كشف الغمة 214- كتاب الصلاة (104) صفة الأئمة -2-

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  214- كتاب الصلاة (104) صفة الأئمة -2-

صباح الأربعاء 20 ربيع الثاني 1446 هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  تنبيه لمن يرى نفسه خير من غيره
  •  ثلاث من معاصي القلب
  •  من لطائف قصة دخول النبي لبيت أبي أيوب
  •  سبب خوف أبو أيوب من الإمامة في الصلاة 
  •  انكسار القلب من أجل الله 
  •  حديث: ابتدروا الأذان ولا تبتدروا الإمامة 
  •  تنبيه عن الحرص على الإمارة
  •  على ماذا نحرص في المنافسة؟
  •  إمامة الفأفاء والتمتمة واللثغة
  •  أحكام إمامة الأمي بالقارئ 
  •  حكم إمامة المرأة بالرجال أو النساء
  •  توضيح حول حديث: ولد الزنا شر الثلاثة
  •  حكم استئجار مؤذن لصلاة النساء
  •  إقامة المرأة للصلاة 
  •  إمامة أئمة الجور

نص الدرس مكتوب:

"وكان أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- يقول: لا أحب أن أؤم قومي لما يخطر في بال الإمام أنه لولا أن له فضلًا على قومه ما قدموه عليهم، ولمَّا وقع له ذلك مرة قال: لا أؤم بعدها أبدًا، وكان -رضي الله عنه- كثيرًا ما يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ابتدروا الأذان ولا تبتدروا الإمامة".

وكان ﷺ يقول: "لا تؤمن امرأة رجلًا"، ولما مات كسرى وولوا ابنته مكانه قال رسول الله ﷺ: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".

وكان ﷺ يرخص في إمامة الأرقاء للأحرار، وكان ذكوان غلام عائشة -رضي الله عنها- يؤمها في دارها، وكان سالم مولى أبي حذيفة وأبو عمرو مولى عائشة -رضي الله عنهم- يؤمون الناس  وهم أرقاء لم يعتقوا، فكان سالم يصلي بالمهاجرين من الأولين لما نزلوا قباء قبل مقدم النبي ﷺ؛ لكونه كان أكثرهم قرآنًا، وكان فيهم عمر بن الخطاب وأبو سلمة بن عبد الأسد، وكان أبو عمرو -رضي الله عنه- يؤم ابن أبي مليكة وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناسًا كثيرًا، وقال نافع: أقيمت الصلاة بطائفة المدينة ولعبد الله  بن عمر -رضي الله عنه- هناك أرض وإمام أهل ذلك المسجد خارج المدينة مولى فجاء ابن عمر يشهد الصلاة فقال له المولى: تقدم فصل، فقال له ابن عمر: أنت أحق أن تصلي في مسجدك فصلي المولى.

وكان ﷺ يقول: "ولد الزنا شر الثلاثة"، قال ابن عباس فمن ثم كرهت إمامته، وكان ابن بشر الأسدي يقول: إنما قال رسول الله ﷺ في ولد الزنا إنه شر الثلاثة إن أسلم أبواه ولم يسلم هو، وكذلك كانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: ما عليه من وزر أبويه شيء.

 وكان ﷺ يأمر النساء باتخاذ المؤذن وأن يؤم بعضهن بعضًا، وزار ﷺ أم ورقة في بيتها فاستأذنته يومًا أن تتخذ في دارها مؤذنًا فأذِنَ لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها من النساء، وكانت عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- يؤمان النساء فيقفان بينهن ولا يتقدمن، وسيأتي ذلك في الباب عقبه.

وكان ﷺ يرخص في إمامة أئمة الجور ويقول ﷺ: "صلوا خلف كل بر وفاجر".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى؛ سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأهل بيته من حُبوا به طهرا، وعلى أصحابه المهاجرين والأنصار الذين رفع الله لهم به قدرًا، وعلى من والاهم بإحسان واتبعهم سرًا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم فيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

وبعدُ،

فيذكر -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- الأحاديث المتعلقة بالإمامة في الصلاة. 

وذكر عن "أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- يقول: لا أحب أن أؤم قومي لما يخطر في بال الإمام أنه لولا أن له فضلًا على قومه ما قدموه عليهم"، يقول: احذروا من تصديق إبليس فيما يلقيه في بال المؤمن أنه أفضل من أحد من خلق الله تعالى وهو وصفٌ كرهه الله من عباده، وأحبَّ لكل مكلف أن يرى نفسه من أقل خلق الله؛ وأذل خلق الله؛ وأحوج خلق الله إلى رحمته وإلى رضاه، فإذا نازله نازلةُ العجب ففرح بها فقد وقع في شبكَةِ عدوه ليحبط عمله مهما كان؛ وليسقط من عين إلـٰهه الرحمن جل جلاله؛ أن يرى نفسه خيرًا من أحدٍ من عباد الله -جل جلاله- فهو الكبر، وإذا نسب الفضل لنفسه فهو العجب، وإذا عمل من أجل الناس فهو الرياء ، وكلها كبائر من كبائر الذنوب التي حرمها الله علينا وهي من معاصي القلب ، ومعاصي القلب أفظع وأشنع وأكثر إثمًا من معاصي الجوارح كما أن طاعات القلب أعظم ثوابًا وقدرًا ومنزلة عند الله من طاعات الجوارح؛ فكذلك معاصي القلب.

 فمن معاصي القلب :

  • أن يقصد بصلاته أو غيرها من العبادات أحدًا من الناس؛ أو شيئًا من الحظوظ النفسية غير وجه الله، فهذا هو الرياء.
  • ومن معاصي القلب أن يرى نفسه خيرا من أحد من خلق الله تعالى، وهذا هو الكبر.
  • ومن معاصي القلب أن ينسب الفضل إلى نفسه؛ وينسى أن الفضل لله في كل ما عنده من خير، وهذا هو العجب.

وهذه الثلاثة ذنوب من كبائر الذنوب؛ وهي ذنوبٌ قلبية ومعاصي قلبية، خلصنا الله منها وطهرنا.

 

وهذا أبو أيوب الأنصاري الذي نزل في بيته سيدنا المصطفى محمد -اسمه خالد أبو أيوب الأنصاري- الذي شُرِّف بنزول رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، ولما تنازعوا على دخوله إلى بيوتهم وأخذوا يتسابقون إلى زمام الناقة، كلٌّ يريد أن يخطُمها إلى منزله، قال: دعوها فإنها مأمورة فوضع حبلها على رقبتها فسارت حتى جاءت إلى عند دار أبي أيوب وبركت، ثم قامت وسارت حتى جاءت دار أبي أيوب وبركت ووضعت جرانها -أثقالها وحملها- فقال: هذا هو المنزل فأدخل أبو أيوب رحل رسول الله ﷺ إلى بيته.

قال: ومن اللطائف في ذلك أنه كان أبو أيوب من جملة الذين صاهرهم جده، وتزوج عندهم هاشم فولدَ شيبة الحمد عبد المطلب من هاشم، ثم أن البيت الذي كان فيه أبو أيوب الأنصاري قد بناه بعض الذين قرأوا صفة النبي ﷺ وبعثه إلى المدينة وهجرته إلى المدينة قبل مئة سنة، فبنى البيت لينزل فيه النبي ﷺ فمات ومرت السنين وتوورِث البيت حتى وصل إلى عند أبو أيوب، فجاء ونزل فيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، لهذا قالوا: إن الله شرَّف أبا أيوب؛ وهو لم ينزل إلا في بيته، فالأصل أن البيت بُنيّ له من الأصل، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .

 

ثم كان أبو أيوب يخشى من تربية رسول الله ﷺ لهم أن يقرّ في باله أن له فضلًا على قومه، وقال: " لا أحب أن أؤم قومي لما يخطر في بال الإمام أنه لولا أن له فضلًا على قومه ما قدموه عليهم"، وبسبب ذلك أنه لما أحس بالخاطر هذا مرة ترك الإمامة لقومه، قال:"ولما وقع له ذلك مرة قال: لا أؤم بعدها أبدًا"، في محاسبته نفسه فيما بينه وبين الله ماذا يطرأُ على باله ويقابل به عالمَ سره سبحانه وتعالى جل جلاله.

 

فإذن يجب على المؤمن أن يواظب في جميع أحواله وشؤونه وأوقاته أن لا يقِرّ في قلبه شيء من تلبيس إبليس له من الرياء ولا من الكبر ولا من العجب، وأن يبقى على قدم الانكسار لعظمة الله تبارك وتعالى، وانكسار قلبه من أجله سبحانه وتعالى فيكون الله معه وعنده. وهو القائل في حديثه القدسي: "أنا عِند المُنْكَسِرة قلوبُهم من أجْلي"،  وقال له بعض الأنبياء: "يا رب أين أجدك؟ قال: عند المنكسرة قلوبهم من أجلي"، الذين يرون أنفسهم أنهم أخفقوا وقصروا أساؤوا  الأدب وأنهم أهل للعطب إن لم يغفر ويرحم. 

﴿رَبَّنَا ظَلَمۡنَاۤ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ﴾[الأعراف:23]. 

فنوّر الله قلوبنا وطهرها بحبيبه المصطفى ﷺ حتى لا تبقى فيها شائبة رياء ولا كبر ولا عجب ولا غرور ولا حسد ولا حقد ولا شيء من أمراض القلوب ومعاصي القلوب.ك، اللهم طهر قلوبنا، وصفِّ قلوبنا، ونقِّي قلوبنا، واعمر بأنوار المعرفة والإنابة والخشية والتواضع والإنكسار من أجلك قلوبنا، يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك. 

 

ويقول أيضًا: فيما سمعه النبي ﷺ يقول لسيدنا أبو أيوب " كثيرًا ما يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ابتدروا الأذان ولا تبتدروا الإمامة""، يعني: تسابقوا إليه، واحرصوا عليه، وتنافسوا فيه، ليحرص منكم كل واحد منكم على أن يؤذن، ولا يمر على المسلم أيام وليالي ولا يؤذن فيها أذان فيؤذن، ويشارك سواء في مسجد ولا في بيت ولا في سفر، يؤذن لينال ثواب الأذان.

 

"ابتدروا الأذان ولا تبتدروا الإمامة"، لأن النفس تميل إلى الإمامة وفيها بعض الأخطار التي ذكرها سيدنا أبو أيوب وأمثالها وهكذا في أنواع العبادات، كل ما للنفس فيه حق ينبغي المؤمن أن يتأخر عنه؛ ولا يدخل فيه إلا لحاجة وضرورة مع تأهلٍ لذلك.

 

فهذا الإمامة في الصلاة؛ كذلك عموم الإمارة،  ينبغي أن لا يتسابق إليها المؤمنون، ولا يحرصوا عليها؛ بل يتقلدها ويتكلفها من كلّف بها ودعي لها وهو أهلٌ لذلك، فيأخذها وهو خائفٌ من ربه، وهو قوي الوعي والفهم والإدراك والعزم أن يؤدي حق الله تعالى فيها.

وقال عن الإمارة: "لا تَسْأَلِ الإمَارَةَ، فإنْ أُعْطِيتَهَا عن مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا، وإنْ أُعْطِيتَهَا عن غيرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا"، وقال: "إنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ علَى الإمارَةِ، وسَتَكُونُ نَدامَةً يَومَ القِيامَةِ". 

فما يتعلق بأمثال هذا وهي طاعات في أصلها، مثل إمامة الصلاة مثل وعظ الناس العام خصوصًا مع وجود من يكفي، ومع وجود العلماء في الأماكن مع عدم الحاجة، فالتصدّر للوعظ ونحوه مما تشرئب إليه النفس، فمع وجود من يكفي أو من هو أكفى وأعلم ما ينبغي التسابق لذلك؛ وإنما يتسابق للطاعات التي لا حظّ للنفس فيها وتثقل عليها. 

وفي الغالب ما كان من الطاعات أثقل على النفس كان في ميزان الحسنات أثقل وأرجح، وما مالت إليه النفس وخفَّ عليها فيكون كذلك في الميزان، وإذا تعلق به رياء أو كبر من عجب تحول إلى السيئات.

فيكون التنافس والتسابق على أمور الخدمة والأمور التي ليس للنفس فيها حظ، فينبغي التسابق إليها مسارعةً وتنافسًا فيما شرع الله لنا فيه التنافس؛ وهي الأعمال الموصلة إلى جنة الله والشرب من الرحيق المختوم، قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِی نَعِیمٍ * عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِ یَنظُرُونَ * تَعۡرِفُ فِی وُجُوهِهِمۡ نَضۡرَةَ ٱلنَّعِیمِ * یُسۡقَوۡنَ مِن رَّحِیقࣲ مَّخۡتُومٍ * خِتَـٰمُهُۥ مِسۡكࣱۚ وَفِی ذَ ٰ⁠لِكَ فَلۡیَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَـٰفِسُونَ * وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِیمٍ * عَیۡنࣰا یَشۡرَبُ بِهَا ٱلۡمُقَرَّبُونَ)[المطففين:22-28]، (ٱلۡمُقَرَّبُونَ) فوق (ٱلۡأَبۡرَارَ)، المقربون يشربون من عين التسنيم مباشرة، ويمزج من بقية شراب أهل الجنة بمزاجٍ من التسنيم (وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِیمٍ)، يخلطون لهم به شيئًا في شرابهم، وأما هؤلاء فيشربونه صرفًا خالصًا محضًا.

 

(وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِیمٍ)، (إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ یَشۡرَبُونَ مِن كَأۡسࣲ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَیۡنࣰا یَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ)[الإنسان:5-6]، مزاجها بس الأبرار، وأما عباد الله المقربون يشربون بالعين نفسها، (عَیۡنࣰا یَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ یُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِیرࣰا) وعامة هؤلاء أيضًا يطاف عليهم بأكواب وأباريق بواسطة الملائكة، وهؤلاء الأكابر قال: (وَسَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابࣰا طَهُورًا)[الإنسان:21]، جل جلاله وتعالى في علاه. 

 

قال: "ابتدروا الأذان ولا تبتدروا الإمامة" أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وبهذا كانوا يقولون: إن من علامة فتنة العالم من يكون الكلام أحب إليه من الاستماع.

قد تقدم أيضًا معنا ما يتعلق بالقراءة في ما جاء عن سيدنا عمر أنه الذين لا يحسنون النطق العربية يؤخرهم عن الإمامة، وبهذا جاء كلام الفقهاء الشرع المصون.

فقالوا: لا تصح إمامة الأمي للقاريء؛ ولا إمامة الأخرس للقاريء ولا للأمي؛ لأن القراءة ركن مقصود في الصلاة، وإنما يجوز أن يؤم الأمي أمي، والأخرس أخرس كذلك.

وقالوا: تكره إمامة الفاءفاء -الذي يكرر الفاء-، والتمتام -الذي يكرر التاء-، واللاحن لحنًا غير مُغيرًا للمعنى عند الشافعية وعند الحنفية مكروهة.

قال الحنفية: الفأفأة عند الشافعية وعند الحنابلة مكروهة؛ يكره عند الشافعية والحنابلة أن يؤمهم الفأفاء والتمتام وصاحب اللحن الذي لا يغير المعنى.

وقال الحنفية: الفأفأة والتمتمة واللثغة -أي: يتحرك اللسان من السين إلى الثاء ومن الراء إلى الغين لثغة- تمنع منها الإمامة، ما يصح أن يكون إمام.

ويقول المالكية: على خلاف -المالكية- في جواز إمامة هؤلاء وعدم جوازه عندهم قولين. هكذا وكما تقدم معنا اقتداء القاريء بالأمية.

فجمهور العلماء على بطلان صلاة القاريء إذا اقتدى بالأُمِّي، وسبق معنا تفصيل الحنابلة، يقولون: 

  • إن أمَّ أُمِّيٌ أُمِّيًا وقارئً قال إن كان الأمي عن يمينه، وإن كان الاثنين على اليمين، أو الأُمِّي على اليمين، والقارئ على اليسار فتصح صلاة الإمام الأُمِّي والذي هو مثله أُمِّي، ولا تصح صلاة القاري لأنه اقتدى بأُمِّي. 
  • وكذلك إذا كان الاثنين خلفه، أو القارئ وحده على اليمين والأُمِّي عن اليسار، فلا تصح إلا صلاة الإمام وحده، فالقارئ فسدت صلاته لاقتداؤه بالأُمِّي، والأُمِّي تبطل عندهم صلاته لكونه وحده خلف الإمام -إذا كان خلفه أو عن اليسار ولم يقف عن اليمين-.

 

وبعد ذلك ذكر لنا أيضا قوله ﷺ: "لا تؤمن امرأة رجلًا"؛ جاء في رواية بن ماجة، وعلمنا من الشرط الذكورة في الإمامة للصلاة، فيشترط لإمامة الرجال أن يكون الإمام ذكرا، فلا تصح إمامة المرأة بأي رجل، هذا متفق عليه بين فقهاء شرع المصون.

  • وكذلك إمامة المرأة للنساء هي صحيحة عند الشافعية والحنابلة لما جاء من حديث أم ورقة أن النبي ﷺ: "فَأذِنَ لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها من النساء". 
  • وكرهها الحنفية مع القول بالصحة، القول بصحة الصلاة ولكنها مكروهة أن تؤمَّ النساء، فإذن يكره ذلك الحنفية وإن قالوا بصحة الصلاة، قالوا: وأما إن تقدمت أماما، وصفين خلفها فحرام يحرم عليهم ذلك، وإن صحت الصلاة، ولكن تكون وسطهن.

 فقال الشافعية والحنابلة تكون وسطاً والصلاة صحيحة ولا كراهة فيها. 

  • لكن المالكية: لا شيء للمرأة إمامة لا للرجال ولا للنساء مثلها، ما يصح تكون إمام، فلا تجوز إمامة المرأة عندهم ولو لامرأة ولا في فرض ولا في نفل. 

ومن المعلوم أنه لا تصح إمامة الخنثى كذلك الذي لم يتبين أذكر هو أم أنثى للرجال ولا لخنثى، وإنما يجوز أن يكون إماماً للنساء، على من قال بجواز صحة صلاة المرأة وإمامتها للنساء. 

قال: "ولما مات كسرى وولوا ابنته مكانه قال رسول الله ﷺ: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"

 

"وكان ﷺ يرخص في إمامة الأرقاء للأحرار"، فالمملوكين من العبيد يجوز أن يأمُّوا الأحرار وعليه الجمهور.

إلا أن الإمام مالك يقول: لا يكون العبد إماماً في مساجد القبائل ولا مساجد الجماعة ولا الأعياد، ولا يصلي بالقوم الجمعة، ولا بأس أن يؤمّ في السفر إن كان أقرؤهم من غير أن يتخذ إماماً راتباً، وكذلك في رمضان في النافلة قال:لا بأس أن يؤم؛ هذا كلام لإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-.

والجمهور قالوا: يؤمُّ الرقيق الأحرار في أي فرض وفي أي نفل يجوز ذلك، وهكذا جاءنا عن 

سعيد مولى أبي أسيد كان من الأرقاء المملوكين يقول: تزوجت وأنا مملوك فدعوت نفرا من أصحاب النبي ﷺ -فأجابوني، جاءوا إلى دعوته من أجل زواجه- قال: فكان فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة -من كبار الصحابة فحضرت الصلاة- قال: وأقيمت الصلاة قال: فذهب أبو ذر ليتقدم فقالوا: إليك! قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم، قال: فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك، فصليت بهم.

وهكذا مال الحنفية إلى الكراهة مع الصحة، يقولون: فالحر الأصلي أولى.

وقال الحنابلة: الحر أولى من العبد ما لم يكن العبد إمام المسجد فالحق له في التقدم، وكذا لو كانت الصلاة في بيته فهو صاحب البيت، وإن كان مملوك أولى بالإمامة ما عدا سيده فقط، لا يؤم سيده. 

وأيضًا يقول من جهة التقديم حتى الشافعية يقولون الحر أولى، ويستوي العبد الفقير أو القاريء والحر غير الفقير أو القاري، لمقابلة كل واحد صفة ليست في الآخر فتساويا.

 

وأما ولد الزنا، فالحديث الذي ورد عند أبي داود "ولد الزنا شر الثلاثة"، كما ذكر عندكم إنما كان ذلك في واقعة وهي أنه "أسلم أبواه ولم يسلم هو"، فقال: "شر الثلاثة"، وليس الأمر على إطلاقه لأنه (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ)[فاطر:18].

يقول: "قال ابن عباس: فمن ثم كرهت إمامته" أي: ابن الزنا، ولكن الجمهور على غير ذلك، "وكان ابن بشر الأسدي يقول: إنما قال رسول الله ﷺ في ولد الزنا إنه شر الثلاثة إن أسلم أبواه ولم يسلم هو، وكذلك كانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: ما عليه من وزر أبويه شيء".  

وكان مالك لا يجيز شهادة ولد الزنا على الزنا خاصة دون غيرها من الشهادات.

أيضًا يقول الجمهور: أن الصلاة صحيحة مع الكراهة.

الحنفيه يقولون تكره إمامة ولد الزنا إن وجد غيره؛ من هو احق بالإمامة منه.

قال المالكية يكره أن يجعل إماما راتبا.

قال الشافعية: لو كان الأفقه أو الأقرأ أو الأورع صبيا أو مسافرا قاصرا أو فاسقا أو ولد الزنا أو مجهول الأب فضده أولى.

ويقول الحنابلة: لا تكره إمامته ولد الزنا؛ إذا سلم دينه وكان فقيه من أين تكره إمامته؟ له أن يؤم مهما كان مرضِيًّا، وقالوا بعموم قوله ﷺ: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"، كما جاء في صحيح مسلم غيره، عائشة -رضي الله عنها- تقول: ما عليه من وزر أبويه شيء".، قد قال الله تعالى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ)[فاطر:18].

أما اتخاذ المرأة مؤذن من دون ما تؤذن هي فذلك يجوز، فإذا كان جماعة من نساء في مكان ما يسمعن الأذان، يريدين يصلين وحدهن فلا بأس أن يستأجرن رجل يؤذن ويذهب ويصلين هن بعد  ذلك كما جاء في هذا الحديث، "وكان ﷺ يأمر النساء باتخاذ المؤذن وأن يؤم بعضهن بعضًا، وزار ﷺ أم ورقة في بيتها فاستأذنته يومًا أن تتخذ في دارها مؤذنًا فأذِنَ لها" -لأن دارها بعيدة عن المسجد وكذلك ما يسمع الأذان فأرادت أن يؤذن في بيتها- "فأذِنَ لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها من النساء".

قال: "وكانت عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- يؤمان النساء فيقفان بينهن ولا يتقدمن"؛ بل يصلين في وسط الصف إنما تتقدم يسيرا في نفس الصف؛ بحيث تكون عقبها أمام عقب الذي عن يمينها وعن شمالها، وأما الإقامة للصلاة فتسن للنساء أن تقيم الصلاة من دون أن تؤذن. 

قال: "وكان ذكوان غلام -مملوكها- عائشة -رضي الله عنها- يؤمها في دارها، وكان سالم مولى أبي حذيفة وأبو عمرو مولى عائشة -رضي الله عنهم- يؤمون الناس وهم أرقاء لم يعتقوا، فكان سالم يصلي بالمهاجرين من الأولين لما نزلوا قباء قبل مقدم النبي ﷺ؛ لكونه كان أكثرهم قرآنًا، وكان فيهم عمر بن الخطاب وأبو سلمة بن عبد الأسد -يصلون خلف الرقيق- وكان أبو عمرو -رضي الله عنه- -مولى عائشة- يؤم ابن أبي مليكة وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناسًا كثيرًا، وقال نافع -مولى ابن عمر-: أقيمت الصلاة بطائفة المدينة ولعبد الله  بن عمر -رضي الله عنه- هناك أرض وإمام أهل ذلك المسجد خارج المدينة مولى؛ فجاء ابن عمر يشهد الصلاة فقال له المولى: تقدم فصل، فقال له ابن عمر: أنت أحق أن تصلي في مسجدك فصلي المولى"، قال: فصلى المولى وابن عمر كان مأموما.

 

وتقدم معنا ذكر قوله: "ولد الزنا شر الثلاثة"، وقوله وكان ﷺ يأمر النساء باتخاذ المؤذن وأن يؤم بعضهن بعضًا،  وزار ﷺ أم ورقة في بيتها فاستأذنته يومًا أن تتخذ في دارها مؤذنًا فأذِنَ لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها من النساء، وكانت عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- يؤمان النساء فيقفان بينهن ولا يتقدمن".

 

ثم تكلم على مسألة إمامة أئمة الجور وأن ذلك مما عمله بعض الصحابة والتابعين درءًا للفتن والمحن وإثمهم عليهم، ولكن لا يحدثون ربكة وربشة من أجل الصلاة خلفهم، كما صلى جماعة من الصحابة بعد انتهاء الخلافة الراشدة؛ ومنهم من صلى خلف الحجاج قتال النفوس، فصلى كثير من الصحابة خلفه وكفى به جائرا، وفي الخبر: "صلوا خلف كل بر وفاجر".

 

جعلنا الله من الذين يقيمون الصلاة على خير وجوهها، ويعدونها على ما هو أرضى للرب وأحب وإلى حبيبه المقرب، حتى ننعم بسر الصلاة ونورها ويجعل الله ذلك في جميع أهالينا وأولادنا وذرياتنا ما تناسلوا، وأن يصلح أحوال الأمة أجمعين وادفع البلاء عنا وعن المؤمنين نختم لنا بأكمل الحسنى وهو راضٍ عنا في لطف وعافية.

 

 بسر الفاتحة  

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه 

الفاتحة

 

 

 

تاريخ النشر الهجري

24 ربيع الثاني 1446

تاريخ النشر الميلادي

27 أكتوبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام