كشف الغمة 267- كتاب الجنائز ( 5) مسائل متعلقة بغسل الميت
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 267- كتاب الجنائز ( 5) مسائل متعلقة بغسل الميت
صباح الأربعاء 22 رجب 1446
يتضمن الدرس نقاط مهمة منها :
- أحوال يقوم التيمم بدل غسل الميت
- استخدام البخور
- تمشيط الشعر وقص الأظافر للميت
- تنشيف الميت بعد غسله
- روايات وردت في الغسل
- من هو الشهيد الذي لا يغسل؟
- يدفن الشهداء بدمائهم
- موقف دفن شهداء أحد
- قصة رجوع النبي من أحد والخروج مرة أخرى
- تمني الشهداء أن يرجعون
- جرف قبور الصحابة بسبب السيل
- هل يجوز أخذ شيء من شعر الميت؟
نص الدرس المكتوب :
"وكان علي -رضي الله عنه-: إذا ماتت امرأة في السفر مع الرجال ليس معهم امرأة غيرها أو الرجل مع النساء ليس معهن غيره فإنهما ييممان ويدفنان وهما بمنزلة من لا يجد الماء، وكان الحسن وعطاء -رضي الله عنهما- يقولان: إذا ماتت امرأة مع الرجال ليس معهم امرأة فليغسلها الرجال يصبوا الماء من فوق الثياب، وأوصت فاطمة بنت عميس أن يغسلها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأسماء فغسلاها، وغسل ابن مسعود -رضي الله عنه- امرأته حين ماتت، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تكره أن يمشط شعر الميت بمشط ضيق الأسنان، وكان سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- إذا غسل ميتًا فوجد شعر عانته طويلًا حلقه له.
وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: الرجل أحق بغسل امرأته من النساء، وكان ﷺ ينهى المرأة إذا غسلت الحبلى أن تمس بطنها ويقول: "إذا غسَّلت إحداكن الحبلى فلا تحركها فإني أخاف أن ينفجر منها شيء لا يستطاع رده"، وكان ﷺ يقول: "للغاسلة طيبي شعر رأس المرأة ولا تغسليه بماء سخن"، وكان ﷺ يقول: "من غسل ميتًا فليبدأ بعصره"، والله أعلم."
فرع: في غسل الشهيد وبيان كيفية غسل رسول الله ﷺ
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ ينهى عن غسل الشهداء والصلاة عليهم ويأمر بدفنهم في دمائهم، ولما قلت الثياب يوم أحد وكثرت القتلى صار رسول الله ﷺ يجمع بين الرجلين والثلاثة في الثوب الواحد والقبر الواحد ويقول: "قدموا في اللحد أكثرهم أخذًا للقرآن"، ولما ضرب عمار -رضي الله عنه- فقال: إذا أنا مت فادفنوني في ثيابي فإني مخاصم أخاصم يوم القيامة، وكان ﷺ يقول: إن كل جرح في الشهيد يفوح مسكًا يوم القيامة وليس أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع وله ما في الأرض من شيء غير الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة"، وسيأتي أواخر الباب أن جابرًا -رضي الله عنه- دفن أباه في وقعة أحد ثم أخرجه من جهة سيل وقع بعد مدة طويلة فإذا هو كيوم وضَعه فلم يتغير من جسده شيء سوى شعيرات من لحيته مما يلي الأرض".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بالشريعة، وبيانها على لسان ذي المراتب الرفيعة والجاهات الوسيعة، عبده المصطفى سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه، وعلى آله وأصحابه ومن غدا مواليًا له وتبيعه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم أجمعين، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الكلام عما يتعلق بتجهيز الميت يقول: " وكان علي -رضي الله عنه-: إذا ماتت امرأة في السفر مع الرجال ليس معهم امرأة غيرها أو الرجل مع النساء ليس معهن غيره فإنهما ييممان ويدفنان، وهما بمنزلة من لا يجد الماء، وكان الحسن وعطاء -رضي الله عنهما- يقولان: إذا ماتت امرأة مع الرجال ليس معهم امرأة فليغسلها الرجال يصبوا الماء من فوق الثياب، وأوصت فاطمة بنت عميس أن يغسلها علي بن أبي طالب وأسماء -أسماء بنت عميس أختها- فغسلاها، وغسل ابن مسعود -رضي الله عنه- امرأته حين ماتت".
ففي أحوالٍ يقوم التيمم مقام الغُسل يُيَمم الميت بدل الغسل ومنه:
-
إذا ماتت امرأة اجنبية بين رجال ليس فيهم محرم لها ولم يوجد هناك امرأة تغسلها، أما إن كان بينهم صبي لم يبلغ حد الشهوة وهو يطيق الغسل علموه الغسل فيغسلها؛ فإن لم يكن فحينئذ تُيَمم بدل الغسل كفاقد الماء وإنما تُيَمم بخرقة.
-
وكذلك إذا مات الرجل بين نسوة ليس فيهن محرم له؛ وليس معهن أيضا بنت صغيرة لم تبلغ حد الشهوة وتستطيع الغسل فيعلمنها الغسل فتغسله.
فهذه من الحالات التي ينتقل فيها من الغسل الى التيمم؛ إذا مات رجل بين نسوة أجانب ولم توجد امرأة محرم؛ أو ماتت امرأة بين رجال أجانب ولم يوجد محرم.
وهكذا هو عند الائمة الأربعة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-
-
يقول الحنفية: إذا كان بين النسوة امرأته غسلته؛ فإن لم تكن وكانت معهن صبية صغيرة لم تبلغ حد الشهوة وتطيق الغسل؛ علمنها الغسل ويخلين بينه وبينها حتى تغسله وتكفنه؛ وكذلك إذا ماتت امرأة بين رجال أجانب.
-
وهناك وجه ذهب إليه أبو الخطاب من الحنابلة ووجه أيضًا عند الشافعية: أن الميت لا يؤمن بهذا بل يغسل يصب عليه الماء من فوق القميص وهذا الذي أشار إليه بقوله "كان الحسن وعطاء -رضي الله عنهما- يقولان: إذا ماتت امرأة مع الرجال ليس معهم امرأة فليغسلها الرجال يصبوا الماء من فوق الثياب"؛ كذلك إذا تعذر الغسل إما لفقد الماء أو كان خشية أن يتهرئ لأنه أبطأ أو محروقا يخشى أن يصب الماء عليه أن يتهرى جسده؛ فحينئذ ييمم -إذا خافوا تقطع جسده بالماء أو تسلخه إذا صُبَّ عليه- فحينئذ ينتقلون إلى تيميمه بدل تغسيله.
وينبغي عند تغسيل الميت استعمال البخور ويزاد عندما يعصرون بطنه؛ لئلا تشمّ رائحة كريهة فيكون البخور شغال معهم.
ثم بعد ذلك ذكر: " وكانت عائشة -رضي الله عنها- تكره أن يمشط شعر الميت بمشط ضيق الأسنان" -مخافة أن يخرج شيء من شعره-، وهكذا مع كون الميت يهيأ لمقابلة ربه -سبحانه وتعالى- فيغسل ويكفن تهيئة لذلك.
فما تعلق بشأن الزينة؛ فهل يستعمل شيء من تسريح الشعر أو تقليم الأظفار أو حلقِ العانة أو نتفِ الإبط أو شيء من ذلك؟
-
فيقول: لا يفعل شيئا من ذلك كما هو مذهب الحنفية وكذلك القول المعتمد عند الشافعية وإن كان فيه خلاف؛ أنه لا يقلم الأظافر ولا يمس شي من شعره بل على هيئته التي مات عليها.
-
وقال الحنابلة: يقص الشارب؛ ورواية عند الإمام أحمد في تقليم الأظفار إن كانت طويلًا فاحشًا؛ ومن أجل تحسين منظره لأجل المقابلة. ولكن المعتمد عند الشافعية وعند الحنفية لا يمس شيء منه يبقيه على ما هو عليه.
-
والتمشيط ما كان بمشط له أسنان متفرقة غير ضيق. فإذا فرغ من غسله نشفه بثوبه، في حديث أم سليم فإذا فرغت منها فألقى عليها ثوبًا نظيفًا.
وهكذا جاء في تغسيلهم لسيدنا ﷺ فجففوه بثوبه، فبعد أن يغسل الميت ينشف حتى يذهب ما عليه من أثر الماء قبل أن يكفن، حتى إذا كان أثناء الغسل سقط شيء من شعره ينبغي أن يردوه ويدخلوه وسط كفنه.
"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: الرجل أحق بغسل امرأته من النساء، وكان ﷺ ينهى المرأة إذا غسلت الحبلى أن تمس بطنها ويقول: "إذا غسلت إحداكن الحبلى فلا تحركها فإني أخاف أن ينفجر منها شيء لا يستطاع رده"، "وكان ﷺ يقول: "للغاسلة طيبي شعر رأس المرأة -أي: بخريه- ولا تغسليه بماء سخن -أي: حار-"، "وكان ﷺ يقول: "من غسل ميتًا فليبدأ بعصره" هذا كما تقدم معنا في أول غسل ليخرج ما بقي في بطنه وأمعائه؛ لينجى بعد ذلك ثم يوضأ ثم يغسل.
"قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ ينهى عن غسل الشهداء" وهم الذين قتلوا في معارك الكفار بسبب القتل بخلاف شهداء الآخرة.
-
فمن مات في معركة الكفار المحاربين؛ وكان موته بسبب القتال فإنه شهيد؛ إن كان لا يقصد ولا يريد إلا أن تكون كلمة الله هي العليا فهو شهيد دنيا وآخرة.
-
وإن كان له غرض آخر فهو شهيد الدنيا وليس شهيدا في الآخرة.
(مَن قاتَل لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا فهو في سبيلِ اللهِ )، ومن قاتل لذكر أو مغنم أو عصبية أو حزبية أو شيء من الأغراض الأخرى ليس بشهيد، وإن كان قتل مع الكفار وقاتلوه الكفار فليس بشهيد لمكان نيته؛ يقول ﷺ: "إنَّ أكثرَ شهداءِ أُمَّتِي أصحابُ الفُرُشِ ورُبَّ قتيلٍ بين الصفَّيْنِ اللهُ أعلمُ بنِيَّتِهِ "، ففي القيامة أكثر شهداء الأمة هم الذين ماتوا على فرشهم من الصادقين والمخلصين فتكون نسبتهم أكثر من الشهداء الذين قتلوا في المعارك؛ لأنه إنما يعد من الشهداء من قتل في المعارك من أخلص قصده لله .
"مَن غَزَا في سبيلِ اللهِ ولم يَنْوِ إلا عِقالًا ؛ فله ما نَوَى" ما عاد له من ثواب الجهاد كله إلا العقال الذي أراده والتفت النفس إليه، فهذا حظه من القتال الكل -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
خرج بعضهم في قتال المعاندين المحاربين من الكفار فقال أحدهم: إن ظفرنا بهم إن شاء الله في الغد -فإنهم أهل أغنام- وسنذبح من أغنامهم وآكل الكبد؛ فإنه يشتهي الكبد ويحب الكبد، وخرجوا للقتال فأراد الله ينبهه؛ نام ورأى ملكين يقول أحدهما للآخر: كتبت من حضر المعركة مجاهدًا أمس، قال: نعم، قال: من فلان وفلان وفلان ما ذكر اسمه، قال: أنا حضرت معهم ما ذكرتم إسمي، قال له الملك: يقول هذا حضر معهم، قال: لا؛ هذا أراد أكل الكبد؛ قال: لا والله ما قصدي إلا إن كان انتصرنا عليهم؛ أنا ما خرجت من شأن هذا، وأنا إلا أقول هذا الكلام إن كان انتصرنا عليهم، وأنا ما قصدي وقعد يبكي؛ قال له صاحبه: ما نصنع به؟ قال: اكتب في الهامش يلحق بهم صاحب الكباد فلان؛ يعرضه على ربك يقبله أو ويرده، خلَّه على جنبه لأنه أراد الكبد، لا إله إلا الله، (مَن قاتَل لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا فهو في سبيلِ اللهِ).
قال: "ويأمر بدفنهم في دمائهم"؛ فإنهم يبعثون يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح المسك، كل جرح وكل كلم كلمه المجاهد في سبيل الله يأتي يوم القيامة عليه رائحة المسك، ويبعث بدمه وعلى دمه نور ورائحة المسك.
"ولما قلت الثياب يوم أحد وكثرت القتلى" -سبعين قتيل-، وبقية الصحابة جرحى، وثياب ماشي عندهم متوفرة، صار رسول الله ﷺ يجمع بين الرجلين والثلاثة في الثوب الواحد والقبر الواحد" ومن لم يغطي الثوب بدنه كله أمروا من يغطوا رأسه وأن يجعلوا على رجليه شجر الأذخر، ورق الشجر حق الأذخر يسترونه به -عليهم رضوان الله- هؤلاء سادة الأمة الذين قامت بهم حقائق الدين إلى يوم القيامة أحدهم ما يجد ثوب.
منهم سيدنا مصعب بن عمير إن غطوا رأسه ظهرت رجليه؛ وأن غطوا رجليه ظهر رأسه، فقال ﷺ: غطوا رأسه واجعلوا على رجليه الإذخر؛ ورق الشجار، -عليهم رضوان الله تعالى-.
ويقول: "قدموا في اللحد أكثرهم أخذًا للقرآن"، فيجيؤون بالإثنين والثلاثة إلى القبر، فيقول: أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟ فإن أشاروا إلى أحدٍ قدموه جهة القبلة وجعل الثاني وراءه، لا إله إلا الله.
وقبرهم ﷺ بيده، حفر الصحابة لهم، وكان يقبرهم بيده ويناولونهم إياه، وهو مشجوج الجبهة مشقوق الشفاة جريح الوجنتين، وكان يتناولهم كلهم ويضعهم بيده في قبورهم سبعين شهيد؛ حتى كمل منهم في آخر العشية مشى إلى المدينة، ووصل إلى بيته قريب المغرب، وكان عامة الصحابة الذين حضروا معه جرحى، وكانوا يمشون وراءه فإذا قابل ديار أحد منهم يقول آل فلان ادخلوا دياركم يقولون: نمشي معك رسول الله إلى دارك يقول: لا يقول: ادخلوا دياركم، فكلما وصل أمام ديار يقول: ادخلوا دياركم، بقي معه سيدنا سعد بن معاذ وسيدنا علي بن أبي طالب حتى وصل إلى بيته حتى لم يستطع الخروج عن فرسه إلا بمساعدتهم خرجوا من فرسه.
فدخل وقت المغرب فخرج يصلي بالناس؛ ودخل إلى بيته الكريم وجاءت السيدة فاطمة تضمد جروحه فخرج يصلي بهم العشاء وكان أنشط منه في المغرب، وأسرع حركة منه في المغرب ﷺ، وفي آخر الليل جاءه من يخبره بأن القوم يفكرون في الرجعة، وأنهم يتشاورون في المكان الفلاني فعزم على الخروج اليوم الثاني وصلى بالناس الفجر، وأخبرهم أنه متوجه وأمرهم كل من حضر معه أحد يمشي، ولا يخرج معه إلا من حضر أحد، والذين رجعوا من المنافقين ما قبلهم، وأمر المنادي ينادي: من حضر معنا غزوة أحد فليخرج ﷺ إذا مقابلة القوم، فكل من سمع النداء خرج من الذين حضروا أحد؛ منهم عدد لما وصلوا في الليل بعد ما تمكنوا من تضميد جروحهم، وقربوا الجمرة والنار فيضمدونهم سمع النداء قال: أعطيني سيفي، تقول له زوجته: بنضمدك. قال: ما تسمعين رسول الله يمشي وأنا أقعد أبعديي هذه الجمره وأعطيني السيف ويخرج ولم يحضر أُحد من لم يحضر أحد معه في خروج هذا؛ إلا سيدنا جابر بن عبد الله قال: يا رسول الله ما تخلفت كسلا ولا نفاقًا، ولكن أبي تركني عند أخواتي، وقال: ما أنا بمؤثرك في الخروج مع رسول الله، ولابد لنا من القيام مع أخواتك هؤلاء، فأبقى معهن وأنا أخرج ورزق الله شهادة في سبيله فأذن له ﷺ أن يخرج معهم وخرج -عليهم رضوان ربي-.
الذين يقول عنهم -جل جلاله وتعالى- (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[آل عمران: 172- 173].
لما في أول مرحلة وصل ﷺ في الليل ونصبوا له خيمة قال: أين فلان وفلان؟ اثنين من الصحابة يعرفهم ويعرف إيمانهم من اللي حضروا أُحد قالوا: ما أحد منهم جاء يا رسول الله، دخل الخيمة قال: لمن حوله إذا جاء فلان فلان أدخلهم علي، ووصلوا في آخر الليل فاستأذنوا النبي ﷺ ليدخلوا، قال: ما أخركم عني؟ قالا: والله ما تأخرنا عنك يا رسول الله؛ ما هو إلا أن سمعنا النداء فخرجنا، ولكن فينا جروح، أخي هذا أكثر جرحا مني، فكنت أحمله أحيانا ثم أضعه يمشي قليلا، ثم أحمله، فهذا هو السبب الذي أخرنا ووصلنا هذه الساعة، في جروح وخوف وقال: وجروح أخي أشد فيتعب في المشي فأحمله، ثم يمشي قليلا، ثم أضعه، يمشي قليلا ثم أحمله، فهذا سبب تأخرنا والآن وصلنا، فدعا لهم ﷺ صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
قال: "ولما ضرب عمار -رضي الله عنه- فقال: إذا أنا مت فادفنوني في ثيابي فإني مخاصم أخاصم يوم القيامة، -يعني: الصادين عن سبيل الله الذين يقاتلون أهل لا إله إلا الله أخاصمهم يوم القيامة (هَٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ)، كما نزلت في شهداء أُحد مع الكفار المحاربين (هَٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ)[الحج:19]؛ حتى قال سيدنا علي -رضي الله عنه-: "أنا أَوَّلُ من يَجْثُو بين يَدَيِ الرحمن للخُصُومة يوم القيامة".
"وكان ﷺ يقول: إن كل جرح في الشهيد يفوح مسكًا يوم القيامة وليس أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع وله ما في الأرض من شيء غير الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة" عند الله -تعالى- وفضل الشهادة وثواب الشهادة وجزاء الشهادة فيعجبه، فيقول عاد ثاني مرة خلنا نقتل يا ر رجعنا؛ منهم شهداء أحد هؤلاء؛ مع أنهم مُثِّل بهم وقطعت آذانهم وقطعت أنوفهم مع ذلك قالوا الثاني مرة بغينا وحدة كما هذه خلنا نرجع مع نبيك اثاني مرة نجدع ونقطع، قال الله سبق القضاء مني أنهم إليها لا يرجعون) قال: فأخبر من ورآنا أن لقيناك فرضيت عنا وأرضيتنا؛ فأنزل في قوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 169-171].
قال: "وسيأتي أواخر الباب أن جابرًا -رضي الله عنه- دفن أباه في وقعة أحد ثم أخرجه من جهة سيل"؛ سيل بعد أربعين سنة من هذه الوقعة -وقعة أحد- جاء سيل فجرف قبور عدد من الصحابة فنادى الأمير: من له ميت في أحد فلينقله الى مكان ثاني فخرجوا فوجودوهم كما وُضعًا، سبحان الله،
وكان من الغرائب التي وجدوها وجدوا بعضهم واضعا يده على جرحه؛ فرفعوا يده فردها، ووصلت المسحاة وهم يحفرون رجل بعضهم فخرج الدم، ووجدوا بعضهم متصافحين في القبر، -عليهم رضوان الله- فقال: أحياء عند ربهم، ولما قبرهم ﷺ وقف وقال أشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة، قال: فوالذي نفسي بيده لا يمر عليهم أحد إلى يوم القيامة فيسلم عليهم إلا ردوا عليه السلام.
عليهم وعلى أهل البدر، وعلى أهل بيعة العقبة، وعلى أهل بيعة الرضوان سلام الله ورحمته وبركاته عدد ما خلق ومِلأ ما خلق، وعدد ما خلقه في السماء وملأ ما خلقه في السماء، وعدد ما أحصى كتابه، وملأ ما أحصى كتابه، وعدد كل شيء وملأ كل شيء، في كل لحظة أبدا عدد خلق الله ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته وجمعنا الله بهم في دار الكرامة وهو راضٍ عنا.
"فإذا هو كيوم وضَعه فلم يتغير من جسده شيء سوى شعيرات من لحيته مما يلي الأرض"، وهو كما وضع -عليهم رضوان الله-، وتكرر ذلك حتى بعد ذلك هذا أول مرة لما جرت السيول بعد وقعة أحد بأربعين سنة، ثم تكرر بعد ذلك ويوجدون كما وُضعوا أحياء عند ربهم يرزقون، عليهم رضوان الله وحشرنا الله في زمرتهم.
وكشف الشدائد عنا عنهم وعن أمة الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم وحول الأحوال إلى أحسنها.
بأي حال مات الميت؟ القول المعتمد يكره أن يؤخذ منه شيء يبقى على هيئته، يموت المرء على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه.
رزقنا الله كمال حسن السابقة وكمال حسن الخاتمة وهو راض عنا، وأعاذنا من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، وختم لنا بأكمل الحسنى، وكان لنا بالحس الحسي والمعنى مما كان لمحبوبيه والمقربين إليه في عوافي وألطاف، وصلاح الشأن كلنا والمسلمين أجمعين.
بسرِّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
26 رَجب 1446