كشف الغمة 329- كتاب الصيام (06) مواصلة الحديث عن مسائل متعلقة بصحة الصوم ومبطلاته

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  329- كتاب الصيام (06) مواصلة الحديث عن مسائل متعلقة بصحة الصوم ومبطلاته

صباح الثلاثاء 6 محرم 1447هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  حكم إذا غلب قيء الصائم
  •  تعمد إخراج القيء
  •  سنة الاكتحال وفائدته
  •  هل الاكتحال يبطل الصوم؟
  •  ذوق الطعام للصائم
  •  سبب كراهة السواك للصائم
  •  حكم السواك للصائم

نص الدرس مكتوب:

"وكان ﷺ يقول: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض"، وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه،- يقول: رأيت رسول الله ﷺ استقاء فأفطر ثم أتى بماء فتوضأ. وكان ﷺ يأمر بالاكتحال بالإثمد المروح عند النوم ويقول ليتقه الصائم. وكان أنس -رضي الله عنه- كثيراً ما يكتحل وهو صائم، وكان يقول: "جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله اشتكت عيني أفأكتحل؟ قال: نعم"، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "ربما اكتحل النبي ﷺ وهو صائم"، وكان هودة الأنصاري يقول: قال لي رسول الله ﷺ حين أتيته ومسح على رأسي: لا تكتحل بالنهار وأنت صائم".

وكان ابن عباس يقول: لا بأس بذوق الصائم الطعام، وفي رواية: "لا بأس أن يتطاعم الصائم بالشيء يعني المرقة ونحوها"، وكانت أم حبيبة زوج النبي ﷺ تنهى عن مضغ العلك للصائم، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يكرع في حياض زمزم وهو صائم، وكان ﷺ يقول: "من خير خصال الصائم السواك"، وكان ﷺ يقول: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"، وكان ﷺ يقول: "إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي، فإنه ليس من صائم تيبَّس شفتاه بالعشي إلا كانتا نوراً بين عينيه يوم القيامة"، وقال عامر بن ربيعة: رأيت رسول الله ﷺ يستاك وهو صائم ما لا أعد ولا أحصي، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: لك السواك إلى العصر فإن صليت العصر فألقه فإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وكان ابن عمر يقول: يستاك الصائم أول النهار وآخره." 

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مُكرِمنا بالشريعة الغرَّاء، وبيانها على لسان عبْده وحبيبه خير الورى، سيدنا مُحمّد صلَّى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحبه الكُبراء، وعلى من والاهم في الله واتبعهم بإحسان سرًا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، أعلى الخلائق لدى الرحمن قدرًا، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

وبعدُ يَذكر الإمام الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تعالى- إذًا ما يتعلق بإبطال الصوم قال: "وكان ﷺ يقول: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض"، وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه،- يقول: رأيت رسول الله ﷺ استقاء فأفطر ثم أتى بماء فتوضأ"، أو-ثم أُتِيَ بماء فتوضأ" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

فتبيَّن بذلك ما عليه عامة الفقهاء: 

أنه إذا ذرعه القيء -أي: غلبه ونزل- فلا يبطل صومه إلا إن عاد شيء بعد ذلك منه إلى الجوف، فإن لم يعد شيء إلى الجوف فصومه صحيح بالاتفاق، وعليه أن يتمضمض لتطهير فمه ولا يبطل صومه ولا يقضيه.

وإنما فيما إذا عاد من القيء شيء إلى جوفه: 

  • فهذا الذي يفصّل فيه الحنفية ويقولون: هل هو ملء الفم أو أقل من ذلك؟ وهل العائد مثل قدر الحمصة أو أقل من ذلك؟ فالذي اعتمده الحنفية أنه إذا كان عاد من غير صنع الصائم لا يفسد صومه، وفي قولٍ بفساده، وإن كان باختيار الصائم وكان الخارج من القيء ملء الفم وعاد مقدار الحمصة فأكثر، فسد صومه بالاتفاق عند الحنفية وهكذا فصلوا في المسألة.
  • وكذلك قال المالكية: إنما المُبطل في القيء رجوعه؛ فإذا رجع أفطر وعليه القضاء، إذا رجع أي شيء إلى الجوف سواء كان عمدًا أو سهوًا منه بطل صومه وعليه القضاء.
  • وهكذا يقول الحنابلة: لو عاد شيء من القيء بنفسه فلا يفطر؛ لأنه كالمُكرَه عندهم، أما إذا أعاده هو باختياره فقد أفطر.
  • وهكذا يقول الشافعية: إذا لم يتعمد القيء ولكن ذرعه القيء ثم لم يعد شيء إلى جوفه فصومه صحيح، وإن عاد شيء بطل صومه.

وأما أن يخرج بتَطَلُّب -بتكلف ذلك-:

أي: يستخرج ما في الجوف عمدًا: فيتعمد القيء، فيكون استقاءة، فهذا يفسد الصوم وعليه القضاء، وعليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة؛ فإذا تعمد إخراج القيء بطل صومه وإن لم يعد شيء إلى جوفه.

  • وهكذا يقول الحنفية: إن كان عمدًا والصائم استقاء عمدًا والصائم متذكر لصومه وغير ناسٍ، وخرج من القيء ملء الفم فأكثر فعليه القضاء، وإن كان أقل من ملء الفم فاختلف الحنفية:
  • قال محمد: يفسد صومه لإطلاق الحديث.
  •  والصحيح قول أبي يوسف عندهم لا يفسد لعدم الخروج حكمًا عندهم لأنه أقل من ملء الفم.

 

يقول: "وكان ﷺ يأمر بالاكتحال بالإثمد المروح -أي: المبرَّد- عند النوم ويقول ليتقه الصائم".

فالاكتحال سنة للرجال والنساء عند النوم، ويختص بعد ذلك النساء بالاكتحال للزينة وليس ذلك مما ينبغي للرجل، وإنما يكون الاكتحال قبل النوم لأجل الفوائد فيما ذكر ﷺ: "عليكم بالإثمد فإنه مجلاة للبصر، منبتة للشعر"، فهو سبب تكثيف الشعر في الإنسان، وهو مجلاة لبصر الإنسان، وخير الأكحال الإثمد كما جاء في عدد من الروايات.

ولكن قوله: "لِيَتَّقِهِ الصائم" هذا الذي ترتب عليه اختلاف الفقهاء في الاكتحال: 

  • أما الحنفية والشافعية: فلم يروا أنه مكروه وأجازوه، وقالوا إنه لا يفطر به الصائم ولو وجد طعم الكحل في حلقه، وقالوا لأن العين ليست بجوف ولا منفذ منها إلى الجوف -إلى الحلق-، إنما هذا بتَشَرُّب المسام، واحتجوا بما ورد أن النبي ﷺ اكتحل وهو صائم في رواية بسند ضعيف، وجاء أيضًا من حديث "سيدنا أنس أن رجلاً جاء للنبي ﷺ فقال: "اشتكت عيناي أفأكتحل وأنا صائم؟" قال: "نعم". وكذلك جاء بسند ضعيف.
  • واختلف المالكية وقالوا: إن كان لا يتحلل منه شيء لم يفطر، وإن تحلل منه شيء أفطر؛ ويقول من المالكية أبو الحسن: إن تحقق أنه يصل إلى جوف حلقه لم يكن له أن يفعله، وإن شكَّ كُرِهَ، وإن علم أنه لا يصل إلى الحلق شيء فلا شيء عليه؛ وهكذا جاء في المدونة عن الإمام مالك -عليه رحمة الله- يقول: إذا دخل حلقه وعلم أنه قد وصل الكحل إلى حلقه فعليه القضاء بلا كفارة، وإن تحقق عدم وصوله للحلق لا شيء عليه. 
  • وهذا أيضًا يشبه مذهب الحنابلة، قالوا: إذا اكتحل بما يصل إلى حلقه وتحقق الوصول إليه فسد صومه؛ هكذا يقول الحنابلة.

إذن هو على الأقل خلاف الأَولى أو مكروهًا للخروج من الخلاف، وإن اعتمد متأخروا الشافعية أنه لا يضر الاكتحال وإن وجد طعمه بحلقه لأنه لا منفذ مفتوح وإنما هذا تَشَرُّب مسام، ولكن لا أقل من أن يُقال إنه خلاف الأولى، وقيل مكروهًا لما جاء أيضًا من الخلاف في الفطر كما سمعتَ التفصيل عند الحنفية وعند المالكية.

فإذن ينبغي أن يتقيَهُ الصائم -أن يجتنبه- كما سمعتَ النص في الحديث، وقال "لِيَتَّقِهِ الصائم". 

 

"وكان أنس -رضي الله عنه- كثيراً ما يكتحل وهو صائم، وكان يقول: "جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله اشتكت عيني أفأكتحل؟ قال: نعم". هذا الذي في رواية الترمذي بسند ليس بالقوي. 

"وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "ربما اكتحل النبي ﷺ وهو صائم". وكذلك هذا جاء بسند ضعيف. 

"وكان هودة الأنصاري يقول: قال لي رسول الله ﷺ حين أتيته ومسح على رأسي: لا تكتحل بالنهار وأنت صائم"، وهذا يؤيد من قال بأنه يتعرض للفطر إذا وجد طعم الكحل في حلقه.

 

"وكان ابن عباس -رضي الله عنه- يقول: لا بأس بذوق الصائم الطعام"، وهذا أيضًا من المسائل المختلف فيها، وفي كراهة ذوق الطعام أو مضغ العلك الذي لا يتحلل منه شيء فيدخل الجوف، أن ذلك مكروه للصائم لأنه يتعرض لفساد الصوم، سواء كان صوم نفلًا أو فرضًا فهو من المكروهات. 

"وفي رواية: "لا بأس أن يتطاعم الصائم بالشيء يعني المرقة ونحوها"، ينظر يحتاج إلى ملح أو لا يحتاج، يحتاج لحوائجه أو ما يحتاج وما إلى ذلك، ولكن ذلك مكروه، والأفضل تركه للصائم، وإن كان لا يبطل الصوم إذا لم يصل إلى الجوف منه شيء، فلا يبطل الصوم ما دام لم يصل إلى الجوف شيء، ولكن الأفضل ترك ذلك فهو مكروه.

"وكانت أم حبيبة زوج النبي ﷺ تنهى عن مضغ العلك للصائم، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يكرع في حياض زمزم وهو صائم، وكان ﷺ يقول: "من خير خصال الصائم السواك"، فيتكلم أيضًا عن مسألة السواك.

  • ولم يقل بكراهته الجمهور. 
  • وقال الشافعية: إنه يُكره للصائم بعد الزوال.

"من خير خصال الصائم السواك".

 

"وكان ﷺ يقول: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". يقول: ويزيل الخلوف السواك، فلهذا قال بكراهته الشافعية، 

  • ويروى عن الحنابلة كراهة الاستياك في العشي، أي في المساء دون الصباح.

ويقول الجمهور إنه لا يُكره السواك؛ ولهذا قالوا: اختير في مذهب الشافعية من حيث الدليل اختير أنه لم يُكره، كما اختاره الإمام النووي. 

فإذًا الاستياك بالعود اليابس: 

  • أول النهار لا يكره بالاتفاق. 
  • وكذلك عند الحنفية والمالكية: لا يكره بعد الزوال؛ وهو وجه عند الشافعية، وخصوصًا إذا كان الصوم نفلًا، قالوا: لأنه أبعد عن الرياء. 
  • والشرط أنه لا يتحلل منه شيء كما يقول المالكية، فإن تحلل شيء كُره. 
  • فإذا وصل إلى الحلق شيء -انفصل من السواك فوصل إلى الحلق- بطل الصوم، هذا باتفاق. 
  • وهكذا مال الشافعية إلى سُنِّيَّة ترك السواك بعد الزوال للصائم.  
  • ويُروى كذلك عن الإمام أحمد ترك السواك بالعشي، أما أول النهار فلا يكره بالاتفاق، وأما بعد الزوال ففيه الخلاف، ولم يرَ في ذلك كراهةً الحنفيةُ والمالكيةُ، ويُكره عند الشافعية وهو وجه عند الحنابلة أنه لا يُستحب بالعشي؛ أي: ما بعد الزوال.
  • وذكر الحبيب أحمد بن حسن العطاس: أن اختيار السلف في حضرموت هو اختيار النووي أنه لا يكره، إلا أنهم لا يهتمون به بعد العصر. ففي الأمر سعة، والاحتياط مسلك لمن أراد.

 

جعلنا الله من أهل التوفيق للصلاة المقبولة، والزكاة المقبولة، والصيام المقبول، والحج المقبول، وأنواع الطاعات والعبادة الصحيحة المقبولة، عند الرب جل جلاله حتى يحققنا بحقائق عبادته، ونتحقق بالعبودية له والعبدية والعبودة في خير ولطف وعافية، وأصلح الله شؤوننا والمسلمين الظاهرة والخافية، وعجل الله تعالى بكشف الكرب عن المؤمنين وعن المسلمين في فلسطين خاصة وفي جميع أقطار الأرض، ورد كيد المعتدين الظالمين المفترين، وفرج كروب الأمة أجمعين، وجعلنا في خواص من ترعاهم عين عنايته في جميع الأطوار بالسر والاجهار في لطف وعافية.

 

بسر الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد

 اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

08 مُحرَّم 1447

تاريخ النشر الميلادي

03 يوليو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام