للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب التوبة

 

 الإثنين: 1 ذو الحجة 1444هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  معاني التوبة
  •  خير الوسائل لقبول التوبة
  •  قصة العتبي وقبول توبته عند رسول الله ﷺ
  •  كيف يستغفر الرسول للمذنبين من أمته؟
  •  ما هي التوبة الصحيحة ؟
  •  كلما كانت التوبة أسرع كانت أقرب إلى القبول
  •  الفرق بين حال المؤمن مع ذنوبه وحال المنافق
  •  قصة من بكى 30 سنة لذنب واحد
  •  دليل قبول الطاعات والأعمال الصالحة
  •  كيف يرضى الله بتوبة العبد؟
  •  ماذا يشاهد المؤمن والكافر عند خروج الروح؟
  •  متى ينقطع باب التوبة؟
  •  من هم الحفظة؟
  •  معنى: التوبة ندم
  •  قول رجل إني اغتبتك فاجعلني في حِل

نص الدرس مكتوب:

باب التوبة

"قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : كان رسول الله ﷺ كثيراً ما يقول : "المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال بيده هكذا فذبّّهُ عنه". 

وكان ﷺ يقول: "لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجلٍ نزل في أرض دوية مَهْلكة، معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى اشتد عليه الحرُّ والعطش، أو ما شاء الله قال : أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده للموت فاستيقظ فإذا راحلته عند رأسه عليها زادُهُ و شرابه، فالله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من هذا براحلته وزاده". 

وكان ﷺ يقول : "إن الله تبارك وتعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"، وكان ابن عمر يقول : التوبة مبسوطة ما لم ييأس العبد.

وكان عكرمة يقول : في كتاب الله (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) [النساء : ١٧] أي الدنيا كلها قريب. 

وكان ﷺ يقول : "إن الله عز وجل ليبسطُ يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسطُ يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها" ، وكان ﷺ ينهى عن القنوط من رحمة الله تعالى ويقول : "لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لتابَ عليكم ". 

وكان ﷺ يقول : "من سعادة المرء أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة"

وكان ﷺ يقول : "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، وكان رسول الله ﷺ يقول : "إذا تاب العبد من ذنوبه أنسى الله حفَظَتَهُ ذنوبه وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض، حتى يلقى الله يوم القيامة وليس عليه من الله شاهد بذنبٍ". 

وكان ﷺ يقول: "التوبة ندم" ، وكان ثوبان رضي الله عنه يقول: التوبة من الذنب هي أن تتوضأ وتصلي ثم يقول : سمعته من رسول الله ﷺ. وقال عكرمة رضي الله عنه : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : إني قد اغتبتك فاجعلني في حل فقال ابن عباس: معاذ الله أن أحل ما حرم الله إن الله قد حرم أعراض المسلمين فلا أحلها، ولكن غفر الله لك يا أخي، وفعل ذلك محمد بن سيرين رضي الله عنه والأحاديث في الباب كثيرة والله الله غفور رحيم."

اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون

(3 مرات). 

 

الحمد لله الكريم التواب، رب الأرباب ومسبب الأسباب يعطي ويرزق بغير حساب، لا إله إلا هو بعث إلينا سيد الأحباب الذي أنزل عليه الكتاب، سيدنا محمد بن عبد الله سيد التوابين المنيبين الرجاعين الذاكرين الخاشعين الخاضعين حبيب رب العالمين، وخاتم النبيين وسيد المرسلين اللهم صلي وسلم وبارك وكرم على عبدك المجتبى المختار الهادي إليك والدال عليك سيدنا محمد الذي أنزلت عليه (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)[النساء: 64]  وعلى آله وأصحابه ومن سار في نهجه واقتدى به، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين بشروا به، وخصهم الله تبارك وتعالى بأسنى عنايته ورعايته وكريم خطابه وعلى آلهم وصحبهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وبعدُ: فيذكر لنا الإمام الشعراني عليه رحمة الله بعض الأحاديث المتعلقة بالتوبة التي هي أول خطوة للسائر إلى الله والسالك في طريق الله، والأساس الذي يقوم عليه حقائق الإيمان ومقامات اليقين، والتوبة التي هي بمعنى الرجوع إلى الحق جلّ جلاله تكون بعلم ومعرفة يدرك بها الإنسان المكلف أنَّ له ربًا إليه يعود وخطر الذنوب والسيئات التي حرمها عليه وخطر وقوعه فيها، وأن ذلك يضره في حياته وبعد مماته، هذا العلم يحمله على أن يتخلص مما وقع فيه من الذنوب والسيئات فيرجع إلى الذي لا يغفر الذنوب إلا هو جلّ جلاله، خائفًا منه راجيًا له مخلصًا لوجهه:

  • فيقلعُ عن تلك الذنوب 

  • ويعزم العزم الأكيد أن لا يعود إليها ولا إلى شيء منها

  • وإن كان مما يجبر بقضاء ما عليه أو كان من حقوق الآدمين ردَّ الحقوق لأهلها

  • أو طلب الحل منهم أو مسامحة منهم له

  • ثم يكمل كل ذلك بأن يتوضأ ويصلي ركعتين لله تبارك وتعالى خاضعًا خاشعًا نادمًا صادقًا.

فحينئذ تكون التوبة استجمعت شرائطها فتكون مقبولة لقول الله (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) [ الشورى: 25].

وقد قال من قال من الفقهاء بأن التوبة إذا استجمعت شروطها قُطِعَ بقبولها أنها مقطوعة القبول لأجل هذه الآية فضلًا من الله تعالى، فإن اتخذ لذلك وسيلة كما ذكرنا من الوضوء والصلاة أو دعاء صالح أو استغفار له فذلك أعظم وهو ما أشار إليه الحق بقوله (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ) جاؤوا إليك إلى النبي ﷺ جاؤوك فجعله خير الوسائل لقبول التوبة المجيء إلى سيد الأحبة ( جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ )، ثم بعد التوسل منهم بالمجيء إلى رسول الله ﷺ حظوتهم باستغفار رسول الله لهم (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) بلام التوكيد ( لَوَجَدُواْ اللّهَ) متجليًا عليهم بتوبته ورحمته جلّ جلاله (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 118].

وقد أورد جماعة من أهل العلم إما في التفسير وإما في كتاب الحج عند ذكر زيارة النبي ﷺ كالإمام ابن كثير والإمام النووي وغيرهما القصة التي اشتهرت للشيخ العتبي وكان رجلًا من أهل الصلاح، قال بينما كنت جالسًا في حجرة النبي ﷺ إذ أتى أعرابي فوقف عند قبر النبي وسلم عليه ﷺ ثم قال يا رسول الله إني سمعت ربي يقول: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)[النساء: 64]، وإني جئتك تائبًا إلى ربي ومستغفرًا لذنبي فاستغفر لي يا رسول الله، وانصرف قال: وأخذتني السَّنَة فرأيت النبي ﷺ مقبلًا يقول: قم يا عتبي فإلحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له، وانتبه يلحق الأعرابي ليبشره بما رأى، وذهبت النبوة وبقيت المبشرات: الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له، فهو ﷺ أوسع باب من أبواب التوبة لمن تاب إلى الله أن يقصد جنابه الأشرف وهو ﷺ يستغفر للمذنبين إذا عُرِضَتْ أعمالهم عليه من أمته على العموم، ويستغفرُ لمن جاءه أو طلب الاستغفار منه على الخصوص، كما صح في الحديث "حياتي خير لكم ومماتي خير لكم" قالوا: حياتك خير لنا فكيف مماتك خير لنا؟ قال: "حياتي خير لكم.." أسِنُّ لكم السُّنن وأشرِّع لكم الشرائع " تُحَدِّثونَ ويُحَدَّثُ لكم، ومماتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما وجدت من خير حمدت الله، وما وجدت غير ذلك استغفرت لكم" فهو نافعٌ لأمته متشفع الله فيهم في حياته وفي برزخه وفي يوم القيامة، صلوات الله وسلامه عليه وعلى أهل وأصحابه ومن تخلق بأخلاقه وتأدب بأدابه.

 هذه التوبة بهذه المعاني وهي: ندم ثمرة علم ومعرفة يصحبه إقلاع وتباعد عن الذنوب والمعاصي ومفارقة لها ولأهلها وعزمٌ صادقٌ أكيد أن لا يعود إلى الذنب وجبر ما يمكن جبره من مثل قضاء صوم أو صلاة أو غير ذلك، وأداء الحقوق لأهلها إن تعلقت بحقوق الخلق، إذا تم ذلك خوفًا من الله ورغبة في ما عنده وفي إخلاص لوجهه فهي التوبة الصحيحة المقبولة، تب اللهم علينا توبة نصوحا، وقد ندبنا إلى بسط بساط التوبة المستمرة، وقال سيد التوابين وهو الطاهر المعصوم: "توبوا إلى الله فإني أتوب الله في اليوم الليلة سبعين مرة" في رواية "مئة مرة" وإن كان ليعد له في المجلس الواحد مئة مرة من قول: "رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم".

 وتكون توبة الأنبياء والمقربين والصديقين توبة من حسنٍ إلى أحسن، ومن رفيعَ إلى أرفع، ومن شريفٍ إلى أشرف، ومن عليَّ إلى أعلى، وهكذا. والتوبة لا تفارق أحدًا من المكلفين، وأما عند بروز الذنب المعين فيجب إحداث التوبة منه مباشرة وكلما كان أسرع إلى التوبة كان أسرع إلى الإجابة والقبول عند الله تبارك وتعالى ولا يزال الأمر كذلك في تعرضه لقبول التوبة ما لم يغرغر أو تطلع الشمس من مغربها. 

وفي الإشارة إلى العلم والمعرفة التي بها يعرف خطر الذنب أشار ﷺ بقوله في حال المؤمن أن إيمانه يقتضي أن يكون إحساسه وشعوره هكذا؛ فهو يخاف الذنب يستعظمهُ ويستكبرهُ ويخاف من ثمرته ونتيجته من سخط الله تعالى أو طرده أو إعراضه أو حرمان ثوبه أو إيجابه العقاب؛ فإذاً:

  • لا شيء على المؤمن أشد وأصعب من الذنب، فتهمُّهُ ذنوبه فيكون ذلك سبباً لكفارتها وتجاوز الله عنها

  • وكل من تساهل بالذنب واستخف به ولم يبالي كان ذلك سبب أن يغلظ عليه عقابه وإثمه وعذابه والعياذ بالله تبارك وتعالى.

ولكن إذا عظّمه وخافه كان أقرب أن يمحوه الله عنه، وأن يكفره، وأن يغفر له، بل بفضلهِ إذا صدق العبد في ندمه وتوبته إليه تعالى بدَّلَ الذنب إلى حسنة، (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [التوبة: 70] جلّ جلاله.

 هذا حال المؤمن كان ﷺ يقول: "المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال بيده هكذا فذبّّهُ عنه»  وخلاص، ولا يبالي بارتكاب الذنب والذنبُ رسول الكفر، الذنب بريد الكفر فإذا توالى كان مؤذِنًا بالوقوع في الكفر والعياذ بالله،(ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) [الروم: 10] والعياذ بالله تبارك وتعالى. 

قال جل جلاله: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران: 135- 136]

فنسأل الله أن يتوب علينا توبة نصوحا ويزكينا فيها قلبًا وجسمًا وروحا. وقد افتتحنا أيام العشر فما أجدرنا أن نكون من التوابين وأن نستفتح بصدق التوبة إلى رب العالمين جل جلاله وتعالى في علاه.

يقول: في الفرق بين المؤمن والمنافق الفاجر؛ هذا يستعظم ذنبه كأنه جبل يخاف من الوقوع عليه والآخر يستخف ولا يبالي، وقد بكى كهمس بن الحسن ثلاثين سنة على ذنب، ثلاثين سنة يبكي، فما ذنبه؟ قال: نزل بي ضيف فأكل سمكًا، فأردت أن أغسل يده فما عندي صابون أغسل  شيء، فأخذت من تراب جدار جاري من دون إذنٍ منه وأعطيته الضيف يغسل به، فبقي متألم من هذا الفعل.. ثلاثين سنة وهو يبكي قال: لأنني أخرجت التراب من جدار جاري من دون إذنٍ منه ثم رجع إليه وطلب منه العفو والمسامحة، لكن يفكر في جراءته على الله، وإقدامه على الله وأخذ يبكي طوال هذه السنين.

ومقابل ذلك الطاعات والحسنات التي يوفق الله لها العبد؛ إن علم فضل الله عليه فيها ومنته لله، وعلم أنها من حيث هو من جهته ليست بشيء دلت على قبولها عند الله تعالى، وإذا استعظم من حيث فعله لها ونسبتها إلى نفسه دلت على أنها مردودة لم يقبلها الله.

إذا وهب الله العبد ذنوبه وسامحه فيها أحسَّ بثقلها وخاف منها واستغفر. 

وإذا ردّ عليه حسناته ولم يقبلها، أحسّ بها ورأى نفسه محسن ورأى نفسه صاحب طاعات.

وإذا كتب عليه سيئته ولم يغفرها ذهب شعوره عنها وبقيت محفوظة عليه حتى يفاجأ (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ) [المجادلة: 6].

وإذا قبِلَ طاعته سبحانه وتعالى وأخذها منه لم يبقى عنده شعور بأنه مطيع ولا أنه عامل ورأى الفضل لله تعالى.

 وإذا ردَّ عليه حسنته فلم يقبلها بقي يستشعر أنه هو المحسن وأنه هو صاحب الطاعات. لا إله إلا الله.

 قال تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر: 10] فإذا رفعه لم يبقى عند الإنسان نسبة ذلك إلى نفسه، وإذا لم يرفعه بقي عند الإنسان ويقول أنا فعلته وأنا عملته وأنا.. لا إله إلا الله اللهم  وفقنا لما تحب وارزقنا شهود منتك علينا واعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. 

وكان ﷺ يقول: "لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجلٍ نزل في أرض دوية مَهْلكة،"  وفي رواية "مُهلِكة"، مَهْلكَة أي: محل هَلَكَة، مُهلِكة يعني: توقع صاحبها في الهلاك، "معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته.." أين الراحلة؟ الماء فيها والزاد فيها، يبحث، يبحث، يبحث، يبحث، دور في الصحراء هنا وهنا، ودار يمين يسار، أمام خلف، تعب ولا وجدها فقال: خلاص؛ ما عاد في حيلة الآن، أذهب للمكان اللي كنت فيه نام أموت فيه، ما عاد لا طعام ولا شراب موت محقق، قال: "فطلبها حتى اشتد عليه الحرُّ والعطش، أو ما شاء الله قال : أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده للموت فاستيقظ فإذا راحلته عند رأسه عليها زادُهُ و شرابه،" يفرح ولا ما يفرح؟ يفرح، قال:"فالله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من هذا براحلته وزاده". 

وهو الغني عن عباده، ومع ذلك فيرضى عن العبد التائب وعبَّرَ النبي ﷺ عن رضى الحق تبارك وتعالى ومنته وجوده على العبد العاصي بما يحصل في طبيعة الإنسان من الفرح لضرورة وجود ضرب المثل، والتنبيه بالحس على المعنى، وبالقريب على البعيد، وبالظاهر على الباطن، والمقصود أن الله تعالى يرضى عن عبده ذلك ويحبه ويمنُّ عليه منّة كبيرة، وأراد ﷺ أن يعبر أو يبين بعض معاني رضا الله عن ذلك العبد فمثَّلَهُ ﷺ بفرح الإنسان في مثل هذا الحال كيف يكون، وقال: "الله أفرح بتوبة عبده من هذا براحلته وزاده."

وفي الحديث الآخر "الله أفرح بتوبة عبده العقيمِ الوالِدِ ، ومنَ الضَّالِّ الواجدِ والظمآن الوارد" اللي اشتد ظماءه فورد على ماء كيف يفرح؟ الذي ضلَّ الأمر العزيز عليه فوجده فجأة كيف يفرح؟ من العقيم الذي مرت السنين يريد ولد، يريد وما وجد؛ فولدت زوجته كيف يفرح؟ فهؤلاء أشد ما يكون من الفرح في نفسيات الناس فعبَّر عنها ﷺ برضوان الله عن التوابين، اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين واجعلنا من عبادك الصالحين.

"المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال بيده هكذا.." يعني: أشار بيده على أنفه يطرد الذباب، يعني: يرى أن الأمر يسير ولا خطر فيه "لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجلٍ نزل في أرض دوية مَهْلكة.." لا إله إلا الله له الحمد وله المنة. 

وجاء في رواية عند مسلم "كيفَ تَقُولونَ بِفَرَحِ رَجُلٍ انْفَلَتَتْ منه رَاحِلَتُهُ، تَجُرُّ زِمَامَهَا بِأَرْضٍ قَفْرٍ ليسَ بِهَا طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ، وَعَلَيْهَا له طَعَامٌ وَشَرَابٌ، فَطَلَبَهَا حتَّى شَقَّ عليه، ثُمَّ مَرَّتْ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ فَتَعَلَّقَ زِمَامُهَا، فَوَجَدَهَا مُتَعَلِّقَةً بِهِ؟" ذهب يبحث ووجدها، "قُلْنَا: شَدِيدًا يا رَسُولَ اللهِ،" يفرح فرح شديد، يرى إنقاذه وإنقاذ حياته بذلك، قال: "أَمَا وَاللَّهِ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنَ الرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ"ﷺ. يا تواب تُب علينا وارحمنا وانظر إلينا. وقال عبَّرَ عن عطائه وواسع كرمه بالفرح 

وكان ﷺ يقول: "إن الله تبارك وتعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" أي: تصل روحه إلى حلقومه فهذه الغرغرة، وعند وصول الروح إلى الحلقوم ذلك أن الله يأمر الملائكة وأميرهم عزرائيل عند قبض روح عبده المؤمن؛ يقبضوها من أجزاء جسده، فيبدؤون من أصابع الرجلين؛ ولذا تجد المحتضر تبدأ البرودة في أصابع رجليه، ثم في رجليه، ثم في ساقه، يستخرجونها من بين اللحم والدم والعصب والعروق يستخرجون الروح، لهذا يشتد غالبًا الكرب على الميت، ويرى ألم نزع الروح من كل ذرة من لحمه وعظمه وعروقه وعصبه يخرجونها إلى الركبتين، ومن الركبتين إلى السرة، ومن السرة إلى الحلق، فإذا وصلت الحلق كُشفت الستارة له عن عالم من الغيب وعن ما أُخْبِرَ به، وأُمِرَ بالإيمان به، ويشاهد من يشاهد من الملائكة وأحوال البرزخ،  حينئذ كل يؤمن، وحينئذ كل يتوب، لكن ما عاد وقتها انتهت الفرصة على صاحبها "يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" .

"وكان ابن عمر يقول: التوبة مبسوطة ما لم ييأس العبد" إما يصيبه اليأس والقنوط من رحمة الله والعياذ بالله تعالى؛ أو ييأس من الحياة بالغرغرة، غرغر ويئس أن يعيش خلاص كحال فرعون  (حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱلَّذِیۤ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوۤا۟ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ* ءَاۤلۡـَٔـٰنَ وَقَدۡ عَصَیۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِین ﴾ [يونس: 90-91]. قال تعالى: (فَلَمَّا رَأَوۡا۟ بَأۡسَنَا قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥ وَكَفَرۡنَا بِمَا كُنَّا بِهِۦ مُشۡرِكِینَ * فَلَمۡ یَكُ یَنفَعُهُمۡ إِیمَـٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡا۟ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی قَدۡ خَلَتۡ فِی عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ﴾ [غافر: 84-85]

"وكان عكرمة يقول: في كتاب الله (ثُمَّ یَتُوبُونَ مِن قَرِیب)  [ النساء: 17] أي: في الدنيا كلها قريب" يعني: ما داموا في الحياة الدنيا، وكلما كانت التوبة أقرب إلى الذنب كانت أقرب إلى القبول (إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَـٰلَةٍ ثُمَّ یَتُوبُونَ مِن قَرِیبٍ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡۗ ) [ النساء: 17].

"إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" أي: تصل روحه إلى حلقومه، ويعاين ويشاهد ما وراء الستارة، ما وراء عالم المحسوسات من عالم الروح، ويشاهد أشياء عجيبة، والكل من المؤمنين والكفار يشاهدون الملائكة عند الموت؛ فأما المؤمنون يشاهدون الملائكة تبشرهم برضوان ربهم ومغفرته وقربه؛ فيحبون لقاء الله ويحب الله لقاءهم، وأما الكفار والفجار (وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذۡ یَتَوَفَّى ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَـٰرَهُمۡ) [الأنفال: 50]، قال: (وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِی غَمَرَ ٰ⁠تِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ بَاسِطُوۤا۟ أَیۡدِیهِمۡ) أي:عليهم بالضرب يضربونهم (أَخۡرِجُوۤا۟ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡیَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَایَـٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ) [الأنعام: 93]  لا إله إلا الله.

يا من يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات تب علينا، واعف عنا، واغفر لنا يا غافر الذنوب والخطيئات. فحالة الغرغرة حالة اليأس من الحياة.

 قال ويذكر بعض الحنفية ووجه كذلك عند الحنابلة أن المراد من لم يكن مؤمنا فلا يقبل إيمانه عند الغرغرة وأما من سبق له الإيمان فرجوا قبول توبته من شيء من الذنوب، ولكن الجمهور أنه إذا قد بلغت الروح الحلقوم انقطع باب التوبة أو طلعت الشمس من مغربها فذلك عند توالي الآيات الكبرى والكل عندها يؤمن وما ينفع عندها الإيمان (یَوۡمَ یَأۡتِی بَعۡضُ ءَایَـٰتِ رَبِّكَ لَا یَنفَعُ نَفۡسًا إِیمَـٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ أَوۡ كَسَبَتۡ فِیۤ إِیمَـٰنِهَا خَیۡراً) [ الأنعام: 158] إذا طلعت الشمس من مغربها في ليلة يدوكُ-يتضايق- الناس ليلتهم وتطول عليهم يوم الليل فيفاجأون في الصباح وأنه قد تغير المسار؛ وإذا بالشمس تطلع من جهة الغروب. لا إله إلا الله، فتكون آيات كبرى ما عاد ينفع فيها التوبة ولا الرجوع، ثم تتتابع بقية الآيات حتى تقوم الساعة على شرار الخلق والعياذ بالله تعالى.

 "إن الله عز وجل ليبسطُ يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسطُ يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.."  ما أعظمه "حتى تطلع الشمس من مغربها" لا إله إلا الله.

وكان ﷺ ينهى عن القنوط من رحمة الله تعالى ويقول : «لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لكتاب عليكم".  قال تعالى  (قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ﴾ [الزمر:53]، والآمن من مكر الله واليأس من رحمة الله من أعظم وأشد أخطر الذنوب -والعياذ بالله تعالى-، فلا يجوز أن يأمن مكر الله ولا يجوز أن ييأس من رحمة الله. عبَّرَ  عن بسطِ الفضل والإنعام والإحسان والقبول للتوبة ببسط اليد بتعبير أهل اللغة، ويقول العرب: إن فلان عندي له يد، له يد عندنا، يأتي واحد ويقول: أين اليد التي عنده؟ أين وضعها؟ هذا ما لها دخل في الجسم، يده معه يمشي بها، يقول عندنا يد له، يعني: إحسان وفضل ومعروف هذا معناه، ما يفهم من اليد إلا القطعة اللحمية هذه فيأتي يد وهكذا. وقال قد يُقال: البلدة تحت يد الأمير، يأتي واحد يقول أين هذه اليد؟ البلاد ما في فوقها يده، ولو كان الأمير مقطوع اليد لكن تحت سلطانه وقهره وقوته؛ ولو يده مقطوع يقال تحت يد الأمير، فليس المراد شيء من هذا؛ ولكن هذا المعنى الذي يستعمل في لغة العرب. يقول في الحديث قال ﷺ: "إن الحق تعالى يقول لابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" أي: ملئها. له الحمد وله المنة.

يقول: "من سعادة المرء أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة" (وَأَنِیبُوۤا۟ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُوا۟ لَهُۥ) [الزمر:54] أي: ارجعوا إليه له الحمد وله المنة. 

"كل ابن آدم خطّاء.." أي: واقعُ في الخطأ أو يكثرُ منهم الخطأ،  "وخير الخطائين التوابون" الرَّجّاعون إلى الله تعالى ولهذا قالوا الإصرار على الصغائر يرُدُّها كبائر، الإصرار على الصغيرة على الخطيئة والذنب الصغير يرُدُّه من الكبائر، الإصرار (وَلَمۡ یُصِرُّوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلُوا۟ وَهُمۡ یَعۡلَمُون) [آل عمران: 135] يقول: الله.

وكان رسول الله ﷺ يقول : "إذا تاب العبد من ذنوبه أنسى الله حفَظَتَهُ ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض، حتى يلقى الله يوم القيامة وليس عليه من الله شاهدٌ بذنبٍ".  لا إله إلا الله . انظر كيف يفعل بعبده سبحانه وتعالى وهؤلاء ينسون لكن الله ما ينسى هو العالم بكل شيء ولا ينسى (فِی كِتَـٰبࣲۖ لَّا یَضِلُّ رَبِّی وَلَا یَنسَى) [طه:52] ولكن بفضله من أجل ما يفضحه بين خلقه يُنَسّْي الملائكة يمحوها من الصحف، يُنَسّْي الوقت، يُنَسّْي المكان الذي يعمل فيه، يُنَسّْي الجوارح وما تذكُر شيء، وبعض الصادقين في التوبة وهو في الحياة الدنيا نفسه تمحى عنه الذنوب ما عاد يقدر هو يذكرها، يحاول يذكرها ما عاد يجي عليها، وهكذا من كرمه على الصادقين في التوبة يُنَسِي جوارحهم من شان ما تشهد عليهم تفضحهم في القيامة، يُنَسِي المكان الذي فعل فيه حتى لا يفضحه، يُنَسِي الزمان الذي فعل فيه حتى لا يفضحه، يذهبها من حوافظ الملائكة الذين شهدوا حتى لا يفضحونه، يبقى بينه وبينه هو بس العليم به لا إله إلا الله. فإذا أراد أن يذكره بشيء منها نشر عليه كنفه حتى لا يسمع ملك ولا غيره ما يقول، وحده بينه وبينه يقول تذكر عبدي يوم فعلت كذا، ويخاف يقول: يا رب ألم تغفر لي؟ يقول: بلى سترتها عليك في الدنيا وأنا اليوم أغفرها لك، بعدين يكشف الستار يقول أدخُل الجنة برحمتي والملائكة يسمعونه يقولون سعِدَ فلان بن فلان؛ وذاك الكلام  ما أحد يسمعه جل جلاله، هكذا يعامل عباده ايش من رب هذا عظيم رحيم كريم بهذه يتنزل لعباده، وهو غني عنهم ولا يضره شيء منهم لو أهلكم جميعا ما يضره شيء -لا إله إلا الله- وهم الفقراء إليه المحتاجون إليه جل جلاله، أنسى الله الحفظة (وَیُرۡسِلُ عَلَیۡكُمۡ حَفَظَةً) [الأنعام:61] وهي المعقبات (لَهُۥ مُعَقِّبَـٰتࣱ مِّنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِ) [الرعد:11] قال ﷺ: "يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" فهؤلاء الحفظة الملائكة الموكلين بكل إنسان عشرة بالليل وعشرة بالنهار من حين يولد إلى أن يموت، عشرين عشرة لليل وعشر للنهار موكلين بكل واحد، فإذا كان العصر طلع ملائكة النهار وبقي ملائكة الليل وإذا كان الفجر طلع ملائكة الليل وبقي ملائكة النهار يلتقون في العصر والفجر ويصعدون بعمله وينسيهم الله إذا غفر لعبده مغفرة واسعة ينسيهم "وأنسى ذلك جوارحه" (یَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَیۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ * یَوۡمَىِٕذٍ یُوَفِّیهِمُ ٱللَّهُ دِینَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَیَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِینُ) [النور:24-25] (وَقَالُوا۟ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَیۡنَا) [فصلت:21] وهذا يخليها تنسى ما تذكر شيء ولا تتكلم بشيء. 

وكان ﷺ يقول: "التوبة ندم" ، اللهم صل على محمد وعلى آله  يعني: الندم أقوى أركانه، لماذا؟ أركان التوبة فإنه ما يصدر إلا من معرفة وعلم بخطر الذنب وبه يأوب إلى الله تعالى.

"وكان ثوبان رضي الله عنه يقول: التوبة من الذنب هي أن تتوضأ وتصلي ثم يقول : سمعته من رسول الله ﷺ". تمام التوبة، وقد ذكر الإمام الغزالي في منهاج العابدين كيفية للتوبة من جميع الذنوب والمعاصي في وضوءٍ وصلاة وخلوة وتذلل ووضع جبهةٍ على التراب، وصدق ندمٍ وتذلل للحق جل جلاله، وأنعِم بالتوابين، اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين واجعلنا من عبادك الصالحين.

 وقال عكرمة رضي الله عنه : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : إني قد اغتبتك فاجعلني في حل فقال ابن عباس:" أنا في يدي "أحِل ما حرَّم الله" هذا حرام قد وقعت فيه؛ فادعوه يغفر لك وبسامحك فيما بينه وبينك، وأما أنا أردت أن أرد الحرام حلال! أنا ما أقدر عليه حرم الله أعراض المسلمين، انتبه لنفسك ولكن ندعوا لك بالمغفرة ونسامحك فيما يتعلق بنا؛ وأنت روح لربك تب؛ أما تجعل الغيبة حلال! لا لا ما هو بيدي هذا، هذا أمر الله حرمه ما هو أنا الذي حرَّمته حتى أحُلِّه

 لك، قال يا ابن عباس : "إني قد اغتبتك فاجعلني في حل فقال ابن عباس: معاذ الله أن أحل ما حرم الله " حرام حرام وقعت فيه ما يتأتى يرجع حلال، "إن الله قد حرَّم أعراض المسلمين فلا أحلها، ولكن غفر الله لك يا أخي،" أدعو لك بالمغفرة وأسامحك فيما يتعلق بي، وإنت انتبه لنفسك تُب إلى ربَّك، أما تظن أننا برد السيء، الحرام حلال أنا ما هو بيدي، هذا الله الذي حرَّم عليك فانتبه، قال تعالى: (وَلَا یَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًا) [الحجرات:12] "وفعل ذلك محمد بن سيرين رضي الله عنه".

 يا غفور يا رحيم واغفر لنا وارحمنا، وانظر إلينا واعف عنا ووفر حظنا من ليال العشر هذه، وأيام العشر هذه، واجعلنا من الظافرين فيها بمغفرتك وعفوك وعافيتك ومسامحتك والتوبة النصوح، تُبْ علينا توبة نصوحة، خلصاء كاملة تامة نفوز فيها بتبديل جميع سيئاتنا إلى حسنات، واغفر جميع الخطيئات، وتجاوز عن جميع السيئات، ونسألك أن تغفر لنا ما مضى، وتحفظنا فيما بقي، اللهم اغفر لنا ما مضى واحفظنا فيما بقي برحمتك يا أرحم الراحمين والحمد لله.

 بسر الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

01 ذو الحِجّة 1444

تاريخ النشر الميلادي

19 يونيو 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام