(229)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (63) باب صفة الصلاة -17- فصل في الجلوس بين السجدتين
صباح السبت 16 ذو الحجة 1445هـ
فصل في الجلوس بين السجدتين
"كان رسول الله ﷺ يأمر بالطمأنينة فيه ويقول لمن يعلمه الصلاة: "ثم ارفع - يعني من السجود - حتى تطمئن جالساً"، وكان رسول الله ﷺ يطيل كثيراً الجلوس بين السجدتين حتى تقول الناس نسي، وتارة كان يخففه، وكان ﷺ يقول في جلوسه: "رب اغفر لي، رب اغفر لي يكررها مراراً، وتارة يقول:اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني" وكان ﷺ ينهى أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يديه وهو افتراش السبع، وكان ﷺ ينهى عن إقعاء الكلب ويسميه عقب الشيطان، ويقول ﷺ: "إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يَقع الكلب، ألييك بين قدميك، والزق ظاهر قدميك بالأرض".
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ يأمر بالاِفتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول ويقول للمصلي :"افرش فخذك اليسرى ثم تشهد".
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: من السنة أن تمس عقبيك أليتك في جلوسك بين السجدتين، وكان ﷺ ينهض من السجود على صدر قدميه، وقال سمرة رضي الله عنه : كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا رفعنا رؤوسنا من السجود أن نطمئن على الأرض جلوساً ولا نستوْفَزعلى أطراف الأقدام، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: أدركت غير واحد ، أصحاب رسول الله ﷺ إذا رفع أحدهم رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى والثالثة مضى كما هو ولم يجلس، والله أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله الذي أكرمنا بالصلاة وأسرارها وخيراتها وأنوارها، وبيّن لنا أحكامها وما فيها على لسان عبده المصطفى محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار في دربه، وعلى أبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل معرفة الله وقربه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر الإمام الشعراني -عليه رحمة الله تعالى- في هذا الفصل الجلوس بين السجدتين؛ وذلك أن الله جعل في كل ركعة من ركعات الصلاة سجدتين اثنتين؛ فيُفصل بينهما بالجلوس بينهما، قال: "كان رسول الله ﷺ يأمر بالطمأنينة فيه ويقول لمن يعلمه الصلاة:"ثم ارفع -يعني: من السجود- حتى تطمئن جالساً"، كما جاء في الصحيحين وغيرهما. ولهذا:
قال: "وكان رسول الله ﷺ يطيل كثيراً الجلوس بين السجدتين" أي: في بعض أحيانه "حتى تقول الناس نسي وتارة كان يخففه" وهو الغالب من فعله ﷺ.
وفي هذا اختُلِفَ هل هو ركن طويل أو قصير؟
"وتارة كان يخففه، وكان ﷺ يقول في جلوسه: "رب اغفر لي، رب اغفر لي يكررها مراراً".
فالاستغفار إذا في الجلوس بين السجدتين:
وكما ذكر ابن عابدين من الحنفية أنه يندب لأجل قول أئمتهم يعني فيها كما قال غيرهم الخروج من الخلاف واجب، فينبغي نندب الاستغفار لأنه يخرج من خلاف أحمد؛ فإنه يقول ببطلان الصلاة لمن لم يستغفر، إذا فهو عند الجمهور سنة أن يقرأ الاستغفار وبعض الأدعية الواردة في الجلوس بين السجدتين.
وقد ذكر هنا بعض ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في الجلوس بين السجدتين فمنها ما قال "وتارة يقول:اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني"، وقال الإمام النووي: يستحب الجمع بينها، يعني تكرير الاستغفار ثلاثا؛ ثم أن يعقبه بالدعوات البقية ربي اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهديني وعافيني، وذكر أيضًا بعض أهل الفقه عندنا أن يقول: واعفُ عني واعفُ عني؛ وكان ينسبها من ينسبها الى الإمام الغزالي ولكنها موجودة في التنبيه للإمام أبي إسحق الشيرازي وغيره، فيوشك أن يكون لها أصل في السنة تحتاج إلى التتبع. وهذه الدعوات البقية الست الباقيه واردة في السنة "رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني وهديني وعافيني" سبع والثامنة هذه "واعفُ عني" التي ذكرها أبو إسحق الشيرازي وذكرها الإمام الغزالي وغيرهم من أئمة الشافعية.
وكذلك جاء أيضا أنه يقول في الجلوس بين السجدتين "رب هب لي قلبا تقيا نقيا خالصا من الشرك بريئا لا كافرا ولا شقيا" و كذلك "رب اغفر وارحم واعفُ وتكرم وتجاوز عما تعلم .. إنك تعلم ما لا نعلم، إنك أنت الأعز الأكرم" فهذا الأكثر فيما ورد في الجلوس بين السجدتين.
فإذا قال: "رب أغفر لي او اللهم أغفر لي ثلاثا، وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهديني وعافيني واعفو عني" وقال: "رب هب لي قلبا تقيا نقيا خالصا من الشرك بريئا لا كافرا ولا شقيا" وقال: "رب اغفر وارحم واعفُ وتكرم وتجاوز عما تعلم .. إنك تعلم ما لا نعلم، إنك أنت الأعز الأكرم" فقد استكمل ما ورد في الذكر بين السجدتين.
قال الشافعية وهم القائلون بأنه ركن قصير: إذا زاد جلوسه بين السجدتين على مقدار هذه الأدعية الواردة بمقدار أقل التشهد فزاد على ذلك بطلت صلاته؛ وفي الأمر سعة.
قال: "وكان ﷺ ينهى أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يديه وهو افتراش السبع"؛ بل يضع يديه على فخذيه فهو سنة عند الجميع فلا يكون معتمد على يديه في حالة الجلوس كما يفترش السبع، ولا يضع كذلك ذراعيه على الأرض وقت السجود فهو إذاً عمل السبع -أن يفترش الذراعين-؛ كما يعمل بعض المصلين يظن أن ذلك من التواضع ويضع ذراعيه على الأرض وهذا مخالف للسنة، بل يرفع ذراعيه من الأرض، فقد كان لو كان هناك سخلة لمرت بين يديه وبين فخذه؛ لأنه يجافي ما بين يديه وجنبه صلَّ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فكذلك هو السنة في الصلاة أن لا يفترش الذراعين، ولا يضعهما في الأرض، بل يضع على الأرض باطن الكف فقط ويرفع البقية.
و يقول "وكان ﷺ ينهى عن إقعاء الكلب": وهو أن يجلس على إليتيه ويرفع فخذيه، ويضع يديه على الأرض؛ وهذه جلسة الكلب فهي مكروهة، أن يجلسها في شيء من جلسات الصلاة، يرفع رجليه وفخذه وساقه، ويجلس على إليتيهِ ويضع يديه على الأرض؛ هذه جلسة الكلب. قال: "ويسميه عقب الشيطان".
يقول: "إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يَقع الكلب، أليتيك بين قدميك، والزق ظاهر قدميك بالأرض" وفي هذا ما ذكره في الحديث الذي يليه وهو الافتراش "قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله ﷺ يأمر بالاِفتراش في الجلوس بين السجدتين" والافتراش في الجلوس بين السجدتين سنة عند الإمام أبي حنيفة، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، فَيفترش يجلس مفترشًا وهو أن يبسط رجله اليسرى فَيجلس عليها يفترشها، ويرفع رجله اليمنى ومَضمومة الأصابع إلى جهة القبلة هذا الافتراش، قال: "يأمر بالاِفتراش" وعند المالكية يسن التورك؛ التورك عندهم في جلسات الصلاة كله، وقال الأئمة الثلاثة: يفترش في الجلوس بين السجدتين، قال: "كان رسول الله ﷺ يأمر بالاِفتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول ويقول للمصلي :"افرش فخذك اليسرى ثم تشهد".
"وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: من السنة أن تمس عقبيك أليتيك في جُلوسك بين السجدتين" وهذا الذي يسمونه الإقعاء المسنون وهو: أن ينصب قدميه ويجلس على العقبين، ويجلس على العقبين، وكذلك إذا افترش فإن عقبهُ يكون تحته وعُقبهُ اليمنى يمس جنبهُ اليمنى وأليتيه، ولكن كلام ابن عباس يشير إلى
ولكن هذا الإقعاء الثاني مسنون وهو أن ينصب قدميه ويجلس على العقبين، والعقب: مؤخرة الرِجِل.
قال "وكان ﷺ ينهض من السجود على صدر قدميه":
قال: "ينهض من السجود على صدر قدميه"، "وقال سمرة رضي الله عنه : كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا رفعنا رؤوسنا من السجود أن نطمئن على الأرض جلوساً ولا نستوْفَزعلى أطراف الأقدام" فالسُنَة هو الافتراش وقال المالكية التورك
"وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: أدركت غير واحد ، أصحاب رسول الله ﷺ إذا رفع أحدهم رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى والثالثة مضى كما هو ولم يجلس" أي: جلسة الاستراحة، وأخذ بها بعض الأئمة وقالوا يُسَن أن يجلس جلسة الاستراحة إذا قام من الركعة الأولى إلى الثانية، أو إذا قام من الركعة الثالثة إلى الرابعة، فيجلس جلسة الاستراحة جلسة خفيفة بمقدار التسبيح، ولا يُطَوِّل هذه الجلسة إلا في صلاة التسبيح؛ يقرأ عشرة تسبيحات في الجلوس، فإنه جاء في الرواية "ثم ارفع فَقْرَأ سبحان الله فقلها عشرًا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر".
ويعبر الحنفية بأن الطمأنينة واجبة وليست بفرض، الفرق عندهم بين الفرض والواجب، وكذلك في الجُلوس بين السجدتين، فالمشهور عندهم السُنِية للِأعتدال والجلوس بين السجدتين، وفي رواية عندهم أيضًا في مذهب الحنفية بوجوب ذلك، وذكرنا قول أبو يوسف من الحنفية: أن ذلك فرض الجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه فرضٌ ،وكذلك ما قال ابن الحاجب من المالكية أنها فرض؛ والمشهور في المذهب أنها سُنة؛ الطمأنينة في الجلوس بين السجدتين.
رزقنا الله الاستقامة واتحفنا بالكرامة، ورقَنا مَرَاقِي أَهْلِ الصدْق مَعَهِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ، إِنَّهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، ورزقنا تمام الصلاة، ورَزَقَنَا الخُشوع فيها، ورزقنا أدائها على الوجه الأرضا له في عافية.
بسرِّ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
16 ذو الحِجّة 1445