(229)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (62) باب صفة الصلاة -16- فرع في أذكار السجود
صباح الأربعاء 6 ذو الحجة 1445هـ
فرع في أذكار السجود
"كان رسول الله ﷺ يقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى ثلاثًا وخمسًا وسبعًا" ونحو ذلك، وتارة يقول: "اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره"، وتارة يقول: "رب أعط نفسي تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، وتارة يقول: "اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي سمعي نورًا وفي بصري نورًا وعلى يميني نورًا وعلى شمالي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا وفوقي نورًا وتحتي نورًا واجعل لي نورًا"، أو قال: "واجعلني نورًا، وتارة يقول: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة"، وتارة يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي"، وتارة يقول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح"، وتارة يقول: "سجد لك سوادي وآمن بك فؤادي"، وتارة يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب اصرف قلبي عن معصيتك"، وتارة يقول: "رب قني عذابك تبعث عبادك"، وكان ﷺ تارة يجمع بين أنواع مختلفة من هذه الأذكار ونحوها وتارة يقتصر على بعضها، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول في سجوده: لبيك وسعديك، والله أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بالصلاة وخيراتها، وصلى الله وسلم وبارك وكرم على جامع الخيرات من جميع جهاتها؛ سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه خيار الأمة وقاداتها، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان إلى يوم بعثها وميقاتها، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين هداة الخلائق ودعاتها، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين؛ وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وارحم الراحمين.
ويذكر سيدنا الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الفصل أذكار السجود، والسجود متّفق على أنه ركن من أركان الصلاة، وهو من المواطن التي تعظم فيها الاستجابة وتكثر؛ فهو من مواطن الإجابة للدعاء، فوجب أن يّلح المؤمن فيها على الله -تبارك وتعالى-، يكون له نصيب من طول السجود ومن الدعاء في السجود، وفي الحديث النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، وقال: "فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهَا الرَّبُّ عَزَّا وَجَل وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمن- أي: حَرِيٌّ وجدير- أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ".
فالسجود مجمع على استحباب الذكر فيه والله أعلم، ومن أفضل ما ورد ما أشار إليه الشيخ يقول: "كان رسول الله ﷺ يقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى ثلاثًا وخمسًا وسبعًا".
"وتارة يقول: "اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره"، وتارة يقول: "رب أعط نفسي تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها"" ، فهو من دعواته في سجوده ﷺ.
"وتارة يقول: "اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي سمعي نورًا وفي بصري نورًا وعلى يميني نورًا وعلى شمالي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا وفوقي نورًا وتحتي نورًا واجعل لي نورًا"، أو قال: "واجعلني نورًا"". وهو ﷺ نور النور، النور الاعلى الذي خلقه الله قبل خلق الأشياء، إن الله خلق نور نبيك محمد ﷺ من نوره قبل الأشياء، قبل كل شيء خلقه سبحانه وتعالى.
"وتارة يقول: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة" وهذا من الأذكار الواردة في في الركوع وفي السجود. "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة".
"وتارة يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي". وقال أكثر من هذا بعد حجة الوداع -بعد فتح مكة- أكثر من هذا بعد فتح مكة في ركوعه وسجوده.
"سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي" قالوا: يتأول القرآن أي يعمل به، يفسر قوله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ) [النصر:1-3] فكان يكثر أن يقول في الركوع والسجود "سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي".
"وتارة يقول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح"، وتارة يقول: "سجد لك سوادي وآمن بك فؤادي"، وتارة يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب اصرف قلبي عن معصيتك"، وتارة يقول: "رب قني عذابك تبعث عبادك"، وكان ﷺ تارة يجمع بين أنواع مختلفة هذه الأذكار ونحوها وتارة يقتصر على بعضها -بحسب الأحوال- وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول في سجوده: لبيك وسعديك"
إذا اتفقوا على مشروعية التسبيح في السجود، ولمّا نزل قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى:1] قال رسول الله ﷺ: "اجعلوها في سجودكم" أخرجه أبو داود والحاكم.
يقول الحنفية: أن التسبيح في السجود سنة وأقلّه ثلاث، فإن ترك التسبيح أو نقص عن الثلاث كُره عند الحنفية، قال الحنفية: بكراهة ترك التسبيح في السجود والركوع والنقص عن الثلاث كُرِهَ تنزيهاً، والمنفرد يزيد ولكن يختم بوتر.
قال الشافعية: أكمله إحدى عشر.
وقيل عند الحنفية: كمذهب الحنابلة أن التسبيح واجب في الركوع والسجود؛ والمعتمد عندهم أنه سنّة.
كذلك يقول المالكية: أن التسبيح في السجود مندوب، وقد يقولون: سنّة، وكلما سبّح حصل له الثواب.
إلا أن الجميع يقولون: إذا كان إماماً فلا يطوّل.
وهكذا يقول الشافعية بسنّية التسبيح في السجود والأقل عندهم مرة واحدة تحصل السنة؛ تحصل بتسبيحة واحدة.
وسمعت أن الحنفية: يكرهون أقل من ثلاث، أو ترك التسبيح نهائيا أو أقل من ثلاث.
"وسبحان ربي الأعلى" ويمكن يضيف إليه "وبحمده" إلى إحدى عشرة مرة، ولكن جاء في تهجده ﷺ تكرير ذلك فوق الأحدى عشر، وأكثر من الإحدى عشر بكثير، فكان يطيل الركوع ويطيل السجود ويطيل التسبيح فيهما ﷺ .
وكذلك مما ورد: "اللَّهُمَّ لَكَ سُجَدْتُ وبِكَ آمنتُ وَلَكَ أَسْلمتُ، سُجَدَ وَجْهي للذي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمَعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِه و قُوتهِ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ"
وكما سمعنا يقول الحنابلة: أن المرة من التسبيح في السجود واجب، وما زاد عليه سنة وأدنى الكمال ثلاث، والواجب مرة .
وسمعنا الحديث عنه ﷺ: "أَقْرَبُ مَا يَكُن الْعَبد مَنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدْ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ" أي: في السجود رواه الإمام المسلم.
وسمعنا الحديث: "وإنِّي نُهِيتُ أنْ أقْرَأَ القُرْآنَ رَاكِعًا، أوْ سَاجِدًا، فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهَا الرَّبُّ عَزَّا وَجَل وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمن- أي: حَرِيٌّ وجدير- أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ"، فيغنم المؤمن حضور قلبه مع الله تعالى وأن يتصل بسر الحضور بواسطة الدعاء في السجود.
وذكر الإمام النووي في كتابه الأذكار كذلك في أذكار السجود ما ورد من قوله: "سبحان ربي الأعلى" وأن سجوده قريب من قيامه ﷺ .
وما جاء في الصحيحين: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" في ركوعه وفي سجوده ﷺ، ومنها "اللهم لك سجدت وبك آمنت" ورواه عنه الإمام المسلم "لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين" ، وكذلك "سبحان ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة"، وكذلك "سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت"، وغير الرواية المتقدمة في صحيح مسلم "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"، وكذلك ما جاء عن عائشة وقد سمعته ﷺ وهو في سجوده، ناصبا قدميه يقول: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
وجاء أيضا في صحيح مسلم الرواية التي سمعناها: "اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره"، الدق: القليل والصغير، والجُل الكثير والكبير هو الجل.
قال الإمام النووي: يستحب أن يجمع في سجوده ما ورد من الأدعية، فإن لم يتمكن منه في وقت أتى به أوقات،لا يخلي نفسه من هذه الأذكار النبوية وخيرها وفضلها العظيم.
ثم ينتقل إلى ذكر الجلوس بين السجدتين: وهو ركن عند الجمهور.
ومن الواجبات التي لا تصح الصلاة بدونه عند الحنفية الجلوس بين السجدتين.
وعندهم فيه السكوت -الحنفية-، وعند غيرهم ينبغي فيه الدعاء، كذلك حالهم في الذكر في الاعتدال، فاقتصر الحنفية على قول ربنا لك الحمد ثم يسكت، وغيرهم جاء بالأذكار الواردة.
وكذلك في الجلوس بين السجدتين؛ وهم حملوا الأذكار الواردة على صلاة الليل وعلى التهجد أن يأتوا بها، أما في الفرض فلا شيء عندهم من الذكر في الجلوس بين السجدتين وكذلك في الاعتدال.
رزقنا الله إقامة الصلاة على الوجه الذي يحبه ويرضاه، ونظمنا في سلك من أذاقهم حلاوة المناجاة، أذقنا لذة مناجاتك وحلاوة رحمتك وبرد عفوك، بالفضل والإحسان وأصلح لنا كل شان، وبارك لنا وللأمة في هذه الليال، وفي هذا الموسم الكريم، أبسط لنا بساط الفضل والتكريم يا كريم، وحنن علينا روح حبيبك محمد ﷺ، وارزقنا حسن المتابعة له، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه في عافية، وأصلح شؤون الأمة في المشارق والمغارب، أدفع جميع المصائب وأذن بدفع البلايا والرزايا عنا وعن أهل رفح وعن أهل بيت المقدس، وعن أهل الضفة الغربية، وعن أهل غزة وعن أهل السودان، وعن أهل الصومال، وعن أهل ليبيا، وعن أهل الشام وعن أهل اليمن، وعن المسلمين في المشارق والمغارب، يا دافع المصائب يا رافع الآفات والنوائب، يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.
بسرِّ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
06 ذو الحِجّة 1445