كشف الغمة 233- كتاب الصلاة (123) فصل في التطيب والتدهن وقلم الأظافر والغسل والتبكير للجمعة - 2 -

كشف الغمة
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  كتاب الصلاة (122) فصل في التطيب والتدهن وقلم الأظافر والغسل والتبكير للجمعة -2- 

صباح الأربعاء 25 جمادى الأولى 1446 هـ 

 

نص الدرس مكتوب:

"وكان ﷺ يقول: "إن الله وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة"، وكان ﷺ يأمر بالغسل والتنظيف قبل الحضور ويأمر بتقليم الأظفار ونتف الإبط وإزالة الشعر بعد الصلاة ويقول: "مثل المؤمن يوم الجمعة كمثل المحرم لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى تنقضي الصلاة، قيل: يا رسول الله متى يتأهب للجمعة؟ قال: يوم الخميس"، وكان ﷺ يقول: "من أخذ شاربه يوم الجمعة كان له بكل شعرة تسقط منه عشر حسنات"، وكان ﷺ يحث على لبس الثياب الحسنة يوم الجمعة ويقول: "ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته". 

 

وكان ﷺ يقول: "على كل مسلم الغسل يوم الجمعة"، وفي رواية: "من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء"، وفي رواية: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن بالسواك، وأن يمس طيبًا إن وجد، فإن لم يجد فالماء له طيب"، قال ابن عمر -رضي الله عنه-: أما الغسل فأشهد إنه واجب وأما السواك والطيب فالله أعلم أواجب أم لا ولكن هكذا الحديث. 

 

وكان ﷺ يقول: "على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم وهو يوم الجمعة"، وفي رواية: "حق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا يغسل رأسه وجسده". وفيه دليل على مشروعية الغسل وإن لم يرد حضورها، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: إنما يغتسل من أراد الحضور. 

 

وكان ﷺ يقول كثيرًا في كل جمعة: "يا معشر المسلمين إن هذا اليوم جعله الله عيدًا فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه، وعليكم بالسواك"، وفي رواية: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل"، وقال ابن عمر: بينما عمر -رضي الله عنه- يخطب إذا دخل عثمان -رضي الله عنه- أو رجل من المهاجرين الأولين فناداه عمر: أية ساعة هذه؟ فقال: إني شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد على أن توضأت، فقال عمر -رضي الله عنه-: والوضوء أيضًا وقد علمت أن رسول الله ﷺ كان يأمر بالغسل ويقول: "اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رؤوسكم وإن لم تكونوا جنبًا". 

 

قال شيخنا -رضي الله عنه-: وإنما أمر بغسل الرأس وإن كان داخلاً في الغسل؛ لأنهم كانوا يجعلون في رؤوسهم الخطمى وغيره فكانوا يغسلون رؤوسهم منه ثم يغتسلون.

 

وكان عكرمة -رضي الله عنه- يقول: سئل ابن عباس -رضي الله عنهما- عن الغسل يوم الجمعة أواجب هو أم لا؟ فقال: ليس بواجب ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس هو بواجب عليه، وسأخبركم كيف كان بدو الغسل: كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم وكان مسجدهم ضيقًا مقارب السقف إنما هو عريش كعريش موسى تصله الأيدي، فخرج عليهم رسول الله ﷺ في يوم حار وقد عرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بعضهم بعضًا، فلما وجد رسول الله ﷺ تلك الروائح قال: "يا أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه"، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ثم جاء الله تعالى بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل بغيرهم ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضًا من العرق والصنان". 

 

وكذا كانت عائشة -رضي الله عنها- إذا سئلت عن الغسل تقول: "كان الناس في مهنة أنفسهم، وكانوا أهل عمل ولم يكن لهم كفاة يكفونهم العمل، وكانوا يتناوبون الجمعة من العوالي فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار والعرق فيخرج منهم الريح الكريه، فأمرهم النبي ﷺ بالغسل فلما فتح الله تعالى عليهم ولبسوا الثياب الحسنة وزالت تلك الروائح قال لهم رسول الله ﷺ: "من توضأ الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل".

 

وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يروح إلى الجمعة إلا ادهن وتطيب إلا أن يكون محرمًا ويقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "ليغتسل أحدكم يوم الجمعة ويلبس من صالح ثيابه ويتطيب ويدهن بما وجد في بيته، ثم يخرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولا يؤذي أحدًا، ثم إذا خرج إمامه أنصت حتى يصلي، فمن فعل ذلك كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى".

 

وكان ﷺ يحث على التبكير يوم الجمعة يوم مع السكينة والوقار، وخرج زيد بن ثابت -رضي الله عنه- يريد الجمعة فاستقبله الناس راجعين فدخل دارًا فقيل له في ذلك فقال: من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله عز وجل، وكان ﷺ يقول: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت -يعني: أنسطت- الملائكة يستمعون الذكر"، وكان ﷺ يحث على الدنو من الإمام ويقول:" إن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها"، والله أعلم".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بالشريعة الغراء، وبيانها على لسان خير عباده وأرفعهم إليه قدرًا سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأهل بيته الذين نالو به طهرا وعلى أصحابه الكرام الذين حازوا به فخرا وعلى من والاهم وأتبعهم بإحسانٍ وبمجراهم سرًا وجهرًا وعلى آبائه وإخوانه من ساداتنا الأنبياء والمرسلين الراجين في الفضل أعلى الذرى وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين طرا وعلينا معه وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

يواصل الشيخ -عليه رحمه الله تبارك وتعالى- ذكرى ما يتعلق بآداب يوم الجمعة وسننها، وقد ذكر لنا العمائم في ما مرَّ وأنها من سنته -عليه الصلاة والسلام- وأن بها يتقلد الملائكة الكرام -عليهم الرضوان- في السماء وفي الأرض، وذكر ﷺ من عمائم الملائكة في ليلة الإسراء والمعراج والذين حضروا بدرًا وغيرهم، وألوان تلك العمائم وعلمنا مضاعفة الأجر لمن يصلي بالعمامة، ولمن يصلي بالعطر، ولمن يصلي بالرداء، وأن مما جاء من ألبسة السّنّة الإزار والسراويل والقميص، والسراويل تحت الأُزر والقميص والجبّة  والرداء والعمامة ذات العذبة وما إلى ذلك من السنن، فهي من المستحبات على الخصوص في يوم الجمعة أن يستعمل هذه الزينة التي يُعظّم بها شعيرة الله تبارك وتعالى.

 

قال: "وكان ﷺ يأمر بالغسل والتنظيف قبل الحضور ويأمر بتقليم الأظفار" وتقدم معنا كيفيته وسنته وأن الأفضل أن يكون يوم خميس أو يوم جمعة أو يوم اثنين، ويجوز في غيرها من الأيام.

 

وكذلك "ونتف الإبط وإزالة الشعر بعد الصلاة" وأشار بقوله بعد الصلاة إلى ما ذهب إليه الحنفية؛ أن ذلك بعد الصلاة أولى.

وكان عندنا الإمام عبدالرحمن المشهور يقلّم أظفاره من الخميس استعدادًا للجمعة.

وكان الإمام عيدروس بن عمر الحبشي بعد رجوعه من صلاة الجمعة يقلّم الأظفار ويقول: تشملها المغفرة، ثم بعد الخروج من الصلاة يقرضونها، وإلى هذا ذهب الحنفية .

وأورد فيه هذا الحديث "ويقول: "مثل المؤمن يوم الجمعة كمثل المحرم لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى تنقضي الصلاة، قيل: يا رسول الله متى يتأهب للجمعة؟ قال: يوم الخميس"، فينبغي الاستعداد القلبي والروحي وفي الوجهة من يوم الخميس  وذلك اأيضاً بتنظيف الثياب التي تحتاج إلى تنظيف من يوم الخميس حتى لا تشغله عن التبكير إلى يوم الجمعة، "قال: يوم الخميس".

 

وكان ﷺ يقول: "من أخذ شاربه يوم الجمعة كان له بكل شعرة تسقط عنه عشر حسنات"، وعلمنا من ما ورد من في السنة من إحفاء الشوارب  وقصها "له بكل شعرة تسقط عنه عشر حسنات".

 

"وكان ﷺ يحث على لبس الثياب الحسنة يوم الجمعة" قال: والأبيض أفضل في يوم الجمعة، والأغلى أفضل في يوم العيدين، فإن صادفت الجمعة يوم عيد، فينبغي أن يستعمل في عامة اليوم الثياب الأغلى، وحين ذهابه إلى الجمعة وحتى رجوعه منها يستعمل الثوب الأبيض؛ فالأبيض أفضل في يوم الجمعة، والأغلى أفضل يوم العيد .

"ويقول: "ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته" تعظيمًا لشعائر الله، وكان  قد يخصص جبَّةً للجمعة يلبسها ثم يطويها إلى الجمعة آلاتية.

 

وكان ﷺ يقول: "على كل مسلم الغسل يوم الجمعة" 

  • فاتفق الأئمة على مشروعية الغسل يوم الجمعة، أما لمن يحضرها فابتفاق، ومن لا يحضرها فعلى خلاف، فيقول : "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل" كما جاء في الصحيحين وغيرهما.
  • ثم يقول الجمهور: هو سنة.
  • ويقول بعض الحنفية: أنه من سنن الزوائد وفي قول عندهم: أنه واجب.
  • كذلك سمعت من قول المالكية: أنه إذا كان عليه رائحةٌ فلا يزيلها إلا الغسل؛ فالغسل واجب.
  • وكذلك في رواية عند الإمام أحمد بن حنبل: أن غسل يوم الجمعة واجب.
  • ورواية ثانية كما هو قول الجمهور: أن غسل يوم الجمعة سنّةٌ مؤكدة.

يقول: "على كل مسلم الغسل يوم الجمعة"؛ فهو ثابت مؤكد، ومن آكد الأغسال المسنونة.

قال: "من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء" و هذا يؤيد من قال: أنه مخصوصٌ بمن يحضر الجمعة، لا بعموم الناس بخلاف غسل العيد؛ فإن غسل يوم العيد ثابتٌ، لكل أحد يصلي العيد أو لا يصليها، يحضر إلى المصلى أو لا يحضر، فيسنّ لكل أحد من الصغار والكبار حتى الحائض والنفساء يسنّ لهم الغسل في يوم العيد، كما يسّنّ أن يغسّل الأطفال يوم العيد، وينوي عنهم من يغسّلهم سنّة الغسل يوم العيد، فغسل العيد لأجل اليوم وغسل الجمعة عند الجمهور من أجل الصلاة لمن يحضرها؛ فمن يحضرها فليغتسل.

 

  • يدخل وقت غسل يوم الجمعة من طلوع الفجر.
  • قال المالكية: إنما يكون عند الذهاب عند المضي إلى الجمعة، فإن اغتسل ثم تأخر ونام أو أكل وقعد طويلًا فليعِد الغسل لأجل الخروج، فعندهم إنما يكون الغسل عند الذهاب إلى الجمعة، فإذا طال الفصل بين الغسل والذهاب؛ سقطت صلاحية هذا الغسل ووقوع السنة به إلا أن يغتسل عند الذهاب.
  • وقال غيرهم: هو من الفجر جائز إن يغتسل، فإذا اغتسل لأجل حضور الجمعة فقد كفاه ذلك.
  • وفي رواية من نصف الليل وهو القول المعتمد عند الشافعية بالنسبة لغسل العيدين أنه من نصف الليل استدلالًا بأن من الصحابة كان يأتي من بعيدٍ لأجل صلاة العيد مع رسول الله ﷺ فلا يمكنهم الحضور إلا إذا اغتسلوا من بعد نصف الليل؛ حتى يأتي الفجر والإشراق وهم في المدينة المنورة يصلون مع النبي ﷺ فيأتون من قراهم البعيدة. 

 

 ويستمر غسل الجمعة إلى اليأس من إدراكها، ويستمر غسل العيد إلى غروب الشمس في يوم الجمعة.

 قال في رواية : "غسل الجمعة واجب على كل محتلم -أي: كل بالغ- وأن يستنَّ بالسواك" فهذا ما يتعلق بالغسل، وفي الراوية في الصحيحين: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" فسره الجمهور بأنه ثابت مؤكد معنى واجب.

وعلمت اشتراط المالكية: أن يكون الغسل متصلا بوقت الذهاب إلى الجامع، وأما إذا لم يطل الفصل؛ إن أكل أكلا خفيفا ونحوه فلا يحتاج لإعادة الغسل عندهم.

وهكذا علمت قول الشافعية: وقته من الفجر الصادق وتقريبه من الذهاب إلى الجمعة أفضل؛ عند وقت انطلاقه إلى الجمعة.

وهو أيضا عند الجمهور من أجل الصلاة لا من أجل اليوم، فمن أراد حضور الجمعة فليغتسل.

 قال: "وأن يستن بالسواك" فهو من المؤكدات في كل وقت وخصوصا عند الصلوات؛ وعند الوضوء؛ وعند النوم؛ وعند دخول البيت؛ وعند القيام من النوم؛ فهذه مواضع يستحب السواك فيها على وجه الخصوص، كذلك في يوم الجمعة، وهو مستحب في كل حال، أي وقت نظًّف الإنسان أسنانه وساكها ينبغي أن ينوي سنة الاستياك، وهو حاصل بكل خشن يقلع الوسخ، غير إصبع الرجل نفسه فلا يُعد ذلك سواكا لأنه جزء منه.

 قال: "وأن يمس طيبًا" والطيب مما يتضاعف به أيضا أجر الصلاة ، "وأن يمس طيبًا إن وجد، فإن لم يجد فالماء له طيب"، قال ابن عمر -رضي الله عنه-: أما الغسل فأشهد إنه واجب وأما السواك والطيب فالله أعلم أواجب أم لا ولكن هكذا الحديث"، الحديث أيضًا في الصحيح، فكلها سنن؛ من السواك والطيب يوم الجمعة، وقد جاء في عدد من الروايات.

 

قال: "وكان ﷺ يقول: "على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم وهو يوم الجمعة"، وفي رواية: "حق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا يغسل رأسه وجسده". وفيه دليل على مشروعية الغسل وإن لم يرد حضورها، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: إنما يغتسل من أراد الحضور". 

ويرى بعض أهل الحديث من الفقهاء أنها أغسالٌ:

  • غسل لكل اسبوع وهو سُنًّة مستقلة.
  • وغسلٌ ليوم الجمعة.
  • وغسلٌ لصلاة الجمعة.

ويُمكن أن تندرج في غسل واحد بالنية، فينوي عند الاغتسال الغسل للأسبوع والغسل لليوم والغسل للذهاب لصلاة الجمعة، ويحصل له الثلاثة الأغسال؛ لأنه جاء في عدد من الروايات حق على كل مسلم في كل أسبوع أن يغتسل، إذا مرت سبعة أيام فليمس جسده الماء، إلى غير ذلك مما ورد في غسل الأسبوع، وهذا حتى لمن كان بعيدا في مكان ليس فيه جمعة فلا ينبغي أن يمر الأسبوع لو يغتسل تطهيرا وتنظيفا للجسد، فإذًا غسل للأسبوع وغسل ليوم الجمعة وغسل لحضور صلاة الجمعة، غسل ليوم الجمعة على قول من يقول به.

 

قال: "وكان ﷺ يقول كثيرًا في كل جمعة: "يا معشر المسلمين إن هذا اليوم جعله الله عيدًا فاغتسلوا"، ففيه أن كل يوم يحصل فيه الفضل والخير فهو عيد، ومن هنا قال سيدنا علي لما هنا بالعيد: اليوم عيد وأمس عيد وغدا إن شاء الله عيد وكل يوم لا نعصي الله فيه فهو عيد، ومن هنا قالوا عن الذين يصدقون مع الله ويتلقون فيض نفحاته فتزيد عليهم المنن والمواهب في كل يوم قالوا: المحبون لله كل يوم لهم عيد، وهكذا.

ويسمي الملائكة يوم العيد في الجنة يوم المزيد، وهو اليوم الذي يأذن الله فيه لأهل الجنة بالنظر إلى وجهه الكريم، 

قال: "يا معشر المسلمين إن هذا اليوم جعله الله عيدًا فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه، وعليكم بالسواك"، وفي رواية: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل"، وقال ابن عمر: بينما عمر -رضي الله عنه- يخطب إذا دخل عثمان -رضي الله عنه-أو رجل من المهاجرين الأولين فناداه عمر: أية ساعة هذه؟ منكرا  عليه أنه يصل متأخر والإمام يخطب- "فقال: إني شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد على أن توضأت، -وجئت- فقال عمر -رضي الله عنه-: والوضوء أيضًا  -يعني ما اغتسلت-  وقد علمت أن رسول الله ﷺ كان يأمر بالغسل ويقول: "اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رؤوسكم وإن لم تكونوا جنبًا". فلا يختص غسل الجمعة بمن أجنب بل الكل يسن له أن يغتسل لسنة غسل يوم الجمعة.

 

"قال شيخنا -رضي الله عنه-: وإنما أمر بغسل الرأس وإن كان داخلاً في الغسل؛ لأنهم كانوا يجعلون في رؤوسهم الخطمى وغيره فكانوا يغسلون رؤوسهم منه ثم يغتسلون" بعض أوراق الشجر يسحقونها ويضعونها على رؤوسهم؛ فخص الرؤوس بالغسل وهي داخلة في عموم الاغتسال والمراد تنظيف شعر الرأس.

 

"وكان عكرمة -رضي الله عنه- يقول: سئل ابن عباس -رضي الله عنهما- عن الغسل يوم الجمعة أواجب هو أم لا؟ فقال: ليس بواجب ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس هو بواجب عليه"، جاء في الحديث "من اغتسل يوم الجمعة فبها ونعمت ومن توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل"،  ويقول: "وسأخبركم كيف كان بدو الغسل: كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم وكان مسجدهم ضيقًا مقارب السقف إنما هو عريش كعريش موسى تصله الأيدي، فخرج عليهم رسول الله ﷺ في يوم حار وقد عرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح أذى بعضهم بعضًا، فلما وجد رسول الله ﷺ تلك الروائح قال: "يا أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه"، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ثم جاء الله تعالى بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل بغيرهم ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضًا من العرق والصنان"، وهو: تغير رائحة الإبط الصنان.

 

 

"وكذا كانت عائشة -رضي الله عنها- إذا سئلت عن الغسل تقول: "كان الناس في مهنة أنفسهم، وكانوا أهل عمل ولم يكن لهم كفاة يكفونهم العمل، -كل واحد منهم يشتغل بنفسه- وكانوا يتناوبون الجمعة من العوالي فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار والعرق فيخرج منهم الريح الكريه، فأمرهم النبي ﷺ بالغسل فلما فتح الله تعالى عليهم ولبسوا الثياب الحسنة وزالت تلك الروائح قال لهم رسول الله ﷺ: "من توضأ الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل"، هذا دليل القائلين بأنه سنة وليس بواجب.

 

 

قال: "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يروح إلى الجمعة إلا ادهن وتطيب إلا أن يكون محرمًا ويقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "ليغتسل أحدكم يوم الجمعة ويلبس من صالح ثيابه ويتطيب ويدهن بما وجد في بيته، ثم يخرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولا يؤذي أحدًا، ثم إذا خرج إمامه أنصت حتى يصلي، فمن فعل ذلك كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى"، رزقنا الله بركة الجمعة وسرها وخيرها.

 

"وكان ﷺ يحث على التبكير يوم الجمعة" والتبكير يوم الجمعة يبدأ من الفجر، وكانوا يقولون إن أول بدعة حدثت ترك التبكير للجمعة، وكانوا أيضًا في القرون الأولى منهم من يخرج إلى المسجد بالسراج للجمعة، وما المعنى بالسراج؟ يعني: الظلمة ما شي ضوء، إما آخر الليل وإلا بعد الفجر مباشرة فيحتاج للسراج حتى يصل إلى الجامع متهيأ لصلاة الجمعة، فيبكرون من أول النهار، ولم تزل فضيلة التبكير التي تنتهي بدخول الخطيب؛ فإذا صعد الخطيب المنبر انتهى التبكير، ويُقال: أن الناس في منازلهم في ساحة النظر لوجه الكريم الوجه  في ساحة الجنة على قدر تبكيرهم إلى الجمعة. لا إله إلا الله.

وأيضًا لمّا تأخر مرة سيدنا زيد من ثابت ورأى أن الناس قد خرجوا من الجمعة استحيا "فدخل دارًا فقيل له في ذلك فقال: من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله عز وجل"،

 

وكان ﷺ يقول: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة"، أي: غسلاً كغسل الجنابة مثله في الهيئة يشمل جميع البدن من الرأس إلى القدم، "فكأنما قرب بدنة" أي: تصدق وقدم لله تعالى بدنة -جمل، ناقة- "ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة"، والجمهور قالوا: أن هذه الساعات عبارة عن أجزاء الوقت من الفجر إلى وقت صعود الخطيب المنبر، فيقسّم خمسة أجزاء متساوية من الفجر إلى وقت الطلوع، فمن راح في وقت الجزء الأول فقد راح في الساعة الأولى، ومن راح في وقت الجزء الثاني فقد راح في الساعة الثانية، وهكذا إلى صعود الخطيب المنبر.

وفي قول عند المالكية: بل هو من الزوال، ما بين الزوال وصعود الخطيب المنبر تكون هذه الساعات الخمس، وهذا يوافق الكسالى المتأخرين، ولكن كل من بكَّر فهو أفضل، حتى يروى أن الملائكة يقعدوا على أبواب المكان الذي تُصلّى فيه الجمعة؛ تكتب الداخلين الأول فالأول، حتى إذا صعد الإمام الخطيب اجتمعوا حول المنبر يسمعون الخطبة؛ فلا يكتبون من يأتي بعد ذلك.

قال: "ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت -يعني: أنسطت- الملائكة يستمعون الذكر"-أي: الخطبة- وكان ﷺ يحث على الدنو من الإمام ويقول:" إن الرجل لا يزال يتباعد" عن الصف الأول وعن القرب من الإمام والخطيب في الجمعات  حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها"، بسبب عدم مبالاته وتأخره عن الصفوف الأولى وعن التبكير وعن الدنو من الإمام؛  فإذا لم يبالي ويتأخر يتأخر فيُؤخر درجته في الجنة، "ولا يزالُ قومٌ يتأخرونَ حتَّى يُؤخِّرَهم اللهُ"، فالذي ينبغي للمؤمن أن يبادر وأن يسارع وأن يحرص على القرب من الإمام والدنو منه وعلى الصف الأول، وقد كانوا يتبادرون على التبكير ويذهبون حتى يمتلئ الصف الأول من أول النهار، فكان يصل بعضهم ويحاول في المكان في الصف الأول حتى يعرض على صاحبه أن يوسع له ويخرج له عن مكانه في الصف الأول، اثني عشر مد من الطعام يعطيه إياه مقابل أن يتنحى ويدخل في الصف الأول تعظيمًا لشعائر الله (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].

"احضروا الذِّكرَ وادْنوا من الإمامِ فإنَّ الرَّجلَ لا يزالُ يتباعدُ حتَّى يُؤخَّرَ في الجنَّةِ وإن دخلها"،هكذا في رواية أبي داود والحاكم وصححه.

قالوا: وهذا التبكير سنة لغير الإمام، أما الإمام فالأفضل أن يخرج وقت الخطبة مباشرة فيدخل ويسلم على القمة ويصعد المنبر .

إذًا عند المالكية: أن الساعات الخمس لحظات لطيفة ما بين زوال الشمس وصعود الخطيب المنبر.

وقال الجمهور من العلم: أنها هي الساعات من أول الفجر إلى وقت دخول الخطيب المنبر فيقسم الوقت ما بين الفجر إلى وقت طلوع الخطيب المنبر.

 

أحيى الله فينا الشعائر ونور لنا البصائر، وصفى لنا السرائر، وألحقنا بأهل الصدق معه في الباطن والظاهر، وفرج كروب الأمة في المشارق والمغارب، ودفع عنا وعنهم البلاء والآفات، وأصلح الظواهر والخفيات، ورزقنا تعظيم شعائره، وحسن امتثال أوامره واجتناب جميع زواجره، والاقتداء بحبيبه محمدﷺ، واتباع أثره في خير ولطف وعافية.

 

بسر الفاتحة  

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الفاتحة 

 

تاريخ النشر الهجري

26 جمادى الأول 1446

تاريخ النشر الميلادي

27 نوفمبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام