كشف الغمة 231- كتاب الصلاة (121) السفر يوم الجمعة والعدد الذي تنعقد به الجمعة

كشف الغمة
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (120) باب صلاة الجمعة

صباح الإثنين 22 جمادى الأولى 1446 هـ 

 

نص الدرس مكتوب:

"وكان ﷺ يرخص في السفر يوم الجمعة لا سيما لأمر مهم كالجهاد، وقال عبدالله بن رواحة -رضي الله عنه-: "تخلفت للجمعة عن سرية كان النبي ﷺ عينني فيها فرآني النبي ﷺ فقال: ما خلفك عن أصحابك؟ قلت: الجمعة معك يا رسول الله، فقال رسول الله ﷺ: لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت غدوتهم". 

 

 وكان عمر بن عبد العزيز لا يرسل له رسولًا قط في يوم الجمعة خوف فوات الجمعة -رضي الله عنه-، وسمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مرة رجلًا يقول: لولا الجمعة لسافرت اليوم، فقال له: اخرج لسفرك فإن الجمعة لا تحبس عن سفر، وتقدم في باب آداب المساجد قوله ﷺ: "إذا كنتم مسافرين يعني عازمين على السفر فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي".

 

فصل في عدد الجماعة الذين تنعقد بهم الجمعة 

 

كان أبو أمامة -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الجمعة واجبة على الخمسين رجلاً وليس على ما دون الخمسين جمعة"، وكان ابن مسعود يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الجمعة واجبة على كل قرية وإن لم يكن فيها إلا أربعة"، وقال كعب بن مالك -رضي الله عنه-: أول من جمع بنا أسعد بن زرارة في بقيع الخصمان قيل لكعب: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلًا فجمع بنا قبل مقدم النبي ﷺ من مكة. 

 

قال شيخنا -رضي الله عنه-: والظاهر أن العدد المذكور ليس بشرط ولو كان أسعد وجد دون الأربعين لجمع بهم وأقام شعار الجمعة بدليل الحديثين قبله فهي واقعة حال، ولذلك اختلفت مذاهب العلماء في العدد فذهب ابن عباس -رضي الله عنه- إلى أن الجمعة تصح من الواحد، وذهب إبراهيم النخعي وداود وأهل الظاهر إلى أنها تصح من اثنين.

وذهب أبو حنيفة وسفيان الثوري -رضي الله عنهما- إلى أنها تنعقد بأربعة أحدهم الإمام، وذهب الإمام الليث بن سعد ومحمد وأبو يوسف إلى صحتها باثنين مع الإمام، وذهب عكرمة إلى صحتها بسبعة، وذهب ربيعة إلى أنها تصح بتسعة وفي رواية عنه باثني عشر، وذهب إسحق إلى صحتها بثلاثة عشر أحدهم الإمام.

 

وذهب مالك إلى صحتها بعشرين، وفي رواية بثلاثين، وذهب الشافعي إلى صحتها بأربعين أحدهم الإمام، وفي قول له أربعين غير الإمام، وبه قال عمر بن عبد العزيز وطائفة، وذهب الإمام أحمد إلى صحتها بخمسين، وذهب طاوس إلى صحتها بثمانين، وذهب بعض علماء الحديث -رضي الله عنهم- إلى صحتها بجمع كثير من غير حصر.

 

قال: ومن تأمل ظواهر أدلة الشريعة كلها وجدها تشهد لوجوب إقامتها بجماعة يظهر بها شعار الجمعة في كل مصر وبلد وقرية بحسبها من غير عدد مخصوص، وقد سئل ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رجل صلى الجمعة في بستانه فرادی، فقال: لا حرج إذا قام شعار الجمعة بغيره رضي الله عنه.

 

قال شيخنا -رضي الله عنه-: إنما شدد الشارع ﷺ والخلفاء الراشدون في حضور الجمعة وعدم صحتها فرادى من غير حضور الجماعة خوفًا أن يتساهل الناس في الحضور فيصلوا فرادى فلا يقوم للجمعة شعار فسدوا الباب بذلك، كما أمر رسول الله ﷺ من صلى خلف الصف أن يعيد الصلاة، وكما قال: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، وغيرهما من الأحاديث، والله سبحانه وتعالى أعلم. 

 

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: وانفض الناس على عهد رسول الله ﷺ في أثناء الصلاة فلم يبق مع رسول الله ﷺ إلا اثنا عشر رجلًا أو ثمانية رهط، وصلى بهم رسول الله ﷺ ما أدركوه معهم وأنزل الله في ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَرَةٌ أَوْ لَهوا أنفَضُّوا إِلَيْهَا) [الجمعة: 11] الآية، وفي رواية: "أن هذه الآية نزلت في انفضاضهم في الخطبة". 

 

قال شيخنا -رضي الله عنه-: ولعل بعضهم انفض في الصلاة وبعضهم في الخطبة. قال ابن عباس -رضي الله عنهما- وأوّل جمعة جمعها بنا رسول الله ﷺ بعد الهجرة في المسجد الذي في بطن وادي بني سالم، فهي أول جمعة جمعت بالمدينة؛ لأنه ﷺ قدم المدينة يوم الاثنين فأقام الثلاثاء والأربعاء والخميس في بني عمرو بن عوف، وأسس مسجدهم ثم خرج من عندهم فأدركته الجمعة في بني سالم فصلاها في مسجدهم.

 

قال ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضًا وأوّل جمعة جمعت بعد مسجد رسول الله ﷺ في مسجد عبد القيس بقرية من قرى البحرين يقال لها جواثى، وهي أول قرية أقامت الجمعة بعد رجوع الناس إلى الحق بعد الردة في زمن أبي بكر رضي الله عنه، والله أعلم."

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته على لسان خير بريته سيدنا محمد، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته وعلى أهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وارحم الراحمين.

وبعد،

فيتكلم الشيخ -رضي الله عنه- في الأحاديث المتعلقة بالجمعة عن السفر في يوم الجمعة لمن تجب عليه الجمعة، ويذكر الرخصة لمعذور أو قائم بحقٍ، وذلك أن من وجبت عليه الجمعة إذا جاء وقت الزوال أو وقت الأذان الأول؛ جاء وقت الزوال فيحرم سفره بالإتفاق إلا لموضع يصلي فيه الجمعة؛ وإلا لا يخرج.

وأما ما قبل الزوال من بعد الفجر يوم الجمعة فهو محل الإجتهاد والخلاف بين أهل العلماء.

وأما إذا زالت الشمس فيحرم بالإتفاق أن يسافر إلا لأداء جمعة في طريقه وما عدا ذلك: 

  • فقال جماعة من أهل العلم: بالكراهة.
  • وقال الشافعية: بالحرمة يحرم أن يسافر بعد طلوع الفجر؛ لأن الجمعة مربوطة باليوم واليوم من طلوع الفجر، ولأنه يجب على من ليست الجمعة في قريته أن يسعى لها من بعد الفجر. 

إذًا: فمن بعد الفجر لا يسافر من وجبت عليه الجمعة

  • قال المالكية والحنابلة: يكره. 
  • قال الشافعية: يحرم إلا أن يصليها في طريقه أو أن يخاف فوت رفقة يستوحش برفقتهم وما نحو ذلك من الأعذار؛ وإلا فيحرم عليه السفر.
  • ويكره عند المالكية والحنابلة: ما قبل الزوال من بعد الفجر فبعد فجر يومها مكروه وبعد الزوال محرم. 
  • قال الشافعية: الحرمة من بعد الفجر إذا طلعت الفجر على من وجبت عليه الجمعة وهو في بلد تقام فيه الجمعة فلا يجوز له أن يسافر، إلا أن يصليها في طريقه، أو أن يخاف فوت رفقة ونحو ذلك. 

إذًا: 

ذهب إلى الكراهية المالكية والحنابلة، ورأى الحنفية أن السفر جائز قبل الزوال؛ فأما بعد الزوال فيكره كراهة تحريم؛ يحرم، وأما قبل الزوال فلم يروا فيه بأسًا، وعليه ما ذكر الشيخ -عليه رحمة الله- "وكان ﷺ يرخص في السفر يوم الجمعة لا سيما لأمر مهم كالجهاد، وقال عبدالله بن رواحة -رضي الله عنه-: "تخلفت للجمعة عن سرية.." هيأهم ﷺ فمشوا ولكن احتمال مشيهم أن يكون من الليل لا من فجر الجمعة او من مساء الخميس ولكن هو قال أدرك غدًا الجمعة مع رسول الله ﷺ وبعد الصلاة معه سأذهب وألحق بالجيش وكان قد اكتُتِب معهم "كان النبي ﷺ عينني فيها فرآني النبي ﷺ -في الجمعة سأله- فقال: ما خلفك عن أصحابك؟ قلت: الجمعة معك يا رسول الله،" قال: هم بمشيهم هذاك ارتقوا مراقي ما تحصلها أنت لأنهم امتثلوا الأمر وقاموا بها "فقال رسول الله ﷺ: لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت غدوتهم"، لأنهم أمروا بذلك ومشوا؛ وأنت تصلح لك اجتهاد من رأسك تتأخر من أجل لتدرك الجمعة أنا الذي أمرتهم يخرجوا-بتدرك الجمعة معي- امتثل الأمر أفضل لك وكان ذلك أفضل لك، فهكذا علم سيدنا عبد الله بن رواحة -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-.

 

"وكان عمر بن عبد العزيز لا يرسل له رسولًا قط في يوم الجمعة خوف فوات الجمعة" -رضي الله عنه-، فما يرسل أي أحد بأي رسالة إلى أي مكان في يوم الجمعة، يرسلهم الخميس؛ يرسلهم السبت؛ في يوم الجمعة ما يرسل أحد من العاملين معه من غلمانه إلى أي مكان خشية أن تفوتهم الجمعة، ويروى في الخبر من سافر يوم الجمعة وفي رواية ليلة الجمعة دعا عليه ملكاه، وذكروا عن متهاون يتهاون يذهب إلى الصيد في يوم الجمعة ويترك الجمعة، وأنه استمر على ذلك مدة فخسف الله به الأرض يومًا، فبقي أثر رأسه ورأس الفرس الذي يذهب يصيد عليه على ظهر الأرض والباقي في بطن الأرض؛ بقي عبرة خسف الله به يعتبر الناس به لكونه يتعمد السفر في يوم الجمعة، ويترك الجمعة ويذهب إلى الصيد لا إله إلا الله.

"وسمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مرة رجلًا يقول: لولا الجمعة لسافرت اليوم، فقال له: اخرج لسفرك فإن الجمعة لا تحبس عن سفر"، وهذا يوافق مذهب الحنفية. 

"وتقدم في باب آداب المساجد قوله ﷺ: "إذا كنتم مسافرين يعني عازمين على السفر فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي"، وبذلك اتفقوا أنه إذا دخل وقت الزوال جاء وقت الأذان الأول فيحرم على من وجبت عليه الجمعة أن يسافر في هذا الوقت.

 

يقول: "فصل في عدد الجماعة الذين تنعقد بهم الجمعة".

  • وأن مذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل أنهم أربعون والأربعون لابد أن يسمعوا الخطبة وأن يصلوا، ولا يضر أن يكون فيهم أصم؛ لكن يكون بحيث لو لم يكن أصم لسمع معهم.
  • كذلك وجوب رفع صوت الخطيب بحيث يسمع الأربعين.
  • ولا يضر صمم الخطيب باتفاق لأن الخطيب يدري ماذا قال، ولا يضر صممه باتفاق.
  • والمعتمد أيضًا أنه لا يمنع الصمم صحة تنعقد الجمعة به فتنعقد جمعته بحضوره، وإن لم يكن يسمع الكلام.
  • والتأكيد على الاستماع للخطبة ثابت، وأن حتى من عبث ولو بحصى لغى وبطل ثواب جمعته والخطيب يخطب، ولو قال لأخيه الذي يتكلم صه أو اسكت لغى.

فينبغي الإنصات للخطبة ولا يشتغل بأي شيء، وأما الذي ينظر الجوال والخطيب يخطب فهذا بَعُد بعيد عن الجمعة ومقصودها وفاته الثواب كله وربما تعرض للإثم. فيجب أن لا يشتغل بشيء قال أهل الفقه حتى لو عليه قضاء صلاة ما عاد يجوز يقضيها في هذا الوقت وليستمع للخطبة ويقضي بعد الصلاة (فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ) خطبة الجمعة (وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ) [الجمعة: 9].

 

يقول: 

وقال الإمام مالك: اثنا عشر تنعقد بهم الجمعة.

وقال الحنفية: إذا كانوا في مِصْر وقامت الجمعة بثلاثة فأكثر. 

قال أبو حنيفة: ثلاثة غير الإمام، وقال صاحباه: الإمام أحد الثلاثة. 

 

يقول: "كان أبو أمامة -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الجمعة واجبة على الخمسين رجلاً وليس على ما دون الخمسين جمعة" أخرجه الطبراني في المجمع وفيه جعفر بن الزبير وهو ضعيف، ولكن أيضًا ثبت أنه صلى بهم في بني سالم بن عوف وكانوا أربعين، وكذلك استدلال الإمام مالك على أن الذين بقوا معه في الخطبة وكانت الخطبة بعد الصلاة يوم جاءت العير وخرجوا وبقي اثنا عشر. 

 

قال: "وكان ابن مسعود يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الجمعة واجبة على كل قرية وإن لم يكن فيها إلا أربعة"، وهذا قول من قال أنها تلزم أهل القرية ولو كانوا أربع نفر؛ ولكن القول المتوسط قول الإمام مالك: أنه إثنا عشر وفيها أقوال متعددة إلى خمسة عشر قول في من تنعقد بهم الجمعة.

 

فإذًا

  • عند الشافعية والحنابلة لا يقل المجمعون على أربعين رجلًا؛ أربعين بالغين عقال أحرار تنطبق فيهم شروط وجوب الجمعة -الأربعين كلهم- ولا يعد منهم الصبيان ولا النساء، ولا يعد منهم المقيمون غير المستوطنين؛ بل لابد من المستوطنين. 
  • يقول المالكية: اشترط حضور اثني عشر؛ فيحضرون الخطبة ويحضرون الصلاة، فلابد أن تكون الجمعة جماعة. 
  • إلا أن الشافعية قالوا: الجماعة في الركعة الأولى واجبة وفي الثانية سنة؛ بحيث لو نووا المفارقة في الركعة الثانية وسلموا صحت الصلاة إذا قد أدركوا الركعة، ولما جاء في الحديث "من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة" 

وعلى هذا أيضًا يأتي من جاء واقتدى -واقتدى  بالإمام- ولم يدرك إلا ركعة واحدة فإنه يكون مدركًا للجمعة.

فإن أدرك أقل من ركعة:

  • فالجمهور قالوا: فاتته الجمعة فليكمل ظهرًا. 
  • قال الحنفية: إذا أدرك جزء من صلاة الإمام مهما كان ولو قلّ ألحق الجمعة وأدرك الجمعة فيصلي جمعة.

 

يقول: "وقال كعب بن مالك -رضي الله عنه-: أول من جمع بنا أسعد بن زرارة، -وكان إذا خرج الجمعة يترحم على أسعد بن زرارة- في بقيع الخصمان قيل لكعب: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلًا فجمع بنا قبل مقدم النبي ﷺ من مكة". وهذا يدل على أن وجوبها كان قبل هجرته عليه الصلاة والسلام إلا أنه لم يتمكن هو من إقامتها بمكة المكرمة. 

 

يقول: "والظاهر أن العدد المذكور ليس بشرط ولو كان أسعد وجد دون الأربعين لجمع بهم وأقام شعار الجمعة بدليل الحديثين قبله فهي واقعة حال، ولذلك اختلفت مذاهب العلماء في العدد فذهب ابن عباس -رضي الله عنه- إلى أن الجمعة تصح من الواحد، -هذا غريب؛ هذا فُرْدَه فُرْدَه- وذهب إبراهيم النخعي وداود وأهل الظاهر إلى أنها تصح من اثنين" وهذه غير معتمدة والمذاهب الأربعة ما بين اثنا عشر وأربعين  وأقلها ثلاثة. 

 

"وذهب أبو حنيفة وسفيان الثوري -رضي الله عنهما- إلى أنها تنعقد بأربعة أحدهم الإمام، وذهب الإمام الليث بن سعد ومحمد وأبو يوسف إلى صحتها باثنين مع الإمام -يعني: ثلاثة؛ الثالث الإمام- وذهب عكرمة إلى صحتها بسبعة، وذهب ربيعة إلى أنها تصح بتسعة وفي رواية عنه باثني عشر، وذهب إسحق إلى صحتها بثلاثة عشر أحدهم الإمام".

"وذهب مالك إلى صحتها بعشرين، -والمشهور عنه اثني عشر- وفي رواية بثلاثين، وذهب الشافعي إلى صحتها بأربعين أحدهم الإمام، -وهو أيضًا قول الإمام أحمد- وفي قول له أربعين غير الإمام، وبه قال عمر بن عبد العزيز وطائفة، وذهب الإمام أحمد إلى صحتها بخمسين -والمعتمد عندهم أربعين-،وذهب طاوس إلى صحتها بثمانين، وذهب بعض علماء الحديث -رضي الله عنهم- إلى صحتها بجمع كثير من غير حصر". فهذا رواية عن الإمام أحمد أنها خمسين، والرواية المشهورة عنه أنهم أربعين، وجاء عن عمر بن عبدالعزيز أنهم ثمانون، وقيل جمعٌ كثير غير مقيد.

قال: "ومن تأمل ظواهر أدلة الشريعة كلها وجدها تشهد لوجوب إقامتها بجماعة يظهر بها شعار الجمعة في كل مصر وبلد وقرية بحسبها من غير عدد مخصوص"، وعلى هذا كان أفتى الإمام أحمد بن زين الحبشي عندنا لأهل القرى أنهم إذا بلغوا اثني عشر صحت منهم الجمعة؛ ثم ان أرادوا إذا كانوا دون الأربعين أن يعيدوا الظهر احتياطاً فلهم ذلك، وإلا كفتهم الجمعة. وكان عليه العمل في كثير من القرى في البادية أنهم إن تجمعوا فكانوا أربعين من أهل البلدة اكتفوا، اذا كانوا أقل من ذلك يعيدونها ظهراً، صلوا الجمعة أولاً لإقامة الشعار ثم يعيدونها ظهراً. 

 

قال: "وقد سئل ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رجل صلى الجمعة في بستانه فرادی، فقال: لا حرج إذا قام شعار الجمعة بغيره رضي الله عنه".

"قال شيخنا -رضي الله عنه-: إنما شدد الشارع ﷺ والخلفاء الراشدون في حضور الجمعة وعدم صحتها فرادى من غير حضور الجماعة خوفًا أن يتساهل الناس في الحضور فيصلوا فرادى فلا يقوم للجمعة شعار فسدوا الباب بذلك، كما أمر رسول الله ﷺ من صلى خلف الصف أن يعيد الصلاة، وكما قال: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، وغيرهما من الأحاديث، والله سبحانه وتعالى أعلم". 

 

 

وقال: "قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: وانفض الناس على عهد رسول الله ﷺ في أثناء الصلاة فلم يبق مع رسول الله ﷺ إلا اثنا عشر رجلًا أو ثمانية رهط، وصلى بهم رسول الله ﷺ ما أدركوه معهم وأنزل الله في ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَرَةٌ أَوْ لَهوا أنفَضُّوا إِلَيْهَا) [الجمعة: 11] الآية، وفي رواية: "أن هذه الآية نزلت في انفضاضهم في الخطبة". 

 

قال شيخنا -رضي الله عنه-: ولعل بعضهم انفض في الصلاة وبعضهم في الخطبة. قال ابن عباس -رضي الله عنهما- وأوّل جمعة جمَّعها بنا رسول الله ﷺ بعد الهجرة في المسجد الذي في بطن وادي بني سالم، فهي أول جمعة جُمِّعت بالمدينة؛ لأنه ﷺ قدم المدينة يوم الاثنين فأقام الثلاثاء والأربعاء والخميس في بني عمرو بن عوف، وأسس مسجدهم ثم خرج من عندهم فأدركته الجمعة في بني سالم فصلاها في مسجدهم".

فلم يزل إلى الآن اسم المسجد مسجد الجمعة بين قباء والمدينة المنورة، وهو المسجد الذي أسسه لهم ﷺ وصلى بهم الجمعة فيه أول جمعة صلاها بعد هجرته؛ فلا يزال اسمه مسجد الجمعة، نعم.

 

"قال ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضًا وأوّل جمعة جمعت بعد مسجد رسول الله ﷺ في مسجد عبد القيس بقرية من قرى البحرين يقال لها جواثى، وهي أول قرية أقامت الجمعة بعد رجوع الناس إلى الحق بعد الردة في زمن أبي بكر رضي الله عنه، والله أعلم."

يقول: هذه أول جمعة بعد الجمعة التي أسسها ﷺ؛ أول جمعة جمعت في الأقطار بعد جمعته  جمعة هؤلاء في قرية جواثى؛ جواثى هذه ملتصقة بالأحساء، وفيها عدد من قبور الصحابة، أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله  مسجد عبد القيس هؤلاء بقرية من قرى البحرين يقال لها البحرين -الإحساء وما حولها كان كله يقال لها البحرين- يقال لها جواثى وهي أول قرية أقامت الجمعة بعد رجوع الناس إلى الحق بعد الردة كذلك، لما حصل ما حصل من الشتات بعد وفاته ، وقام سيدنا أبو بكر الصديق فبادروا بإعادة الجمعة في هذا المسجد، الله أعلم.

 

الفاتحة أن يكتبنا في ديوان أهل الصلاح والفلاح والنجاح والفوز والسعادة والاستقامة، ويتحفنا بأنواع المنن والمواهب والكرامة ويقيننا الأسوأ والأدواء، ويصلح السر والنجوى، ويحققنا بحقائق التقوى، ويصلح أحوال المسلمين في المشارق والمغارب ويدفع عنهم جميع البلايا والآفات والعاهات، في الظواهر والبواطن ويختمنا بأكمل الحسنى وهو راض عنا.

 

بسر الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه

الفاتحة 

 

 

 

تاريخ النشر الهجري

25 جمادى الأول 1446

تاريخ النشر الميلادي

26 نوفمبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام