(535)
(339)
(363)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 335- كتاب الصيام (12) السحور
صباح السبت 17 محرم 1447هـ
"فرع: وكان ﷺ يقول: "تسحروا فإن في السحور بركة"، وكان ﷺ يقول: "فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر"، وكان ﷺ يقول: "البركة في ثلاث في الجماعة والثريد والسحور"، وكان ﷺ يقول: "إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين"، وكان العرباض بن سارية -رضي الله عنهما- يقول: "دعاني رسول الله ﷺ إلى السحور في رمضان فقال: هلّم إلى الغذاء المبارك"، وكان ﷺ يقول: "استعينوا بطعام السحر على صيام النهار وبالقيلولة على قيام الليل" ، وفي رواية: "من أحب أن يقوى على الصيام فليتسَحر وليشُم طيباً ويأكل قبل الشرب وليقل".
وفي رواية: "أربع من فعلهن قوي على صيامه أن يكون أول فطره على ماء ولا يدع السحور ولا يدع القائلة وأن يشم شيئاً من طيب"، وكان ﷺ يقول: "ثلاثة ليس عليهم حساب فيما طعموا إن شاء الله تعالى إذا كان حلالاً الصائم والمتسحر والمرابط في سبيل الله تعالى"، وكان ﷺ يقول: "السحور كله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء"، وكان ﷺ يقول: "نعم سحور المؤمن التمر"، وكان ﷺ يحث على تأخير السحور إلى قريب الفجر الأول. قال أنس -رضي الله عنه-: وقدر ذلك قراءة خمسين آية ثم يطلع الفجر، وفي رواية: "كنا نفرغ من السحور فنُبادر إلى صلاة الفجر"، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: كان المؤذنون لا يؤذنون إلا إن بزغ الفجر، وكان حذيفة -رضي الله عنه- يقول: "كنا نتسحر في الغلس إلا أن الشمس لم تطلع"، وفي رواية عنه: "كنا نتسحر ثم نخرج إلى المسجد فنصلي ركعتين ثم نقوم إلى صلاة الصبح"، وسيأتي في الخصائص أن أنساً -رضي الله عنه- لما كبر كان يصوم من طلوع الشمس لا من طلوع الفجر.
وكان ﷺ يقول: "إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده يشرب منه فلا يدعه حتى يقضي حاجته"، وكان ﷺ يقول: "الفجر فجران فأما الأول فإنه لا يحرم الطعام ولا تحل فيه الصلاة وأما الثاني فإنه يحرِّم الطعام ويحل الصلاة"، وكان ابن -عمر رضي الله عنهما- يقول: إذا نودي بالصلاة والرجل على امرأته لم يمنعه ذلك أن يصوم إذا أراد الصيام فيقوم يغتسل ويتم صيامه، وكان عدي بن حاتم -رضي الله عنه- يقول:" سألت رسول الله ﷺ عن قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ) [البقرة: 187] فقال: ذلك بياض النهار وسواد الليل"، وكنت أظن قبل ذلك أن المراد به الخيط، وكان ﷺ يقول: "كلوا واشربوا حتى يعترض لكم الفجر الأحمر؛ يعني المنتشر في نواحي السماء"، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- يتسحر مرة فدخل عليه رجلان فقال أحدهما طلع الفجر وقال الآخر لم يطلع بعد ذلك فقال أبو بكر -رضي الله عنه- لنفسه كل قد اختلفا".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمِنا بشريعته الغرّاء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمد ﷺ وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وصحبه ومن سار في سيرهم سرًّا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين ساداتِ أرباب اليقين والتمكين، من رفع الله لهم على جميع الخلائق قدرًا، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الشيخ الشعراني رحمة الله عليه ذكر ما ورد في السحور، وقال: وكان ﷺ يقول: "تسحروا فإن في السحور بركة"، والحديث في الصحيحين وغيرهما. وكان ﷺ يقول: "فصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلةُ السَّحَر". وكان ﷺ يقول: "البركة في ثلاثٍ: في الجماعة، والثريد، والسحور". وكان ﷺ يقول: "إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين". وكان العرباض بن سارية يقول: دعاني ﷺ إلى السحور في رمضان، فقال: "هلُمَّ إلى الغداءِ المبارك"، وفي لفظٍ الغداء.
وكان ﷺ يقول: "استعينوا بطعام السَّحَر على صيام النهار، وبالقيلولة على قيام الليل"، والقيلولة هي: النوم في النهار من أجل السهر في الخير او القيام في الليل. وفي رواية: "من أحب أن يقوى على الصيام فليتسَحر وليشُم طيباً ويأكل قبل الشرب وليُقِل".
وفي رواية: "أربعٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ قَوِيَ على صيامِهِ: أن يكون أولُ فِطرِهِ على ماء، ولا يَدَعُ السحور، ولا يَدَعُ القائلة، وأن يشم شيئًا من طِيب". وكان ﷺ يقول: "ثلاثة ليس عليهم حساب فيما طَعِمُوا إن شاء الله تعالى إذا كان حلالًا: الصائم -فيما يفطر عليه- والمتسحر -فيما يستعِدُّ به للصيام- والمرابط في سبيل الله تعالى". فإن المباح من متاع يكون عليه حساب، والحرام عليه عقاب، ولكن ما يستعمله هذا المرابط في سبيل الله وما يأكله لا حساب ولا عقاب عليه، كما ما يتناوله الصائم للفطر إذا كان من حلال لا حساب عليه، وما يتناوله في السَّحَر، وكذلك جاء في الأخبار ما يأكله مع الضيف؛ فما يأكله الإنسان من الطعام الحلال مع الضيف لا يحاسبه الله عليه، فالحَرام فيه العقاب والعذاب، لكن الحلال فيه الحساب، والحساب يرتفع في مثل هذه المواطن فما يحاسب عليه -سبحانه وتعالى-.
فهو السُّحور سُنّة للصائم يكون عونًا له على صومه، فأجمعوا على أنه مندوب مستحب، وجاءت فيه عدد من الروايات كما سمعتم التي أوردها الشيخ منها في الصحيحين وغيرهما، مثل قوله: "تسحروا فإن في السحور بركة"، "وفصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب -يعني: اليهود والنصارى مما حرفوا فيه ومما اتخذوه من قِبَل أنفسهم- أكلةُ السَّحَر" تناول الطعام في وقت السحر هكذا في صحيح مسلم. فهو مستعان به كما جاء في الرواية: "استعينوا بطعام السحَر على صيام النهار، وبالقيلولة على قيام الليل". فالذي ينام القيلولة بالنهار ثم لا قيام له في الليل، كالذي يتسحر من آخر الليل ثم لا يصوم في النهار، فما هو اللعب؟ إنما تكون القيلولة من أجل القيام، وإنما يكون السحور من أجل الصيام.
وكل ما حصل من أكل أو شرب يحصل به فضيلة السحور، وفي الحديث: "السحور أكله بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء" فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين.
إذًا وقت السحور من متى؟
وجمهور الفقهاء على أنه من بعد نصف الليل، فما تناوله من طعام أو شراب بعد نصف الليل فهو سحور، ما بين نصف الليل إلى طلوع الفجر.
المراد به الفجر الصادق الذي يأتي مستطيرًا معترضًا في الأفق، ويطلع قبله الفجر الكاذب، أثر نور مستطيل ثم يضمحل، فلا عبرة به وليس بفجر. فالفجر هو الضوء المعترض في الأفق الذي يزداد ويزداد حتى تطلع الشمس. وهكذا جاء في الحديث الذي أصله في مسلم وعند الإمام الترمذي، يقول ﷺ: "لا يمنعنَّكم من سحورِ أحدِكم أذانُ بلال ولا الفجرُ المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق".
إذًا فتأخِير السحور مستحب ما لم يقع في شك، وإن كان الأصل بقاء الليل من حيث إنه لا يحرم عليه أن يتناول شيئًا إذا لم يعرف طلوع الفجر. ولكن هل يكره؟ فيه الخلاف بين الفقهاء.
فيقول الحنفية والشافعية: لو شك في طلوع الفجر فالمستحب له ألا يتناول مفطِّرًا، لأنه ربما وقع فيما بعد الفجر فيلزمه الإمساك والقضاء، وإن لم يتعين عليه الإثم؛ لأنه إذا شك صار من الأمور المشتبهة. والنبي يقول: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" ويتحرُّز عنه. وقال ﷺ: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
فإذا تبين أن أكله أو تناوله المفطِّر كان بعد الفجر؟
ومن خير السحور كما سمعنا في الحديث التمر، فكما يسن أن يكون الفطر على التمر، فالسحُور كذلك ينبغي أن يكون فيه تمر. وذُكر في الحديث عندكم: "وكان ﷺ يقول: "نعم سحور المؤمن التمر"، وكان ﷺ يحث على تأخير السحور إلى قريب الفجر الأول. قال أنس -رضي الله عنه-: وقدر ذلك قراءة خمسين آية ثم يطلع الفجر" يعني: ما بين الانتهاء من السحور إلى طلوع الفجر مقدار خمسين آية. وقال: "كنا نفرغ من السحور فنُبادر إلى صلاة الفجر". أي: يستعدون من لم يكن متوضئا أو كان بيته بعيدا فيجري حتى يدرك صلاة الفجر.
"وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: كان المؤذنون لا يؤذنون إلا إن بزغ الفجر"، فالأذان علامة على بزوغ الفجر، فلا يجوز أن يستعمل شيء من المفطِّرات بعد أن يسمع الأذان من موثوق به، لأنه دل على أنه قد طلع الفجر.
وبعد ذلك، الروايات التي فيها الإيهام، مثل قوله:"كنا نتسحر في الغلس إلا أن الشمس لم تطلع"، وفي رواية عنه: "كنا نتسحر ثم نخرج إلى المسجد فنصلي ركعتين ثم نقوم إلى صلاة الصبح"، وكذلك ما جاء عن سيدنا أنس أنه لما كبر كان يصوم من طلوع الشمس لا من طلوع الفجر"، كل ذلك مردود عند جمهور الفقهاء وكذلك عند جمهور المحدثين من جهة صحة السند. فهناك وقت بين السحور وطلوع الفجر هو الذي كان عليه عمله صلى الله عليه وعلى آله.
وهكذا جاء في بعض ألفاظ الحديث يقول سيدنا رسول الله ﷺ يا أنس إني أريد الصيام أطعمني شيئا، فجئت بتمر وإناء فيه ماء، وذلك بعد ما أذن بلال الآذان الأول، قال يا أنس انظر رجلا يأكل معي فدعوت زيد بن ثابت فجاء فتسحر معي، ثم قام فصلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة. فالمراد إذا بقوله كم كان بين الآذان والسحور؟ أنه بين الأذان الأول والسحور وآذان ابن أم مكتوم، لأن آذان بلال كان يتقدم، وهكذا مقدار الخمسين الآية وقت ما بين الانتهاء عن المفطرات وطلوع الفجر، وكان غالبا ما يدخل النبي ﷺ الفجر غلس؛ أي: في أول وقت الفجر.
وهكذا ما جاء عن حذيفة بن اليمان أنه قال: "كنا نتسحر في الغلس إلا أن الشمس لم تطلع"، قالوا: حديث تفرد به عاصم بن أبي النجود، وحمله على أن المراد قرب النهار أي قرب الفجر، ولا يصح أيضًا نسبته لسيدنا حذيفة عليه رضوان الله تبارك وتعالى، وهو من أخبار الآحاد التي لا تقاوم ما جاء في القرآن الكريم: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ) [البقرة: 187].. فظهور الخيط الأبيض، أي: بياض الفجر يمنع تناول المفطِّرات.
وكذلك الحديث الذي أشار إليه: "إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده يشرب منه فلا يدعه حتى يقضي حاجته"، إن أُريد به الأذان الأول فلا إشكال فيه، وأما إن أُريد به الأذان الثاني فلا يصح. فكما أورد عندكم يقول ﷺ: "الفجر فجران: فأما الأول فإنه لا يُحرِّم الطعام -وهو آذان بلال- ولا تَحِلُّ فيه الصلاة، وأما الثاني فإنه يُحرِّم الطعام وتَحِلُّ فيه الصلاة". فتبين "إذا سمع أحدكم النداء" أي: نداء بلال، فهذا هو النداء الأول، "فلا يدعه -ينقطع- حتى يقضي حاجته" لأن الفجر لم يطلع بعد.
"وكان ابن -عمر رضي الله- عنهما يقول: إذا نودي بالصلاة والرجل على امرأته لم يمنعه ذلك أن يصوم إذا أراد الصيام فيقوم يغتسل ويتم صيامه"، أيضا الآذان الأول؛ وإلا فالحديث أيضا مشكوك في اتصاله، وجمهور أهل الفقه ومنهم الأئمة الأربعة يقولون: يمتنع تناول المفطرات بمجرد طلوع الفجر وعليه فقهاء الأمصار كما نصت الآية (حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ) [البقرة: 187]، وبيانه في ما جاء في الرواية التي أوردها: "الفجر فجران" فالثاني يحرم وتحل به الصلاة؛ إذا حِلُّ الصلاة يقتضي تحريم تناول المفطرات بالنسبة للصائم، يحرمها.. فما يجتمع حِلُّ الصلاة وجواز تناول المفطِّر، حِلُّ صلاة الفجر، ما يجتمع حلها مع جواز تناول المفطرات، وإذا حلت الصلاة حرم تناول المفطرات، وإذا لم تحل الصلاة بعد يجوز تناول السحور، والصلاة تحل من أول طلوع الفجر.
"وكان ﷺ يقول: "إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده يشرب منه فلا يدعه حتى يقضي حاجته"، وكان ﷺ يقول: "الفجر فجران فأما الأول فإنه لا يحرم الطعام ولا تحل فيه الصلاة وأما الثاني فإنه يحرِّم الطعام ويحل الصلاة"، يقول: "وكان ابن -عمر رضي الله عنهما- يقول: إذا نودي بالصلاة والرجل على امرأته لم يمنعه ذلك أن يصوم إذا أراد الصيام فيقوم يغتسل ويتم صيامه، وكان عدي بن حاتم -رضي الله عنه- يقول:" سألت رسول الله ﷺ عن قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ) [البقرة: 187] فقال: ذلك بياض النهار وسواد الليل"، وكنت أظن قبل ذلك أن المراد به الخيط"، يعني: يظهر الضوء، تبين متفرق بين الأبيض والأسود.
وكان ﷺ يقول: "كلوا واشربوا حتى يعترض لكم الفجر الأحمر؛ يعني المنتشر في نواحي السماء"، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- يتسحر مرة فدخل عليه رجلان فقال أحدهما طلع الفجر وقال الآخر لم يطلع بعد ذلك فقال أبو بكر -رضي الله عنه- لنفسه كل قد اختلفا". ليسوا متيقنين من طلوع الفجر؛ فمعلوم أنه إنما يحرم بعد تيقن الطلوع وإذا شك فقد تقدم حكمه عند الفقهاء.
رزقنا الله الاستقامة، واتحفنا بالكرامة، وحُسْنَ المتابعة للمظلل بالغمامة في جميع الشؤون، في الظهور وفي البطون، حتى يلحقنا بمن يهدون بالحق وبه يعدلون، وفرج كروبنا والمسلمين، وأصلِح لنا شؤوننا بما أصلحت به شؤون الصالحين، في خير ولطف وعافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
18 مُحرَّم 1447