(536)
(239)
(576)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (122) فصل في التطيب والتدهن وقلم الأظافر والغسل والتبكير للجمعة
صباح الثلاثاء 23 جمادى الأولى 1446 هـ
فصل في التطيب والتدهن وقلم الأظفار
والتجمل والغسل والتبكير وغير ذلك
"قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما خفي ريحه وظهر لونه"، وكان عمر -رضي الله عنه- يتجمر بالبخور يوم الجمعة في ثيابه، وكان ﷺ يحث على التنظيف بالسواك وقص الشارب ونتف الإبط وقلم الأظفار وغير ذلك، وكان يقول لأنس يوم الجمعة بعد الصلاة: "ائتني بالمقراضين فيأتيه فيقلم أظفاره ثم يقول: ائتني بطينة رطبة فيجمع فيها ﷺ أظفاره ثم يقول لأنس: اجعلها في كوة ولا تجعلها في الطريق"، وكان ﷺ يقول: "من قلم أظفاره يوم الجمعة وقي من السوء إلى مثلها".
وكان ﷺ يقول: "إن الله وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بالشريعة، وبيانها على لسان عبده المصطفى محمد، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه الذي هو إلى قُرب من الحق على ذريعة، وصلى معه على آله وأصحابه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم وضع الميزان، مع آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- في هذا الباب ما يتعلق بالجمعة من السنن والمستحبات وقال: "فصل في التطيب والتدهن وقلم الأظفار والتجمل والغسل والتبكير وغير ذلك" -أي: مما يتعلق بالمندوبات يوم الجمعة ولصلاة الجمعة.
وذكر قول أنس -رضي الله تعالى عنه- : "كان رسول الله ﷺ يقول: "طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما خفي ريحه وظهر لونه".
وقد حُرِّم على النساء:
هذه الأوامر الإلهية تبين ما هو أجمل وأفضل وأحسن لحال الناس على ظهر الأرض (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ) [البقرة: 140] -جل جلاله وتعالى في علاه- وكل من نازع في شيء من ذلك فإنما ينازع الإله في إلوهيته وفي علمه -سبحانه وتعالى-، فصدور ذلك من كافر: فالكافر منازع لربه في كفره كله؛ وأما صدور ذلك من مسلم فمن أغرب الغرائب ومن أعجب العجائب! ما يُسقى من السُّمِّ لأفكار بعض الرجال وبعض النساء، ويرون بعد ذلك أن مخالفة أمر الله هو الأحسن أو هو الأليق، والخروج عن أمر الله هو التطور أو الثقافة أو التقدم -أعوذ بالله من غضب الله!- هذا اعتقاد كافر وليس اعتقاد مسلم؛ المسلم لا يعتقد هكذا، الله أعلم بمصالح عباده وبخيرهم وبسعادتهم وبفضلهم وبما ينفعهم في الدنيا والآخرة؛ -جل جلاله وتعالى في علاه- فحرم على المرأة إظهار الزينة:
إلى غير ذلك مما جاء وصحت به الأحاديث عن أصدق قائل من الخلائق -صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله- (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ)[النجم: 3-4] فليست المسألة موضوعة لفكر مُفكِّر، ولا لثقافة غرب ولا شرق، ولا صين ولا أمريكا ولا فرنسا، ولا الألاعيب التي تُذاع في بعض المدارس وفي القنوات، الأمر أمر دين، ومعاملة مع القوي المتين -جل جلاله وتعالى في علاه- وتوجيهات وتعليمات من رب الأرض والسماوات، بلَّغها خير البريات، ما هي للنقاش ولا للعبة، لالذا ولا لعقل ذا ولا لعقل ذاك، أوامر صريحة واضحة في كتاب الله هي الأحكم والألزم والأحسن والأجمل والأبين والأفضل والأعلى والأغلى والأسعد للخلائق، لا يمكن أن تكون سعادتهم في غير ذلك.
"وكان عمر -رضي الله عنه- يتجمر بالبخور يوم الجمعة في ثيابه".
ومن آكد الأغسال: غسل الجمعة:
قال: "وكان ﷺ يحث على التنظيف بالسواك".
وكان يكثر منه -من استعماله- وهو أطيب الناس رائحة ﷺ إذا تحدث فكأن المسك يخرج من فيهِ ﷺ، مع ذلك كان يكثر السواك وشرعه لأمته وقال: "ما زال جبريلُ يُوصيني بالسواكِ حتى خشيت على أضراسي"؛ وأفضله عود الأراك، وكل ما أزال الأوساخ من الأسنان والحنك فهو سواك؛ إلا أنه لا يُعتَدُّ عند الجمهور بإصبع الرجل نفسه وإن كانت خشنة.
"وقص الشارب".
بحيث تظهر حمرة الشفة؛ فإن إهمال الشارب وتربيته من عادة المجوس ومما كره النظر إليه ﷺ، وقد قدم إليه من المجوس إثنان كان أرسلهم ملكهم في فارس أن يأتوا بالنبي ﷺ، أرسلهم عبر الوالي حقه في صنعاء، وذهبوا إلى المدينة وقابلوا النبي ﷺ كره النظر إليهما لِما كانا يربيان الشوارب ويحلقان اللحى؛ وقال: من أمركما بهذا؟ قالا: ربنا -يعنون ملكهم-؛ قال: "لكن ربي أمرني أن أقص الشارب وأن أعفي اللحية" فقصُّ الشارب سنة، ويُكره تطويله، فإن قصد التشبه بمجوس أوغيرهم حَرُم عليه ذلك، وإلا فهو مكروه؛ مكروه أبعد عن النظافة فيقص الشارب ويحفيه في بعض الروايات، وإن كان لا بأس أن يترك السبالين -طرفا الشارب- لِما جاء عن بعض الصحابة، والنفكتان كذلك وهو ما بين الشارب واللحية، ويقص العنفقة كما يقص الشارب ويعفي اللحية.
وقال: "وقص الشارب ونتف الإبط".
إزالة الشعر بالنتف أفضل؛ وإلا فبالحلق إن عجز عن النتف.
"وقلم الأظفار".
هذه أصابع اليدين وأصابع الرجلين وهي من جملة خصال الفطرة، ومن جملة السنن، والأفضل أن يكون ذلك في يوم خميس أو جمعة أو يوم إثنين، وفي أي يوم جاز ولا إشكال فيه، ولكن في هذه الأيام أفضل استعدادًا للجمعة، وللصلوات كذلك، وللمناجاة، فيُحَسِّن المؤمن نيته عند هذه العادات، ويقلم الأظفار مبتدئًا باليمنى ثم اليسرى في اليدين والرجلين، وفي اليمنى ينبغي أن يبدأ بسبابة اليمنى ثم بوسطاها ثم بالبنصر ثم بالخنصر ثم بالإبهام، ويبدأ في اليسرى بالخنصر ثم البنصر ثم الوسطى ثم السبابة ثم الإبهام على هذا الترتيب؛ وقيل ويُذكر ويُروى في تقليم أصابع اليدين أو أظافر اليدين مُعَكِّسًا مُنَكِّسًا فأن يبدأ بالخنصر ثم الوسطى ثم الإبهام ثم البنصر ثم السبابة، ويأتي في اليسرى مبتدئًا بالإبهام في اليد اليسرى مبتدئا بالإبهام ثم الوسطى ثم الخنصر ثم السبابة ثم البنصر؛ وأمَّا في أصابع الرجلين فتقليم الأظافر على الترتيب من خنصر الرجل اليمنى على الترتيب إلى خنصر الرجل اليسرى؛ ثم يدفن هذه الأظافر الخارجة منه فإنها عائدة إليه يوم القيامة لتشهد له أو عليه، ولا ينبغي أن يرميها في زبالة ولا في قمامة، ويدفنها في مكان لائق فإنها من أجزاء الإنسان المحترمة، فإن كانت للنساء فيحرم رميها بحيث يراها الأجانب كذلك سواءً أظافر أو شعر فينبغي أن يُجمَّع ويدفن، قده تقديم الجسد، الجسد كله سيدفن لكن الآن الخوارج هذه منه نقدمها كل الجسد سيدفن بعد ذلك (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ) [طه:55].
"وكان يقول لأنس يوم الجمعة بعد الصلاة: "ائتني بالمقراضين فيأتيه فيقلم أظفاره ثم يقول: ائتني بطينة رطبة فيجمع فيها ﷺ أظفاره ثم يقول لأنس: اجعلها في كوة ولا تجعلها في الطريق" -أي: لا يمرون عليها الناس في أقدامهم-، وكان ﷺ يقول: "من قلم أظفاره يوم الجمعة وقي من السوء إلى مثلها". أخرجه الطبراني في الأوسط وذكره الهيثمي في المجمع.
ما كان بعض الأئمة عندنا يحبون التقليم من عصر الخميس إستعدادًا للجمعة، وبعضهم كما ورد في هذا الحديث من الحبيب عيدروس بن عمر في بعد الجمعة يقرض لأجل تشمله المغفرة الأظفار بصلاة الجمعة، ثم بعد الجمعة يقرضها مغفورًا لها، قد غُفر لها وفي الأمر سعة.
"وكان ﷺ يقول: "إن الله وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة".
والعمائم مما جاءت به السنة وألَّف فيها الشيخ ابن حجر -عليه رحمة الله- رسالة سماها (دَرُّ الغمامة) بما ورد في لبس الطيلسان والرداء والقميص والجبة والعمامة؛ وذلك أنه لَمَّا مرَّ في كتاب المنهاج يشرحه بكتاب اللباس وجد أحاديث كثيرة متعلقة بالقميص والرداء والجبة والعمامة والعذبة، فوجد ما يسعه أن يحطَّها كلها في الشرح فأفردها برسالة سماها درُّ الغمامة.
ففيه أن دين الله وشريعته استوعبت شؤوننا الظاهرة والباطنة، وحركات حياتنا كلها، فنوَّرَت لنا الطريقة فيما هو أجمل وأفضل وأكمل، ولا تركتنا لمجرد أفكارنا، ولا أفكار شرقي ولا غربي.
حققنا الله بحقائق الإسلام، ورفعنا إلى أعلى مقام، ووقانا اتِّباع الفجار والكفار والأشرار، وجَعل هوانا تبعًا لِما جاء به حبيبه المختار في السر والإجهار، وكفانا والأمة جميع البلايا، ودَفع عنا وعن الأمة جميع الرزايا، وحوَّل الأحوال إلى أحسنها في الظواهر والخفايا، وأصلح لنا المقاصد والنوايا، وبلَّغنا فوق آمالنا، وأصلح جميع أحوالنا في دنيانا ومآلنا.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الفاتحة
26 جمادى الأول 1446