(363)
(535)
(339)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كشف الغمة 311- كتاب الزكاة (19) باب : بيان الأصناف الثمانية -2-
صباح الأربعاء 23 ذو القعدة 1446هـ
"وكان ﷺ يقول: "المعتدي في الصدقة كمانعها"، وكان ﷺ يقول: " إن الخازن المسلم الأمين الذي يعطي ما أُمِر به كاملاً موفراً طيبة به نفسه حتى يدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين"، وكان ﷺ يكره أن يكون العامل على الصدقة من ذوي القربى، وقد جاءه الفضل بن العباس -رضي الله عنهما- مرة فقال: "يا رسول الله أَمِّرني على هذه الصدقات لأصيب ما يصيب الناس من المنفعة وأؤدي إليك ما يؤدي الناس فقال ﷺ: إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وإنما هي أوساخ الناس"، وكان ﷺ يكرم المؤلفة قلوبهم بالبر والإكرام، وسأله رجل منهم يوماً فأمر له بشاء بين جبلين من شاء الصدقة فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
قال أبو هريرة -رضي الله عنه- وأتى النبي ﷺ مال فقسَّمه فأعطى رجالاً وترك رجالاً فبلغه أن الذين لم يعطهم عتبوا عليه، فحمد الله -تعالى- وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني أعطي أقواماً لما أري في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل أقواماً إلى ما جعل في قلوبهم من الغنى والخير".
وكان سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- يقول: ليس في الناس اليوم مؤلفة. ثم يقرأ: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29]."
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان خير بريته، عبده وصفوته سيدنا محمد، الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار في مسيرهم خير مسير إلى يوم المصير، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، محلّ التكريم والتبجيل لدى العلي القدير، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
ويواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر ما ورد في تقسيم الصدقات والزكوات، يقول :
وكان ﷺ يقول: "المعتدي في الصدقة كمانعها"؛ وهو الذي يتجاوز بها من هو أقرب وأحق إلى ما سواه، "المعتدي في الصدقة"، وفي رواية عند القضاعي "المتعدي بالصدقة".
"المعتدي بالصدقة" مثل:
فهؤلاء كلهم معتدون بالصدقة، و"المعتدي في الصدقة كمانعها" أي: لا يقبلها الله منه ولا ثواب له في الآخرة، لا إله إلا الله.
وكان ﷺ يقول: "إن الخازن المسلم الأمين -الذي يُولَّى على صندوق على قولهم وعلى المال،- الذي يُعطي ما أُمِرَ به كاملًا موفَّرًا طيّبةً به نفسُه" يفرح بما يُؤمَر أن يعطِيَهُ من قِبَل المالك، ومن قِبَل الأمير، أو الذي بيده أمر الخزانة التي هو عليها، يفرح بما يأمر به لعباد الله تعالى، وخصوصًا لذوي الحاجة وأهل الخير، فإذا كان بهذه الصورة يشاركه في ثواب ما يجري من الصدقات على يده، وإن كان لا يملكه، وإنما هو خازن وأمين، ولكنه يفرح بالعطاء للمسلمين ويعطيها طيّبةً بها نفسُه ويتمنى أن يُعطي أكثر وأن يتسع العطاء للناس، فهذا قال: "أحد المتصدقين"، "إن الخازن المسلم الأمين الذي يعطي ما أُمِر به كاملاً موفراً طيبة به نفسه حتى يدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين"
وهكذا يأتي مثل هذا للمرأة في مال زوجها كذلك، إذا أخرجت الصدقة طيّبةً بها نفسُها فشاركت الثواب الزوج، فله ثواب ولها ثواب، إلا أنها تحتاج أن تستأذنه في إخراج ما تتصدق به من ماله، ويتضاعف الثواب بالإذن ويشتركان في تحصيل تلك الأجور.
"وكان ﷺ يكره أن يكون العامل على الصدقة من ذوي القربى" والمراد بذوي القربى: قرابته ﷺ من بني هاشم وبني المطلب، فالصدقة التي هي الزكاة المفروضة لا تحل لمن كان هاشميًّا، أي منتسبًا إلى هاشم بن عبد مناف جد النبي محمد ﷺ، سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، فالمنتمون إلى هاشم بن عبد مناف لا تجوز لهم الصدقة المفروضة، وقال تنزيهًا لقرابة النبيﷺ عن شبهة الوسخ.
"وجاء أنه اجْتَمع رَبِيعَةُ بنُ الحَارِثِ وَالْعَبَّاسُ بنُ عبدِ المُطَّلِبِ، فَقالَا: وَاللَّهِ، لو بَعَثْنَا هَذَيْنِ الغُلَامَيْنِ -قالَا لي وَلِلْفَضْلِ بنِ عَبَّاسٍ- إلى رَسولِ اللهِ ﷺ، فَكَلَّمَاهُ، فأمَّرَهُما علَى هذِه الصَّدَقَاتِ، فأدَّيَا ما يُؤَدِّي النَّاسُ، وَأَصَابَا ممَّا يُصِيبُ النَّاسُ … فَقالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ: -لا ترسلوهما- لا تَفْعَلَا، … ثُمَّ دَخَلَ وَدَخَلْنَا عليه وَهو يَومَئذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ، قالَ: فَتَوَاكَلْنَا الكَلَامَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَحَدُنَا فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَقَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ، فَجِئْنَا لِتُؤَمِّرَنَا علَى بَعْضِ هذِه الصَّدَقَاتِ، -تولِّينا عليها نجمعها ونوزِّعها- فَنُؤَدِّيَ إلَيْكَ كما يُؤَدِّي النَّاسُ، وَنُصِيبَ كما يُصِيبُونَ، قالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا …. ثُمَّ قالَ: إنَّ الصَّدَقَةَ لا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ؛ إنَّما هي أَوْسَاخُ النَّاسِ"
ومن هنا اختلف أهل العلم في جواز أن يُستعمل على الصدقة أحدٌ من بني هاشم أو بني المطلب، الذين هم آله ﷺ، وعَبَّر عنهم في القرآن بذوي القربى في آيات منها قوله تعالى:
وأما:
فلا يجوز، فلا يجوز دفع الزكاة المفروضة إلى أحد منهم، كما هو عند الأئمة الأربعة "يا بني هاشم، إن الله حرم عليكم غُسالة الناس وأوساخهم، وعوضكم عنها بخمس الخمس" أي: من الغنائم، يُخرَجون الخمس منه، يُوزَّع أخماس: للرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
وهكذا في الحديث الآخر، يقول ﷺ: "إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وإنما هي أوساخ الناس"، في لفظ فإن في خمس الخمس ما يكفيهم.
والمشهور أيضاً عند المالكية، وكما هو مذهب الحنفية ورواية عند الحنابلة، بالنسبة لبني المطلب: أنهم يأخذون من الصدقة، وما ساورا بهم مسار بني هاشم، والمطلب أخو هاشم، المطلب بن عبد مناف، ومعهما أخوان آخران وهما عبد شمس بن عبد مناف ونوفل بن عبد مناف، فهم أولاد عبد مناف أربعة: هاشم، والمطلب، وعبد شمس، ونوفل.
وقالوا: لأن بني هاشم أقرب إلى النبيﷺ، وأشرفهم آلهم المنتخَبون من قريش، فلا يُعطون من الزكاة، وإن شاركوا في الخمس أيضاً، قالوا: ليس لمجرد القرابة، بل لأنهم شاركوهم بالنصرة وقاموا مع بني هاشم وبني المطلب شيء واحد كما قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
يقول الشافعية وهو قول عند المالكية والرواية الثانية عند الإمام أحمد بن حنبل: أنه ليس لبني المطلب الأخذ من الزكاة، فهم كبنو هاشم في هذا، كما أنهم يُعطون من خُمْس الخمس، لقوله ﷺ: "إِنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَمْ نَفْتَرِقْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ"، وفي رواية: "فإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد" وشبّك ﷺ بين أصابعه.
ولهذا لمّا جاءه سيدنا عثمان، لما رآه قسم الخمس في بني هاشم وبني المطلب، وهو يرجع إلى عبد شمس بن عبد مناف فسأله، فقال له: لا "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، لم نفترق في جاهليةٍ وإسلامٍ" وكانوا متناصرين ومتكاتفين، فحفظ الله لهم ذلك وربطهم بالآل،
ومنهم سيدنا الإمام الشافعي، فهو ينتسب إلى المطلب بن عبد مناف عن طريق جده شافع بن السائب، شافعٌ بن السائب صحابي ابن صحابي، وذلك كان لقبه له، الشافعي، قيل له شافعي لأن جده شافع بن السائب فكانت النسبة إليه.
وقال ﷺ : "أليس في خمس الخمس ما يغنيكم" وبعد ذلك، وعند انقطاع خمس الخمس لبطلان استقامة بيت المال واستقامة أمر الجهاد في المسلمين على ما ينبغي، فانقطع عنهم خمس الخمس، فهل يُعطون من الزكاة أو لا؟
وعلى كل حال، فالأفضل لهم أن يتورعوا عنها، وعند شدة الحاجة فالمجال فيه سعة، ولكن ينبغي للمزكي إذا كان أيضاً يحمل مودة لأجل رسول الله ﷺ فيعطيهم من غير الزكاة، ويعطيهم مما تجود به نفسه من غير الزكاة المفروضة ويجنبهم ذلك، فهذا هو الأفضل.
يقول: "وكان ﷺ يكره أن يكون العامل على الصدقة من ذوي القربى، وقد جاءه الفضل بن عباس -رضي الله عنهما- مرة فقال: "يا رسول الله أمرني على هذه الصدقات لأصيب ما يصيب الناس من المنفعة وأؤدي إليك ما يؤدي الناس فقال ﷺ: إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وإنما هي أوساخ الناس".
وكان عنده بعض التمر ﷺ من الصدقة، من الزكاة، جاء سيدنا الحسن في صغره فأخذ تمرةً، فقام ﷺ يقول له: "كخٍ كخٍ، وأخرجها من فمه وردَّها إلى الصدقة، وقال: "ألا تدري أنّا لا نأكل الزكاة، إنما هي أوساخ الناس"، وأخرجها من فمه ﷺ، ولم يمكنه من أن يتناولها، في حسن تربيته له، مع قوي محبته له، وشفقته عليه، ما رضي له أن تلج التمرة إلى بطنه ﷺ.
ولما لقي مرةً تمرة في الشارع، أخذها ﷺ وقال: " من يأكل هذه لولا خشية أن تكون من الصدقة لأكلتها"، يعلمهم تعظيم النعم وأن لا يستهينوا بنعم الله، فإنها إذا استهين بها وكُفرت، سُلبت عنهم ثم لا تعود إليهم في الغالب.
قال: "وكان ﷺ يكرم المؤلفة قلوبهم بالبر والإكرام، وسأله رجل منهم يوماً فأمر له بشاء -اي قطيع من الغنم، كثير- بين جبلين من شاء الصدقة فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر"،ﷺ-.
قال أبو هريرة -رضي الله عنه- وأتى النبي ﷺ مال فقسمه فأعطى رجالاً وترك رجالاً فبلغه أن الذين لم يعطهم عتبوا عليه، فحمد الله -تعالى- وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني أعطي أقواماً لما أري في قلوبهم من الجزع والهلع وأكِلُ أقواماً إلى ما جعل في قلوبهم من الغنى والخير". " صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
وكان سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- يقول: ليس في الناس اليوم مؤلفة. ثم يقرأ: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29]." وهذا الذي مال إليه الحنفية في المؤلفة قلوبهم، من هم المؤلفة قلوبهم؟
يقول: "وكان ﷺ يأمر بمساعدة المكاتبين".
رزقنا الله الاستقامة وقصد وجهه الكريم، والثبات على الصراط المستقيم، ورعانا بعين عنايته في كل شأن، ورفعنا إلى أعلى مكان في تحقق فقه الإسلام والإيمان والإحسان، و كشف الضُّرَّ عنّا وعن أمة نبيه محمد في المشارق والمغارب، ودفع عنّا وعنهم جميع المصائب والنوائب، ونظمنا في سلك أهل الرضا، ولطف بنا وبالأمة فيما يجري به القضاء، وحوّل الأحوال إلى أحسنها، وختم لنا بأكمل الحسنى، وهو راضٍ عنّا.
بسر الفاتحة
وإلى حضرة النبي اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله
الفاتحة
27 ذو القِعدة 1446