(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 217- كتاب الصلاة (107) صفة الأئمة -5-
صباح الإثنين 25 ربيع الثاني 1446 هـ
نص الدرس مكتوب:
"وكان ابن عباس -رضي الله عنه- يقول: لا بأس بصلاة الظهر خلف العصر ثم يقول: "إنما الأعمال بالنيات"، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا دخل أحدهم المسجد وعليه الظهر والناس في صلاة العصر فمنهم من يصلي الظهر خلف الإمام ثم يصلي العصر ومنهم من يصلي معه العصر ثم يصلي الظهر، ومنهم من يجعلها للمسجد ثم يصلي الظهر والعصر، وكان لا يعيب بعضهم على بعض في ذلك، وكان عطاء -رضي الله عنه- يقول: إذا كان عليك الظهر وأدركت العصر فاجعل الذي أدركت مع الإمام الظهر، وكان ﷺ يؤم بالمقيمين والمسافرين وهو مسافر يقصر، وأقام ﷺ زمن الفتح ثمان عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم يقول: "يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا قوم سَفْرٌ"، وفعل ذلك ابن عمر وغيره.
وكان ﷺ يرخص في اقتداء المفترض بالمتنفل ويقول: إذا صلى أحدكم معنا ثم رجع إلى قومه فطلبوا منه أن يصلي بهم، فليصل بهم فهي له نافلة ولهم مكتوبة"، وسيأتي في باب صلاة الخوف أنه ﷺ أم بالطائفتين في صلاة ذات الرقاع فصلى بكل طائفة ركعتين فكانت للنبي ﷺ أربع وللقوم ركعتان"، وكان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يصلي مع النبي ﷺ ثم يأتي قومه بعدما ينامون فينادى بالصلاة فيخرجون إليه فيصلي بهم، ولما شكوا ذلك لرسول الله ﷺ وقالوا يا رسول الله نحن قوم أصحاب أعمال بالنهار فيجيئنا معاذ بعدما نمنا فينبهنا ويطول بنا حتى يذهب عامة الليل، فقال ﷺ: "إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك فإنه يصلي وراءك الضعيف والكبير وذو الحاجة والمسافر".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء وبيانها على لسان حبيبه محمد خير الورى، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان سرًا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وأصحابهم وتابعيهم، وعلى جميع الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
يواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث والأثار المتعلقة بالجماعة والقدوة.
يقول: "وكان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا دخل أحدهم المسجد وعليه الظهر والناس في صلاة العصر –بأن وفد من سفرٍ وكان قد أخَّرَ الظهر للعصر- فمنهم من يصلي الظهر خلف الإمام ثم يصلي العصر -بعد أن يكملوا الجماعة صلاتهم العصر- ومنهم من يصلي معه العصر ثم يصلي الظهر" فيقدمها لأنها صاحبة الوقت ويقضي بعد ما يسلمون مع الإمام يقوم فيتدارك صلاة الظهر، وقال: "ومنهم من يجعلها للمسجد -يعني: تحية- ثم يصلي الظهر والعصر، -فيلحق بهم كتحية المسجد أو في نافلة- وكان لا يعيب بعضهم على بعض في ذلك"، فتبين بذلك أن اختلاف الأئمة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- في جواز اقتداء الذي يصلي الظهر بمن يصلي العصر أو بمن يصلي العصر بمن يصلي الظهر وما إلى ذلك أنه له أصل في عهد الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-؛ فمنهم من يرى هذا ومنهم من يرى هذا.
فعندنا اتحاد صلاتي الإمام والمأموم:
الشافعية: اكتفوا باتحاد نظم الصلاة، وإذا كان نظم الصلاة واحد كفى، ولا يضر كونه ظهر مع عصر، عصر خلف ظهر، ظهر خلف عشاء، خلف ظهر ما يضر، القصد أن يتحد نظم الصلاة أو كانت فرض خلف نفل أو نفل خلف فرض، وكل ذلك عندهم يصح ولا يضر، إنما الشرط اتحاد نظم الصلاة بحيث إذا كان واحد يصلي جنازة والثاني بيصلي ظهر أو عصر أو نافلة ما يصح لأن نظم صلاة الجنازة غير نظم الصلاة، أو كان أحد يصلي كسوف أو خسوف بركوعين وقيامين في الركعة الواحدة والثاني بيصلي ظهر وإلا عصر وإلا عشاء، كيف يتأتى وهذا له ركوعين وهذا له ركوع واحد فما يتأتى. فهذا: إذا اختلف نظم الصلاة لم تصح القدوة، فشرط صحة الجماعة أن يتوافق نظم صلاتيهما أي الإمام والمأموم.
بالغ بقية الأئمة قالوا: لابد أن يتحد صلاة الإمام والمأموم سببًا وفعلًا ووصفًا لأنه جُعِلَ الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فلا تصح صلاة ظهر قضاء خلف ظهر أداء، ولا صلاة ظهر خلف عصر، ولا صلاة عصر خلف ظهر أو مغرب أو عشاء، وهكذا ولا حتى صلاة ظهرين من يومين مختلفين واحد عليه قضاء ظهر السبت وواحد عليه قضاء ظهر الأحد ما يصلون جماعة، فاشترطوا الاتحاد في عين الصلاة وصفتها وزمانها؛هكذا يقول الحنفية والمالكية والحنابلة، وأخذوا العموم في قول "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه"، إن كان في ظهر أنتم في ظهر، وإن كان في عصر أنتم في عصر، إن كان في مغرب إن كان في عشاء من اليوم نفسه، وإن كان قضاء قضاء، وأداء أداء، ما يمكن يختلف الحال بين الإمام والمأموم.
وتوسع الشافعية وقالوا: الشرط توافق نظم صلاتيهما في الأفعال الظاهرة ولا يشترط اتحاد الصلاتين، فتصح قدوة من يؤدي الصلاة بمن يقضيها، ومفترض خلف متنفل، ومتنفل خلف مفترض، أما المتنفل خلف المفترض فجائز عندهم عند الأئمة أيضا الآخرين أن يقتدي المتنفل بالمفترض، وكمن يعيد الصلاة ذات الوقت خلف واحد يصلي أول مرة فلا إشكال أيضًا عند الأئمة في هذه الصلاة.
ثم أشار أيضًا إلى قضية الترتيب، بعضهم يقدم ما دام الإمام يصلي عصر فهو يصلي العصر معه ثم يقوم يصلي الظهر، فلم يقل بالترتيب.
فالترتيب بين الفوائت أوجبه أيضًا الأئمة الثلاثة الحنفية والمالكية والحنابلة قالوا: أن الترتيب بين الفوائت وبين فرض الوقت واجب.
وقال الشافعية: لا؛ إنما يستحب.
ولكن هذا الوجوب الذي قال به الأئمة إذا كانت الفوائت يسيرة فيجب تقديم يسير الفوائت على الحاضرة.
فإذا دخل وقت فريضة وتذكر فائتة:
ولو تذكر الفائتة بعد الشروع في الحاضرة:
وجاءت روايتان عن الإمام أحمد بن حنبل في من عليه فائتة وخشي فوات الجماعة:
قال: "وكان ﷺ يؤم بالمقيمين والمسافرين وهو مسافر يقصر، وأقام ﷺ زمن الفتح ثمان عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين ركعتين إلا المغرب" -المغرب ثلاث- وأما الصبح فهي من أصلها ركعتين، وأما الظهر والعصر والعشاء فرباعية يحولها إلى ركعتين قصرًا -قصرًا تُحَوَّل إلى ركعتين، فصار يصلي الفرائض الأربعة ركعتين والمغرب ثلاثًا.
ثم يقول: "يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا قوم سَفْرٌ" يعني: مسافرين، "وفعل ذلك ابن عمر وغيره". جاء في بعض الروايات إذا سلم قال: "أَتِمُّوا صلاتَكم؛ فإنَّا قومٌ سَفْرٌ".
ومن هنا أيضًا جاء اجتهاد الأئمة في اقتداء المسافر بالمقيم والمقيم بالمسافر:
قال: "وكان ﷺ يرخص في اقتداء المفترض بالمتنفل ويقول: "إذا صلى أحدكم معنا ثم رجع إلى قومه فطلبوا منه أن يصلي بهم، فليصل بهم فهي له نافلة ولهم مكتوبة"، قال: "وسيأتي في باب صلاة الخوف أنه ﷺ أم بالطائفتين في صلاة ذات الرقاع فصلى بكل طائفة ركعتين -فكانت الثانية للنبي ﷺ نفل مثل الاعادة- فكانت للنبي ﷺ أربع وللقوم ركعتان، وكان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يصلي مع النبي ﷺ ثم يأتي قومه بعدما ينامون، فينادى بالصلاة فيخرجون إليه -يقوموا من النوم- فيصلي بهم، ولما شكوا ذلك لرسول الله ﷺ وقالوا: يا رسول الله نحن قوم أصحاب أعمال بالنهار فيجيئنا معاذ بعدما نمنا فينبهنا ويطول بنا حتى يذهب عامة الليل، فقال ﷺ: تعال يا معاذ "إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك، فإنه يصلي وراءك الضعيف والكبير وذو الحاجة والمسافر"، روح صل بهم من أول الوقت، وإلا تصلي معي وتصلح صلاة خفيفة وأرشده إلى ذلك، ولما تكررت منهم الشكوى، أغلظ له القول فقال: "أفتان أنت يا معاذ" وأمره أن يراعي، قال له: "اقرأ (سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى) [الأعلى:1] (وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا) [الشمس:1] (وَٱلَّیۡلِ إِذَا یَغۡشَىٰ) [الليل:1]"، اقرأ لهم بمثل هذا في العشاء ﷺ.
أيضًا جاء اجتهاد الأئمة:
فمن أدى الصلاة منفرداً وحده من الصلوات الخمس ثم وجد جماعة استُحب له أن يدخل مع الجماعة لتحصيل الفضل، لأنه ﷺ لما كان في مسجد الخيف وصلى بهم ورأى الرجلين خلف الصف لم يصليا فقال: "عليَّ بهما، فجيء بهما ترعد فرائصهما، قال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: يا رسول الله إنه كنا قد صلينا في رحالنا، قال: فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة، فصليا معهم فإنها لكما نافلة".
وهكذا يقول سيدنا أبو ذر يقول له النبي ﷺ: "كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها"، أو قال: "يميتون الصلاة عن وقتها"، إشارة إلى أنه سيدرك أمراء من بعده يؤخرون الصلاة عن الوقت المعتاد الذي يصلي فيه ﷺ وقت الفضيلة إلى آخر الوقت، قال: يقول: فما تأمرني؟ -إيش تبغاني أصلح- قال: "صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة"، كما جاء في صحيح مسلم، حافظ على صلاتك في وقتها ولا تصلح مشكلة إذا جاءوا وصلوا صل ثاني مرة معهم، ولا تقول: أنا قد صليت وأنتم ناس مؤخرين الصلاة عن وقتها وفعلكم وترككم.. قال: ما تصلح مشاكل، صلِّ حافظ على دينك وأقمها وابعد من المشاكل، جاءوا وصلوا ثاني مرة صل ثاني مرة معهم، "فإنها لك نافلة" فما أخبره بأحوال أمته وتقلبات أطوارهم ﷺ؛ وما أنصحه للجميع صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فإذًا يسن إعادة الفريضة جماعة لمن صلى منفردًا..
لكن قال الحنفية والمالكية والحنابلة: إلا المغرب، ليش المغرب؟ لأن التنفل بالثلاث بعد المغرب قالوا مكروه، حتى قالوا: إذا أعادها يجعلها أربع أو يقتصر على اثنتين وتصير نافلة.
ويزيد الحنفية قالوا: أيضًا العصر والفجر، لأن عندهم وقت حرمة ولا يعيد فيه الصلاة خلص ماشي إعادة.
فصار:
الحنفية قالوا: فجر وعصر ومغرب ماشي فيها إعادة، بقي الظهر والعشاء.
وقال المالكية والحنابلة: المغرب لا يعيد فيها بقي العشاء والفجر والظهر والعصر.
ثم يفصِّل المالكية يقول: لو أوتر بعد العشاء، فجاءت بعدين جماعة بيصلي معهم العشاء، يقولوا: لا أنت قد أوترت، يقول المالكية: لا صلاة بعد الوتر خلاص، فلا يعيد العشاء، قال: لأنه إن أعاد الوتر خالف السنة "لا وتران في ليلة"؛ وإن لم يعد الوتر، خالف السنة في "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" فجعلها عشاء أربع ما هي وتر. فلهذا قالوا: إذا كان قد أوتر بعد العشاء فلا يعيد العشاء.
لكن قال غيرهم: الأمر واسع فيه فيصلي، وإن أراد يختم صلاته بالوتر فيجعلها تكملة للوتر السابق الثلاث، فيصلي ركعتين تضاف إلى الثلاث تصير خمس، أو أربع إلى الثلاث فتصير سبع، أو ست فوق الثلاث السابقة فتصير تسع، أو ثمان فتصير إحدى عشر، بالإضافة إلى الأول.
ومع ذلك استثنوا المالكية المسجد الحرام ومسجد المدينة وبيت المقدس قالوا: يجوز لمن صلى جماعة في غير هذه المساجد أن يعيد الصلاة فيها جماعة، لأنهم اختلفوا إذا صلى جماعة فهل يعيد الصلاة جماعة أيضًا؟ فقالوا المالكية أيضًا: حصل ثواب الجماعة ما عاد يعيد؛ ما يعيد ثاني مرة، إلا إن كان صلى في غير المساجد الثلاثة، ثم أدرك جماعة في أحد المساجد الثلاثة فيعيد لفضل هذه البقاع وشرفها على غيرها، والله أعلم.
رزقنا الله إقامة الصلاة على الوجه الذي يرضاه، وفقهنا في دينه، ورزقنا الإخلاص لوجهه تعالى في علاه، رقانا مراقي قربه ومعرفته ومحبته مع خواص أحبته في عوافي كوامل، وأصلح شؤوننا والمسلمين، وفرج كروبنا والمسلمين، وارفع عنا البلاء والمؤمنين، وختم لنا بأكمل حسنى وهو راضٍ عنا.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
26 ربيع الثاني 1446