(536)
(228)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (79) باب صفة الصلاة -31- مواصلة أحاديث قيام الليل
صباح الأحد 15 محرم 1446 هـ
"وكان ﷺ يقول: "من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات فإن أبت فلينضح في وجهها الماء، وإن أبىٰ فلتنضح في وجهه الماء"، وكان ﷺ يقول: "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم، وما من امرئ يكون له صلاة بليل فيغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة"، وكان ﷺ يقول: "ينزل الله جل ذكره كل ليلة إذا مضى ثلث الليل أو نصف الليل، فيقول: لا أسأل عن عبادي غيري من ذا الذي يدعوني فاستجيب له ذا الذي يسألني فأعطيه من الذي يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر، أو قال يفرغ القارئ من صلاة الصبح، ثم يصعد تعالى إلى عزه ومكانه ".
وكان ﷺ يقول: "أحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود عليه السلام كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه"، وكان ﷺ إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين يقرأ في الأولى منهما: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ توابا رَّحِيمًا [النساء: 64]، وفي الثانية:
(وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمُ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا )[النساء: 110]، ثم يصلي بعد ذلك ما كتب له .
وكان ﷺ يطيل في قيام الليل ما شاء وربما قرأ في الركعة الواحدة البقرة وآل عمران والنساء، وقال معبد بن خالد -رضي الله عنه-: "رأيت رسول الله ﷺ قرأ ليلة بالسبع الطوال في ركعة"، وكان ﷺ تارة يجهر بالقراءة وتارة يسر، وتقدم في باب صفة الصلاة قول أبي هريرة -رضي الله عنه-: ما أسر من أسمع نفسه، وقال أنس -رضي الله عنه-: مرَّ رسول الله ﷺ على أبي بكر وعمر في الليل فوجد أبا بكر يسر بقراءته وعمر يجهر بها، فلما أصبح سأل أبا بكر: لم لا تجهر بقراءتك ؟ فقال: يا رسول الله قد أسمعت من ناجيت، فقال له: ارفع قليلاً وسأل . فقال : "لم لا تسرّ بقراءتك، فقال: يا رسول الله أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال له اخفض قليلا".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مُكرمنا بالشريعة وبيانها على لسان حبيبه محمّد ذي المراتب الرفيعة والجهات الوسيعة، صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار في دربه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله، خاصة الخلق -سبحانه وتعالى- في بريّته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم.
ويواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر الله الأحاديث المتعلقة بقيام الليل، وذكر لنا فيما ذكرنا في الأمس "أن من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصلّيا ركعتين جميعا كُتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات"، وفي هذا إرشاد إلى الأُسر المؤمنة أن يكسبوا ويحصلوا ما به يَرقُون في مراتب الفضل، ويُعدّون عند الله من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، بأن يتعاون الزوج مع زوجته والزوجة مع زوجها على قيام الليل ولو صلاة ركعتين، فإذا حصل ذلك منهما دلّ على أن لهما وجهة إلى الحق -جل جلاله- وإرادة في قربه، ورغبة في نيل ما عنده، والتصديق برسوله واتباع له، لك شيل الكاسات عشان أنا بدي أحط فبقيام ذلك في الأسرة تدخل الأسرة -الزوج والزوجة- في عِداد من أثنى عليهم الرّحمن في كتابه من (الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ) [الأحزاب:35].
ولمّا كان الأمر يقومُ على التعاون والتعاضد على ذلك، وينازل الإنسان بحكم طبيعته فترةٌ وكسل، وتباطؤ وشدة نوم، قال اتفق الزوج والزوجة أن من تأخر منهما لغلبة نوم أو تكاسل، أن ينضح الثاني في وجهه الماء، قال: "فإن أبت فلينضح في وجهها الماء، وإن أبىٰ فلتنضح في وجهه الماء"، وفي لفظ آخر قال: "رحم الله رجلًا قام من الليل فصلّى ثم أيقظ زوجته فلم تستيقظ فرشّ في وجهها الماء، ورحم الله امرأةً قامت من الليل فصلّت ثم أيقظت زوجها فلم يستيقظ فرشّت في وجهه الماء" وأمثال هذا يكون مع اتفاق بينهما على هذا التعاون، على هذه الخيرات، ورموز الصِّلةِ بالحق -تبارك وتعالى- والإيمان به.
فبهذه الأعمال والأحوال تتميّز بيوت وأُسر أهل الدين، وأهل الإسلام، وأهل الملة، وأهل الشريعة، وأهل الإيمان، فلا يمكن أن يتميز بيت المؤمن بفرش ولا بجهاز، ولا بثلاجة، ولا بمروحة، هذا عند البرّ والفاجر، والمؤمن والكافر، لكن هذه ميزة بيوت المؤمنين؛ هذه الصِّلاتُ بالرب -جلّ جلاله- وإقامة هذه الخيرات والسنن.
ثم ذكر لنا أنّه إذا غلب النعاس على أحدٍ وهو يصلّي فينبغي أن يرقد شيئًا من الوقت، يستعين به على استجماع قواه وحضوره في الصلاة، فإنه قد يخربط -يخطأ- في الصلاة بسبب النوم، وقد يخربط في الآيات وقراءتها، وقد يخربط في الدعاء، حتى يدعوا على نفسه من حيث لا يشعر ومن حيث لا يدري، فلذلك قال: "وكان ﷺ يقول: "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم، وما من امرئ يكون له صلاة بليل فيغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة".
ثم -كما تقدم معنا- أيضا يحوز ثوابًا آخر كاملًا بقضاء ما فاته من الليل إذا قضاه ما بين طلوع الشمس وزوالها، قال: وكان ﷺ يقول: "ينزل الله جل ذكره كل ليلة إذا مضى ثلث الليل أو نصف الليل، فيقول: لا أسأل عن عبادي غيري من ذا الذي يدعوني فاستجيب له ذا الذي يسألني فأعطيه من الذي يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر، أو قال يفرغ القارئ من صلاة الصبح، ثم يصعد تعالى إلى عزه ومكانه ". وهو العزيز الرّحيم الغفور القوي الذي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11] ، فيُعلَم من معنى قوله ينزل أو يصعد: شؤون تجلّيات يتجلّى بها، والمعنى في الحديث: أن كل مؤمنٍ في أي بقعة من الأرض حينما ينتصف الليل، أو يبقى ثلثه الأخير -كما في روايات أخرى- يكون للرّحمن تجلٍ خاص عليه، وقربٌ منه، وتفقدٌ لحاجاته، واعتناء بما سأله إذا سأل، وبما استغفره إذا استغفر، وبتوبته فيقبل إذا تاب عليه، والمعنى: أن هذا وقت شريفٌ فكل مؤمن في أي بقعة من بقاع الأرض ينبغي في ساعات الليل هذه أن يكون له صِلة بهذا الإله، ونصيب من التوبة والاستغفار وسؤال الحاجات، فجديرٌ بأن ينال مطلوبه وفوق ذلك.
قال الإمام ابن الديبعي:
فَلَوْ رَأَيْتَ الْـخُدَّامَ - أي: القائمين بالعبادة من الصادقين مع الله - قيَامًا عَلَى الْاَقْدَامِ وَقَدْ جَادُوْا بَالدُّمُوْعٍ السَّوَاكِبْ * وَالْقَوْمَ بَيْنَ نَادِمِ وَتَآئِبْ * وَخَائِفِ لِنَفْسِهِ يُعَاتِبْ * وَآبِقٍ مِنَ الذُّنُوْبِ اِلَيْهِ هَارِبْ * فَلَا يَزَالُوْنَ فِى اْلإِسْتِغْفَارْ * حَتَّى يَكُفَّ كَفُّ النَّهَارِ -ضوء النهار- ذُيُوْلَ الْغَيَاهِبْ -يطوي ظلمة الليل- * فَيَعُوْدُوْنَ -ويُصبحون في يومهم- وَقَدْ فَازُوْا بِالْمَطْلُوْب * وَاَدْرَكُوْا رِضَا الْمَحْبُوْب * وَلَـمْ يَعُوْد اَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ وَهُوَ خَآئِبْ.
وفي الخبر أنه ينادي في أول الليل منادٍ: ليقُم العابدون، فإذا كان نصف الليل نادى منادٍ: ليقُم القانتون، فإذا كان آخر الليل نادى مناد: ليقم المستغفرون في الأسحار، فإذا طلع الفجر نادى المنادي: ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم، ما تعرّضوا لغفر أوزارهم مثل هؤلاء، يقوم هؤلاء غافلين كسالى، يقومون بعد الفجر، ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم.
يقول: "وكان ﷺ يقول: "أحبّ الصّلاة إلى الله -عزّ وجل-..." ثم عبّر ﷺ عن انقطاع هذا التجلّي بطلوع الفجر بقوله: "ثم يصعد تعالى إلى عزّه ومكانه"، فعبّر عن انقطاع التجلّي بهذا المعنى، ومن المعلوم أن ما يتبادر إلى الذّهن من نزولٍ أو صعودٍ يتعلّق بالكائنات والأجسام، الحقّ منزّه عن ذلك -جلّ جلاله-، هيهات! هل المخلوق مثل الخالق؟
"وكان ﷺ يقول: "أحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود عليه السلام كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" فيأخذ السدس الرابعة والسدس الخامس، وهذا أفضل ما يكون من ساعات الليل، فالأفضل السدس الرابع والخامس مطلقًا، كما جاء وصحّ في الأحاديث "أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، وأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ، ويَصُومُ يَوْمًا، ويُفْطِرُ يَوْمًا"، الحديث في البخاري.
قال: "وكان ﷺ إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين" لم يُخرّجه هذا، وذكره الفقهاء عندنا في آداب القيام في الليل، أن يصلّي ركعتين خفيفتين في أول قيامه إذا قام، "يقرأ في الأولى منهما: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) [النساء:64] -ويستغفرُ ثلاثًا ثم يقرأ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ….) [سورة الكافرون] ويركع، كذلك "في الركعة الثانية، يقرأ قوله تعالى (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [النساء:110]" ويستغفرُ الله ثلاثًا، استغفر الله استغفر الله استغفر الله، ثم يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ…) [سورة الإخلاص] ثم يركع، فهذا كيفية الركعتين الخفيفتين اللّتين يفتتح بهما تهجّده، يفتتح بهما تهجده عند قيام الليل، ويأتي بعضهم بالآية الأولى من أولها فيقول: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) [النساء:64].
وتقدم في باب صفة الصلاة قول
وقال أنس -رضي الله عنه-: مرَّ رسول الله ﷺ على أبي بكر وعمر في الليل فوجد أبا بكر يسر بقراءته وعمر يجهر بها، فلما أصبح سأل أبا بكر: لم لا تجهر بقراءتك ؟ فقال: يا رسول الله قد أسمعت من ناجيت، فقال له: ارفع قليلاً وسأل . فقال : "لم لا تسرّ بقراءتك، فقال: يا رسول الله أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال له اخفض قليلا".
قال: "وكان ﷺ يطيل في قيام الليل ما شاء وربما قرأ في الركعة الواحدة البقرة وآل عمران والنساء، وقال معبد بن خالد -رضي الله عنه-: "رأيت رسول الله ﷺ قرأ ليلة بالسبع الطوال في ركعة"، وكان ﷺ تارة يجهر بالقراءة وتارة يسر"، قال له الحقّ: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا) [الإسراء:110]، يقول قول أبي هريرة -رضي الله عنه-: "ما أسر من أسمع نفسه"، ولابد من إسماع نفسه، وأما القراءة من دون أن يُسمع نفسه فهذا فِكر في القراءة؛! وليس بقراءة وليس بتلاوة، هذا فِكر في القراءة، ولهذا قالوا: لا تسقط عنه الفاتحة إذا لم يُسمع نفسه بحروفها، والمراد: أن يتلفظ بحيث لو كان معتدل السمعِ لسمع، ولم يكن هناك مشوّش من صوت ونحوه، فدون هذا ما يعدّ قراءة، ولا يُثاب عليه ثواب القراءة -ثواب الفكر هذا- ثواب الفكر وليس ثواب التلاوة، ولا يكون تلاوة، ومثله التّشهد الواجب في الصلاة، ما يعد تشهدا حتى يُسمع نفسه، والمراد: أن يتلفظ ويكون بصوت لو كان معتدل السمع، لا عبرة إذا كان أصم أو نحوه، ولم يكن هناك مشوّش صوت مثل: صوت مكينة عنده شغّالة، يتلفظ ما يُسمع نفسه بسبب قوة صوت المكينة لا يضرّ، لكن المستوى الذي رفع به صوته لو لم يكن هناك حائل يحول بينه وبين الصوت من صوت مشوّش، وكان متوسط السمع لسمع يكفي، ولابد أن يُسمع نفسه.
وفي الحديث أيضًا ما جاءنا عن سيدنا بكر وسيدنا عمر، سيدنا أبا بكر يخافت بقراءته ويُسرّ بها، وسيدنا عمر يجهر بها، وأنه "فلما أصبح ﷺ سأل أبا بكر: لم لا تجهر بقراءتك ؟ فقال: يا رسول الله قد أسمعت من ناجيت، فقال له: ارفع قليلاً وسأل" قليلًا -دعاهم إلى التوسّط- قال لسيدنا عمر: لما لا تُسرّ بقراءتك؟ قال: أُوقظُ الوسنان، أي: النائم، أوقظ الوسنان ليصلُي الليل، وأطرد الشيطان الذي يفرُّ من صوت القرآن وصوت التلاوة، قال: اخفض قليلًا، قال لهذا: ارفع قليلًا، وقال لهذا: اخفض قليلًا.
وجاء في لفظ آخر: "أنه مرَّ على أبي بكر وجده يُسرّ، وعلى عمر وجده يرفع صوته، فسألهم في اليوم الثاني، فقال أبو بكر: أسْمعت من أناجيه، وسأل سيدنا عمر، قال: أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان، فقال: كلاكما إلى خير" -وفي رواية- "قال لأبي بكر: ارفع قليلا، وقال لسيدنا عمر: اخفض قليلا"، وهذا يفسر قوله: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا) [الإسراء:110].
والفقهاء عندنا فسّروا هذا بأن يجهر بآية ويُسرّ بآية، ويجهر بآية ويُسرّ بآية، وأخذوا بما جاء أنه كان يجهر أحيانا ويُسرّ أحيانا، ويقولون إن لم يُسمع إلا نفسه فقد أسرّ، وإن أسمع غيره فقد جهر، فكيف يكون بين الجهر والإسرار؟ إلا آية يُسرّ وآية يجهر حتى يكون قراءته بين الإسرار والجهر، لأنه إن أسمع من بجانبه فقد جهر، وإن لم يُسمع إلا نفسه فقد أسرّ، فكيف بينهم؟! كيف يصلّح لا يُسمع ويَسمع ما يتأتى، لا يُسمع الذي بجنبه ويَسمع الذي بجنبه هذا ما يتأتى! فقالوا: يُسرّ بآية ويجهر بآية، ويُسرّ بآية، ويجهر بآية هكذا..
ملأنا الله بالإيمان واليقين والإخلاص والصدق، وجعلنا في الهداة المهتدين مترقّين أعلى مراتب الإنابة إليه، والخشية منه، والرّغب في ما عنده، ويدفع عنا سوء أهله، ويضمنا بفائضات الجود، ويسعدنا بأهل السّعود في عافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمّد ﷺ وبارك عليه وعلى آله وصحبه
الفاتحة
18 مُحرَّم 1446