عليه قضاء من رمضان، فهل يجوز أن يتطوّع بشيء من أنواع الصوم؟
وما لم يكن متعلّقًا بثواب مخصوص فيكفي فيه نية الصوم المطلقة، إطلاق نية الصوم تصح بنية مطلقة.
علمنا ما مال إليه النووي من الشافعية وما قرّره الأكثر، وذكر لنا صوم ست من شوال، فالمالكية والشافعية والحنابلة ومتأخروا الحنفية يقولون: إنه يسن صوم ستة أيام من شوال بعد صوم رمضان، للحديث الذي في صحيح مسلم: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر"، فصيام شهر رمضان بعشرة أشهر "فإن الله تعالى جعل الحسنة بعشر أمثالها فشهر بعشرة أشهر وستة أيام -بعد العشرة أشهر- بشهرين فذلك تمام السنة"، لأن الستة بستين يومًا، فأكملت اثني عشر شهر، عشرة واثنين صار اثنا عشر شهرا، فهو صوم سنة، فكأنه صام السنة، فذلك تمام سنة، هكذا عند الإمام الدّارمي بسند صحيح: "صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعده -يعني: من شوال- بشهرين، فذلك تمام السنة". وهو يفسّر قوله في الرواية الأخرى: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر"، أي: العام كله.
يقول الشافعية والحنابلة كذلك: إن صيام الست من شوال يُعَدُّ كصيام الفرض، وأن الثواب "فكأنما صام الدهر" -أي: السنة-، قالوا: أي فرضًا، وثواب الفرض يزيد على ثواب النفل بسبعين درجة، فلا يُعَدُّ تطوعًا ولا سنة ولا نفلًا، بل له خصوصية ست من شوال أن يكون كأنها فرض، فيُكتب له ثواب صيام سنة فرضًا.
صيام ست من شوال متتابعة او متفرقة قالوا:
أكثر المالكية يقولون: يُكره صومها متصلة برمضان متتابعة.
وكما سمعت أيضًا من قول الإمام مالك: لمن يُقتدى به ينبغي ألا يبادر ويظهر، لئلا يعتقد العامة فرضيتها، ففي الأمر سعة، "وأتبعه ستًا من شوال".
يقول: "من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة فكأنما صام السنة كلها"، وهذا أيضًا أخرّجه الإمام أحمد في مسنده، وفي رواية: "خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، وجاءت أيضًا عدة روايات في ثواب "من صام ستًا من شوال بعد صوم رمضان".
أما عشر ذي الحجة، فقد وردت فيها أحاديث كثيرة، أورد حديث السيدة عائشة، فهو محمول على اطلاعها هي -أنها لم تطلع-، وأنه قد كان يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة من لياليها بقيام ليلة القدر، كما جاء في أحاديث، بل ورد عنها نفسها السيدة عائشة صوم يوم عرفة وهو أحد العشر، وحتى أنها أنكرت على مسروق مولاها لما طلب السُقيا وكان يوم عرفة، فقالت له: أما أنت بصائم يا مسروق؟ قال: إني خشيت أن يكون يوم النحر اليوم. قالت: ليس ذاك، إن يوم عرفة يوم يعرِّف الإمام، ويوم النحر يوم ينحر الإمام. أما سمعت -أو ما علمت- أنا كنا نعده بصيام ألف يوم؟! -أي:صيام يوم عرفة، وفي رواية: بصيام عشرة آلاف يوم.
صوم يوم عرفة أعظم أيام العشر، وأُطلق عليها "العشر" مع أن العاشر لا صوم فيها وهو يوم العيد محرم فيه الصوم، ولكن لتتابعها في المنزلة والفضيلة أُطلق العشر عليها: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ [الفجر:1-3] ويتضاعف ثواب العمل الصالح فيها بما في يوم العيد، إنما الصوم يحرم في يوم العيد ويُسن ما قبله، وآكدها يوم التاسع.
رزقنا الله حسن التطوع وحسن التتبع لسنة المشفَّع في كل نية وقصد وقول وفعل وحركة وسكون، حتى يثبتنا فيمن يهدون بالحق وبه يعدلون، مع عطايا كبيرة ومِنَن وفيرة وعفو وعافية، وتوفيق واستقامة، وأتحفنا بأنواع الكرامة، وعفو وغفران وصلاح كل شأن.
ومغفرة تامة لحبيبنا حسن بن عبدالله بن إبراهيم السقاف، وسلمان الفراسي بن محمد بن قاسم بن راقبة، ويغفر لهم ويرحمهم، ويتجاوز عنهم ويجعل قبورهم روضة من رياض الجنة، ويجعل لهم من العذاب وِقاية وجُنّة، ويثبتهم بالقول الثابت، ويجعل مستقر أرواحهم في الفردوس الأعلى، ويخلف في أهليهم بالخلف الصالح، ويظلهم بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ويوردهم على الحوض المورود مع أهل الورود، ويتقبل جميع حسناتهم ويضاعفها، ويعفو عن جميع سيئاتهم ويبدلها إلى حسنات تامات، ويتحمّل عنهم وعنا جميع التبعات، ويختم لنا بأكمل حسن الخاتمات.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
اللهم صلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
03 صفَر 1447