(229)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (46) باب آداب الصلاة وما يُنهى عنه فيها وما يُباح (10 )
صباح الأحد 29 شعبان 1445هـ
"وكان ﷺ يأمر المصلي بدفع المار بين يديه ويقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبي فليقاتله فإنما هو شیطان" وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: سترة الإمام سترة لمن وراءه، وكان -رضي الله عنه- يأمر المأمومين أن لا يكون بين صفوفهم فرج تسع المار بينها، يعني: بالفرجة ما زاد على محل السجود الذي هو حريم المصلي، وكان ﷺ يقول: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه"، قال الراوي: لا أدري أربعين يوماً أو أربعين شهراً أو أربعين سنة، وفي رواية: "لأن يقف أحدكم مائة عام خير له من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي"، وكان ﷺ يرخص للطائفين بالبيت في المرور بين يدي المصلي هناك، وكان ﷺ كثيراً ما يصلي هناك وهم يمرون بين يديه فلا يدفعهم، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يكره أن يمر بين يدي النساء وهن يصلين، وكان ﷺ كثيراً ما يصلي في بيته وعائشة -رضي الله عنها- معترضة بينه وبين القبلة اعتراض الجنازة، وكان كثيراً ما يصيب ثوبه ثوبها في قيامه وسجوده، وزار ﷺ عمه العباس -رضي الله عنه- في بادية له، وكان لابن عباس -رضي الله عنهما- كليبة وحمارة ترعى فصلى رسول الله ﷺ العصر وهما بين يديه فلم يؤخرا ولم يزجرا .
وكان ﷺ يقول: "لا تصلوا خلف النيام ولا المتحلقين ولا المتحدثين"، وكان ﷺ كثيراً ما يقول: "يقطع الصلاة مرور المرأة والحمار والكلب الأسود والخنزير واليهودي والمجوس فقيل له: یا رسول الله ما بال الكلب الأسود دون غيره؟ فقال : إن الكلب الأسود شيطان"، ثم رخص ﷺ في ذلك وقال : "لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان"، وفي رواية: "فإذا كان بين يدي أحدكم سترة فلا يضره ما مر، وكان الرجل من الصحابة يأتي من قبل الصف الأول راكباً وهم يصلون إلى غير جدار فيمر بين يدي الصف ويرسل دابته ترتع ويدخل في الصف فلا ينكر عليه أحد، والله أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمدلله مكرمنا بشريعته و دينه و بيانها على لسان عبده وحبيبه وأمينه، سيّدنا محمد صلّى الله وسلّم وبارك وكرَّمَ عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن تابعه على الصِّدق في ظهوره وبطونه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين مستودع أسرار الله المصونة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد..
يواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر ما يتعلق بسترة المصلين، ويذكر مسألة الشاخص -كما تقدم معنا- ويذكر الآن إذا دفعَ المارّ إذا مرّ بين يدي المصلّي، فحينئذٍ يحرم المرور بين يدي المصلي عند كثير من العلماء مطلقًا، وعند الشافعية إذا كان بينه وبين القبلة ساتر وشاخص يستره فلا يجوز المرور؛ إلا أن يتعدّى بأن يصلي على مدخل باب المسجد أو غيره، أو في قارعة الطريق فيصلي هو أمام الطريق فحينئذٍ لا حرمة له.
فيأتي السنّة في اتخاذ الشاخص أولًا، ثم فيما يتعلّق بدفع المارّ،
في الحديث "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه -من الإثم- لكان يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه" -حتى- قال الراوي: لا أدري أربعين يوماً أو أربعين شهراً أو أربعين سنة " لأن "يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه"،
فلذا:
قيَّد الشافعية حرمة المرور إذا كان صلّى إلى سترة، فيجب أن يحترم ولا يُمَرْ بين يديه؛ إلا إذا تعدّى كأن وقف في قارعة الطريق أو استتر بسترة في مكان مغصوب، فلا حرمة للمرور بين يديه.
وكذلك لا يحرم إذا صلّى بلا سترة، أو تباعد عنها أكثر من ثلاثة أذرع؛ إلا أن يكون هناك موجب؛ كيف؟
للمصلّي أن يدفع الذي يمرّ بين يديه، سواء كان إنسان أو كان بهيمة إذا مرّ بينه وبين سترته، أو مر قريبًا منه، وعندنا الحديث: "إذا صلى أحدكم إلى شيء فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبي فليقاتله فإنما هو شیطان".
وتقدم أيضًا معنا في الحديث أنه "كان ﷺ يصلّي ولمّا مرّت شاة تقدّم حتى وصل إلى الجدار، ومرّت الشاة من خلفه ولم يُمكّنها تمرّ بين يديه"، والدفع لا شك أن يكون بالتدريج وحتى إذا تم الدفع بإشارة أو تسبيح .. بأي شيء من الأشياء التي يمكن بها دفعه.
كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: " سترة الإمام سترة لمن وراءه"، فإذًا فلا يستحب للمأموم -كما تقدم معنا- أن يتخذ سترة، المأموم يصطف حيث ينتهي به الصف ولا دخل له في السترة، إنما السترة للإمام وللمنفرد.
"وكان -رضي الله عنه- يأمر المأمومين أن لا يكون بين صفوفهم فرج تسع المار بينها، يعني: بالفرجة ما زاد على محل السجود الذي هو حريم المصلي"، أو بين المصلّي والمصلّي، يقول الإمام ابن حجر: يسن أن لا يزيد ما بين كل صفّين الأول والإمام على ثلاثة أذرع.
ويتحدث الفقهاء هل يضيع ثواب الجماعة أو يبطل إذا كان بين الإمام والمأمومين أكثر من ثلاثة أذرع؟ أو بين الصف والصف أكثر من ثلاثة أذرع؟
يقول: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ، -في رواية كما قرأنا من الإثم- لكان يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه" قال الراوي: لا أدري أربعين يوماً أو أربعين شهراً أو أربعين سنة" ، وفي رواية: "لأن يقف أحدكم مائة عام خير له من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي".
"وكان ﷺ يرخص للطائفين بالبيت في المرور بين يدي المصلي هناك"، وعليه جمهور الفقهاء.
"وكان ﷺ كثيراً ما يصلي هناك وهم يمرون بين يديه فلا يدفعهم، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يكره أن يمر بين يدي النساء وهن يصلين"، وجاء عن المطلب بن أبي وداعة ودعا يقول: أنه " رأى النبي ﷺ يصلي مما يلي باب بني سهم -يعني في المسجد الحرام- والناس يمرون بين يديه، وليس بينه وبين الكعبة سترة "، فحملوا ذلك على الطائفين.
وقال المالكية: حتى وإن كان في المسجد الحرام لا يجوز أن يصلّي بين يدي المصلّي من كانت له طريق أخرى، أو صلّى لسترة، فإن لم يصلّي إلى سترة، أو لم يكن له طريق آخر فلا شيء في مرورهم.
يقول الإمام أحمد: أن مكة ليست كغيرها؛ لأن الناس يكثرون بها ويزدحمون، ففي منعهم تضييق عليهم.
ويقول الحنابلة: لا يردّ المارّ بين يديه إذا صلّى بمكة المشرفة. حتى إن الموفق من الحنفية ألحق بمكة سائر الحرم.
"وكان ﷺ كثيراً ما يصلي في بيته وعائشة -رضي الله عنها- معترضة بينه وبين القبلة اعتراض الجنازة"، أي: رأسها إلى الغرب ورجلاها إلى الشرق والقبلة إلى الجنوب، "وكان كثيراً ما يصيب ثوبه ثوبها في قيامه وسجوده"، فلا إشكال في ذلك ولا تبطل الصلاة.
"وزار ﷺ عمه العباس -رضي الله عنه- في بادية له، وكان لابن عباس -رضي الله عنهما- كليبة وحمارة -في الحقل في مزرعته الخاصة به- ترعى فصلى رسول الله ﷺ العصر وهما بين يديه فلم يؤخرا ولم يزجرا" .
يقول الحنفية والمالكية والشافعية: مرور أي شيء بين يدي المصلّي، أو بين المصلّي والسترة لا يقطع الصلاة ولا يفسدها أيا كان.
وقال الحنابلة: الكلب الأسود البهيم يقطع الصلاة -يعني: البهيم الذي ليس فيه لونه شيء غير السواد كله أسود-. وقال من عند الحنابلة: أن المرور بين يدي المصلّي ينقص الصلاة أي: ثوابها ولا يقطعها.
قالوا: وهذا في حقه من أمكنه الرد فلم يفعل كذلك.
وكان ﷺ يقول: "لا تصلوا خلف النيام ولا المتحلقين ولا المتحدثين".
فيقول الحنفية والشافعية والحنابلة: يكره الصلاة إلى متحدّث؛ لأنه يشغله عن حضور قلبه في الصلاة.
وإن قيّد الحنفية ذلك بخوف الغلط قال: إذا خيف الغلط عليه بحديثه فيُكره وأطلق غيرهم.
ويقول الحنابلة: يكره الصلاة خلف النائم -للحديث هذا الذي قرأنا- لا تصلّوا خلف النائم ولا المتحدث.
وفي قول عند الحنفية كالشافعية عندهم: أنه لا يُكره -لما تقدّم معنا في الحديث- أنه قال: "كان رسول الله ﷺ يصلّي وأنا راقدة معترضة على فراشه فإذا أراد أن يوتر أيقظني"، إذا لا تُكره الصلاة خلف النائم، عليه بعض الحنفية وعليه الشافعية.
وأما الحنابلة قالوا: تكره الصلاة خلف النائم، وكذلك قالوا: بكراهة الصلاة خلف المتحدّث لأنه يشغل عن الصلاة.
وكان ﷺ كثيراً ما يقول: "يقطع الصلاة مرور المرأة والحمار والكلب الأسود والخنزير واليهودي والمجوس فقيل له: یا رسول الله ما بال الكلب الأسود دون غيره؟ فقال : إن الكلب الأسود شيطان"، ثم رخص ﷺ في ذلك وقال : "لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان"، فبقية الكلب الأسود عند الحنابلة لورود حديث فيه.
إذًا لا يقطع الصلاة ولا يفسدها مرور أي شيء مهما كان عند الجمهور، إذًا فاستثنى الحنابلة الكلب الأسود الخالص السواد، وفي رواية أيضًا عن الإمام أحمد أنه "يقطع الصلاة الكلب الأسود والحمار والمرأة"، وعامة الفقهاء يقولون: لا يقطع الصلاة شيء من ذلك، ولا مرور شيء من ذلك، وإذا كان بين يدي أحدكم سترة فلا يضر ما مر، "وفي رواية: "فإذا كان بين يدي أحدكم سترة فلا يضره ما مر، وكان الرجل من الصحابة يأتي من قبل الصف الأول راكباً وهم يصلون إلى غير جدار فيمر بين يدي الصف ويرسل دابته ترتع ويدخل في الصف فلا ينكر عليه أحد، والله أعلم" كما جاء عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-.
رزقنا الله تعظيم الصلاة وإقامتها على الوجه الذي يرضاه، وحقّقنا بحقائق الصلاة في فرائضها ونوافلها، رزقنا حضور القلوب فيها، وصدق الوجهة إلى الحق -تبارك وتعالى- مع كمال القبول لديه، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
02 رَمضان 1445