(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (61) باب صفة الصلاة -15- فصل في السجود
صباح الثلاثاء 5 ذو الحجة 1445هـ
فصل في السجود
كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: نهى رسول الله ﷺ أن يمد الرجل صلبه في سجوده، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فإذا سجد العبد طهر سجوده ما تحت جبهته إلى سبع أرضين"، وكان إذا سجد وجه أصابعه كلها قبل القبلة، وكان ﷺ يقول: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف شعرًا ولا ثوبًا: الجبهة واليدين والركبتين والقدمين".
وكان ﷺ إذا هوى للسجود وضع ركبتيه قبل يديه ويقول: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك الجمل"، وسيأتي قريبًا أنه كان إذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه واعتمد على فخذيه، وكان ﷺ يجنح في سجوده حتى يرى بياض إبطه، ولم يكن ينبت بإبطه شعر، "وكان ﷺ إذا سجد رفع عجيزته ولم يلصق بطنه بالأرض ولا بأوراكه"، وكان ﷺ يضم عقبيه في سجوده ويمسهما بثيابه، وكان ﷺ يقول: "اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب".
ورأى ابن عمر -رضي الله عنهما- رجلًا لا يتجافى عن الأرض بذراعيه فقال: يا ابن أخي لا تبسط بسط السبع وادعم عن راحتيك وأبد ضبعيك فإنك إذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك"، وكان ﷺ إذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه ومكن أنفه وجبهته من الأرض وفتح أصابع رجليه ووضع كفيه حذو منكبيه وكثيرًا ما كان يسجد على كور عمامته ﷺ، وكان ﷺ يقول: "إن الله لا يقبل صلاة من لا يصيب أنفه الأرض". وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يكشف عمامته عن جبهته ثم يسجد، وكذلك كان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
وقال خباب بن الأرث -رضي الله عنه-: "شكونا إلى رسول الله ﷺ حر الرمضاء فلم يشكنا" واشتكى جماعة إلى رسول الله ﷺ مشقة السجود إذا تفرجوا فقال لهم: "استعينوا بالركب" ، وفي رواية "بالانضمام".
قال العلماء: وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود والدعاء، وكان ﷺ إذا كانت الأرض مطيرة وأراد السجود وضع كساءً عليه يجعله دون يديه إلى الأرض إذا سجد، وكان الحسن -رضي الله عنه- يقول: كانت الصحابة -رضي الله عنهم- إذا كانت الأرض حارة ولم يستطع أحدهم أن يمكن جبهته من الأرض وضع ثوبه فسجد عليه.
"وكان ﷺ كثيرًا ما يصلي ويداه داخل ثوبه" وفي رواية: "في ثوبه"، وكان ابن مسعود وغيره يفعل ذلك قال الحسن -رضي الله عنه-: وكان كبراء الصحابة -رضي الله عنهم - يسجدون على العمامة والقلنسوة، وفي المشانق والبرانس والطيالسة ولا يخرجون أيديهم، وكان ثابت بن الصامت الأنصاري -رضي الله عنه- يقول: رأيت رسول الله ﷺ يصلى وعليه كساء ملتف به يضع يده عليه يقيه برد الحصباء، وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: رأيت رسول الله ﷺ يسجد على أعلى جبهته على قصاص الشعر ويديه داخل ثوبه، قال نافع: كان ابن عمر إذا سجد وضع كفيه على الذي وضع عليه وجهه ولقد رأيته في يوم شديد البرد وإنه ليخرج كفيه من تحت برنس حتى يضعهما على الحصباء، وكان الحسن بن علي -رضي الله عنهما- يقول: صلى النبي ﷺ محتبيًا من رمد كان بعينيه، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: إذا وجد أحدكم الحر فليسجد على طرف ثوبه.
وسئل ابن عمر -رضي الله عنهما- أين يضع الرجل يديه إذا سجد؟ فقال: ارم بهما حيث وقعتا، وكان -رضي الله عنه- يقول: إذا سجد أحدكم فليضم أصابعه ولا يفرجها، وليستقبل بكفيه القبلة فإنهما يسجدان مع الوجه، وكان -رضي الله عنه- يقول: إذا سجد أحدكم فليضع يده مع وجهه فإن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه، وإذا رفع أحدكم رأسه من السجدة فليرفع يديه معها فإنهما يسجدان مع الوجه، وكان وائل بن حجر -رضي الله عنه- يقول: رأيت رسول الله ﷺ إذا سجد يضع يديه قريبًا من أذنيه.
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إذا لم يستطع المريض السجود أومأ برأسه إيماء ولم يرفع إلى جبهته شيئًا، وقال الحسن -رضي الله عنه-: كانت الصحابة -رضي الله عنهم- إذا اشتكت ركبة أحدهم جعل تحت ركبتيه وسادة إذا سجد ولم ينكر عليه أحد، كما سيأتي بيانه في باب صلاة المعذور.
وكان ﷺ إذا رفع رأسه من السجود وضع يديه على فخذيه واعتمد عليهما، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقوم من السجدة الثانية على صدور قدميه من غير جلوس للاستراحة، وكان ابن عمر -رضي الله عنه- لا يفعل ذلك إلا إذا اشتكى من الجلوس، وكان ﷺ يقول: "خطوة يكرهها الله تعالى وهي مد المصلي رجله اليمنى إذا نهض ووضع يده عليها ويثبت اليسرى ثم يقوم" وكان ابن عمر -رضي الله عنه- إذا رفع رأسه من السجود يقوم معتمدًا على يديه قبل أن يرفعهما، وكان ﷺ لا يأمر بالطمأنينة في السجود وينهى عن نقرة الغراب فيه، وكان يقول لمن يعلمه: "إذا سجدت فأمكن جبهتك من الأرض حتى تجد حجم الأرض"، وكان ﷺ إذا سجد استقبل بأصابع رجليه القبلة، والله أعلم.
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرّمنا بالصلاة وأسرارها، وجاعل القدوة فيها حبيبه المصطفى محمَّد صلَّ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مبينها وآثارها. اللهم أدم صلواتك على عبدك المختار سيدنا محمَّد معدن المعارف وأسرارها وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه مواليا له في جميع شؤون سرها وإجهارها؛ وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين محبوبيك الذين جمعت لهم الخيرات؛ بواطنها وإظهارها، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وملائكتك المُقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم فيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ويتحدث الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- في هذا الفصل عن السجود؛ والسجود: من أعلى ما يتقرب به إلى الملك المعبود؛ فهي الهيئة الذالة على التذلل والخضوع والانكسار؛ بين يدي الرب المشهود -جل جلاله وتعالى في علاه-.
ولما قال الصحابي لنبينا: "أسألك مرافقتك في الجنة قال: أعني على نفسك بكثرة السجود". "وأقرب ما يكون لعبد من ربه وهو ساجد"، والسجود هيئته للصحيح: أن يضع جبهته على الأرض وعلى مصلاه الذي يصلي عليه؛ في غاية التذلل لِإلهه -جل جلاله-.
والسجود ركن من أركان الصلاة باتفاق الأئمة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-.
قال: "كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: نهى رسول الله ﷺ أن يمد الرجل صلبه في سجوده، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فإذا سجد العبد طهَّرَ سجوده ما تحت جبهته إلى سبع أرضين"، أي: يُغفَر له مقدار ما بين هذه الجبهة إلى سبع أرض من الذنوب يُغفَر له ويُكفَّر عنه.
"وكان إذا سجد وجه أصابعه كلها قبل القبلة" أصابع اليدين وأصابع الرجلين، فيضُمُّ أصابع الرجلين متوجهة إلى القبلة، وكذلك يجعل أصابع اليدين أثناء السجود متوجهة إلى القبلة لا يمين ولا يسار، ويبسطهما إلى القبلة تمامًا؛ فهذه هي السنة في السجود: أن تكون أصابعه متوجهة نحو القبلة.
قال: "وكان ﷺ يقول: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف شعرًا ولا ثوبًا.."؛ فيُكره للمصلي أن يشتغل بثيابه أو شعره أو بالحصى في محل سجوده، ولكن يستعد من قبل الدخول إلى الصلاة، ولا يدخلها وهو مكفوت الثياب مثل الكُمَّين؛ بل يسبلهما، ثم لا يشتغل في السجود بالثياب ولا بغيرها؛ بل في جميع أثناء الصلاة يكون مقبلًا على الله بقلبه، ومشتغلًا في أفعال الصلاة المتلقاة عن سيدنا رسول الله القائل لنا: "صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي".
وذَكَر تعديد السبعة الأعظُم فقال: "الجبهة"؛ وهو أهمها:
يقول: "وكان ﷺ إذا هوى للسجود وضع ركبتيه قبل يديه".
وذلك أن الجمل ركبتاه في يديه، وكذلك كل الحيوانات ذوات الأربع؛ ليست الركبتين في الرجلين، وركبة كلا منها في يده. فالحيوانات ذوات الأربع ركبتها في يدها، فهو يضع ركبتيه أولًا؛ فمن هنا جاء الالتباس من وضع اليدين قبل الركبتين، والجمهور على أنه يضع الركبتين أولًا؛ إلا أن يكون عاجزًا عن ذلك هذا كله من جهة السُّنة.
قال: "وكان ﷺ إذا هوى للسجود وضع ركبتيه قبل يديه ويقول: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك الجمل"، يقدم يديه قبل رجليه هذا وضع الجمل.
"وسيأتي قريبًا أنه كان إذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه".
"وكان ﷺ يجنح في سجوده حتى يرى بياض إبطه، ولم يكن ينبت بإبطه شعر" ﷺ، ولا يختلف لون جلد إبطه عن بقية جلد يديه ﷺ، فيجافي -يباعد- حتى يُرى بياض إبطيه، حتى لو كان بهيمة لدخلت بين يديه؛ لأنه كان طويل الذراعين، ويجافيهما ﷺ عن الجنب وعن الفخذ، فيمكن أن يمر البهيمة الصغيرة بين اليدين وهو ساجد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-؛ وكذلك استحب عامة الفقهاء.
المجافاة في السجود للرجل، أما المرأة فتضم بعضها إلى بعض.
وكذلك قال بعض أهل الفقه: أنه إذا كان في الصف فلا يؤذي جاره بالتفريج ورفع اليدين، ولكن بحيث لا يؤذي من بجانبه.
"وكان ﷺ إذا سجد رفع عجيزته ولم يلصق بطنه بالأرض"
قال: "ولم يلصق بطنه بالأرض ولا بأوراكه" أي: بفخذيه، لا يلصق بطنه بفخذيه ولا بالأرض."ولم يلصق بطنه بالأرض ولا بأوراكه، وكان ﷺ يضم عقبيه في سجوده" واختُلِف في ذلك؛ فاعتمد الشافعية: أن يفرج بينهما بمقدار شبر للرجل.
قال: "ويمسهما بثيابه، وكان ﷺ يقول: "اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" فذلك مكروه خلاف الأولى ومخالف للسنة: أن يبسط ذراعيه في الأرض؛ يرفع الذراعين، ويظن بعضهم أنه من التواضع، فيبسط ذراعيه في الأرض فيقع في المكروه و مخالفة السنة؛ بل يرفع ذراعيه من الأرض و يضع باطن الكف في الأرض، ويرفع بقية اليد ولا يبسط ذراعيه في الأرض كما يفعل الكلب إذا جلس؛ فنُهينا عن ذلك كما في الحديث: "لا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب".
ورأى ابن عمر -رضي الله عنهما- رجلًا لا يتجافى عن الأرض بذراعيه فقال: يا ابن أخي لا تبسط بسط السبع وادعم عن راحتيك وأبد ضبعيك -أي جانبيكَ- فإنك إذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك" ومن هنا قالأيضًا: ولا يغمِّض عينيه في السجود ليسجد بصره.
"وكان ﷺ إذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه ومكن أنفه وجبهته من الأرض وفتح أصابع رجليه" أي: جعلهما مستقبلات للقبلة كما يسقبل أيضًا بأصابع اليدين القبلة، "ووضع كفيه حذو منكبيه" أي: تحت المنكب بحيث لو سقط شيء من الكتف لوقع على الكف.
"وكثيرًا ما كان يسجد على كور عمامته ﷺ" وهي في أطراف رأسه لا على جبهته، فتصيب العمامة الأرض من طرف رأسه الشريف لا على جبهته، فإنه كان يُرى أثر الطين والماء على جبهته، لأنه يسجد وجبهته مكشوفة؛ فمعنى "يسجد على كور عمامته": أن عمامته في طرف رأسه الشريف تمس الأرض حينما يسجد بجبهته ﷺ.
"وكان ﷺ يقول: "إن الله لا يقبل صلاة من لا يصيب أنفه الأرض" ومن هنا قال بوجوبها الحنفية: أن يضع أنفه على الأرض.
"وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يكشف عمامته عن جبهته ثم يسجد، وكذلك كان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-. وقال خباب بن الأرث -رضي الله عنه-: "شكونا إلى رسول الله ﷺ حر الرمضاء فلم يشكنا" أي: لم يسمح لنا أن نترك السجود ولا أن نسجد على شيء متحرك بحركتنا؛ بل بيَّن لنا أن الواجب أن نضع الجبهة على الأرض، ويمكن أن نقدم لها ثوبًا أوغيره غير القلنسوة وغير العمامة وغير ما يتحرك بحركتنا في الصلاة.
"واشتكى جماعة إلى رسول الله ﷺ مشقة السجود إذا تفرجوا فقال لهم: "استعينوا بالركب" ، وفي رواية "بالانضمام" الله الله، يقول: أخرجه الترمذي باب ما جاء الاعتماد في السجود وأبو داود كتاب الصلاة، باب الرخصة في ذلك للضرورة.
"قال العلماء: وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود -يستعين بها إذا طال السجود- والدعاء، وكان ﷺ إذا كانت الأرض مطيرة وأراد السجود وضع كساء عليه يجعله دون يديه إلى الأرض إذا سجد" ولا يضر الستار على اليدين ولا الركبتين ولا القدمين، وإنما الجبهة.
"وكان الحسن -رضي الله عنه- يقول: كانت الصحابة -رضي الله عنهم- إذا كانت الأرض حارة ولم يستطع أحدهم أن يمكن جبهته من الأرض وضع ثوبه فسجد عليه" وضع ثوبه عنه: لم يكن لابساً له، فلا يسجد على رداء يلبسه ويتحرك بحركته، ولكن يخرجه من على ظهره ومن على كتفه فيضعه على الأرض ثم يسجد عليه.
قال: "وكان ﷺ كثيرًا ما يصلي ويداه داخل ثوبه" وفي رواية: "في ثوبه"، وكان ابن مسعود وغيره يفعل ذلك قال الحسن -رضي الله عنه-: وكان كبراء الصحابة -رضي الله عنهم - يسجدون على العمامة والقلنسوة" أي: أن أطرافها تصل ما عند سجودهم إلى الأرض، "وفي المشانق والبرانس والطيالسة ولا يخرجون أيديهم".
"وكان ثابت بن الصامت الأنصاري -رضي الله عنه- يقول: رأيت رسول الله ﷺ يصلى وعليه كساء ملتف به يضع يده عليه يقيه برد الحصباء" أي: في أيام الشتاء.
"وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: رأيت رسول الله ﷺ يسجد على أعلى جبهته على قصاص الشعر ويديه داخل ثوبه، قال نافع: كان ابن عمر إذا سجد وضع كفيه على الذي وضع عليه وجهه -أي: الأرض- ولقد رأيته في يوم شديد البرد وإنه ليخرج كفيه من تحت برنس حتى يضعهما على الحصباء" ويميل إلى كشف اليدين وهو جائز، كما يجوز سترهما ووضعهما على ثوب وإن كان يتحرك بحركته.
"وكان الحسن بن علي -رضي الله عنهما- يقول: صلى النبي ﷺ محتبيًا من رمد كان بعينيه، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: إذا وجد أحدكم الحر فليسجد على طرف ثوبه" أي: الذي لا يحمله معه ولا يتحرك بحركته.
"وسئل ابن عمر - رضي الله عنهما- أين يضع الرجل يديه إذا سجد؟ فقال: ارم بهما حيث وقعتا" وقد علمنا أنهما في السنة أن يكونا حذو المنكبين.
"وكان -رضي الله عنه- يقول: إذا سجد أحدكم فليضم أصابعه ولا يفرجها، وليستقبل بكفيه القبلة فإنهما يسجدان مع الوجه، وكان -رضي الله عنه- يقول: إذا سجد أحدكم فليضع يده مع وجهه فإن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه، وإذا رفع أحدكم رأسه من السجدة فليرفع يديه معها فإنهما يسجدان مع الوجه، وكان وائل بن حجر -رضي الله عنه- يقول: رأيت رسول الله ﷺ إذا سجد يضع يديه قريبًا من أذنيه" أي: تحت الكتف الشريف.
"وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إذا لم يستطع المريض السجود أومأ برأسه إيماء ولم يرفع إلى جبهته شيئًا" لأنه ما يفيد ذلك؛ إلا إذا كان إن وضع شيئا مرتفعًا قدرا من التنكيس فيجب ذلك؛ وإلا فلا معنى لأن يضع شيئا أمام جبهته، يكفي أن يسجد في الهواء -جبهته في الهواء-.
"وقال الحسن -رضي الله عنه-: كانت الصحابة -رضي الله عنهم- إذا اشتكت ركبة أحدهم جعل تحت ركبتيه وسادة إذا سجد ولم ينكر عليه أحد، كما سيأتي بيانه في باب صلاة المعذور".
"وكان ﷺ إذا رفع رأسه من السجود وضع يديه على فخذيه واعتمد عليهما" وهذا ما نُقِل عنه في رواية أخذ بها بعض الأئمة الأربعة كالحنفية والحنابلة قالوا: إلا أن يكون معذورًا وعاجزًا فيقوم كما حملوا روايات: أن يقوم كما يقوم العاجز؛ أن ذلك في آخر أيامه وعند ثقله.
"وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقوم من السجدة الثانية على صدور قدميه من غير جلوس للاستراحة" فجلسة الإستراحة إنما تسن ولا تجب.
"وكان ابن عمر -رضي الله عنه- لا يفعل ذلك إلا إذا اشتكى من الجلوس، وكان ﷺ يقول: "خطوة يكرهها الله تعالى وهي مد المصلي رجله اليمنى إذا نهض ووضع يده عليها ويثبت اليسرى ثم يقوم" فهي هيئة مخالفة لسنية القيام، لا تتناسب مع خشوع المصلي وخضوعه.
"وكان ابن عمر -رضي الله عنه- إذا رفع رأسه من السجود يقوم معتمدًا على يديه قبل أن يرفعهما" وهذا الذي قال به الشافعية.
"وكان ﷺلا يأمر بالطمأنينة في السجود وينهى عن نقرة الغراب فيه" أي: الاستعجال كما ينقر الغراب الحبة ويرفع رأسه بسرعة، "وكان يقول لمن يعلمه: "إذا سجدت فأمكن جبهتك من الأرض حتى تجد حجم الأرض".
"وكان ﷺ إذا سجد استقبل بأصابع رجليه القبلة" بأن يضمهما، فيعطف أصابع الرجلين فيكون أصابع الرجلين مستقبلات القبلة، وأصابع الرجلين أحد الأعضاء السبعة التي يجب أن يسجد عليها كما تقدم معنا، ثم أشار إلى أذكار السجود.
فالله يحققنا بحقائق السجود ويجعلنا من الركع السجود، ويربطنا بزين الوجود سيد الساجدين المتقلب في الساجدين، ويجعل لنا نصيبًا وافرًا من سر الاقتداء به والاهتداء بهديه، والتمكن في السجود من سر سجوده لإلهنا الملك المعبود ذي الكرم والجود، وأصلح شؤوننا وشؤون أمته به، وسار بنا في دربه، وسقانا من شربه، وفرج الكرب وكشف الخطب، وأصلح كل قالبًا وقلب، وأنجح المطالب، وأنال المآرب، ودفع المشاغب والمصائب والمصاعب والنوايب عنا وعن أمة حبيبه المحبوب، وقبل جميع الحجاج والزوار والعمار وفد الله ووفد رسوله، وأعادهم سالمين إلى أوطانهم ووقاهم الأسواء، وأشركنا فيما يتفضل به عليهم ويعطيهم، وأصلح لنا والأمة الشأن كله، وأختم لنا بأكمل حسنى وهو راض عنا في خير ولطف وعافية.
بسرِّ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
06 ذو الحِجّة 1445