(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (44) باب آداب الصلاة وما يُنهى عنه فيها وما يُباح (8 )
صباح الأربعاء 25 شعبان 1445هـ
"فرعٌ: وكان ﷺ يرخص في أعمال القلوب ولو طال زمن الخواطر. وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: إني أحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة، وكان ﷺ يقول: إن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر وله ضراط حتى لا يسمع الأذان، فإذا قُضِيَ الأذان أقبل فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قُضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول : اذكر كذا اذكر كذا ما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس.
وجاء رجل إلى رسول الله ﷺ فشكا له الوسوسة في الصلاة فقال: يا رسول الله إني أتوسوس في صلاتي حتى لا أدري أشفع أم وتر؟ فقال رسول الله ﷺ: "إذا وجدت ذلك فارفع أصبعك السبابة اليمنى فاطعن بها في فخذك اليسرى وقل: بسم الله فإنها تسكن الشيطان"، وكان جابر بن سمرة -رضي الله عنه- يقول: صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة الفجر فجعل يهوي بيديه قدامه وهو في الصلاة فسأله القوم حين انصرف فقال: إن الشيطان كان يلقي علي شرار النار ليفتنني عن الصلاة فتناولته، فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين فقال: أوجعتني أوجعتني ولولا دعوة أخي سليمان -عليه السلام- لربطته في سارية من سواري المسجد حتى ينظر إليه ولدان أهل المدينة".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بالشريعة الغرّاء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه سرًّا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين رفع الله لهم منزلةً وشأنًا وقدرًا، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث المتعلقة بالأدب في الصلاة، ويذكر أن ما كان من الخواطر الطارئة على الإنسان في صلاته لا تبطل صلاته إلا اختُلِف إذا غلبت عليه وسوسته في الصلاة، وصار أكثر صلاته في وسواس، والذي يقول عامة الفقهاء: أنه تجزئته صلاته؛ ولكن الثواب والقبول عند الله تعالى مرتب على الحضور بالقلب، فإن العبد ليصلي الصلاة فلا يُكتب له ثلثها ولا ربعها ولا خمسها ولا سدسها، وإنما يُكتب للعبد من صلاته بقدر ما حضر فيها، وقال ربنا: (قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ) [سورة المؤمنون:1-2]، فيجب على المتوجه إلى الله تبارك وتعالى أن يدفع ما يَرِدُ عليه من الخواطر في الصلاة بصرف فكره وهمِّه إلى معنى ما هو فيه من فعل وقول، من قيام أو ركوع وسجود، ومن ما يقرأ من الفاتحة والسورة وما يسبح الله تعالى وما يدعوه في الركوع وفي السجود، وفي الاعتدال وفي الجلوس بين السجدتين وفي التشهد، يصرف فكره وذهنه إلى معنى ما هو فيه فعلاً وقولاً، ولا يزال كذلك يجتهد حتى يكرمه الله بتمام الحضور ودوام الحضور معه جلَّ جلاله و تعالى في علاه.
ويقول عن سيدنا عمر: " إني أحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة" ويُروى عنه: "إني لأُجَهِّز السرية وأنا في الصلاة" ذلك محمول على تمكنه من الحضور في معنى ما هو فيه، مع إقامته لأمر يتقرب به أيضًا لله سبحانه وتعالى متعلق بمهمته في خلافته وإمارته -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- وهو الذي يَفرَقُ الشيطان من ظله.
وكذلك للشيطان إدبار عند الأذان وعند الإقامة؛ يشق ويثقل عليه سماع كلمات الأذان وكلمات الإقامة.
ولذا فإن في الأذان والإقامة:
فيهرب الشيطان من الأذان ومن الإقامة، ويحب أن يتشاغل عن سماع ذلك بأي شيء حتى يخفف عن نفسه ضِيقُه من ألفاظ الأذان وألفاظ الإقامة المعظمة المشرفة، وأنه إذا أُكمِلَت الإقامة دنى أي: أنواع الشياطين؛ كل من صاحبه ومن يتفرغون للوسوسة على الناس في صلواتهم؛ ممن يُسَمَّى في هذه الطائفة يُسَمَّى كل منهم خِنزَب، يفرغهم عدو الله للمصلين للوسوسة في الصلاة؛ لأجل يُوَسوِسُون عليهم في صلاتهم، لأن لا يطيب لهم الحضور مع الله -سبحانه وتعالى-، وليكونوا على قلق فيفوتهم سِرُّ الصلاة، فيفرغهم لهذا لأنها صلة بين العبد وبين ربه، فَيَشُق عليه أن تقوى صلات العباد بربهم -جلَّ جلاله- فيفلتون عليه، فيحاول ويخصص فرقة يُقال لكل منهم خِنزَب، وظيفتهم متابعة المصلين والوسوسة عليهم في صلاتهم. وبذلك أيضًا:
وكان من الحنابلة ابن حامد وابن الجوزي يقول: "من كان أكثر صلاته فيها وسواس تبطل صلاته" من غلبه الوسواس فعمّّ أكثر صلاته، وقالوا في من قال بوجوب الخشوع: أنه ولو في بعض الصلاة لابُدَّ لهم من الخشوع.
ثم بعد ذلك قال لهم ﷺ: "فإذا وجد ذلك أحدكم -وهو وسوسة الشيطان حتى لا يدري كم صلى- فليسجد سجدتين وهو جالس" يعني: يبني على الأقل.
فلا يُعمَل بالشك ولكن يُعمَل باليقين، واليقين يزيل الشك.
قال أبو حنيفة:
ورواية عن الإمام أحمد:
يقول: "وجاء رجل إلى رسول الله ﷺ فشكا له الوسوسة في الصلاة فقال: يا رسول الله إني أتوسوس في صلاتي حتى لا أدري أشفع أم وتر؟ فقال رسول الله ﷺ: "إذا وجدت ذلك فارفع أصبعك السبابة اليمنى فاطعن بها في فخذك اليسرى وقل: بسم الله فإنها تسكن الشيطان"، أي: تدفع وسوسته؛ فيضرب بإصبع السبابة اليمنى فخذ رجله اليسرى ويقول: بسم الله في ذلك دفع لوسوسة الشيطان.
"وكان جابر بن سمرة -رضي الله عنه- يقول: صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة الفجر فجعل يهوي بيديه قدامه وهو في الصلاة فسأله القوم حين انصرف فقال: إن الشيطان كان يلقي علي شرار النار ليفتنني عن الصلاة فتناولته، فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين فقال: أوجعتني أوجعتني ولولا دعوة أخي سليمان -عليه السلام- لربطته في سارية من سواري المسجد حتى ينظر إليه ولدان أهل المدينة". جاء الحديث في مسند الإمام أحمد -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-. يقول: "وكان ﷺ.." هنا وقفت أكمل.
"وكان ﷺ إذا التبست عليه القراءة أو ترك آية لم يقرأها وأخبروه بذلك يقول: "هلا ذكرتموني، وصلى رسول الله ﷺ مرة بسورة الروم فالتبس عليه فلما سلم قال: إن فيكم من لم يحكم طهارته فلذلك لبس علي، فإذا جاء أحدكم إلى الصلاة فليحسن طهوره"، وكان طاوس -رضي الله عنه- يقول: إن الملائكة يكتبون أعمال آدم فيقولون فلان نقص من صلاته الربع أو الشطر أو زاد فيها كذلك، وسيأتي في باب صفة الصلاة قوله ﷺ: "لا يقبل الله من عبد عملًا حتى يشهد بقلبه بدنه"، فهذه نبذة صالحة وسيأتي مزيد على ذلك إن شاء الله تعالى مفرقًا في أبواب الصلاة".
ويذكر ﷺ أن إساءة الطهارة والوضوء عند المأمومين تؤثر على الإمام؛ ويحصل بها التباس القراءة، أي: أن قوما لا يحسنون له لا يحسنون الطهور "فإذا جاء أحدكم إلى الصلاة فليحسن طهوره" أي: يحسن وضوءه، فيه أيضا:
وتعجب بعض الناس لما رأى في أيام نشاطه الحبيب علي الحبشي في رمضان يقرأ في كل ركعة نصف جزء وفي عشر ركعة عشرة أجزاء في كل ثلاث ليالي ختمة، بعد ذلك يقرأ في كل ركعة من الوتر يس فتصير ثمان ركعات من ثمان من يس ترجع أيضا إلى جزءين فوق العشرة، وقال فجئت وجدتهم يسري خشوعه فيهم حتى بهرجة الأطفال في آخر الصف كأن حتى سمَّر أرجلهم في الأرض ما يتحركون ولا يذهبون من سراية الخشوع في الجميع .. لا إله إلا الله، وكانوا يتسابقون فكان هكذا في أيام شبابه ونشاطه عليهم رحمة الله تبارك وتعالى
كما أُثِرَ عن الصحابة كأنهم يذهبون في رمضان إلى المساجد للقيام في أول ليل ويرجعون وقت السحر إلى بيوتهم، فيمضي عليهم عامة الليل وهم في صلاة القيام وهم في صلاة التراويح، حتى أُحْدِث لها اسم التراويح لكثرة ما يراوحون بين أرجلهم من طول القيام -رضي الله تعالى عنهم- فنسأل الله أن يكرمنا بنصيب من سر القيام وأدائه على الوجه الذي يحبه.
يقول: "وكان طاوس -رضي الله عنه- يقول: إن الملائكة يكتبون أعمال آدم فيقولون فلان نقص من صلاته الربع …" النصف.. زاد كذا، نقص كذا.. "لا يقبل الله من عبد عملًا حتى يشهد بقلبه بدنه"، فهذه نبذة صالحة وسيأتي مزيد على ذلك إن شاء الله تعالى مفرقًا في أبواب الصلاة"
اللهم حققنا بحقائق الصلاة وحققنا بحقائق الزكاة وحققنا بحقائق صوم رمضان، واجعلنا من خواص أهله عندك يا كريم يا منان، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
وفي الحديث أيضا بيان أن المأموم يفتح على إمامه إذا أشكَلَ عليه شيء في الصلاة أو وقف أو انتقل إلى آية أخرى وذلك أيضا مما جاء به الأمر.
والله يحققنا بحقائق الصلاة ويجعل لنا قلوب تتحقق بالسجود معه أبدا له سبحانه وتعالى، وأن يقينا الآفات والأسواء ويصلح السر والنجوى، ويبارك لنا في خاتمة شعبان، ويبارك لنا وللأمة في قدوم رمضان ويعينا على الصيام والقيام، ويحفظنا من الأثام ويرضينا باليسير من المنام، ويقينا الأسوأ وكل بلوى، ويعجل بالفرج للأمة المحمدية ويدفع كل أذية ويبلغنا المقاصد والأمنية في خير ولطف وعافية.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
25 شَعبان 1445