كشف الغمة -175- كتاب الصلاة (67) باب صفة الصلاة -21- فرع في الدعاء بعد التشهد

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (67) باب صفة الصلاة -21- فرع في الدعاء بعد التشهد

صباح الأربعاء 20 ذو الحجة 1445هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  حكم الدعاء بعد التشهد الأخير والأول 
  •  هل يدعو بما لم يرد في التشهد؟
  •  كل صلاة ليس فيها دعاء فهي ناقصة 
  •  التعوذ من عذاب جهنم
  •  إثبات عذاب القبر
  •  معنى: فتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال
  •  شرح: الاستعاذة من المغرم والمأثم
  •  دعاء علمه النبي لأبي بكر الصديق: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا
  •  اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري
  •  دعاء الكنوز
  •  دعاء: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك

نص الدرس مكتوب:

فرع في الدعاء بعد التشهد

"كان رسول الله ﷺ يقول: "كل صلاة مؤمن ليس فيها دعاء للمؤمنين والمؤمنات فهي خداج"، وكان ﷺ يقول: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال، فإنه ما بعد آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من أمر الدجال وإنه رجل قصير فحم أعور مطموس العين اليمنى ليست بناتئة ولا راجحة، وإن التبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور وإنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا".

وكان ﷺ تارة يزيد على ذلك: "اللهم إني أعوذ بك من المغرم والمأثم"، وكان يقول: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني انك انت الغفور الرحيم"، وكثيرًا ما كان يقول ﷺ: "اللهم اغفر لي ذنبي ووسع علي في داري وبارك لي فيما رزقتني". 

وكان ﷺ كثيرًا ما يقول في تشهده: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة في الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا، وأسالك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم"، وكثيرًا ما كان يقول ﷺ: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، وتارة كان يقول ﷺ غير ذلك مما هو مذكور في كتب الأذكار المأثورة، والله أعلم".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بالدين والشريعة، ومبينّها على لسان عبده ورسوله ذا المراتب الرفيعة والوجاهات الوسيعة؛ سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه، وعلى أبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين؛ سادات أهل محبة الله وقربه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

وبعدُ،،

ويذكر الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- في هذا الفرع الدعاء بعد التشهد الأخير، والدعاء بعد التشهد الأخير مسنون ومستحب ومطلوب على اتفاق جميع المذاهب ومنهم من أوجبه -أوجب الدعاء في التشهد الأخير والاستعاذة من هذه الأشياء التي كان يستعيذ منها ﷺ ومنهم طاوس-، ويُذكر عن ابن عباس: أن من لم يستعيذ من عذاب القبر..، وعن طاوس: أن من لم يستعِذ في صلاته من الأربع التي استعاذ منها ﷺ فيجب عليه إعادة الصلاة،  ولا تصح صلاته ويجب أن يعيد الصلاة.

وقال الجمهور: إن الدعاء في التشهد الأخير سنّة. وبالغ ابن حزم وقال: الدعاء في التشهد الأول؛ يأتي بهذه الاستعاذة في التشهد الأول وفي التشهد الأخير، والجمهور على أنه في التشهد الأخير فقط ولا يسنّ الدعاء بعد التشهد الأول بخصوصه وإنما يستحب كثرة الدعاء في السجود.

 

ثم إن الدعاء بما ورَدَ معلوم وبما لم يرِد أيضا:

  • واشترط الحنفية والحنابلة: في ذلك أن يكون بما يشبه القرآن ويشبه السنّة؛ وأما ما لا يشبهه ومما يشبه كلام الناس كأن يقول: اللهم أعطني دارًا كبيرة فيها كذا كذا غرفة، أو يقول: يسر لي من الدولارات كذا وكذا، اوأعطني أو زوجني بامرأة كذا، فهذا يبطل الصلاة عندهم لأنه يشبه كلام الناس. وفي الحديث "إنَّ هذه الصلاةَ ، لا يَصلُحُ فيها شيءٌ من كلامِ النَّاسِ ، إنما هو التَّسبيحُ ، والتَّكبيرُ ، و قراءةُ القرآنِ".
  • وقال الشافعية والمالكية: يدعو بما شاء مادام فيه خطاب للحق -تبارك وتعالى- فذلك لا يضر، فقد جاء الدعاء بألفاظ مختلفة، وقد سمع ﷺ من يدعو في الصلاة في التشهد وغيره بدعوات من عنده ولم ينكر على أحد منهم ﷺ، وللآخرين أن يقولوا كانت الدعوات التي سمعها تشبه القرآن وتشبه السنة.

هذا حكم الدعاء في الصلاة، والصلاة محل الاستجابة والدعاء يُندب على وجه الخصوص في السجود وبعد التشهد الأخير

 

ويقول: "كان رسول الله ﷺ يقول: "كل صلاة مؤمن ليس فيها دعاء للمؤمنين والمؤمنات فهي خداج"، أي: ناقصة، وجاء في رواية "إنما الصلاة تمسكنٌ تضرعٌ ودعاءٌ يا رب يا رب فمن لم يفعل ذلك فهي خداج"، وجاء في رواية أبي داود: “الصلاة مثنى مثنى أن تشهد في كل ركعتين وأن تبأس وتمسكن وتقنّع بيديك، وتقول: اللهم، فمن لم يفعل ذلك فهي خداج” أي: ناقصة، وهذا أيضًا  يأيد من قال بوجوب الدعاء، وجمهور العلماء على أنه سنّة.

 

"وكان ﷺ يقول: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم.." اللهم أجرنا من عذاب جهنم، اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، والمراد بها: جميع النار، وإن كان يطلق جهنم على الطبقة الأولى التي هي مسكن عصاة الموحدين من مات وفي قلبه أدنى مثل ذرة من إيمان وعليه ذنوب لم تغفر فيدخلون في هذه جهنم، التي إذا خرج آخرهم منها خُرّبت وأسدّت السّت الطبقات الأخرى على من فيها، لا يطمعون في الخروج أبداً -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.

قال: "من عذاب جهنم ومن عذاب القبر.." وفيه إثبات عذاب القبر في السنّة كما هو ثابت في القرآن؛ ولو لم يكن إلا ما صح في الأحاديث من رؤية النار للمعذبين ورؤية الجنّة للمنعّمين في قبورهم، وفي الحديث "القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار". 

قال: "ومن فتنة المحيا.." ما يعرض الإنسان في حياته من أنواع الفتن، ما يعرض الإنسان في حياته من أنواع الفتن من زخرف في الدنيا أو من أقاويل أهل الباطل والأضاليل أو من الإنحراف في الفكر أو في الخلق والسلوك وجميع فتن الحياة.

قال: "والممات.." ما يعرض الفتن عند الموت؛ وهي آخر ساعات عمر الإنسان يجتهد فيها عدوه الشيطان أن يغويه وأن يضله فيها، إلى حد أن يتصور لكثير من الموتى عند نزع أرواحهم وقد يحمل كأساً من الماء -صورة كأس من الماء- والميت عطش، فيخاطب روحه: أتريد أن تشرب، يقول: نعم، يقول: أسجد لي واسقيك، فإن أومأ بذلك رمى الكأس وفاضت روحه وهو ساجد لإبليس -والعياذ بالله تبارك وتعالى-. إلى غير ذلك من الفتن الذي تعرِض عند الموت، ومن محاولة التشكيك، ومن محاولة بث بُغْض لقاء الله تعالى في القلب، ولكن إنما يقوى على ذلك لمن له قلب كان يحبُّ الدنيا ويتعلّق بها، أما من غلب عليه حب الله فلا يقوى إبليس على أن يضلّه ويفتنه، وهي لحظة خطيرة، وساعة يترتّب عليها سعادة الأبد أو شقاء الأبد -والعياذ بالله تعالى-، فنسأل  الله كمال الحسن السابقة وكمال الحسن الخاتمة.

قال: "ومن فتنة المحيا والممات…" وهي الفتنةٍ التي تَعرُض عند الموت، يقول: "ومن فتنة المسيح الدجال، فإنه ما بعد آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من أمر الدجال وإنه رجل قصير فحم أعور مطموس العين اليمنى ليست بناتئة ولا راجحة"، يعني: ممسوح مسيح العين ليس لها أثر، وفي الروايات الأخرى: كأن عينه عنبة طافية، "وإن التبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور وإنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا"، وفيه إثبات الرؤيا بعد الموت، وذلك إكرامٌ من الله لأهل جنته، يقويهم ويمدهم للرؤيا من غير تكييف، ولا حصر، ولا مشابهة للخلق، ولا جهة.

 

يقول: بعد ذلك أورد عدد من الأدعية، منها: هذا الدعاء "اللهم إني أعوذ بك من المغرم والمأثم" المغرم: الدَّيْن، إني أعوذ بك أن يُسلط عليّ الدين، أو أموت وعليّ دين، فتُحبس روحي في القبر، فإنه من مات وعليه دين حُبست روحه في البرزخ، فلا يزور ولا يُزار من قبل الأموات حتى يُقضى عنه دينه، ولا يبرد جلده حتى يُقضى عنه دينه، فالإستعاذة بالله من المغرم، "ومن المأثم" أي: الوقوع في الإثم قولًا أو فعلًا أو نيةً أو قصدًا، في حركة أو سكون.

 

وكذلك الذي علّمه سيّدنا أبوبكر الصديق: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم"، وفي رواية "كبيرًا" فإما يجمع بينهما: "ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا كبيرًا"، وإما تارةً أن يقول: "ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا"، وتارة أن يقول: "ظلمت نفسي ظلمًا كبيرًا"، وذلك ما علمه  سيّدنا أبوبكر الصدّيق، حين سأله عن دعاء يدعو به في الصلاة أي في التشهد، فقال له: قل "اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا"، هذا تعليمه  لصاحبه الصدّيق، اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، وفيه تمام التربية والتزكية.

 

وكذلك ما ورد: "اللهم اغفر لي ذنبي ووسّع علي في داري-أي في القبر- وبارك لي فيما رزقتني"، وفيه زيادة عند بعضهم: "ولا تفتنّي بما زويت عني".

وكذلك هذا دعاء الكنوز الوارد المسمّى دعاء الكنوز: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة في الرشد وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم"، يقول: "إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا أنتم هذه الدعوات" اللهم أسألك الثبات في الأمر، وسُمي دعاء الكنوز.

 

وكذلك هذا الوارد بعد الصلاة وفي أثناء الصلاة "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، وعلمه سيّدنا معاذ بعد الصلاة وقال: "إني أحبك فلا تدعن أن تقول في دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، قال: "وتارة كان يقول ﷺ غير ذلك". 

 

فالله يتقبل منا الصلوات ويرفعنا عليّ المقامات، ويصلح الظواهر والخفيات، ويرعانا بعين العنايات ويثبتنا أكمل الثبات.

 

 بسر الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد ﷺ اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله 

الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

26 ذو الحِجّة 1445

تاريخ النشر الميلادي

01 يوليو 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام