(363)
(535)
(339)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كشف الغمة 314- كتاب الزكاة (22) باب : بفصل في تحريم الصدقة على بني هاشم ومواليهم
صباح الإثنين 28 ذو القعدة 1446هـ
فصل في تحريم الصدقة على بني هاشم
ومواليهم دون موالي أزواجهم
"قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقسم سهم ذوي القربي على بني هاشم وبني المطلب دون بني نوفل وعبد شمس ويقول: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد"، قال ابن إسحق: وكان عبد شمس و هاشم والمطلب أخوة لأم وأمهم عاتكة بنت مرة وكان نوفل اخاهم لأبيهم.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: وكان ﷺ كثيرًا ما يقول عن الصدقة: " إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد"، وقال أنس -رضي الله عنه-: كان النبي ﷺ في ضيق من العيش أول الإسلام وكان مع ذلك يؤثر على نفسه فكان أصحابه يواسونه بما يحتاج إليه فكان الرجل منهم يجعل لرسول الله ﷺ النخلات حتى افتتح قريظة والنضير وأغناه الله تعالى عن ذلك.
وكان سعيد بن جبير -رضي الله عنه- يقول: ما سأل نبي الصدقة قط، فقيل له: إن إخوة يوسف قالوا: وتصدق علينا، فقال: إنما أرادوا وَرُدَّ علينا أخانا، وكان أنس-رضي الله عنه- يقول: " أخذ الحسن بن علي -رضي الله عنهما- يومًا تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله ﷺ: کخ کخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة"، وكان ﷺ يقول لبني هاشم وبني المطلب: "إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم".
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: جاء أبو رافع مولى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إن فلانًا عاملك على الصدقة دعاني لأكون مساعدًا له ويعطيني منها، فقال رسول الله ﷺ: "إن الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم منهم"، وفي رواية: "من أنفسهم"، وكان ﷺ يأكل مما وصل إلى الفقراء من الصدقات ويقول: قد بلغ محله، وكان فقراء الصحابة -رضي الله عنهم- كثيرًا ما يرسلون إلى رسول الله ﷺ الهدايا مما بعثه ﷺ إليهم من الصدقات فيأكله ﷺ.
وقالت جويرية -رضي الله عنها-: "قدّمت إلى رسول الله ﷺ يومًا لحمًا فقال: "من أين لكم هذا اللحم؟ فقلت: أعطته لي مولاتي من الصدقة فقال ﷺ: قربيه قد بلغت الصدقة محلها"، وقال أنس -رضي الله عنه-: "قدم إلى النبي مرة لحم فقال ما هذا؟ فقالوا: شيء تصدق به على بريرة فقال ﷺ: هو لها صدقة ولنا هدية"، والله أعلم."
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذَّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير البرية، عبده وحبيبه وصفيه سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته وأهل متابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وأهل مصاحبتهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين.
فيواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر مصارف الزكاة، وأين تصرف ومن تُمنع عنهم الزكاة، فذكر ما جاء في تكريم آله ﷺ وقرباهم من بني هاشم وبني المطلب، أنه لا تُسلَّم إليهم الزكاة وأنهم لا يأخذونها فإنها أوساخ الناس، وأن في خُمس الخمس ما يكفيهم، يقول: "قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقسم سهم ذوي القربي على بني هاشم وبني المطلب" والمراد بسهم ذوي القربى: ما جاء من الغنائم:
قال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا) [الأنفال-41].
وقال: (مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [الحشر-7].
فيقسم خمسة أقسام الخُمُس، فخُمُس هذا الخُمُس يصرف على بني هاشم وبني المطلب باتفاق، الموجودين من المنتسبين إلى هاشم بن عبد منافٍ أو والمطلب بن عبد منافٍ، هذا بالنسبة للخُمُس، خمس المغانم.
قال: "دون بني نوفل وعبد شمس،" فإنَّ هذين أخوين لهاشم والمطلب، فعبد مناف خلف أربعة أولاد -من الأبناء- خلّف هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس، ثم أن بني المطلب قاموا مع بني هاشم في نصرتهم وولائهم حتى بُعِثَ النبي ﷺ، وكان بنو المطلب مع بني هاشم، فقال: "فإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد" فلم يفترقا في جاهلية ولا إسلام فخصوا بدخولهم في الخمس.
"وكان عبد شمس و هاشم والمطلب أخوة لأم وأمهم عاتكة بنت مرة وكان نوفل اخاهم لأبيهم"، أي: كان عبد شمس شقيق لهاشم وللمطلب، ونوفل أخ لهم من الأب، أمه أخرى.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: وكان ﷺ كثيرًا ما يقول عن الصدقة: " إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد"، صلوات الله وسلامه عليه ،ومن هنا جاء كلام الفقهاء عليهم رضوان الله -تبارك وتعالى- فلا يجوز دفع الزكاة لآله عليه الصلاة والسلام ولكن اختلفوا في بني المطلب:
يقول ﷺ: "إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام، إنما نحن وهم شيء واحد". والرواية التي أوردها الشيخ: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد"، وشبك بين أصابعه ﷺ. وهم يستحقون من خمس الخمس أيضًا ما يكفيهم، لقوله ﷺ: "أليس في خمس الخمس ما يغنيكم؟".
أيضًا أفتى كثير بعد ذلك من الحفاظ والفقهاء: بجواز صرف الزكاة إليهم إذا مُنعوا حقهم من خمس الخمس، ويكون يتعرض للمحتاج والفقير منهم للحاجة كغيرهم من الناس، فلا ينبغي أن تكون قرابتهم للنبي ﷺ مانعة لهم من أن يجدوا من الزكاة ما يسد حاجتهم، ولكن المحتاط منهم والمتورِّع ما يحب أن يأخذ من الزكاة، والمزكي إذا كان ينطوي على مودة لهم بما فرض الله (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ) [الشورى -27]، فإنه أيضًا ينأى بهم عن الزكاة ويعطيهم من غير الزكاة ويواسيهم من غير الزكاة، من هديةٍ على وجه الإكرام منهم فيكون ذلك أحظى له وأبرك له في حاله وماله.
واختلفوا في أمهات المؤمنين، هل يجوز أن يقبلن شيئًا من الزكاة؟ فهن من أهل بيته بحكم الصهارة ولسنَ من بني هاشم ولا بني المطلب بحكم النسب، نعم فقال أكثر الفقهاء: إنه يجوز لهن الأخذ من الزكاة، ولكن جاء عن السيدة عائشة فيما روى الخلال بإسناده يقول: بُعِثَ إلى عائشة سفرة من الصدقة، فقالت: "إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة".
ثم اختلفوا أيضًا في إذا كان الزكاة من هاشمي، أحد بني هاشم وجبت عليه الزكاة ليخرجها فهل يجوز أن يعطيها لهاشمي؟
ما جاء عن أبي يوسف من الحنفية ورواية عن الإمام أبي حنيفة: أنه يجوز للهاشمي أن يدفع زكاته إلى هاشمي مثله، لما جاء في الحديث: "يا بني هاشم إن الله كره لكم غُسَالة أيدي الناس وأوساخهم، وعوَّضكم عنها بخمس الخمس" فكأنه حملوا على قوله: "غُسَالة أيدي الناس" أنه أراد غيرهم لأنهم هم المخاطبون وأراد منع زكاة الناس يعني: غيرهم لهم؛ أما بينهم البين فهذا رأي أبي يوسف ورواية عن الإمام أبي حنيفة: أنه يجوز أن تُدفع زكاتهم لبعضهم البعض، وما يأخذون زكاة من غيرهم.
أما صدقة التطوع؛ غير الزكاة:
أما بالنسبة للرسول ﷺ فلعلوِّ مقامه وعظمته يحرم عليه الصدقة ولو كانت بالتطوع، ما يقبلها؛ وهو ما يُعطى على سبيل الحاجة.
وأما ما يُعطى على سبيل الإكرام والتقرب فهذا هدية، فكان يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة ﷺ.
وكان هذا من العلامات الموجودة في الكتب السابقة، وتلقاها سلمان الفارسي عمن لقيهم من الرهبان، فجاء إليه في يوم ببعض التمر وقال: ما هذا؟ قال: صدقة، فقال لأصحابه: "كُلُوا" ولم يأكل منه شيئ. فجاء في يوم الثاني وجاءه له بتمر، قال: ما هذا؟ قال: هدية. قال: فأكل معه، فعلم أنها إحدى العلامات أنه نبي ﷺ.
وقال في قول عند الحنفية وقول عند الشافعية ورواية أيضاً للإمام أحمد، بل هي الأظهر عند الإمام أحمد: أنه أيضاً يتنزهون عن الصدقة المتطوع بها.
وفي مذهب الإمام مالك: أنه يجوز إعطاؤهم من صدقة التطوع مع الكراهة، أي يجوز إعطاؤهم صدقة التطوع مع الكراهة.
وكذلك ما أشرنا إليه من أن أخذ الكفارات والنذور وجزاء الصيد ونحوها:
ثم كذلك من كان مولى لأحد من بني هاشم أو بني المطلب، -يعني: من أعتقهم- من كان رقيقاً فأعتقه هاشمي أو مطلبي فصار مولى لهم:
ولذا جاء الإختلاف حتى في أزواج النبي ﷺ من باب أولى موالي أهل البيت، وأيضاً هم لا يُعطَون من خمس الخمس حتى يمنعوا الزكاة موالي أهل البيت.
ثم تقدم معنا مسألة: هل يجوز أن أحداً من أهل البيت يكون عاملاً في الزكاة فيُعطى بعد ذلك أجرة عمله؟
كما جاء في صحيح مسلم "لمّا جاء بعض آله ﷺ إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ابن عباس والفضل ابن العباس، فأرسلوهما إلى النبي ﷺ، يقول: انطلقا وهو يومئذٍ عند زينب بنت جحش، فقلنا: يا رسول الله، قد بلغنا النكاح -وصلنا سن البلوغ- وأنت أبر الناس وأوصل الناس، وجئناك لتؤمِّرنا على هذه الصدقات، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس، ونصيب كما يصيب الناس من الأجرة. قال: فسكت، ثم قال: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس"
"وقال أنس -رضي الله عنه-: كان النبي ﷺ في ضيق من العيش أول الإسلام وكان مع ذلك يؤثر على نفسه فكان أصحابه يواسونه بما يحتاج إليه فكان الرجل منهم يجعل لرسول الله ﷺ النخلات حتى افتتح قريظة والنضير وأغناه الله تعالى عن ذلك.
وكان سعيد بن جبير -رضي الله عنه- يقول: ما سأل نبي الصدقة قط، فقيل له: إن إخوة يوسف قالوا وتصدق علينا، فقال: إنما أرادوا ورُدَّ علينا أخانا، وكان أنس-رضي الله عنه- يقول: " أخذ الحسن بن علي -رضي الله عنهما- يومًا تمرة من تمر الصدقة -أي: من الزكاة-فجعلها في فيه أدخلها إلى فمه فقال رسول الله ﷺ: کخ کخ ارم بها -يعني: أخرجها- أما علمت أنا لا نأكل الصدقة"، وكان ﷺ يقول لبني هاشم وبني المطلب: "إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو -قال- ما يغنيكم".
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: جاء أبو رافع مولى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إن فلانًا عاملك على الصدقة دعاني لأكون مساعدًا له ويعطيني منها، -أبو رافع وهو مولى- فقال رسول الله ﷺ: "إن الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم منهم"، وفي رواية: "من أنفسهم"، وكان ﷺ يأكل مما وصل إلى الفقراء من الصدقات -فيعطاه على سبيل الهدية لا على سبيل الصدقة-، ويقول: قد بلغ محله، وكان فقراء الصحابة -رضي الله عنهم- كثيرًا ما يرسلون إلى رسول الله ﷺ الهدايا مما بعثه ﷺ إليهم من الصدقات فيأكله ﷺ.
وقالت جويرية -رضي الله عنها-: "قدّمت إلى رسول الله ﷺ يومًا لحمًا فقال: "من أين لكم هذا اللحم؟ فقلت: أعطته لي مولاتي من الصدقة فقال ﷺ: قربيه قد بلغت الصدقة محلها"، -أي: فهي له هدية- وقال أنس -رضي الله عنه-: "قدم إلى النبي مرة لحم فقال ما هذا؟ فقالوا: شيء تصدق به على بريرة فقال ﷺ: هو لها صدقة ولنا هدية" منها.
وكان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
"فقال: هو لها صدقة ولنا هدية ﷺ"
فإنما التحريم على الصفة لا على العين، أي: زال عنها حكم الصدقة المحرمة عليه وصارت لي حلالاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ورزقنا حسن متابعته، اللهم أحيي فينا سنته وتوفنا على ملته، وفقهنا فيما بعثه بهِ من الدين، وارزقنا حسن المتابعة له ظاهراً وباطناً، وأصلح شؤون أمته في المشارق والمغارب، وادفع عنهم المصائب والنوائب، وحوِّل أحوالهم إلى أحسن الأحوال، وارزقنا التوفيق لمرضاتك، والدخول في أهل مودتك ومحباتك من عبادك الطائعين المقربين بخير ولطف وعافية.
بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ
إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
الْفَاتِحَة
28 ذو القِعدة 1446