(535)
(339)
(363)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 331- كتاب الصيام (08) حكم الجنابة للصائم والتحفظ عن الغيبة والفحش والكذب
صباح الأحد 11 محرم 1447هـ
"وكان ﷺ كثيراً ما يصبح في نهار رمضان جنباً من جماع غير احتلام لعصمته منه ثم يصوم ذلك النهار ولا يقضي وكان يقول لمن يتنزه عن ذلك: "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي"، وكان أبو هريرة يقول: من أصبح وهو جنب فلا يصم ذلك اليوم، فبلغ ذلك عائشة فأرسلت إليه وأخبرته بأنه ﷺ كان يصبح جنباً فرجع أبو هريرة عن قوله وقال: إنما سمعت ذلك من الفضل بن عباس ولم أسمعه من رسول الله ﷺ.
فرع: وكان ﷺ يحث الصائم على التحفظ من الغيبة والفحش والكذب ويقول: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم إني امرؤ صائم"، وفي رواية: "إذا جهل على أحدكم وهو صائم فليقل أعوذ بالله منك إني امرؤ صائم"، وكان ﷺ يقول: "من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، وكان ﷺ يقول: "ليس في الصوم رياء فإن الله يقول: الصوم لي وأنا أجزي به"، وكان ﷺ يقول: "الصيام جنة ما لم يخرقها، قيل: وبم يخرقها؟ قال بكذب أو غيبة"، وكان ﷺيقول: "ليس الصيام من الأكل والشرب وإنما الصيام من اللغو والرفث"، وكان ﷺ يقول للصائم: "إن سابك أحد فقل إني صائم وإن كنت قائماً فاجلس"، وكان ﷺ يقول للصائم: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفوته خير بريته، سيدنا محمّد صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وصحابته، وعلى أهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى جميع الملائكة المقرّبين، وجميع عباده الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،،
يواصل الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- يقرأ ما يتعلّق بأحكام الصيام، ويقول -عليه رضوان الله- في من يُصبح في نهار رمضان وهو جُنُب، يقول: "وكان ﷺ كثيراً ما يصبح في نهار رمضان جنباً من جماع غير احتلام لعصمته منه" ﷺ، والعصمة من الاحتلام لجميع النبيّين؛ لا يحتلمون أي: بالرؤيا، لا يخرج المني منهم في النوم برؤيا.
وأما خروج المني:
قال:
من يحتلم بصورة شرعية .. فإنها كرامة مرضيّة
وإن يكن بصورة قد حُرِّمت .. فإنها عقوبة تعجلت
أو لا بصورة فتلك نعمة .. حكاه زروقٌ عليه الرحمة
فإذا طلع الفجر على أحد من الصائمين وهو جُنُب، فللعلماء في ذلك أقوال:
أشهرها والذي عليه جماهير العلماء والمذاهب في الفقه الإسلامي أنّ صومه صحيح؛ سواءًا كان في صوم فرض أو صوم نفل، أخّر الغسل عمداً أو كان لنوم أو نسيان، لعموم ما جاء في الحديث عندنا. وهذا عليه جماعة فقهاء الأمصار بالحرمين والعراق وغيرها من الأقطار، وعليه مذهب الإمام مالك وأبو حنيفة والشافعي والإمام أحمد -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-.
فالأئمة الأربعة على أن صومه صحيح، بل عليه أن يغتسل ويصلي الفجر.
قال: وكان يقول لمن يتنزه عن ذلك: "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي"، فهو القدوة العظمى ﷺ، (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21].
"وكان أبو هريرة يقول: من أصبح وهو جنب فلا يصم ذلك اليوم، فبلغ ذلك عائشة فأرسلت إليه وأخبرته بأنه ﷺ كان يصبح جنباً فرجع أبو هريرة عن قوله وقال: إنما سمعت ذلك من الفضل بن عباس ولم أسمعه من رسول الله ﷺ"، فكان مذهب الفضل بن عباس وأسامة بن زيد كما أشرنا. على كلٍّ فالجمهور على أنه لا يضرّ ولا يبطل، وأنه يصوم.
ثم يقول من يقول من الأئمة: أنه ارتفع الخلاف واستقرّ الإجماع على خلافه، أي: على خلاف القول بإبطال الصوم، كما ذكره الإمام النووي وغيره.
ثم أرشد إلى آداب الصوم ومهماته:
أن يتحرّز عن الرفث والمصاخبة والمشاتمة، يقول ﷺ: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم إني امرؤ صائم"، إذًا فمقصود الصوم:
فيتأكد على الصائم -كما هو واجب على الصائم والمفطر-:
ثم أرشد ﷺ يقول: "وكان ﷺ يحث الصائم على التحفظ من الغيبة والفحش والكذب ويقول: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث -أي: لا ينطق بما يستحي منه أهل المروءات- يومئذ ولا يصخب -يرفع صوته فيه- فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم إني امرؤ صائم"، وفي لفظ: "إني صائم، إني صائم".
فهل يقول ذلك بقلبه لنفسه أو يقوله بلسانه لمن يخاطبه؟
ففيها أقوال:
وفي رواية: "إذا جهل على أحدكم وهو صائم فليقل أعوذ بالله منك إني امرؤ صائم"، أنا محتمٍ ومتعوّذ بالله، وما أرد عليك ولا أجاريك فيما أنت فيه.
كذلك "وكان ﷺ يقول: "من لم يدع -أي: يترك- قول الزور -وهو كل قول محرم- والجهل والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، أي: لا يقبل منه الصوم، مجرد ترك الطعام والشراب وهو لا يترك قول الزور والجهل والعمل به، "فليس لله حاجة في أن يدع طعامه"، هو الله محتاج لشيء؟ والمعنى: أنه لا يقبله منه، هذا المعنى، وإلا الله ما له حاجة في شيء أصلاً، ولا يحتاج إلى شيء، ولا يحتاج لأحد، ولكن المراد: "فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، أي: لا يقبل الله منه تركه الطعام والشراب مجرداً عن ترك الرفث، فلا يقبله منه، ولا يستلمه منه، ولا يُثيبه عليه؛ هذا معنى "فليس لله حاجة". إذًا فهو كناية عن عدم القبول مثل قوله (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ) [الحج:37]. يعني: ما ينال القبول عنده مجرد لحوم الهدي والأضاحي ولا دماؤها؛ ولكن التقوى التي في قلوبكم من قصد وجهه، هو الذي يصل إلى القبول لديه، وحيازة الثواب منه -سبحانه وتعالى-.
فإذاً:
ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمّارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك فلا قبول للصوم.
وكان ﷺ يقول: "ليس في الصوم رياء فإن الله يقول: الصوم لي وأنا أجزي به"، أي: تركه للشهوات من أجل الله تعالى، لا يتطرق إليه الرياء، لأنه يقصد به وجهه، وهو قادر على أن يتظاهر بالصوم ويكون مُفطراً، فتركه جميع المفطرات من أجل الله -تبارك وتعالى- دليل على أنه مخلص لوجه الله -جل جلاله-.
فمن معاني الصوم:
وكان ﷺ يقول: "الصيام جُنَّة -أي: وقاية وحماية وحصن- ما لم يخرقها، قيل: وبم يخرقها؟ قال بكذب أو غيبة"، وكان ﷺيقول: "ليس الصيام من الأكل والشرب وإنما الصيام من اللغو والرفث"، وكان ﷺ يقول للصائم: "إن سابَّكِ أحد فقل إني صائم وإن كنت قائماً فاجلس"، وكان ﷺ يقول للصائم: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع" والعطش -والعياذ بالله تبارك وتعالى- "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش"، أمثال الذي يفطر على حرام، أو يُمسك عن الطعام والشراب ولا يمسك عن الغيبة والنميمة ونحوها، أو الذي لا يحفظ جوارحه من الآثام، فهذا ما معه من الصوم إلا الجوع والعطش، وحقائق الصوم وفوائده ونورانياته وروحانيته وثوابه ما معه شيء منه -والعياذ بالله تعالى-.
رزقنا الله الإنابة والاستقامة، وأتحفنا الله بالكرامة، وكان لنا بما هو أهله في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، وثبّتنا على الحق فيما نقول، وثبّتنا على الحق فيما نفعل، وثبّتنا على الحق فيما نعتقد، ورزقنا كمال الاقتداء بنبي الهدى فيما خفي وما بدا، وجعلنا من خواص أنصاره ظاهرًا وباطنًا في لطف وعافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
11 مُحرَّم 1447