كشف الغمة 264- كتاب الجنائز ( 2) ما ورد في المرض والاحتضار
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 264- كتاب الجنائر ( 2) ما ورد في المرض والاحتضار
صباح الأحد 19 رجب 1446
يتضمن الدرس نقاط مهمة منها :
- زيارة المريض بعد 3 أيام من مرضه
- دعاء: اللهم إن كان أجله عاجلا فاغفر له وارحمه وإن كان آجلا فعافه واشفه وأجره
- قوله ﷺ: بتربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا
- من الرقى الشديدة التأثير
- الدعاء للمريض بالشفاء 7 مرات
- أذكار إذا قالها المريض لم تطعمه النار
- رقية جبريل للنبي ﷺ
- قوله لأعرابي: لا بأس طهور إن شاء الله
- ما هو تمام عيادة المريض؟
- تعوذ للمريض علمه النبي سيدنا عثمان
- عيادة المريض من مرض عينه
- هل يجوز ان يدعو الإنسان بالموت على نفسه؟
- معنى قول النبي يوسف: توفني مسلما وألحقني بالصالحين
- إنما يستريح من غفر له
- خطر التجرؤ بالحكم على مآل الناس
- تلقين المحتضر لا إله إلا الله
- يموت المرء على ما عاش عليه
- آداب ما يفعل بالمحتضر عند موته
- حضور الملائكة عند الموت
- سبب شدة النزع عند الموت
- ضغطة القبر على المؤمن
- التبشير بالجنة عند الموت
- قراءة يس والرعد تخفف على المحتضر
- قصة وفاة عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ
- قول: فلان في الجنة وفلان في النار
نص الدرس المكتوب :
"وكان ﷺ لا يعود المريض في أكثر أوقاته إلا بعد ثلاث من مرضه، وكان أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- يقول: إذا عدتم المريض فلا تقولوا اللهم عافه واشفه وقولوا في أنفسكم: اللهم إن كان أجله عاجلًا فاغفر له وارحمه وإن كان آجلًا فعافه واشفه وأجره، وكان ﷺ إذا رقى مريضًا قال بريقه بأصبعه: "بتربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا"، وكان أبو أمامة -رضي الله عنه يقول-: مر رجل برسول الله ﷺ وعلى وجهه صفرة فقال رسول الله ﷺ: ما له؟ قالوا: كان مريضًا قال: أفلا قلتم له: "ليهنك الطهور"، وكان زيد بن أرقم يقول: عادني رسول الله ﷺ من وجع كان بعيني، وسيأتي في باب الطب ماله تعلق بهذا.
وكان ﷺ يقول: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد فاعلًا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي"، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لم يسأل نبي قط الموت إلا يوسف -عليه السلام- فقال: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف: 101]، وقالت عائشة -رضي الله عنها-: جاء بلال إلى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله ﷺ ماتت فلانة واستراحت فغضب رسول الله ﷺ وقال: إنما يستريح من غفر له".
وكان ﷺ يأمر بتلقين المحتضر لا إله إلا الله ويقول: "زودوا موتاكم لا إله إلا الله فإن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "، وفي رواية: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ووجوهم إلى القبلة وأغمضوا بصرهم فإن البصر يتبع الروح وقولوا عنده خيرًا فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت"، وكان عمر -رضي الله عنه- إذا سئل عن استقبال المحتضر القبلة قال: والله ما هي إلا أحجار نصبها الله قبلة لأحيائنا ونوجه إليها أمواتنا، وكان إبراهيم النخعي - رضي الله عنه- يقول: كانوا يستحبون شدة النزع ويقولون لعله يكفر ما عمل العبد من السيئات، كان ﷺ يقول: "احضروا موتاكم ولقنوهم لا إله إلا الله وبشروهم بالجنة فإن الحليم من الرجال والنساء يتحير عند ذلك المصرع، والذي نفسي بيده لمعاينة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف، لا تخرج نفس عبد من الدنيا حتى يتألم كل عرق منه على حياله".
وكان ﷺ يقول: "اقرؤوا على موتاكم يس فإنها قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له"، ولما حضرت وفاة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- ابنه عبد الله مسنده فقال عمر -رضي الله عنه-: ضعوا رأسي على الأرض فوضعوه فعفره بالتراب وقال: ويل عمر ويل أمه إن لم يغفر الله له، ولما مات سعد معاذ -رضي الله عنه- جاء جبريل -عليه السلام- إلى رسول الله ﷺ هذا العبد الصالح الذي فتحت له أبواب السماء وتزحزح له العرش؟ فخرج رسول الله ﷺ فإذا سعد بن معاذ فجلس النبي ﷺ على قبره وقال: "هذا العبد الصالح شدد عليه حتى كان هذا حين فرج عنه".
وكان ﷺ يقول: "ويل للمنافقين من أمتي الذين يقولون فلان في الجنة وفلان في النار".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مُكْرِمِنا بالشريعة الغراء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه سيدنا خير الورى، سيدنا محمّد بن عبد الله الرحمة المهداة والنعمة المسداة صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وعلى آبائه وإخوانه من رسل الله وأنبيائه سادات خلق الله، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى جميع الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. وبعد:
فيتابع الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ذكر ما ورد في المرض والاحتضار، ويقول: وكان ﷺ لا يعود المريض في أكثر أوقاته -أي: في أكثر المرات والأحيان- إلا بعد ثلاث من مرضه"، ولا يفاجئه بالعيادة في أول يوم أو ثاني يوم إذا كان الأمر يسير، ويستطيع القيام، ويكون أخف عليه من تردد العوّاد إليه، فإذا مرّت الثلاثة الأيام وهو في مرضه جاء ليعوده ﷺ.
"وكان أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- -اسمه خالد الذي نزل في بيته ﷺ عندما جاء إلى المدينة المنورة- يقول: إذا عدتم المريض فلا تقولوا اللهم عافه واشفه وقولوا في أنفسكم: اللهم إن كان أجله عاجلًا فاغفر له وارحمه وإن كان آجلًا فعافه واشفه وأجره"، فيلحظ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- استحضار مقادير الحق -تبارك وتعالى- في من يشاء أن يقبض روحه، ومن يشاء أن يؤجّل قبض روحه إلى حين -سبحانه وتعالى-، ووقوف العبد بالأدب مع الرّب -سبحانه وتعالى- وفي الأمر سعة، والملاحظات تأتي من أوجه، وقد يغلب بعض الوجوه على بعض الأكابر، فيتكلم من حيث ذلك الوجه.
قال: "وكان ﷺ إذا رقى مريضًا قال بريقه بأصبعه -يعني في التراب-: "بتربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا"، فجاء ذلك في روايات، وخصوصًا إذا كان أمثال الجروح وغيرها، فيبل أصبع السبابة بريقه ويضعها في التراب، ويرفعه فيضعه على الجروح، ويقول: "بسم الله، تربة أرضنا بريقة بعضنا يُشفى سقيمنا بإذن ربنا"، جاء هذا في روايات ومنها: في الصحيحين، وسنن أبي داؤود عن السيدة عائشة يقول النبي ﷺ: "كان إذا اشتكى الإنسان شيئًا منه، أو كانت قرحة أو جرح، قال النبي ﷺ بأصبعه هكذا" -بلّله بريقه ووضعه على التراب-، ووضع سفيان بن عيينة -الراوي- سبابته بالأرض ثم رفعه وقال: "بسم الله، تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا"، وفي رواية: "تربة أرضنا وريقة بعضنا"، ويقال: ريق، ويقال: ريقة -بصاق بني آدم- وهو من الحكم التي جعلها الله -تبارك وتعالى- أن جعل له أعينًا جارية في فمه يستقرّ بها حياته، ويصيغ بها طعامه، إلى غير ذلك من الفوائد.
-
وتقول السيدة عائشة أيضًا: كان النبي ﷺ يعوذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول: "اللهم ربّ الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا"، وفي رواية: "ولا ألمًا". وأيضًا جاء في رواية: "أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَرْقِي بهذِه الرُّقْيَةِ أَذْهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، بيَدِكَ الشِّفَاءُ، لا كَاشِفَ له إلَّا أَنْتَ".
-
وفي لفظ جاء أيضًا في البخاري، قال أنس -رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ- أنه قال لثابت رحمه اللَّه: ألا أرقيك برقية رَسُول اللَّهِ ﷺ قال: بلى. قال: اللهم رب الناس، مذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقماً".
-
وهكذا يقول عثمان بن أبي العاص: أنه شَكى إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم وجَعًا يَجِدُه في جسدِه منذُ أسلَم فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم ضَعْ يدَك على الذي تألَّم من جسدِك وقُلْ بسمِ اللهِ ثلاثًا وقُلْ سبعَ مراتٍ أعوذُ باللهِ وقُدرَتِه من شرِّ ما أجِدُ وأُحاذِرُ"، فهذه من الرقى والعلاجات القوية التأثير، أن يضع يده على محل الألم ويقول: بسم الله ثلاثًا، ثم يقول: أعوذ بعزة الله وقدرته من شرّ ما أجد وأحاذر (سبعًا).
-
كذلك جاء في صحيح مسلم، يقول سعدِ بن أَبي وَقَّاصٍ قَالَ: عَادَني رسولُ اللَّه ﷺ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اشْفِ سعْدًا، اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا".
-
وتقدم أيضًا معنا قول: "عن النبيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْهُ أَجَلُهُ، فقالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مَرَّات: أَسْأَلُ اللَّه الْعَظِيمَ، رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَك؛ إِلَّا عَافَاهُ اللَّه مِنْ ذلكَ المَرَضِ".
-
وجاء أيضًا قال ﷺ: "إذا جاء الرجُلُ يعودُ مريضًا فلْيقُلْ: اللهم اشْفِ عبدَكَ يَنْكأُ لكَ عدُوًّا، أو يَمْشي لكَ إلى صلاةٍ"، جاء في رواية أبي داود "اشْفِ عبدَكَ يَنْكأُ لكَ عدُوًّا، أو يَمْشي لكَ إلى صلاةٍ"، يعني: يطيعك ويعبدك ويجاهد في سبيلك.
-
وهكذا جاء عن سيدنا علي كما روى الترمذي في سننه، يقول: "عن علي، قال: كنت شاكيا فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان متأخرا فارفعني، وإن كان بلاء فصبرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف قلت؟" قال: فأعاد عليه ما قال، قال: فضربه برجله، فقال: "اللهم عافه، أو اشفه"، قال: "فما اشتكيت وجعي بعد" ﷺ، نعم الطبيب والمداوي ﷺ.
-
وجاء أيضًا عند الترمذي وابن ماجة، يقول سيدنا أبو سعيد الخدري وأبو هريرة: "من قالَ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أكبرُ صدَّقهُ ربُّهُ فقالَ لا إلهَ إلَّا أنا وأنا أكبرُ وإذا قالَ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ قالَ يقولُ لا إلهَ إلَّا أنا وحدي وإذا قالَ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ يقول لا إلهَ إلَّا أنا وحدي لا شريكَ لي وإذا قالَ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ قالَ لا إلهَ إلَّا أنا ليَ الملكُ وليَ الحمدُ وإذا قالَ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ قالَ لا إلهَ إلَّا أنا ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بي وكانَ يقولُ من قالَها -هذه الأذكار- في مرضِهِ ثمَّ ماتَ لم تطعمْهُ النَّارُ"، قال الترمذي: حديث حسن؛ ما هي؟ لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله إلا الله وله الملك وله الحمد، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، فينبغي أن يتعلمها المسلمون ويُقرؤوها لمرضاهم.
-
وجاء أيضًا في صحيح مسلم وعند الترمذي والنسائي وابن ماجه، يقول أبو سعيد الخدري: "أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: يا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ فقالَ: نَعَمْ، قالَ: باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِن كُلِّ شَيءٍ يُؤْذِيكَ، مِن شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ، باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ"، فكانت هذه من الرقية التي رقى بها جبريل سيدنا المصطفى صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
-
وجاء أيضًا في صحيح البخاري "وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النبيَّ ﷺ دَخَل عَلَى أَعرابيٍّ يَعُودُهُ، وَكانَ إِذَا دَخَلَ عَلى مَن يَعُودُهُ قَالَ: لا بَأْسَ، طَهُورٌ إِن شَاء اللَّه"، وفي رواية عند ابن السنّي عن أنس قال: أن رسول الله ﷺ دخل على أعرابي -مريض- يعوده وهو محموم فقال: "كفارة وطهور".
-
وجاء أيضًا في سنن الترمذي وابن السني عنه ﷺ قال:"مِنْ تَمَامِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ أَنْ يَضَعَ أَحَدُكُمْ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ أَوْ يَدَهُ فَيَسْأَلُهُ كَيْفَ هُوَ" ، وفي رواية ابن السنّي: "من تمام العيادة أن تضع يدك على المريض تقول: كيف أصبحت أو كيف أمسيت".
-
ويقول سيدنا سلمان الفارسي -رضي الله عنه-: "عادني رسول الله ﷺ وأنا مريض، فقال: يا سلمان، شفى الله سقمك، وغفر ذنبك، وعافاك في دينك وجسمك إلى مدة أجلك"، فهذا مما جاء عنه.
-
كما جاء أيضًا عن سيدنا عثمان قال: "مرضت وكان رسول الله ﷺ يعوذني ، فعوذني يوما، فقال: "بسم الله الرحمن الرحيم، أعيذك بالله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، من شر ما تجد". فلما استقبل رسول الله ﷺ قائما قال: "يا عثمان تعوذ بها، فما تعوذتم بمثلها"، "أعيذك بالله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، من شر ما تجد"، وإذا عوّذ مريض نفسه يقول: من شر ما أجد.
يقول: "وكان أبو أمامة -رضي الله عنه يقول-: مر رجل برسول الله ﷺ وعلى وجهه صفرة فقال رسول الله ﷺ: ما له؟ قالوا: كان مريضًا قال أفلا قلتم له ليهنك الطهور"، صفرة الوجه من أثر المرض، والمرض طُهور للمؤمن؛ يطهره من ذنوبه وسيئاته.
قال: "وكان زيد بن أرقم يقول: عادني رسول الله ﷺ من وجع كان بعيني، وسيأتي في باب الطب ماله تعلق بهذا"، واختلفوا هل يعاد من مرض العين أم لا؟.
وكان ﷺ يقول: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد فاعلًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي".
قالوا: ولا يجوز أن يدعوا الإنسان على نفسه بالموت إلا لخشية فتنة في دينه، ولْيقل: "واقبضني إليك غير مفتون"، وهذا الذي علّمه ﷺ الدعاء: "اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي".
"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لم يسأل نبي قط الموت إلا يوسف -عليه السلام- فقال: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف: 101]"؛ ولكن ليس المراد تعجيل ذلك؛ أي: اجعل وفاتي حين تتوفّاني على الإسلام، هذا معناه، وليس معناه يسأل تعجيل الموت؛ ولكن يسأل أن يكون عند موته -في الوقت الذي قضى الله موته- على صحة الإسلام وقوة الإسلام وكمال الدين، هذا معنى: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا)، وقال ذلك عند لقائه بأبيه وأمه وإخوته الذين خرّوا له سجدًا، (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف:100-101].
وقالت عائشة -رضي الله عنها-: جاء بلال إلى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله ﷺ ماتت فلانة واستراحت فغضب رسول الله ﷺ -من إطلاقهم الاستراحة على كل ميّت من دون بيّنة ولا بصيرة ولا علامة ولا دليل-، وقال: إنما يستريح من غفر له". إن كان غُفر لها هي استراحت، وإن كان انتقلت إلى عذاب البرزخ، فأين الراحة؟ أين الرّاحة؟! أشدّ من الألم الذي في الدنيا، ألم البرزخ أشدّ من الألم الذي في الدنيا، قال: إن كان مغفورًا له استراح، ومع قوله ﷺ في الحديث الثاني في الصحيح: "مروا بجنازة فقال: "مستريح ومستراح منه" قالوا: يا رسول الله؛ ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: "العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والمستراح منه: العبد الفاجر"؛ مؤذي، فاسق، فاجر، انتقل هو إلى العذاب، والناس يستريحون من ضره ومن آذاه، ما عاد يؤذي الناس ويلمزهم ويغمزهم ويغتابهم ويفتن بينهم، مُستراح منه.
وقال على الجنائز في الأمر بالتعجيل بها: "أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم"، فاخرجوا من رقابكم هذا الشر -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، أحسن الله خواتمنا، وختم لنا بأكمل الحسنى، وجعل مآلنا رضوانه الأكبر وجناته وفردوسه الأعلى، اللهم آمين.
وهكذا كما سيأتي معنا أنه وصف المنافقين بأن يتحكّمون على خلق الله من دون بينك ولا دليل ولا حجّة لهم من الله تعالى، يدخلون الناس في الجنة والنار على كيفهم، يقولون: فلان في الجنة، فلان في النار. أنت وكيل للجبار تعالى! هو قال لك؟ هو أدراك بخلقه، وما يريد أن يفعل بعباده؟ فالأمر أمره -سبحانه وتعالى-، وما معك إلا التضرّع والابتهال والدّعاء والأمر. إن أراك -سبحانه وتعالى- شيئًا فما تتحدّث إلا بمقدار ما أراك إن أُذِن لك بذلك، وإلا فاسكت ساكنًا، ما لك دخل؛ الأمر أمره، والحكم حكمه، والعبيد عبيده. يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة، واجعل مآلنا الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين.
يقول: "كان ﷺ يأمر بتلقين المحتضر لا إله إلا الله ويقول: "زودوا موتاكم لا إله إلا الله فإن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة""، قالوا: أي: مع السابقين من العذاب، أما ما هو شرط المسلم يقولها عند الموت، ولكن إن كان قالها وكانت آخر كلامه، فيعلم أن الله لا يريد أن يعذبه أصلًا، وأن يدخله الجنة مع السابقين من غير سابقة عذاب ولا حساب ولا عتاب.
من كان آخر كلامه من هذه الدنيا ومن هذه الحياة "لا إله إلا الله"، فمن كان يكثر منها ومعناها حاضر في قلبه، فيوشك أن تكون آخر كلامه، يختم له بها، ومن كان غافل عنها وأكثر فكره في غيرها، فيبعد أن يُذَكَّر بها عند الموت، أو أن يختم له بها، فإنما يموت المرء على ما عاش عليه، وما شاء الله.
لمّا توفيت بعض الصالحات قبل سنوات، كان عندها زوجها وأولادها، فقالت لهم: "أذكروا الله، قولوا لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله" وماتت، ما لقنوها هي لقّنتهم، ذكّرتهم، لأنها عاشت على هذا المعنى، معلّقة القلب بالرّب الله -جل جلاله وتعالى في علاه-.
وأبا كثير في سيئون قطع الدرس حقه وعنده الطلبة، قال: سأسرد لكم الحديث، وسرد سنده في الحديث، قال ﷺ: "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله"، سكت الشيخ -أصابه شيء- فإذا به مات، كمالة الحديث: "دخل الجنة"، ما قاله بالفعل، ما عاده بالقول، ما عاد كمل بالقول "دخل الجنة"، إلا هو بالفعل دخلها، فهذا توفيق الله لأهل التعلّق به -سبحانه وتعالى-، ولأهل التعظيم لأمره.
وكان بعض أهل العلم والمعرفة في المسيلة وحضرته الوفاة، فقالت زوجته: "لا إله إلا الله"، فقال: "إن كان قصدك ذكر الله فاذكريه كيف شئت، وإن قصدك أن تلقنيني فقد امتزج التوحيد بلحمي ودمي"، كلّي توحيد، كلّي لا إله إلا الله، ما عاد أحتاج أحد يقول لي، ولا يلقنّي لا إله إلا الله.
فيا رب ثبتنا على الحق والهدى *** يا رب اقبضنا على خير ملة
واجعل آخر كلام كل واحد منّا، وأهلينا، وأولادنا، وطلّابنا من هذه الدنيا "لا إله إلا الله" متحقّق بحقائقها محمد رسول الله.
قال: وفي رواية: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ووجوهم إلى القبلة وأغمضوا بصرهم فإن البصر يتبع الروح وقولوا عنده خيرًا فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت". أي: الملائكة الحاضرين يؤمنون على ما يقولون، فاختاروا الدعوات الطّيبة الصالحة للميت، فيصحبها تأمين الملائكة، يكون أقرب لأن يرحمه تعالى ويرفعه.
يقول: "لقّنوا موتاكم لا إله إلا الله":
فيقولها من حضر عنده، إن كان حضر أحد من غير الورثة فأولى، فيقول: "لا إله إلا الله"، ولا يقول له قل ولا يلحّ عليه، ولكن يذكّره بها بأن ينطق بها بحيث يسمعه، فإذا رآه نطق بها، إما سمعه أو رأى تحريك شفتيه بها، أو رأى رفعه إصبعه السبابة، فيسكت ويتركه، ولا يعيدها إلا إن عاد إلى قول آخر أو تكلّم بشيء آخر، فيعيدها: "لا إله إلا الله".
"ووجّهوهم إلى القبلة":
قال الشافعية وعدد من أهل العلم من المذاهب الأخرى: أنه إما بالاضطجاع إذا تيسّر، وإلا فبالاستلقاء.
وقال بعضهم: بالاستلقاء، كالحال عند الغسل وعند التكفين، يكون على هيئة الاستلقاء، لأنه يرفع رأسه حتى يكون وجهه إلى القبلة لا إلى السماء.
واعتمد الشافعية أن السنّة أن يكون بالاضطجاع على الجانب الأيمن أو الأيسر، فإن لم يتيسّر ذلك فبالاستلقاء، أخمصاه إلى القبلة، ويرفع رأسه شيئًا، فإذا تمّ خروج روحه فيُوجّه إلى القبلة، ولا بأس أن يوضع شبه المُستلقي؛ ولكن يكون يمينه إلى القبلة، وكذلك في مختلف أحواله؛ إلا ساعة الغسل وساعة التكفين، فيُوجّه رجلاه إلى القبلة، فتكون رجلاه إلى القبلة، وما قبل الغسل والتكفين، وما بعد الغسل والتكفين، فيكون على هيئة الاضطجاع كما يوضع في قبره.
قال: "وأغمضوا أبصارهم":
فإن عامة الموتى عندما تفيض روحه يكون فاتحًا عينيه، لأنه عند خروج الروح يتتبّع ببصره الروح أين تذهب، فيبقى شاخص العينين؛ فإن بقي يبقى هكذا منظره وييبس الجفن، ما عاد يتأتى بعدها تغميضه، فيبقى منظر غير مستحسن، ولكن يسن يغمض عينه في البداية وهو رطب، فيقرّب الجفن من الجفن، فيبقى على ما هو عليه. كذلك يتعرض لانتفاخ بطنه بسبب فتح فمه أيضًا، فبالغالب ينفتح فمه، فيسنّ ردّه، ولكن لا ينطبق كما تنطبق الأجفان، فيشده بخيط، يشدّ لحييه، -يشدّ اللحي الأسفل إلى اللحي الأعلى- يربطه بالرأس، يشدّه، فإنه إذا بقي يدخل الهواء فتنتفخ بطنه، وكذلك يضع على بطنه شيئًا ثقيلاً حديدًا أو نحوه، ثقيلة على البطن، حتى يكون أبعد عن الانتفاخ.
"وأغمضوا بصرهم فإن البصر يتبع الروح وقولوا عنده خيرًا"، أي: من الدعوات والتبتّل، "فإنه يؤمن"، أي: من قبل الملائكة الذين يحضرون عند الموت، يُؤمّن على ما قال أهل الميت" إن قالوا خيرًا، وإن قالوا شرًا، والملائكة يحضرون وفاة الأبرار والأخيار، ويحضرون ملائكة أيضًا وفاة الأشرار والفجار.
فأمّا الأخيار والأبرار فإنّهم: يبشرونهم ويهنئونهم.
وأما الأشرار والفجّار فإنهم: يضربونهم، يقول: (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُم) [الأنعام: 93]، (وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ) [الأنعام: 93]، يعني: بالضرب، (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) [محمد: 27]، أعوذ بالله من غضب الله، ويُبشرونهم بالعذاب -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
إلا أنه إذا كان له درجة عند الله في القرب والخير، حضره من الملائكة أكثر، من ملائكة الرحمة لاستقبال روحه وتشييعه.
وهكذا كما جاء عندكم في سيدنا سعد -عليه رضوان الله تعالى-، رحّب بروحه العرش، واهتزّ العرش فرحًا بلقاء روح سعد بن معاذ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-.
"وكان عمر -رضي الله عنه- إذا سئل عن استقبال المحتضر القبلة قال: والله ما هي إلا أحجارٌ نصبها الله قبلةً لأحيائنا ونوجه إليها أمواتنا"، أي: الكعبة المشرفة.
قال: "وكان إبراهيم النخعي -رضي الله عنه- يقول: كانوا يستحبون شدة النزع ويقولون لعله يكفر ما عمل العبد من السيئات، وهذا لبعض الناس، فبعض الناس يخفّف عنهم عند الموت، منهم من الأخيار، ومنهم من الأخيار من يشدّد عليه النزع عند الموت لأحد أمرين: إما لتكفير شيء من السيئات لم يعمل لها كفارة قبل، وإما لدرجات يريد الله أن يرفعه لها لم يصلها بعمله، فيُشَدّ عليه السكرات.
وكذلك قد يموت بسرعة فاجر أو منافق أو كافر لتبقى آثامه وسيئاته لا يكفر منها شيء، وقد يشدّد عليه تعجيلًا للعقاب والعذاب في الدنيا قبل الآخرة، فيتعب لا تعب المكفر عنهم ولا المرفوع درجاتهم؛ ولكن تعب المبغوض المردود المعجّل عقابه في الدنيا قبل الآخرة -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
فإذًا قد يحصل شدة النزع إما لأخيار يريد الله أن يكفر عنهم أو يرفع درجاتهم، وإما لأشرار يعجل عليهم العقوبة في الدنيا قبل الآخرة -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
وأشار إلى حالة من الحالات للأخيار سيدنا إبراهيم النخعي، وقال: "كانوا يستحبون شدة النزع يقولون لعلّه يكفر ما عمل العبد من السيئات"، وهكذا .. فيستمر عجائب إرادة الله وعنايته بالميت إلى عند ضغطة القبر، فقد أيضًا يشدّدها على بعض الأخيار، ومن يحبهم أيضًا لتكون كفارة أو لدرجة، فيكون آخر شيء بقي عليه بعض السيئات ولا يريد -سبحانه- أن يقابل بها في القيامة، ولا أن يحاسب عليها، فيأمر الأرض فتشتد الضغطة عليه فيكون كفارة. والغالب أن المؤمنين والأخيار تقبضهم الأرض إليها وتضمهم كما تضم الأم ولدها إلى صدرها ونحرها، وتشتدّ على المنافقين والكافرين حتى تختلف أضلاع أحدهم من شدة الضغطة. "إن للقبرِ ضغطةٌ لو نجا منها أحدٌ لنجا منها سعدُ بنُ معاذ"؛ وقد اهتز لموته عرش الرحمن.
"وكان ﷺ يقول: "احضروا موتاكم ولقنوهم لا إله إلا الله وبشروهم بالجنة فإن الحليم من الرجال والنساء يتحير عند ذلك المصرع"، يذهب حسه ويذهب عقله، ما عاد يثبت، مهما كان قوي ومهما كان عاقل؛ في تلك الساعة ما عاد في قوة ولا عاد في رسوخ ولا ثبات إلا من ثبّته الله، وإلا يتحيّر، "والذي نفسي بيده لمعاينة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف، لا تخرج نفس عبد من الدنيا حتى يتألم كل عرق منه على حياله". اللهم أعنّا على سكرات الموت.
وكان ﷺ يقول: "اقرؤوا على موتاكم يس فإنها قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له"، فإذا حملت على المجاز، فالمراد بها: من تهيأ للموت من المحتَضرين، ومن خواص سورة يس وسورة الرعد إذا قُرئت عند المحتضرين أن يخفف عليه في إخراج الروح؛ ويتيسر إخراج روحه بيس والرعد، تُقرأ عند المحتضر، وإذا حُمل على الحقيقة فالموتى قلّ الذي قد مات وتقرأ عليهم يس، سواء في بيوتهم أو في قبورهم إذا قبروا، "اقرؤوا على موتاكم يس فإنها قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له".
يقول: لما ولما حضرت وفاة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- ابنه عبد الله مسنده فقال عمر -رضي الله عنه-: ضعوا رأسي على الأرض -أي: خلوا الرأس على الأرض- فوضعوه فعفره بالتراب وقال: ويل عمر ويل أمه إن لم يغفر الله له"؛ فلقي الله على التذلل والتواضع والخشية -عليه رحمة الله ورضوانه- تربية محمد ﷺ.
وقال: ولما مات سعد معاذ -رضي الله عنه- جاء جبريل -عليه السلام- إلى رسول الله ﷺ هذا العبد الصالح الذي فتحت له أبواب السماء وتزحزح له العرش؟ -اهتز طربًا- فخرج رسول الله ﷺ فإذا سعد بن معاذ.." -في الخيمة التي كان يمرض فيها في المسجد، فوجده توفي تلك الساعة، وعلم أنه هو المقصود، ثم أخبر أنه خرج من السماء سبعون ألف لم يخرجوا للأرض قبلها ليشهدوا جنازة سعد- "فجلس النبي ﷺ على قبره تغيّر وجهه وسبّح، وسبّح من حواليه، ثم سُرِّي عنه وكبّر، وكبّر من حواليه، قال: فسألوه، وقال: "هذا العبد الصالح شدد عليه -في الضغطة من شأن درجات يصل إليها- حتى كان هذا حين فرج عنه"، لما ضغط عليه القبر سبّح، فلما فرج عنه كبّر.
وجاء في رواية أن أقارب سيدنا سعد سألوه ﷺ عن سبب اشتداد الضغط على سيدنا سعد، فذكر أنه لأجل كفارة الاستبراء من البول لم ينتبه منه، فكان هذا محُو له ممّا كان منه، مع جلالة قدره عند الله -تبارك وتعالى-.
فبعدها كان يقول: "إن للقبر لضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ وقد اهتز لموته عرش الرحمن"، ومات وهو أيضًا قريب الأربعين، وهو من سادة الأنصار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة.
وكان ﷺ يقول: "ويل للمنافقين من أمتي الذين يقولون فلان في الجنة وفلان في النار"، كأن الأمر عندهم يحكمون على خلق الله بلا بيّنة بلا بصيرة بلا علامة بلا دليل بلا إذن، ولكنهم قاعدين يقسّمون الخدمة كأن أحد ملّكهم على الجنة والنار أو وكّلهم عليها، فهؤلاء من أبعد خلق الله عن الله تعالى وأشدّهم عقابًا على ما يقولون. "ويل للمنافقين من أمتي الذين يقولون فلان في الجنة وفلان في النار".
رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، وقرّبنا إليه زلفى، وجعلنا من أهل الصدق والوفاء، وبارك في أعمارنا، ورزقنا صرفها في خير ما يرضيه عنّا، وثبّتنا على ما يحبه منّا ويرضى به عنّا، وبارك لنا في الأعمار بركة تامة كاملة، حتى يجعل لنا كل يوم من أيام أعمارنا خيرٌ لنا من اليوم الذي قبله، وكل ليلة من ليالي أعمارنا خيرٌ لنا من الليلة التي قبلها، وكل ساعة من ساعات أعمارنا خيرٌ لنا من الساعة التي قبلها، وكل لحظة من لحظات أعمارنا خيرٌ لنا من اللحظة التي قبلها، حتى تكون خير ساعتنا وأسعدها يوم لقائه، نلقاه وهو راضٍ عنا.
بسرِّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
21 رَجب 1446