كشف الغمة 278- كتاب الجنائز (16) فصل في التكبيرات وكيفية الصلاة على الميت
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 278- كتاب الجنائز (16) فصل في التكبيرات وكيفية الصلاة على الميت
صباح الثلاثاء 26 شعبان 1446هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة منها :
- هل تشترط الجماعة لصلاة الجماعة؟
- أركان صلاة الجنازة
- جزاء من يحسن الصلاة على الأموات والدعاء لهم
- عدد تكبيرات صلاة الجنازة
- هل يسن دعاء الاستفتاح في الجنازة؟
- صيغة الصلاة الابراهيمية في الجنازة
- قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الثانية
- الصلاة على النبي ركن
- الدعاء بعد التكبيرة الرابعة قبل السلام
- هل التسليم مرتين في صلاة الجنازة؟
- مما ورد في صلاة الجنازة
- هل تقرأ سورة بعد الفاتحة؟
- دعاء النبي للميت
- معنى دعاء: وأبدله زوجا خيرا من زوجه
- عدد تسليمة الجنازة
- يصلى على الطفل إذا ظهرت عليه علامات الحياة
- حكم الصلاة على السقط إذا مرت عليه 6 أشهر ودفنه وتكفينه
- كيف سلم النبي من صلاة الجنازة؟
- صلاة النبي على ابنه والدعاء للطفل
- حكم صلاة الجنازة قبل طلوع الشمس
نص الدرس المكتوب :
فصل في التكبيرات وكيفية الصلاة على الميت
"كان رسول الله ﷺ يقول:" لما صلت الملائكة على آدم -عليه الصلاة والسلام- كبرت عليه أربع تكبيرات"، وكان ﷺ يكبر على الجنازة أربعًا، وكبر على أهل بدر خمسًا وستًا فقيل له في ذلك فقال:"إنهم شهدوا بدرًا"، وكان أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: كانوا يكبرون الله على عهد رسول الله ﷺ سبعًا وخمسًا وستًا وأربعًا فجمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الصحابة وأمرهم بأربع تكبيرات كأطول الصلاة، وكبر أنس -رضي الله عنه- مرة ثلاثًا سهوًا فقيل له في ذلك فاستقبل وكبر الرابعة ثم سلم، قال الحسن -رضي الله عنه-: ولم يبلغنا أنه ﷺ كان يرفع يديه في شيء من التكبيرات سوى التكبيرة الأولى فكان يرفع فيها ثم يضع يده اليمنى على اليسرى، وكان ﷺ يقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة وسورة بعدها، وكان يجهر تارة ويسر بالقراءة في نفسه أخرى، وكان إسراره أكثر من جهره، وكان إذا فرغ من القراءة كبر ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يكبر ويخلص الدعاء للميت في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرًا في نفسه، قال فضالة بن أبي أمية -رضي الله عنه-: وقرأ الذي صلى على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- بفاتحة الكتاب، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يقرأ شيئًا في الصلاة على الجنازة، وكان عثمان -رضي الله عنه- يقول: من صلى على جنازة فليتوضأ فإنها صلاة.
وكان ﷺ يدعو للميت بأدعية مختلفة بحسب الوحي ويقول: "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء"، فتارة كان ﷺ يقول: "اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده"، وتارة يقول :"اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها إلى الإسلام وأنت قبضت روحها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها فاغفر لها"، وتارة يقول ﷺ: "اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهلًا خيرًا من أهله وزوجًا خيرًا من زوجه وقه فتنة القبر وعذاب النار"، وتارة يقول : "اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك فقه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد، اللهم فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم"، وكان ﷺ يدعو بعد التكبيرة الرابعة قدر ما بين التكبيرتين.
وكان ﷺ يسلم مرتين وكثيرًا ما يسلم واحدة يرفع بها صوته حتى يسمع من يليه، وكثيرًا ما كان ﷺ يسلم سرًا كما مر آنفًا، وكان ﷺ لا يصلي على الطفل إلا إذا استهل صارخًا ويقول: "لا يصلى على الطفل ولا يرث ولا يورث حتى يستهل"، والاستهلال هو العطاس كما في رواية البزار، وصلى النبي ﷺ على ابنه إبراهيم -عليه السلام- وهو ابن سبعين ليلة، وفي رواية ثمانية عشر شهرًا، وتقدم قوله ﷺ: "والطفل يصلى عليه ويُدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة".
وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول في الصلاة على الطفل: "اللهم أعذه من عذاب القبر واجعله لنا سلفًا وذخرًا وفرطًا وأجرًا".
وكان عمر -رضي الله عنه- إذا جاءته جنازة بعد الصبح يقول لأهلها: إما أن تصلوا على جنازتكم الآن وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس، وكان ابن عمر يصلي عليها بعد الصبح والعصر إذا صُليتا لوقتهما ولكن كان لا يصلي عند طلوع الشمس ولا غروبها."
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمدلله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده وصفوته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته، وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله؛ خيرة الرحمن في خلقه وصفوته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكُر الشيخ ما يتعلق بصلاة الجنازة من التكبيرات فيها وكيفيتها؛ فيقول: "لما صلت الملائكة على آدم -عليه الصلاة والسلام- كبرت عليه أربع تكبيرات"، جاء عند البيهقي في السنن الكبرى.
ومن هنا جاءت التكبيرات في صلاة الجنازة أنها أربع تكبيرات وتتقدمها النية؛ ثم ما يتخلل التكبيرات من قراءة وصلاة على النبي ﷺ ودعاء.
-
والصلاة على الجنازة: فرضُ كفاية كما هو معلوم.
-
وفي قول عند المالكية: أنها سُّنة كفاية.
والمعتمد عندهم كغيرهم من الأئمة أن الصلاة على الميت: فرضُ كفاية قبل أن يدفن فيصلى عليه؛ ومع ذلك يقول المالكية: من شرط صحتها الجماعة مثل صلاة الجمعة.
-
وقال الأئمة الثلاثة الحنفية والشافعية والحنابلة: لا تشترط الجماعة؛ وإنما هي سُنة أن يصلوها جماعة، فإذا صلى واحد منفرد صحت؛ وجاء أنهم في الصلاة على نبينا ﷺ صلوا عليه فرادى.
لصلاة الجنازة أركان:
-
فيقول الحنفية:
-
هي التكبيرات.
-
والقيام؛ فلا تصح من القاعد، فحكمها حكم الفرض يجب أن تصلى من قيام على القادر على القيام، فمن كان مريضًا أو عاجزًا ولو كان إمامًا صلى قاعدًا .
-
-
يقول المالكية: أركان صلاة الجنازة خمسة:
-
النية.
-
وأربع تكبيرات.
-
ودعاء بينهن؛ بعد الرابعة إن أحب دعا وإن أحب لم يدعو.
-
وتسليمة واحدة هي الفرض والثانية سنة.
-
وقيام لها للقادر.
-
فهذه أركان صلاة الجنازة عند المالكية.
-
يقول الشافعية: أركان صلاة الجنازة:
-
النية.
-
وأربعة تكبيرات.
-
وقراءة الفاتحة، والأفضل أن تكون بعد التكبيرة الأولى.
-
والصلاة على النبي ﷺ بعد التكبيرة الثانية.
-
والدعاء للميت بعد التكبيرة الثالثة.
-
والسلام.
-
والقيام.
-
فصارت سبعة.
-
ويقول الحنابلة كذلك أركان صلاة الجنازة:
-
القيام على القادر.
-
وتكبيرات أربعة.
-
وقراءة الفاتحة على غير المأموم؛ فالفاتحة عند المأموم تسقط عند الحنابلة.
-
والصلاة على النبي ﷺ.
-
وأدنى دعاء للميت.
-
والسلام.
-
والترتيب.
-
فهذه أقوال الأئمة في أركان صلاة الجنازة.
ومن كان يعتني بإحسان الصلاة على الأموات يسخر الله له عند موته من يحسن الصلاة عليه، ومن كان يخلِص في الدعاء للأموات يسّرَ الله له عند موته من يخلص الدعاء له لذلك الميت، وهكذا الجزاء من جنس العمل.
ويقول: "وكان ﷺ يكبر على الجنازة أربعًا، وكبر على أهل بدر خمسًا وستًا فقيل له في ذلك فقال:"إنهم شهدوا بدرًا".
-
والذي عليه جمهور أهل الفقه: أن التكبيرات أربع، وعند بعضهم خمس.
-
وإذا كبَّر الإمام خمسًا لم يتبعه المأموم عند الحنفية وعند الشافعية.
-
قال الحنابلة إلى سبع يتبعه، ما زاد على سبع لا يتبعه.
ولا يجوز أن يسلم قبله؛ حتى يسلم الإمام ثم يسلم، ولينتظره يقضي تكبيراته حتى يسلم.
التكبيرة الأولى:
-
ويقول الحنفية كذلك: إذا كبَّر التكبيرة الأولى أثنى على الله -فهو عندهم سُنة أن يأتي بالدعاء كما هو اختيار بعض الحنابلة- يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك تعالى جدك ولا إله غيرك".
-
ولكن معتمد الحنابلة كغيرهم: أنه لا ثناء في التكبير؛ لا يسن دعاء الاستفتاح.
-
فكذلك يقول المالكية والشافعية والحنابلة: لا دعاء استفتاح في صلاة الجنازة؛ بل إذا كبَّر التكبيرة الأولى شرع في التعوذ وقراءة الفاتحة؛ فلا يسن له دعاء الافتتاح إلا عند الحنفية،
وإذا كبر تعوذ وسمّى وقرأ الفاتحة هكذا عند الشافعية والحنابلة،
التكبيرة الثانية:
-
وإذا كبر الثانية يأتي بالصلاة على النبي ﷺ والصلاة الإبراهيمية أفضلها بأي صيغة من الصيغ التي وردت؛ وأقلها: "اللهم صل على سيدنا محمد".
قالوا: وإذا أتى بالصيغة الإبراهيمية فيُسن أن يضيف إليها السلام فيقول: اللهم صلِّ وسلم، وليس ذلك في الصيغة الإبراهيمية لأنها جاءت تعليمًا لهم كيف يصلون عليه في الصلوات، وقد تقدم السلام في التشهد بقولهم: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، فيأتون بالصلاة الإبراهيمية (اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي) لا يوجد وسلم، ولكن في الصلاة الجنازة لم يتقدم السلام فيُسن أن يقول: (اللهم صل وسلم على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى أزواجه وذريته كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم).
-
فبعد التكبيرة الثانية: يُسن أن يحمد الله ويجب أن يصلي على النبي ﷺ، ويُسن أن يكون بالصلاة الإبراهيمية وأن يضيف عليها وسلم، وأن يدعو الله بعدها للمؤمنين والمؤمنات بالمغفرة اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات هذا بعد التكبيرة الثانية.
أما بعد التكبيرة الأولى فقراءة الفاتحة عند الشافعية والحنابلة؛ يقرأ فاتحة الكتاب.
ويقول المالكية: الصلاة على النبي ﷺ في صلاة الجنازة مندوبة عقب كل تكبيرة قبل الشروع في الدعاء، يقول: (الحمد لله الذي أمات وأحيا والحمد لله الذي يحيي الموتى له العظمة والكبرياء.. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد) ويدعوا.
وعلمنا أن الصلاة على النبي عند الشافعية والحنابلة ركن من أركان الصلاة؛ ولكن السُّنة فيها:
-
أن تكون الإبراهيمية.
-
وأن يزيد وسلم.
-
وأن يحمد الله قبلها.
-
وأن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، بعدها.
ويكبر التكبيرة الرابعة.
-
وظاهر مذهب الحنفية والحنابلة: لا دعاء بعدها، وفي قول عند الحنفية يقول: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201]، وآية (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8].
-
ولكن يسن عند الشافعية والمالكية يدعو بعد الرابعة يقول: (اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله ولجميع المسلمين)، ويقرأ آيات منها: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ۚ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [ غافر: 7-9]. وكذلك الآيتين المشار إليهما (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201]، وآية (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8].
هذا كله سنة بعد التكبيرة الرابعة قبل السلام عند الشافعية؛ فيسن الدعاء بعد التكبيرة الرابعة عند الشافعية وعند المالكية.
-
والسلام بعد ذلك هو من الأركان كما سمعنا:
-
وهو واجب عند الحنفية، وعندهم التسليم مرتين بعد التكبيرة الرابعة.
-
وكذلك عند الشافعية: التسليم مرتين الأولى فرض، والثانية سُنة كما هي في الصلوات الخمس.
-
والتسليمة الثانية جائزة عند الحنابلة وليست بسُنة.
-
ويقول المالكية تكون التسليمة مرة واحدة.
-
ومن كان يسلم مرتين فيلتفت عن يمينه في الأولى وعن يساره في الثانية، ومن يسلم تسليمة واحدة فيكون وهو مستقبل القبلة لا يلتفت يمين ولا يسار.
-
يقول: "وكان أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: كانوا يكبرون الله على عهد رسول الله ﷺ سبعًا وخمسًا وستًا وأربعًا فجمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الصحابة وأمرهم بأربع تكبيرات كأطول الصلاة، وكبر أنس -رضي الله عنه- مرة ثلاثًا سهوًا فقيل له في ذلك فاستقبل وكبر الرابعة ثم سلم، -فحكم السهو فيها كحكم السهو في بقية الصلوات- قال الحسن -رضي الله عنه-: ولم يبلغنا أنه ﷺ كان يرفع يديه في شيء من التكبيرات سوى التكبيرة الأولى فكان يرفع فيها ثم يضع يده اليمنى على اليسرى، -فاختلفوا في ذلك؛ وقال الشافعية: يسن أن يرفع يديه في كل تكبيرة- وكان ﷺ يقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة وسورة بعدها".
ومعتمد الشافعية أنه: لا تُسن السورة لأن صلاة الجنازة مبنية على التخفيف؛ فلا دعاء افتتاح؛ ولا سورة بعد الفاتحة.
"وكان يجهر تارة ويسر بالقراءة في نفسه أخرى، وكان إسراره أكثر من جهره".
ولما سمع بعض الصحابة دعاءه لبعض الأموات قال: تمنيتُ أن أكون أنا ذلك الميت يقول سيدنا مالك بن عوف كما روى الإمام مسلم؛ لما صلى على جنازة فأخذ يدعو "اللَّهُمَّ اغْفِرْ له وارْحَمْهُ، وَعافِهِ واعْفُ عنْه، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، واغْسِلْهُ بالماءِ والثَّلْجِ والْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطايا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ" قال: تمنيتُ أن أكون أنا ذلك الميت ويدعو لي رسول الله ﷺ بهذا الدعاء؛ صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه.
قال: "وكان إذا فرغ من القراءة كبر ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يكبر ويخلص الدعاء للميت في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرًا في نفسه، قال فضالة بن أبي أمية -رضي الله عنه-: وقرأ الذي صلى على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- بفاتحة الكتاب، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يقرأ شيئًا في الصلاة على الجنازة" -وعليه الحنفية والمالكية-، "وكان عثمان -رضي الله عنه- يقول: من صلى على جنازة فليتوضأ فإنها صلاة" -نعم غير شك لا تصح إلا بالطهارة-.
"وكان ﷺ يدعو للميت بأدعية مختلفة بحسب الوحي ويقول: "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء"، فتارة كان ﷺ يقول: "اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده".
وهذا أيضًا من الأدعية المسنونة عند الشافعية ولكن ما يكفي؛ لأنه دعاء عام حتى يخصص الميت فيقول: اغفر له وارحمه.
"وتارة يقول :"اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها إلى الإسلام وأنت قبضت روحها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها فاغفر لها""-جاء أيضًا في رواية أبي داود وعند الإمام أحمد والنسائي.
"وتارة يقول ﷺ: "اللهم اغفر له وارحمه" -هذا الذي رواه الإمام مسلم عن مالك بن عوف وتمنى أن يكون هو الميت، سمعه يقول: "اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله -أي: ضيافته- واغسله بماء وثلج وبرد -إشارة إلى ما ينازله من ألطاف الله تبارك وتعالى- ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس -أي: لا تبقي عليه صغيرة ولا كبيرة ولا أثر للذنوب والخطايا- وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهلًا خيرًا من أهله وزوجًا خيرًا من زوجه".
كيف أهل خير من أهله وزوج خيرًا من زوجه؟ والمؤمنون يلتقون بأهليهم وأزواجهم في الجنة، والخاسرون يلتقون الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة؟ التبديل في الأهل والزوج يكون تبديل صفات لا تبديل ذوات؛ تبديل صفات أي: يجعل أهله خيرًا منهم وأحسن مما كان عليه، يتبدلون إلى ما هو أفضل وأجمل وأتم، وكذلك زوجه يقول: "وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ" ما هو تبديل ذات تبديل صفات؛ وزوجة المؤمن تكون زوجته في الجنة؛ فإن تزوجت على عدد من الرجال خُيِّرت فاختارت أحسنهم خُلُقا، وأقل ما يُزوَّج المؤمن في الجنة اثنتان من نساء الدنيا وسبع من حوريات نساء الجنة، ويجعل الله تعالى جمال وكمال المؤمنات اللاتي كُنَّ في الدنيا أعظم من الحور العين؛ لأنهن اُختبرنَ وابتُلينَ بتكليف، والحور العين خُلقن في الجنة ما مرينَ على تكليف أمر ونهي، فيكسوهن الله حُسنًا وجمالًا يزيد على الحور العين.
وقال: "ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهلًا خيرًا من أهله وزوجًا خيرًا من زوجه وقه فتنة القبر وعذاب النار"، وتارة يقول : "اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك فقه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد، اللهم فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم". فهذا أيضا من الدعوات التي جاءت في سنن أبي داود، وعند ابن ماجه، وعند الإمام أحمد في المسند في دعاء النبي ﷺ للميت.
"وكان ﷺ يدعو بعد التكبيرة الرابعة قدر ما بين التكبيرتين". وعليه كما سمعتَ قول الشافعية: بعد التكبيرة الرابعة يدعو.
"وكان ﷺ يسلم مرتين وكثيرًا ما يسلم واحدة يرفع بها صوته -وعليه الحنابلة أخذوا بالتسليمة الواحدة كالمالكية- حتى يسمع من يليه، وكثيرًا ما كان ﷺ يسلم سرًا كما مر آنفًا، وكان ﷺ لا يصلي على الطفل إلا إذا استهل صارخًا ويقول: "لا يصلى على الطفل ولا يرث ولا يورث حتى يستهل" -أي: تثبت له الحياة عند خروجه من بطن أمه-، والاستهلال هو العطاس". والمراد أن تظهر علامة واضحة من علامات الحياة من عطاس أو بكاء أو صياح أو حركة اختيارية:
-
فإذا ظهرت عليه علامة من علامات الحياة بعد نزوله من بطن أمه فمات فحكمه حكمه الكبير في وجوب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه وحمله ودفنه؛
-
وأما هذا السقط الذي خرج من بطن أمه ولم تظهر عليه علامة من علامات الحياة خرج ميتًا ولكنه قد تصور خلقه، قد ظهرت عليه الصورة فهذا تُمنع في حقه الصلاة ويجب تغسيله وتكفينه ودفنه.
-
وقال الإمام الرملي: إذا مضت عليه ستة أشهر يُصلَّى عليه أيضًا.
-
وقال ابن حجر: لا يُصلَّى عليه وإنما يُغسَّل ويُكفَّن ويُدفَن؛ ما دام لم يستهل ولم تظهر عليه بعد خروجه من بطن أمه أي علامة من علامات الحياة.
والعمل عندنا في هذه المسألة على قول الرملي: فإذا مضت له ستة أشهر في بطن أمه صلوا عليه وإن لم تظهر عليه علامة من علامات الحياة فيغسلونه ويكفنونه ويصلون عليه ويدفنونه؛ لأنهم عند اختلاف العلماء يحبون ما هو الأفضل وما فيه العمل أكثر، فقدموا رأي الرملي على خلاف عادتهم.
الشافعية عندنا في حضرموت فيصلون على الطفل السقط إذا خرج من بطن أمه بعد مضي ستة أشهر يكون قد تكمَّل خلقه.
-
وأما إذا خرج وبعد لم يتكمل خلقه وصورته ما ظهرت؛ فهذا لا يجوز أن يُصلَّى عليه باتفاق، ويُسَن ستره ودفنه ولا يجب شيء.
وفي ذلك قالوا:
والسقط كالكبير في الوفاة *** إن ظهرت أمارة الحياة
إذا ظهرت أمارة أنه حي بأن عطس أو صاح بكى عند خروجه من بطن أمه وتحرك حركة اختيارية فهذا مثل الكبير؛ يجب تغسله وتكفنه والصلاة عليه ودفنه
والسقط كالكبير في الوفاة *** إن ظهرت أمارة الحياة
أو خَفِيَتْ وخلقه قد ظهرا *** فامنع صلاة وسواها اعتبرا
تُمنع الصلاة أي سواء كان له ستة أشهر أو أقل أو أكثر، وقال الرملي: إذا له ستة أشهر يُصلى عليه؛ أما سوى الصلاة فمعتبر باتفاقهم وهو تغسيله وتكفينه ودفنه؛ أو خَفِيَت أيضًا، لا علامة حياة وعاد الصورة ما تصورت، عاده ما ظهرت عليه علامة الخلق والتكوين فهذا أيضًا لا يجب شيء.
أو خَفِيَت أيضًا ففيه لم يجب *** شيء وسترٌ ثم دفنٌ قد نُدِب
نُدِب أن يسترها بخرقة هذا السقط ويدفنه.
وسترٌ ثم دفنٌ قد نُدِب
لأنه عاد ما تكون عاد ما ظهرت عليه صورة؛ لا إله إلا الله!
-
(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 6]
-
﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) -بل أنت- (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ﴾ [الواقعة: 58-61].
اللهم أحينا حياة السعداء وتوفنا وفاة الشهداء، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
قال: "وكان ﷺ يسلم مرتين".
-
قال أبو حنيفة والشافعي وجماعة من السلف: تسليمتين يُسن؛ الأولى واجبة والثانية سنة.
-
قال الحنابلة: يسلم تسليمة واحدة عن يمينه وتلقاء وجهه أولى.
ويقول: "وكان ﷺ يسلم مرتين وكثيرًا ما يسلم واحدة يرفع بها صوته حتى يسمع من يليه، وكثيرًا ما كان ﷺ يسلم سرًا كما مر آنفًا، وكان ﷺ لا يصلي على الطفل إلا إذا استهل صارخًا ويقول: "لا يصلى على الطفل ولا يرث ولا يورث حتى يستهل"، والاستهلال هو العطاس، كما في رواية البزار، وصلى النبي ﷺ على ابنه إبراهيم -عليه السلام- وهو ابن سبعين ليلة، وفي رواية ثمانية عشر شهرًا".
وتقدم قوله ﷺ: "والطفل يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة".
يقول: "اللهم اجعله فرطًا لأبويه، وسلفا وذُخرا وعظةً واعتبارا وشفيعا، وثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، ولا تفتِنهما بعده، ولا تحرمهما أجره"، بعد أن يقول: "اللهم اغفر له وارحمه" لأن هذا الدعاء لوالديه ليس له.
"وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول في الصلاة على الطفل: "اللهم أعذه من عذاب القبر واجعله لنا سلفًا وذخرًا وفرطًا -معنى فرطًا: سابقًا مهيأً للمصالح، يسبق يهيء المصلحة- وأجرًا".
"وكان عمر -رضي الله عنه- إذا جاءته جنازة بعد الصبح يقول لأهلها: إما أن تصلوا على جنازتكم الآن وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس".
-
فيكون فيه خروج من الخلاف، فيجوز الصلاة على الميت بعد صلاة الصبح.
-
إلا عند الحنفية فلا؛ ما تصح الصلاة في هذا الوقت.
-
فإذا كان بعد طلوع الشمس أفضل.
"وكان ابن عمر يصلي عليها بعد الصبح والعصر إذا صليتا لوقتهما ولكن كان لا يصلي عند طلوع الشمس ولا غروبها."
في لحظة الطلوع والغروب يتجنب الصلاة في هذا الوقت.
رزقنا الله البركة في الأعمار، والختم بأكمل الحسنى وهو راض عنا، وجعل قبورنا وقبور آبائنا وأمهاتنا وأصحابنا وأحبابنا رياضًا من رياض الجنة، واجعل لنا ولهم وقاية من عذابه وجُنَّة، وثبتنا على ما يحبه منا ويرضى به عنا، اللهم ثبتنا على الحق فيما نقول، وثبتنا على الحق فيما نفعل، وثبتنا على الحق فيما نعتقد، واعصمنا من الشرك واغفر لنا ما دون ذلك، وبارك في أعمارنا، وبارك لنا في خاتمة شعبان، وبارك لنا في رمضان، وأيامه ولياليه وليلة القدر فيه، وبارك لنا في تلاوة القرآن في رمضان، وأعنا على حسن الصيام وحسن أداؤه، وعلى حسن القيام وحسن أداءه، وعلى التبتل إليك والإنابة إليك، والظفر بما في خزائنك من فضلك العظيم ومَنِّك الجسيم.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم
الفاتحة
03 رَمضان 1446