(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: متابعة شرح أحاديث باب آداب النوم والانتباه
الأربعاء: 3 ذو الحجة 1444هـ
باب آداب النوم والانتباه
"وكان ﷺ إذا أتى فراشه ينفضه بداخلة إزاره ويقول: "إن العبد لا يدري ما خلفه عليه".
وكان ﷺ لا ينام إلا إذا دَعَت الحاجة إلى النوم.
وكان ﷺ ينام على جنبه الأيمن غير ممتلئ البدن من الطعام والشراب ويقول: "من بات في خفّةٍ من الطعام والشراب يصلي تداكّت حوله الحور العين حتى يصبح".
وكان ﷺ يباشر بجنبه الأرض، وكان لا يتخذ الفرش المرتفعة بل كان له ضجاع من أدمٍ حشوه ليف، وكان له ﷺ عباءة تثنى له طاقين فينام عليها، فثنَاها له بعض أزواجه مرةً أربع طاقات فنام ﷺ عن وِرده، فلما استيقظ قال: أعيدوها إلى الحال الأول، فإن وطيئتهَا ولينها منعني قيام ليلتي.
وكان ﷺ يضطجع على الوسادة ويضع يده تحت خده. وفي رواية: «كان إذا عرّس وعليه ليل توسّد يمينه، وإذا عرّس قبل الصبح وضع رأسه على كفه اليمنى وأقام ساعده."
وكان ﷺ ينام أول الليل ثم يستيقظ في أول النصف الثاني وذلك حين يصيح الديك، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين.
وكان ﷺ إذا نام لا يوقظه أحدٌ حتى يكون هو الذي يستيقظ، وكان نومه ﷺ أعدل النوم."
اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون (3 مرات)
الحمد لله مُكرمنا بالشريعة، وبيانها على لسان عبده المصطفى ذي المراتب الرفيعة، صلى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه ومن أضحى وليّه وتبيعه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين جمع الله لهم الخير جميعًا، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ويواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر الآداب المتعلّقة بالنوم والانتباه، وما جاء عن سيدنا محمدٍ عظيم القدر والجاه، وسنّية نفضِ الفراش إن كان خفيفًا ويسيرًا بالمسك بأطرافه ورفعه وخفضه، وإن كان قويًا وكبيرًا فبأن ينفضه برداءٍ ونحوه من يدٍ وغيرها من الثياب، فقبل أن يأوي إلى الفراش ينبغي أن ينفضه وذلك سُنّة، وفيها وقايةٌ مما يعلق أو يستكنّ في الفراش من حشراتٍ أو حيواناتٍ أو شيءٍ يؤذي الذي ينام عليه.
يقول: "وكان ﷺ إذا أتى فراشه ينفضه بداخلة إزاره" بطرف إزاره ويقول: "إن العبد لا يدري ما خلفه عليه" ما الذي اتصل بهذا الفراش أو حلّ فيه أو جاء إليه من بعده، وكان هكذا ﷺ يأمر بذلك ويقول: "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خَلَفه عليه، ثم يقول باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" أو "بما تحفظ به الصالحين" في رواية في البخاري.
وهكذا في رواية أبي داود: "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خَلَفه عليه، ثم ليضطّجع على شِقّه الأيمن ثم ليقُل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" وهكذا جاءنا في رواية الترمذي يقول: "إذا قام أحدكم عن فراشه ثم رجع إليه فلينفضه بصنفة إزاره ثلاث مرات فإنه لا يدري ما خلفه عليه، فإذا اضطجع فليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين، فإذا استيقظ فليقُل الحمد لله الذي عافاني في جسدي وردّ عليّ روحي وأَذِنَ لي بذكره" هكذا جاءتنا إرشاداته ﷺ وهو في رواية ابن ماجه: "إذا أراد أحدكم أن يضطجع على فراشه فلينزع داخلة إزاره ثم لينفُض بها فراشه فإنه لا يدري ما خَلَفه عليه، ثم ليضطجِع على شِقّه الأيمن ثم ليَقُل ربي بك وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين".
فينبغي للمؤمن أن يحافظ على هذه الآداب وأن يختم عمل يومه وليلته قبل المنام بسُنّة سيد الأحباب، وأن ينام صافي الطويّة نقي الفؤاد عن الغش والغلِّ لصغيرٍ أو كبير.
ويذكر كذلك أنه: "كان ﷺ ينام على جنبه الأيمن غير ممتلئ البدن من الطعام والشراب" أي: فلا يكثر قبل النوم من أكلٍ ولا شربٍ وإذا تعشّى فكان العشاء إمّا آخر العشية قبل المغرب أو قبل صلاة العشاء بعد المغرب؛ فهذا وقت عشائهم ووقت أكلهم، حتى قال أهل العلم في قوله: "إذا حضر العَشَاء والعِشَاء" أنّ المراد العِشَاء الأولى وهي المغرب لأن ذلك كان وقت عشائهم.
وذكر قوله: "من بات في خفّةٍ من الطعام والشراب يصلي تداكّت حوله الحور العين حتى يصبح". إشارة إلى عناية الله سبحانه وتعالى به، "من بات في خفّةٍ من الطعام والشراب يصلي تداكّت حوله" يعني: ازدحمت حوله "..الحور العين حتى يصبح"، يُقال: تداكّ عليه القوم إذا ازدحموا عليه. وهكذا، قالت: "وكان ﷺ يباشر -أحيانًا- بجنبه الأرض، وكان لا يتخذ الفرش المرتفعة"، وجاء في الصحيحين عن عائشة قالت: "كان ﷺ فراشه من أدمٍ حشوه من ليف" يعني: جلد وحشوه من الليف الذي يؤتى به من النخل. ويقول سيدنا أنس بن مالك دخلت على النبي ﷺ وهو على سريرٍ مرمول بشريطٍ" يعني: من الحبال المتخذة من خوص النخل، "تحت رأسه وسادة من أدمٍ حشوها ليف، ما بين جلده وبين السرير ثوب، فدخل عليه عمر فبكى فقال له النبي ﷺ: ما يبكيك يا عمر؟ قال: أما والله ما أبكي يا رسول الله ألا أكون أعلم أنّك أكرم على الله من كسرى وقيصر، وهما يعيثانِ فيما يعيثانِ فيه من الدنيا وأنت يا رسول الله بالمكان الذي أرى! فقال النبي ﷺ: أما ترضى يا عمر أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: فإنه كذلك" هكذا رواه البخاري في كتاب الأدب المفرد. ﷺ وسادته يعني: مخدته التي ينام عليها من أدم، يعني: جلد مدبوغ، حشوها -أي: الوسادة- ليفٌ؛ ورق النخل. ﷺ.
وقال: "وكان له ﷺ عباءة تثنى له طاقين" أي: تعطف عطفة فتصير طاقين فينام عليها، "فثنَاها له بعض أزواجه.." يعني: عطفها "مرةً أربع طاقات فنام ﷺ عن وِرده.." أي: تأخر عن قيامه "فلما استيقظ قال: أعيدوها إلى الحال الأول،" من غيّر الفراش؟ "..فإن وطيئتهَا ولينها منعني قيام ليلتي." أي: في الوقت الذي كان يعتاد فيه القيام ﷺ. هكذا جاء عند الترمذي في الشمائل، يقول: سُئلت حفصة ما كان فراش رسول الله ﷺ؟ قالت: مسحًا نثنيه ثنيتين فينام عليه، فلمّا كان ذات الليلة قلت لو ثنيته أربع ثنيات لكان أوطأ له، فـثنينَاه له بأربع ثنيات، فلما أصبح قال: ما فرشتم لي الليلة؟ قلنا: هو فراشك إلإ إنّا ثنيناه بأربع ثنيات قلنا هو أوطأ لك، قال: ردّوه لحالته الأولى فإنه منعتني وطاءته صلاتي الليلة" أي: قيامه في الوقت الذي كان يعتاد ﷺ، وهو المخاطب بقول ربّه: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) [المزمل:1-4]
"وكان ﷺ يضطجع على الوسادة ويضع يده تحت خده." أي: اليمنى تحت خده الأيمن، ويمد يده اليسرى على طول فخذه الشريف، وهكذا إذا كان عنده وقت طويل ينام فيه، فإذا كان الوقت يسير وهو في سفره أو غزواته وجهاده، نصب يده ورفعها على الأرض ونام على يده هكذا ﷺ، ليأخذ غفوة ثم يقوم.
قال: "كان إذا عرّس وعليه ليل توسّد يمينه،.." أي: اضطجع ووضع يمينه تحت خده "..وإذا عرّس" بات "قبل الصبح.." قريب الوقت الصبح "..وضع رأسه على كفّه اليمنى وأقام ساعده." فيقيم الساعد؛ ينصبه ﷺ. وجاء في سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجة قال: "إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خدّه ثم يقول اللهم قِني عذابك يوم تبعث عبادك، ثلاث مرات". وهكذا جاء في رواية أبي قتادة عند الإمام أحمد في مسنده: "كان ﷺ إذا عرّس وعليه ليلٌ توسّد يمينه، وإذا عرّس الصبح وضع رأسه على كفّه اليمنى وأقام ساعده" ﷺ. وفي رواية مسلم: "كان رسول الله ﷺ إذا كان في سفر فعرّس بليلٍ اضطجع على يمينه وإذا عرّس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه" ﷺ. والنزول في الليل يُقال له: تعريس، إذا نزل في مكان في الليل ﷺ.
"وكان ﷺ ينام أول الليل ثم يستيقظ في أول النصف الثاني وذلك حين يصيح الديك، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين، وكان ﷺ إذا نام لا يوقظه أحدٌ حتى يكون هو الذي يستيقظ،.." لأنه يوحى إليه في النوم، "وكان نومه ﷺ أعدل النوم.". وقد ينام من أول الليل ويقوم آخره يصلي، ثم يرجع إلى فراشه فإذا أذّن المؤذّن وَثَبَ، وسُئلت سيدتنا عائشة: أي العمل أحبّ إلى النبي؟ قالت: الدائم، قلت: متى كان يقوم؟ قالت: يقوم إذا سمع الصارخ؛ أي: صياح الديك؛ إذا سمع الصارخ قام فصلى ﷺ. ويقول: "أفضل القيام قيام داود؛ كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه".
ثم يذكر ما كان يتعلّق بإعداده الآلة، وكان في بعض الأحيان -على سبيل الندور- يسهر في شيءٍ من مصالح المسلمين وأحوالهم، كما جاء: "كان ﷺ يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين". وهكذا جاء عن سيدنا عمر، يقول: طلبت رسول الله ﷺ ليلة فلم أجده في أبياته، فذهبت إلى أبي بكر فوجدت رسول الله عنده، فاستأذنت فأذِن لي فوجدتهما يتشاورانِ في شؤون الأمة. ﷺ وهكذا فرّق العلماء بين السمر وأن السهر في مجرد الفضول والكلام غير الضروري يُكره عند عامّة العلماء، وما كان في ذكرٍ لله أو هّمٍّ بأمور المسلمين أو مطالعة علمٍ أو جبرِ خاطرِ ضيفٍ أو إيناس أهلٍ يخرج عن الكراهة.
جاء بعضهم إلى عند سيدنا عمر في رواية في مسند الإمام أحمد وعند ابن أبي شيبة يقول: جاء وهو بعرفة ويقول: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة وتركت بها رجلًا يُملئ المصاحف عن ظهر قلبه! فغضب سيدنا عمر ظن أحد يتجرأ على القرآن ويدّعي حفظه فغضب وانتفخ، قال: من هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود؛ بَرَد سَكَن لمّا قال عبد الله بن مسعود حتى عاد إلى حالته، قال: ويحك! والله ما أعلم بقي من الناس أحد أحق منه بذلك؛ مثل عبد الله بن مسعود وسأحدّثك عن ذلك، كات رسول الله ﷺ لا يزال يسمر عند أبي بكرليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين، وأنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فخرج رسول الله ﷺ وخرجنا معه، فإذا رجلٌ قائم يصلي في المسجد -هو عبد الله بن مسعود- فقام رسول الله ﷺ يستمع قراءته، وكانت تعجبه قراءة ابن مسعود، يقول: "من أراد أن يقرأ القرآن غضًّا طرّيًا كما أُنزل فليقرأ بقراءة ابن أمّ عبد" يقول بقي يستمع فلما كدنا أن نعرفه قال ﷺ: "من سرّه أن يقرأ القرآن رطبًا كما أُنزل فليقرأه بقراءة ابن أمّ عبد"؛ يعني: ابن مسعود، قال ثم جلس الرجل يدعوه؛ يعني: يدعو الله تعالى، والنبي عند الباب يسمعه هناك وما هو داري، فقال ﷺ: "سل تُعطَه، سَل تُعطه" وفي لفظٍ قال: "ادعو قد استُجيب لك، ادعو قد استُجيب لك، ادعو قد استُجيب لك" قال سيدنا عمر قلت: والله لأبشرنّه! قال: فغدوت عليه الصباح مع الفجر لأبشّره فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشّره، ولا والله ما سابقت أبا بكر إلى خير إلا سبقني إليه.
رضي الله عنهم، ورزقنا الاتباع والاقتداء والاهتداء، ودَفَع عنا كل زيغٍ وردى، وتولّانا فيما خفيَ وما بدى.
بِسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.الفاتحة.
03 ذو الحِجّة 1444