(229)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (64) باب صفة الصلاة -18- فرع في التشهد الأول
صباح الأحد 17 ذو الحجة 1445هـ
فرع في التشهد الأول
"قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يطيل التشهد الأول بالصلاة على نفسه وآله وبالدعاء بعده كما يفعل في التشهد الأخير، ويقول: "إذا قعدتم في كل ركعتين فليتخير أحدكم بعد التشهد من الدعاء أعجبه إليه فليدع به ربه عز وجل".
وسيأتي قوله ﷺ: "لا تصلوا علي الصلاة البتراء، قالوا: يا رسول الله وما الصلاة البتراء؟ قال: "تقولون اللهم صل على محمد وتمسكون بلى قولوا: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد، فقيل له: أهلك يا رسول الله؟ قال: علي وفاطمة والحسن والحسين". قال العلماء: وهذا هو الأكثر فعله إذا لم يكن ثم حاجة وإلا فكثيرًا ما كان يخفف الجلوس له رحمة للناس. حتى قال ابن مسعود كان رسول الله ﷺ إذا جلس في الركعتين الأولتين كأنه على الرضف حتى يقوم، وكان جلوسه فيه مفترشًا كالجلوس بين السجدتين، وكان ﷺ إذا نهض من التشهد الأول ينهض مكبرًا رافعًا يديه فاستفتح القراءة.
وكان ﷺ ينهى أن يقدم الرجل إحدى رجليه إذا نهض للقيام، وسيأتي في باب السجود للسهو أنه ﷺ لما قام من التشهد الأول ناسياً ولم يتشهد سجد سجدتين قبل السلام مكان ما نسي من الجلوس، والله أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بالصلاة وخيراتها، وبيانها على لسان عبده وحبيبه سيدنا محمّد، جامع الفضائل والمترقّي في أعلى ذرواتها، صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وأصحابه وأهل الاقتداء به في ظواهر الأمور وخفيّاتها، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل حضرة القرب وقاداتها، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين المحيط علماً بظواهر الأمور وخفيّاتها.
وبعد،،
فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله- في هذا الفرع التشهد الأول وهو: الذي يكون في الفرائض الأربع: في فريضة الظهر وفريضة العصر وفريضة المغرب وفريضة العشاء، فيأتي فيها قبل التشهد الأخير تشهدٌ أول، وذلك بعد الركعة الثانية قبل أن ينهض إلى الركعة الثالثة.
وهذا التشهد مسنونٌ ومندوب،
والفرض عند الحنفية الجلوس، الجلوس للتشهد فرض، وأما التشهد نفسه فهو ما بين سنة أو واجب يجبر بترك السجود، أما الجلوس ففرضٌ عند ارتفاعه من السجود قبل أن يقوم في الركعة الثانية إلى الثالثة ففرضٌ أن يجلس عندهم، والتشهد عندهم واجبٌ أو سنة.
وجاءت فيه روايات في تخفيفه وهو الأكثر من فعله ﷺ، وروايات في تطويله، أشار إليه بقوله: قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يطيل التشهد الأول بالصلاة على نفسه وآله وبالدعاء..". مع أن بعض الأئمة يقولون:
فكذلك الصلاة على الآل تكون في التشهد الأول أيضًا سنّة مع الصلاة عليه، لما أشار إليه في الحديث من النهي عن الصلاة البتراء، وهي الصلاة عليه والإمساك عن الصلاة على آله ﷺ.
ويقول: يطيل التشهد الأول بالصلاة على نفسه وآله وبالدعاء بعده كما يفعل في التشهد الأخير، ويقول: "إذا قعدتم في كل ركعتين فليتخير أحدكم بعد التشهد من الدعاء أعجبه إليه فليدع به ربه عز وجل". ولكن الجمهور على أنه خفيف، وأن الدعاء إنّما يكون بعد التشهد الأخير.
وسيأتي قوله ﷺ: "لا تصلوا علي الصلاة البتراء، قالوا: يا رسول الله وما الصلاة البتراء؟ -المنقطعة- قال: "تقولون اللهم صل على محمد وتمسكون بلى قولوا: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد، فقيل له: أهلك -أو آلك- يا رسول الله؟ قال: علي وفاطمة والحسن والحسين" يعني: من خواص آله وخواص أهله ﷺ. وهؤلاء هم أهل الكساء.
وآله: يشمل أزواجه أمهات المؤمنين وجميع أقاربه المؤمنين من بني هاشم وبني المطلب، هذا يشملهم الآل.
وأما أهل بيته: فيختصّون بها أولاده من أزواجه ومن أبنائه وبناته، ومن سيدنا علي بن أبي طالب، وأولاد السيدة فاطمة وذريّاتهم الذين استمروا وتناسلوا وكثروا في أبناء الحسن والحسين -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-، ولم يبق ذرية لبقيّة بناته ﷺ.
"قال العلماء: وهذا هو الأكثر فعله إذا لم يكن ثم حاجة وإلا فكثيرًا ما كان يخفف الجلوس له رحمة للناس". وأورد الحديث في التخفيف في الجلوس في التشهد الأول، يقول: "قال ابن مسعود كان رسول الله ﷺ إذا جلس في الركعتين الأولتين كأنه على الرضف -يعني:الجمر- حتى يقوم -يعني: يسرع ولا يتأخر- وكان جلوسه فيه مفترشًا.." ، بأن يفترش رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى، "كالجلوس بين السجدتين" -وقد تقدم معنا-.
ولكن علمنا أن:
فالتورّك عند الشافعية في جلسة واحدة، وهي الجلسة التي يعقبها السلام، وبقية جلسات الصلاة كلها يفترش فيها.
وذهب الحنفية إلى التفريق بين الرجل والمرأة:
قال: "وكان جلوسه فيه مفترشًا كالجلوس بين السجدتين، وكان ﷺ إذا نهض من التشهد الأول ينهض مكبرًا رافعًا يديه فاستفتح القراءة". فهي من المواضع التي قال بسنّية رفع اليدين فيها الشافعية والحنابلة عندما يقوم من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة فيرفع يديه.
بل وقولٌ عند الشافعية أنه في كل قومة سواء كانت من التشهد الأول أو من جلسة الاستراحة؛ فيرفع يديه، والمعتمد عندهم أن الرفع مخصوص بالقيام من التشهد الأول، فإذا قام من التشهد الأول يرفع يديه.
ولا رفع لليدين عند الحنفية إلا عند تكبيرة الإحرام فقط، عند التحرم فقط ثم لم يقولوا برفع اليدين.
وقد ثبت في السنّة الشريفة الحديث: رفعه ﷺ اليدين عند الركوع وعند الاعتدال وهكذا عند القيام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة.
قال: وكان ﷺ إذا نهض من التشهد الأول ينهض مكبرًا رافعًا يديه فاستفتح القراءة".، أي: عندما يصل إلى القيام وينتصب يبتدأ في القراءة ﷺ.
"وكان ﷺ ينهى أن يقدم الرجل إحدى رجليه إذا نهض للقيام،" فذلك أبعد عن اعتدال الجسم وأقرب إلى حصول الخلل، يرفع واحدة قبل الثانية، بل يرفع الرجلين معًا، فلا يرفع إحدى رجليه قبل الأخرى.
"وسيأتي في باب السجود للسهو أنه ﷺ لما قام من التشهد الأول ناسياً ولم يتشهد سجد سجدتين قبل السلام مكان ما نسي من الجلوس"، وعلى هذا قال الجمهور بسنيته، وسمعنا القول عند الحنابلة بوجوبه، وكذلك قول عند الحنفية بأنه واجب دون الفرض؛ وإنما الفرض هو الجلوس ما بين القيام من الركعة الثانية إلى الثالثة، ما بين السجود إلى القيام في الركعة الثالثة، فهذا بعض ما يتعلق بشأن التشهد الأول.
وفيه اختيار الأئمة لما ورد من الروايات، فمنهم من اختار "التحيات لله الزاكيات.." والصيغة التي وردت عن بعض الصحابة وعن ابن مسعود، وكذلك اختار الشافعية الرواية التي وردت في صحيح مسلم: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله.." ثم اتفقوا على السّلام على النبي ﷺ: "السّلام عليك أيها النّبي ورحمة الله وبركاته"، وفي رواية: "سلامٌ عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين"، وفي رواية: "سلامٌ علينا وعلى عباد الله الصالحين". ثم القول بالتشهد وهو: "أشهد أن لا إله إلا الله" أي: أعتقد بقلبي وأبيّن لغيري وقلت بلساني أن لا معبود بحقٍ في الوجود إلا الله، وكذلك شهادة أن محمد رسول الله، أي: أعتقد بقلبي وأبيّن لغيري أن محمّدا رسولٌ اختاره الله -تبارك وتعالى- وختم به النبيّين، وجعله سيد المرسلين، أرسله إلى العالمين رحمة ﷺ.
كذلك يضع يديه على فخذيه، ويضم أصابع اليمنى إلّا المُسبّحة فيرسلها، ويجعل الإبهام تحتها أو قابضًا به على إحدى العقد، عقد السبابة يقبضها؛ ويلتفت عند قوله إلا الله إلى سبابته المهلّلة إلى أن يقوم في التشهد الأول، وإلى أن يسلم في التشهد الثاني.
رزقنا الله إقام الصلاة على وجهه الأرضى، وتولّانا بما تولّى به أهل الصدق معه في جميع شؤونه ندبًا ومباحًا ومكروهًا وفرضا، وجعلنا ممن بنور الاقتداء برسوله استضاء، وتولّانا به في كل إحجام وإمضاء.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد ﷺ اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله
الفاتحة
17 ذو الحِجّة 1445