(535)
(339)
(363)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 336- كتاب الصيام (13) فصل في كفارة الجماع في نهار رمضان
صباح الأحد 18 محرم 1447هـ
فصل في كفارة الجماع في نهار رمضان
"كان رسول الله ﷺ يأمر بالكفارة من أفسد صومه في نهار رمضان بالجماع ويقول له : "أعتق رقبة، فإن قال لا أجد قال صم شهرين متتابعين، فإن قال لا أستطيع قال أطعم ستين مسكيناً" ، وتارة يقول له: "صم يوماً آخر مع الإطعام"، وقال أبو هريرة -رضي الله عنه- : "جاء رجل إلى رسول الله ﷺ مرة فقال: يا رسول الله أفطرت في رمضان، فقال: أعتق رقبة أو صم شهرين متتابعين أو أطعم ستين مسكيناً"، قال شيخنا وليس في هذه الرواية تقييد بجماع، وفي رواية: "أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله ما على من أفطر يوماً من رمضان في الحضر فقال عليه أن يهدي بدنة وجاء رجل إلى رسول الله ﷺ وقد وقع على امرأته فقال: يا رسول الله أتيت أهلي في رمضان فأمره بكفارة الظهار فلم يجده ﷺ يقدر على خصلة من الثلاث فقال له: اجلس فأتى النبي ﷺ بعرق فيه تمر والعرق المكتل الضخم فقال له: تصدق بهذا على المساكين فقال: على أفقر منا يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا فضحك النبي حتى بدت نواجذه ثم قال اذهب فأطعمه أهلك واستغفر الله تعالى "، وفي رواية: "فاقض يومًا مكانه واستغفر الله" من غير ذكر إطعام، وقال سعيد بن المسيب: وكان في ذلك العرق من التمر ما بين خمسة عشر صاعاً إلى عشرين صاعا.
وكان الزهري -رضي الله عنه- يقول : كان ذلك رخصة لذلك الرجل خاصة، فلو أن رجلاً فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير، ووقع عمر -رضي الله عنه- مرة على جارية له وهو صائم نفلاً فاستفتى من حضره من الصحابة فقالوا: جئت حلالاً ويوماً مكان يوم ، فقال عمر: الحمد لله، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: من أفطر يوماً من رمضان متعمداً بغير جماع صام يوماً مكانه واستغفر الله تعالى، فقيل له: أليس في ذلك كفارة؟ فقال: لم أسمع من رسول الله ﷺ شيئاً في ذلك، وكان عطاء وغيره يقولون من جامع ناسيا في رمضان فلا قضاء ولا كفارة، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: الكفارة على الزوجين".
قال شيخنا ويؤيده ما جاء في رواية: "جاء رجل فقال يا رسول الله هلكت وأهلكت"، والله سبحانه وتعالى أعلم."
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمِنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريّته، عبده وحبيبه وصفوته، سيّدنا محمّد صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن -سبحانه وتعالى- من بريّته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين أهل محبته ومودته، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الفصل ما يجب من الكفارة على من جامع أهله في نهار رمضان، وقال: كان رسول الله ﷺ يأمر بالكفارة من أفسد صومه في نهار رمضان بالجماع ويقول له : "أعتق رقبة، فإن قال لا أجد قال صم شهرين متتابعين، فإن قال لا أستطيع قال أطعم ستين مسكيناً" ، وتارة يقول له: "صم يوماً آخر مع الإطعام"، وهكذا في رواية ابن ماجة.
يقول: "وقال أبو هريرة -رضي الله عنه- : "جاء رجل إلى رسول الله ﷺ مرة فقال: يا رسول الله أفطرت في رمضان، فقال: أعتق رقبة أو صم شهرين متتابعين أو أطعم ستين مسكيناً"، قال شيخنا وليس في هذه الرواية تقييد بجماع".
وهذه الكفارة واجبة على من أفطر في نهار رمضان بجماع.
فهذا عند الأئمة كلهم:
وهل مع الكفارة القضاء أيضاً؟
ولا خلافَ في أنَّ أيضًا صوم المرأة يفسد بالجماع بإجماع الفقهاء، لكن هل عليها الكفارة أو لا؟
فهذا فيما يتعلق بالمرأة، أما بطلان الصوم فبالإجماع، كلهم يقولون: بطل صوم الرجل وصوم المرأة، وإنما الكفارة تلزم مَن؟
ثم إنّا علمنا أن القضاء والكفارة:
عند الحنفية والمالكية تلزم بتعمّد الأكل وتعمّد الشرب؛ والحنفية يجعلون ضابطه وصول ما فيه صلاح بدنه لجوفه، إما بأن يكون مما يُؤكل عادة على قصد التغذي أو التداوي أو التلذّذ. وإن لم يكن فيه صلاح البدن بل فيه ضررٌ مثل الدخان، تلزم فيه الكفارة، وإن كان ما فيه صلاح البدن، ولكنه فيه لذة لبعض النفوس المنحرفة تلتذ به، فيلزمه القضاء والكفارة.
ويقول المالكية: تكون الكفارة في إفساد صوم رمضان خاصةً، عمداً قصداً لانتهاك حرمة الصوم.
وهكذا علمنا ما يقولون في شرب الدخان مع أنه أيضاً مختلفٌ فيه، أو لأنه قد يفتّر، وفي الحديث الذي جاء بسند ضعيف عند أبي داوود يقول: عن أم سلمة أنها قالت: "نهى رسول الله ﷺ عن كل مسكر ومفتّر".
ولذلك اختلفوا في حرمته، حرمة تناول الدخان -شرب الدخان- أو في كراهته، فقيل: هو حرام، وقيل: هو مكروه.
واستدل هؤلاء بمثل ما رُوي أنه ﷺ جاءه رجل أفطر في رمضان فأمره أن يعتق رقبةً -وفي رواية أيضاً- روي أنه ﷺ قال: "من أفطر في رمضان فعليه ما على المُظاهِر".
فأما الشافعية والحنابلة فحملوه على من أفطر بالجماع فقط دون غيره. وعمّمه المالكية والحنفية فقالوا: بأي مفطرٍ تعمّد في نهار رمضان فعليه القضاء وعليه الكفارة. فقالوا: إن الكفارة تتعلّق بالإفساد لهتك حرمة الشهر الكريم، وأما مذهب الشافعية والحنابلة أنه يجب القضاء إذا أفسد صومه بغير الجماع ولا تلزمه الكفارة.
يقول: "وفي رواية: "أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله ما على من أفطر يوماً من رمضان في الحضر فقال عليه أن يهدي بدنة وجاء رجل إلى رسول الله ﷺ وقد وقع على امرأته فقال: يا رسول الله أتيت أهلي في رمضان فأمره بكفارة الظهار فلم يجده ﷺ يقدر على خصلة من الثلاث فقال له: اجلس فأتى النبي ﷺ بعرق فيه تمر والعرق المِكْتل الضخم، -وكان يسعُ ستين مدًّا- فقال له: تصدق بهذا على المساكين فقال: على أفقر منا يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها -يعني: طرفي المدينة المنورة- أهل بيت أحوج إليه منا -نحن أفقر أحد- فضحك النبي حتى بدت نواجذه ثم قال اذهب فأطعمه أهلك واستغفر الله تعالى"، فكأنه رآه أنه صاحب حاجة وفقر، فهو كالعاجز عن الإطعام، فما عنده؛ فما يقدر على شيء، وقال له: استغفر الله -تبارك وتعالى-، وهكذا إلى أن يستطيع شيئاً من الثلاثة، فحينئذٍ عليه يطعمهم، والآن ما دام ما عنده شيء خلاص. وقيل: إن هذه خصوصية له من رسول الله ﷺ أعطاه إياه، وقال له: هذا لك، أطعمه أهلك، كلْه أنت وأهلك، ووقع موقع الكفارة بتشريعِهِ له خاصةً ﷺ، "وفي رواية: "فاقض يومًا مكانه واستغفر الله" من غير ذكر إطعام".
"وقال سعيد بن المسيب: وكان في ذلك العرق من التمر ما بين خمسة عشر صاعاً إلى عشرين صاعا"، فإذا كانت خمسة عشر صاعاً، فالصاع: أربع أمداد، فأربعة في خمسة عشر بستين، أربعة في عشرة بأربعين، وأربعة في خمسة بعشرين، فوق الأربعين ستين، ستين مُدّاً، فهي تُطعِم ستين مسكيناً، كل مسكين مُدّ.
"وكان الزهري -رضي الله عنه- يقول : كان ذلك رخصة لذلك الرجل خاصة، فلو أن رجلاً فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير، ووقع عمر -رضي الله عنه- مرة على جارية له وهو صائم نفلاً فاستفتى من حضره من الصحابة فقالوا: جئت حلالاً ويوماً مكان يوم، -على سبيل الندب يقضي، لأنه يجوز له أن يفطر عند الجمهور- فقال عمر: الحمد لله، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: من أفطر يوماً من رمضان متعمداً بغير جماع صام يوماً مكانه واستغفر الله تعالى، فقيل له: أليس في ذلك كفارة؟ فقال: لم أسمع من رسول الله ﷺ شيئاً في ذلك، وكان عطاء وغيره يقولون من جامع ناسيا في رمضان فلا قضاء ولا كفارة، -وهو مذهب الشافعية- وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: الكفارة على الزوجين"، وهو مذهب الحنفية والمالكية.
قال شيخنا ويؤيده ما جاء في رواية: "جاء رجل فقال يا رسول الله هلكت وأهلكت"، يعني: تسببت في هلاك أهلي، فقال الشافعية والحنابلة: أنه بإفساد صومهم في رمضان وليس وجوب الكفارة لأنه ما كان يعلم وجوب الكفارة حتى عليه نفسه إلا بتعليم النبي ﷺ، قال له: اعمل كذا، واعمل كذا، واعمل كذا.
رزقنا الله الإنابة والخشية والاستقامة، وقبول ما وفقنا له وآتانا إياه من صلاة وطهارة، وزكاة وصوم وحج وعمرة وصدقة، وصدق وطاعة وعبادة وعمل صالح، ووفّر حظنا من الأعمال الصالحات ومن الإيمان والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وجعلنا مرعيين بعنايته في السر والجهر، وكشف عنا وعن الأمة كل ضرٍ وبلاء، وعجّل بالفرج للمسلمين وأصلح شؤونهم، وسقانا وجميع المُجدبين من المسلمين من الغيث للقلوب وللجدوب في عافية ولطف.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
19 مُحرَّم 1447