كشف الغمة 239- كتاب الصلاة (129) الأذان والخطبة

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 239- كتاب الصلاة (129) الأذان والخطبة

صباح الإثنين 8 جمادى الآخرة 1446 هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  ألفاظ الأذان ومعانيها
  •  على ماذا يدل كثرة الكلام مع الناس؟
  •  معنى قول آدم: إن ربي عهد إلي: أقلل كلامك ترجع إلى جواري
  •  كم عدد أولاد النبي آدم؟ 
  •  انتقال النور من آدم إلى النبي محمد ﷺ
  •  سمّي الأذان والخطبة بالذكر
  •  هل تجب خطبتان للجمعة أم واحدة؟
  •  أركان خطبة الجمعة عند المذاهب الأربعة
  •  الموالاة بين الخطبتين والجهر
  •  وقت الجمعة وعدد حضورها
  •  الحمد والتشهد في الخطبة
  •  وجوب الصلاة على النبي في الخطبة

نص الدرس مكتوب:

فصل في الأذان والخطبة وغيرهما 

"كان رسول الله ﷺ يقول: "أتى آدم -عليه السلام- في أربعين ألفًا من ولده وولد ولده وقال: إن ربي عهد إليّ فقال: يا آدم أقلل كلامك ترجع إلى جواري".

قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: وكان رسول الله ﷺ إذا رقى المنبر سلم ثم جلس خفيفًا مستقبل للناس واستقبلوه كذلك ثم يؤذن المؤذن، وكان الأذان الأول على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- إذا جلس الخطيب على المنبر فلما كثر الناس على عهد عثمان -رضي الله عنه- زاد النداء الثاني على الزوراء، ولم يكن الرسول ﷺ في مكان التجميع غير مؤذن واحد يؤذن إذا جلس النبي ﷺ على المنبر ويقيم إذا نزل، وكان الأذان على باب المسجد، وكانت خطبته ﷺ في الجمعة وغيرها مشتملة على حمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على رسوله ﷺ والموعظة والقراءة"، وكان ﷺ يقول: "كل خطبة ليس فيها حمد وتشهد فهي كاليد الجذماء".

قال شيخنا -رضي الله عنه-: ويستدل لوجوب ذكر النبي ﷺ في الخطبة بقوله تعالى: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح: 4] وبقوله ﷺ: "ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم محمد ﷺ إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار"، 

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته سيدنا محمد عبده وصفوته، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحابته وأهل مودته ومحبته، وآبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

يذكر الإمام المؤلف -رحمه الله- في هذا الفصل: ما يتعلق بالأذان والخطبة وما اتصل بهما. 

ويذكر أن الأذان من الكلام المحبوب للرب جل جلاله؛ وهي: ألفاظ جامعة لمعاني التوحيد والإحسان والإنابة والاستقامة والدعوة إلى الخير وما تعلق بذلك من المعاني الواسعة.

حتى قال سيدنا الإمام الحداد: وددت لو تكلمت على ألفاظ الأذان ومعانيها؛ وما وجدت أهل الوقت يستوعبون دقائق هذه المعاني وما فيها.

فبذلك أورد الحديث عن إقلال الكلام؛ الكلام بغير ذكر الله تعالى، الكلام بغير القرآن؛ بغير السنة؛ بغير الذكر؛ يكون على الإنسان لا له إلا ذكر الله وما والاه، "كلُّ كلامِ ابنِ آدمَ عليه لا له؛ إلا أمرٌ بمعروفٍ، أو نهيٌ عن مُنكرٍ، أو ذكرُ اللهِ" ومن والاه. 

كثرة الكلام مع الناس في غير تعليم وإرشاد وغير ذكر للرحمن -جل جلاله- دليل الأنس بالناس، ودليل الانقطاع عن الحق، ودليل قلة الحضور مع الرحمن، ولهذا قال سيدنا آدم: "إن ربي عهد إليّ فقال: يا آدم أقلل كلامك ترجع إلى جواري"، أي: كن مقبلاً في أيام حياتك الدنيا عليّ وحاضرًا بين يدي، واجعل كلامك لأولادك وذريتك وبني جنسك ضرورة وحاجة تتقرب بها إليّ، لا تفرط فيها ولا تبالغ ولا تسترسل؛ فيكون ذلك علامة على إعراضك عني وأنسك بغيري فلا ترجع إلى جواري، ولهذا كان في ضبط كلام الإنسان أقوى ميزان على صحة صدقه مع الرحمن:

  • "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".
  • "ألا أخبرُك بمِلاكِ ذلِك كلِّه؟ قلتُ: بلَى، يا نبيَّ اللهِ، فأخذَ بلسانِهِ، وقال: كُفَّ عليكَ هذا".

 

قال: "إن ربي عهد إليّ فقال: يا آدم أقلل كلامك ترجع إلى جواري".

يذكر في الحديث أنه  قال: "أتى آدم -عليه السلام- في أربعين ألفًا من ولده وولد ولده وقال: إن ربي عهد إليّ فقال: يا آدم أقلل كلامك ترجع إلى جواري". وولده الذين من صلبه واحد وأربعون، واحد وعشرين ذكر وعشرين أنثى، وأحد الذكور قتله قابيل، فصار زواج العشرين بالعشرين الباقين عشرين ذكر بالعشرين الأنثى، الحادي والعشرين قُتل، وكل بطن كان ذكر وأنثى إلا بطن واحد وهو بطن شيث ابن آدم، فولدت بذكرٍ مفرد،  حينما حملت به انتقل سنا النور الذي كان على جبهة آدم إلى جبهة حواء، فلما ولدت شيثًا أشرق السناء على جبهته، ولم يزل أثر هذا النور يتنقل إلى عبد المطلب إلى عبد الله بن عبد المطلب إلى آمنة بنت وهب، فولدوا هؤلاء الواحد والأربعون، طال عمره وجاء ولد ولده وكل منهم جاءه أولاد حتى وصلوا في عهده أربعين ألف، "وقال: إن ربي عهد إليّ فقال: يا آدم أقلل كلامك  -أي: مع الخلق-  ترجع إلى جواري" في قربٍ مخصوص وأُنسٍ بي.

 

ولذا سميت الخطبة بالذكر في قوله: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللهِ) [الجمعة-9]، كما أن الأذان ذكر، "قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: وكان رسول الله ﷺ إذا رقى المنبر سلم ثم جلس خفيفًا مستقبل للناس واستقبلوه كذلك ثم يؤذن المؤذن، وكان الأذان الأول على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- إذا جلس الخطيب على المنبر" فكان إذا زالت الشمس صلى في حجرته أو بيته أربعًا ثم خرج إلى المنبر ولكونه عند صعود المنبر يستدبر الجمع ثم يستقبلهم فيسلم عليهم، ولكون سلامه عند الدخول إنما يتناول الذين بجانبه وقربه؛ فيكون سلامه على المنبر لجميع من في المسجد.

فهذه الخطبة للجمعة شرط لصحة الصلاة

قال الجمهور: خطبتان.

وقال الحنفية: خطبة واحدة واجبة والسنة خطبتان، يسنُّ الخطبتان والواجب واحدة.

وقال الجمهور: إنه ﷺ ما صلى مرة الجمعة إلا وخطب قبلها خطبتين، وقد قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي".

وهذه الخطبة لها أركان:

  • فلم يشترط الحنفية من أركانها إلا ذكر الله، وقال أبو حنيفة: بأي ذكر ذُكر الله في الجمع فقد تأدى واجب الخطبة.
  • قال صاحباه: لابد من ذكرٍ طويل يُعد خطبة أقلُّه مثل قدر التشهد.
  • ويقول المالكية: الذكر وحده لا يكفي، ولكن ما يسمى خطبة عند العرب ولو سجعتين، كمثل قوله: "اتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما نهى عنه وزجر"، قالوا: هذا يكفي.
  • وابن العربي من المالكية يقول: أقلُّه حمد الله والصلاة على نبيه وتحذير وتبشير وشيءٍ من القرآن.
  • وبهذا قاربوا الحنابلة والشافعية، قال الشافعية: خمسة أركان:

 

  1. الأول: لابد من حمد الله ويتعين لفظ الجلالة ولفظ الحمد وما اشتُقَّ منه في الخطبة الأولى والثانية.
  2. والثاني: الصلاة على النبي  بلفظ الصلاة وذكر النبي باسمه أو صفة من صفاته، ولا يكفي بمجرد عود الضمير ولكن صلِّ على محمد أو علي النبي المصطفي أو على المختار المجتبى أو على المزمل أو على المدثر، أما صلِّ عليه وحدها لاتكفي.
  3. الثالث: الوصية بالتقوى أيضًا في الخطبتين.
  4. الرابع: الدعاء للمؤمنين في الأخيرة بأي دعاء أخروي.
  5. الخامس: قراءة آية من القرآن في إحداهما، وفي الأولى أفضل، آية مفهمة أي تحمل معنًى مستقلاً، وأما إذا أراد قراءة فقال: (ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ) [المدثر-23]، من هو هذا؟ ماذا يفهم منها؟ قال: آية مرتبطة بما قبلها وما بعدها لا تصح قال: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص-1] كافي، تكون آية مُفهمة.

 

  • وكذلك يقول الحنابلة: أربعة أركان: حمد الله، والصلاة على النبي، والموعظة وهي مقصود الخطبة، يعني الحث على الطاعة والزجر عن المعصية وهو المراد بالتقوى، وقراءة آية كاملة، ولم يعدوا الدعاء للمؤمنين ركنًا من أركان الخطبة.
  • ثم إنه يجب الموالاة بين الخطبتين. 
  • والموالاة بين الخطبتين وإقامة الصلاة بتكبيرة الإحرام. 
  • كما يجب الجهر بحيث يسمع الأربعون؛  ولا يضر أن يكون بعضهم أصم، لكن الإمام يجهر بحيث لو كان سمعه معتدل لسمع. والمقصود جمعية على الله ومراجعة للحساب، وتذكير بالمآب يتهيأون فيه لتلقي فائض الجود في الصلاة.
  • والخطبة يجب أن تكون في وقت الجمعة وهي وقت الظهر عند الجمهور، سبق معنا أن الحنابلة قالوا: من بعد ارتفاع الشمس قدر رمح.
  • ويجب أن تكون قبل الصلاة فأما إذا صلى بعدين يخطب (أي عكس) فاخطب وصلِّ ثاني مرة، ما تحسب الصلاة قبل الخطبة.
  • ويحضرها الجمع الذين تنعقد بهم الجمعة وقد تقدم معنا أنه عند الشافعية والحنابلة أربعون، وعند المالكية اثنا عشر، وقال الحنفية: جمع كثير. 

 

قال: "وكان الأذان الأول على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- إذا جلس الخطيب على المنبر فلما كثر الناس على عهد عثمان -رضي الله عنه- زاد النداء الثاني على الزوراء"، -سموه بالثاني لأنه حادث وإلا هو قبل الأول قبل الذي بين يدي الخطيب في أول الوقت ينادي لأجل الناس يأتون ثم إذا دخل الخطيب أذن- "ولم يكن لرسول ﷺ في مكان التجميع غير مؤذن واحد يؤذن إذا جلس النبي ﷺ على المنبر ويقيم إذا نزل، وكان الأذان على باب المسجد، وكانت خطبته ﷺ في الجمعة وغيرها مشتملة على حمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على رسوله ﷺ والموعظة والقراءة"، وكان ﷺ يقول: "كل خطبة ليس فيها حمد وتشهد فهي كاليد الجذماء".

ولهذا ينبغي ويسن أن يأتي بالشهادتين في أثناء الخطبة: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله" وأكمله: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله".

يقول الإمام: "قال شيخنا -رضي الله عنه-: ويستدل لوجوب ذكر النبي ﷺ في الخطبة بقوله تعالى: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح: 4] وبقوله ﷺ: "ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم محمد ﷺ إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار"،  هم في السقوط والدناءة مثل من اجتمعوا على جيفة حمار يأكلون منها؛ إذا لم يكن في المجلس صلاة على النبي ﷺ، ومن هنا يأتي وجوب الصلاة على النبي  عند الجمهور في الخطبة كما هو أيضًا عند الشافعية ومن وافقهم في كل صلاة عند التشهد، قال: "وكان ﷺ يخطب قائماً".

 

رزقنا الله تعظيمه وتعظيم رسوله وما جاء به عنه، وتعظيم شعائره، وحسن امتثال أوامره واجتناب زواجره، والاستقامة على ما يحب، وأدخلنا في من  يحب في عافية.

 

 

 بسر الفاتحة  

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

09 جمادى الآخر 1446

تاريخ النشر الميلادي

10 ديسمبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام