(535)
(339)
(363)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 334- كتاب الصيام (11) الترغيب في تفطير الصائمين ودعاء الإفطار
صباح الأربعاء 14 محرم 1447هـ
"وكان ﷺ يقول إذا أفطر: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله"، وكان ﷺ يحث على إطعام الصائم ويقول: "من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء"، وفي رواية: "من فطر صائماً على طعام وشراب من حلال صلت عليه الملائكة في ساعات شهر رمضان وصافحه جبريل ليلة القدر، ومن صافحه جبريل رق قلبه وكثرت دموعه، فقيل له: يا رسول الله أفرأيت من لم يكن عنده قال: فقبضة من طعام قيل: أفرأيت إن لم يكن عنده قال: فمذقة من لبن قال أفرأيت إن لم يكن عنده قال فشربة من ماءه "، والقبضة هي ما يتناوله الآخذ بأنامله الثلاث، وكان ﷺ كثيراً ما يقول: "انبسطوا في النفقة في شهر رمضان فإن النفقة فيه كالنفقة في سبيل الله تعالى"، وكان ﷺ يقول:" من فطر صائماً في رمضان كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار"، وكان ﷺ يقول: "إن الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أكل عنده حتى يفرغوا وربما قال: حتى يشبعوا"، وكان ﷺ يدعو لمن أفطر هي عنده.
قال أنس -رضي الله عنه-: "وأفطرنا مرة مع رسول الله ﷺ فقربوا إليه زبيباً فأكل وأكلنا فلما فرغ قال: أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون"".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته الغرّاء وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيّدنا محمّد صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه من أعلاهم الله به قدراً، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان وبمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الرّاقين في الفضل والشرف والكرامة أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر ما ورد في الإفطار وأدعية الإفطار، وما إلى ذلك من أحكام الصيام، فيقول: "وكان ﷺ يقول إذا أفطر: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله". وهذا يشير إلى أن من مواطن استجابة الدعاء وقت الإفطار للصائم، وفي الحديث فيمن لا تُرد دعوته قال: "الصائم حين يفطر"، وفي لفظٍ: "الصائم حتى يفطر"، فهو من مواطن الإجابة؛ ومن مَظانِّ الإجابة:
ومن مواطن الإجابة وقت إفطار الصائم، وقد ورد عن النبي ﷺ عدد من الأدعية ينبغي للصائم أن يعتني بها عند فطره، وثم يدعو الله بما يحتاجه من أمر آخرته ودينه ودنياه.
فمنها:
فهذا من الأدعية التي وردت عند الفطر، فينبغي أن يدعو الله بها، ويدعو بما أهمه من أمر آخرته ودينه ودنياه.
ثم ذكر ثواب تفطير الصائم، وكذلك من الدعاء ما يقال لمن فطّر.
يقول: "وكان ﷺ يحث على إطعام الصائم ويقول: "من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء"، وورد الحديث أيضاً في فضل إشباع الصائم، وهذا غير تفطير الصائم، تفطير الصائم بأول شيء يتناوله عند الغروب، وأما إشباعه بعد ذلك فله ثواب، لكن ثواب التفطير أعظم؛ ثواب تفطير الصائم أن يُفطِر على شيء تعطيه إياه من رطب أو تمر أو نحو ذلك.
ويقول: "من فطر صائماً على طعام وشراب من حلال صلت عليه الملائكة في ساعات شهر رمضان وصافحه جبريل ليلة القدر"؛ لأن ليلة القدر يأذن الله لأعداد كبيرة من ملائكة السماء أن ينزلوا إلى الأرض فيشاركوا أمة محمد ﷺ في ليلتهم. قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) [القدر:4]، ويختلطون بالمؤمنين ويصافحونهم، فإذا تصافح المؤمنون تصافحوا معهم. ويُؤمر سيدنا جبريل أن يصافح أشخاصاً معينين، ومنهم من فطّر صائماً من مال حلال، طعام حلال وشراب حلال فيصافحه.
وعلامة مصافحة جبريل؟ قال لهم: "ومن صافحه جبريل رق قلبه وكثرت دموعه"، وفيه أيضاً فائدة مصافحة الصالحين، والسراية التي تسري إلى المصافِح من مصافحتهم، فمصافحة جبريل تفيد رقةً في القلب وكثرةً في الدموع، معرفةً ومحبةً وخوفاً وإشفاقاً.
يقول: "فقيل له: يا رسول الله أفرأيت من لم يكن عنده -ما عنده- شيء يحب يفطّر به الصائم؟- قال: فقبضة من طعام قيل: أفرأيت إن لم يكن عنده قال: فمذقة من لبن قال أفرأيت إن لم يكن عنده قال فشربة من ماءه "، وهنا قال لم يجدهُ؛ ولكن أصل الحديث فيه ذكر "من فطر صائماً من كسب مال حلال صلّت عليه الملائكة ليالي رمضان وصافحه جبريل ليلة القدر"، ذكره في الترغيب والترهيب للمنذري، وذكر سند له حسن، بسند حسن، وموجود في جامع الأحاديث وهو مروي بسند حسن، حديث مصافحة جبريل ليلة القدر.
قال: "والقبضة: هي ما يتناوله الآخذ بأنامله الثلاث" السبابة والوسطى والإبهام، هذه قبضة الطعام. "وكان ﷺ كثيراً ما يقول: "انبسطوا في النفقة في شهر رمضان فإن النفقة فيه كالنفقة في سبيل الله تعالى"، أي: يتضاعف أجرها، سواءً من النفقة على الأهل والأولاد، أو النفقة في الصدقة، أو في صلة الرحم، كلها يضاعف أجرها في شهر رمضان.
فإذا أفطر عند قوم، ينبغي أن يقول: "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة الأخيار". وهذا دعاء، هذا دعاء ليس بإخبار.
ما معنى "أفطر عندكم الصائمون"؟ نحن الصائمين أفطرنا عندكم، ما معناه؟ أي: وفقكم الله لتفطير الصائمين، هذا معنى "أفطر عندكم الصائمون"، وكذلك "أكل طعامكم الأبرار"، يعني: يسر الله لكم أن تناولوا الطعام وتقدموه للأبرار الأخيار، فجلب الله الأخيار إليكم والأبرار ليأكلوا من طعامكم فيعظُم أجركم عند الله، هذا معنى "أكل طعامكم الأبرار". كمثل قوله: "صلّت عليكم الملائكة الأخيار"، ليس المراد به الخبر ولكن الدعاء، أن تكونوا ممن تصلي عليهم الملائكة، وكذلك جاء في رواية أخرى قول: "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة الأخيار".
والمضاعفة وردت، مضاعفة الحسنات في رمضان، أن النافلة بفريضة، والفريضة بسبعين فريضة. وجاء في رواية مضاعفة الحسنات في رمضان إلى ألف، تضاعف الحسنة في رمضان إلى ألف حسنة.
ويقول:وكان ﷺ يقول:" من فطر صائماً في رمضان كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار"، -وكان له مثل أجر الصائم- وكان ﷺ يقول: "إن الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أكل عنده حتى يفرغوا وربما قال: حتى يشبعوا"، وربما قال: "حتى يشبعوا -وفي لفظ- إن الصائم إذا أكل عنده المفطرون صلّت عليهم الملائكة حتى يفرغوا من طعامهم.
وفي بعض الأيام، أكل ﷺ مع بعض الصحابة، وسيدنا بلال كان صائم، فقال ﷺ: "أكلنا رزقنا، وفضل رزق بلال في الجنة"، أي: ثوابه على صوم ذلك اليوم.
قال: "وكان ﷺ يدعو لمن أفطر هي عنده".
قال أنس -رضي الله عنه-: "وأفطرنا مرة مع رسول الله ﷺ فقربوا إليه زبيباً فأكل وأكلنا فلما فرغ قال: أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون"، وهو بالمعنى الذي ذكرناه.
رزقنا الله البركة فيما أعطانا، وما أنعم به علينا، وضاعف لنا خيراته، وأجزل لنا هباته، وأعظم لنا عطياته، وجمعنا بخير بريّاته، ورفعنا به إلى المقام الأعلى، وتولّانا به بما تولى به خيار الملأ، ووقانا جميع الأسواء والأدواء، وحققنا بحقائق التقوى، وفرّج كروبنا والمسلمين، وختم لنا بالحسنى وهو راضٍ عنا في لطف وعافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
15 مُحرَّم 1447