(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (38) باب آداب الصلاة وما يُنهى عنه فيها وما يُباح
صباح الأربعاء 18 شعبان 1445هـ
"وكان عمر -رضي الله عنه- إذا صلى بالناس بمكة تجاه البيت وقرأ سورة قريش يومئ بأصبعه إلى الكعبة عند قوله -رضي الله عنه- رب هذا البيت، ونادى رجل من الغالين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهو في الصلاة فقال: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر:65] فأجابه علي وهو في الصلاة: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الروم: ٦٠]، ومضى في صلاته، وكانوا لا يرون بأسًا بقراءة القرآن بقصد الجواب أو التنبيه، وكان ﷺ إذا عَرَضَ له إبليس في الصلاة يقول: "ألعنك بلعنة الله التامة".
وجاءه ﷺ يومًا شيطان بشهاب من نار فلم يستأخر حتى كررها رسول الله ﷺ، وكان ﷺ إذا دخل أحد وهو في الصلاة واستأذن يتنحنح له فكأن ذلك إذن لهم بالدخول فيدخلون عليه ﷺ، فإذا دخلوا خفَّفَ صلاته وسلم وقال: هل من حاجة؟ وكان ﷺ كثيرًا ما إذا استأذنوا عليه، وكان ﷺ كثيرًا ما يسبح إذا استأذنوا عليه ﷺ، وكان ﷺ ينفخ في الصلاة كثيرًا من شدة ما يجد، ورأى رسول الله ﷺ غلامًا له ينفخ التراب إذا سجد فقال له: ترِبَ وجهك، وفي رواية تربت وجهك.
وكان أبو هريرة وابن عباس -رضي الله عنهما- يقولان: النفخ في الصلاة کلام، وكان الصحابة -رضي الله عنه- ينفخون ريش الحمام ونحوه إذا تأذوا به في سجودهم.
وكانوا يقرؤون القرآن في المصحف ويتفهمون منه وهم في الصلاة، وكان ذكوان يؤم عائشة رضي الله عنها في المصحف في رمضان وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد صلاته وسمع ﷺ رجل يذكر قصة جريج، فقال رسول الله ﷺ: "لو كان جريج فقيهاً لعلم أن إجابة دعاء أمه أولى من عبادة ربه".
وكان لا يأمر جاهلا بإعادة صلاة فعل فيها ما نهى عنه في الصلاة" ، بل كان يتلطف به. ودخل أعرابي مرة المسجد فقال له في صلاته: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فلما سلم قال له النبي ﷺ: "لقد تحجرت واسعاً يريد رحمة الله عز وجل"".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان خير بريته، عبده وحبيبه وصفوته، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل متابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، المرتقين في الفضل أعلى ذروته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
يواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث المتعلقة بآداب الصلاة، ويشير إلى الإشارة بالإصبع ونحوه، وتقدم معنا الإشارة بالسلام على من لم يعرف نسخ حكم الكلام في الصلاة فسَلَّمَ على رسول الله ﷺ وهو يصلي، وأن من رأى عن نفسه مشقة عليه في ذلك يشير إشارة عليهم بالسلام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ودَلَّ على أن الإشارة من غير ثلاث حركات متوالية لا تبطل الصلاة.
ويقول: "وكان عمر -رضي الله عنه- إذا صلى بالناس بمكة تجاه البيت -العتيق الكعبة المشرفة- وقرأ سورة قريش-في أثناء صلاته، فلما يمر عند قوله تعالى: (فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ) [سورة قريش: 3] فإذا قال: (رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ)[سورة قريش: 3] أشار بإصبعه نحو الكعبة المشرفة، (فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ * ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ) [سورة قريش: 3-4] -جل جلاله وتعالى في علاه-، فهو لمن شاء من عباده المُؤمِن من الخوف والمُطعِم من الجوع، وهي خلاصة استقرار حياة الناس على ظهر الأرض، وقد امتَنَّ الله على قريش وجعلهم بوسط هذا الحرم محترمين بين القبائل، لأجل بيت الله تبارك وتعالى، حتى أن كثيرًا من القبائل يسمونهم أهل الله لجوارهم لبيته، فتأمَّنوا بذلك وتَيَسَّر لهم المطعوم فامتََّن الله عليهم بقوله: (ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ) [سورة قريش: 4]، وذَكَر أن مشاكل الحياة ومصائبها ترجع إلى الجوع والخوف بينهم البين من غير الله تعالى، وقال: (وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ) [سورة النحل: 112] -لا إله إلا الله- والله يُطعِمنا من الجوع ويأمِنَّا من الخوف، وَيرزُقْنَا الْإِسْتِقَامَة.
وَكُلَّمَا خَافَ الْقَلْبُ مِنْ رَبِّهِ أُمِّنَ مِنْ الْأخَوافِ مِنْ مُخْتَلَفِ الْخَلَائِقِ وَالْكَائنِاتِ، فَخَوْفُ اللَّهُ هوَالْأَمَانِ لِمَنْ آمَنَ، (ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ) [سورة الأنعام: 82] فَاللَّهُ يَمْلَئ قُلُوبَنَا بِالْخَوْفِ مِنْهُ بِخِشَتِهِ، حَتَّى نَحُوزَ الْأَمَانَ مِنْ شَرِّ الدَّارَيْنِ وَسُوءِ الدَّارَيْنِ، إِنَّهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَأَرْحَمُ الْرَاحِمِينَ.
وقال: "ونادى رجل من الغالين -من الخوارج- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه وكرم الله وجهه- وهو في الصلاة" يُعَرِّض له بأنه أشرك -أعوذ بالله- يتهمون خيار الأمة بالشرك ويكفرونهم، يقول: "(ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) -سيدنا علي يصلي فرفع صوته وقَالِ: "﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الروم: ٦٠]، ومضى في صلاته" إذن فإذا أتى بنظم قرآن أو بذكرٍ وقصد به خطاب أحد وتفهيمه؛ فإذا قصد الخطاب جردًا:
وجاء في رواية أخرى عن سيدنا علي بن أبي طالب "أنه كان يصلي ودخل رجل من الخوارج وقال: لا حكم إلا لله ولرسوله، فتلى سيدنا علي: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) [سورة الروم: 60] وقد كان أخبره ﷺ أنه سيقاتل على التأويل -تأويل القرآن- كما قاتل ﷺ على التنزيل، وعهد إليه العهود فيما يحدث له في حياته، وكان يومٌ مع جماعة من الصحابة وقال: "أيكم يقاتلهم على تأويله كما قاتلتهم على تنزيله" فتعَرَّض جماعة من الصحابة، فيقول: لا، لكن قال: "خاصف النعل" هذاك اللي خصف النعل، كان مشغول يخصف نعله سيدنا علي بن أبي طالب، فكان الأمر كما أخبر، فمعهُ وعد حق من الله ومن رسوله وهو يعرف ذلك -لا إله إلا الله- وهكذا بدأ هذا الإنحراف في الفكر بدخول الأهوية والنفوس مع انقطاع السند في التعليم، ابتدأ من عهد الصحابة من هؤلاء الخوارج، ويأتون بالقرآن ويُشَرِّكُون بها خيار الأمه وأفاضلهم، ثم يخلفهم من يخلفهم على مدى القرون إلى أن يقاتل آخرهم مع الدجال -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
يقول: حتى في رد المأموم على الإمام في القراءة ينبغي أن يقصد القراءة لا مجرد الرد، فإذا تجردت النية للرد:
قال: استأذنَّا -يقول عطاء ابن السائب- على عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو يصلي، فقال: (وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) [سورة يوسف:99]، قلنا: كيف صنعت؟! قال: استأذنَّا على ابن مسعود وهو يصلي فقال: (وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) [سورة يوسف:99]، لأنه قرآن لم تفسد به الصلاة، وكذلك كما تقدم إذا قصد التفهيم فعند الحنفية: تبطل الصلاة بكل ما قُصِد به الجواب، سواء ذِكر أو ثناء أو تلاوة، وأما أبو يوسف فيقول: لا إذا كان مع قصد التلاوة فلا يضر هذا بالنسبة للحنفية.
كما تقدم معنا أنه لا يشمت العاطس في الصلاة، وإنه لو حصل التشميت بالخطاب رحمك الله ويرحمك الله بطلت صلاة ذلك الذي قال هذا الكلام؛ لأن فيه خطاب للآدمي، وإذا لم يكن فيه خطاب فالشافعية والحنابلة يقولون: كل ذكر وكل دعاء لا تبطل به الصلاة.
قال: "وكانوا لا يرون بأسًا بقراءة القرآن بقصد الجواب أو التنبيه، وكان ﷺ إذا عرض له إبليس في الصلاة يقول: "ألعنك بلعنة الله التامة""، حَصلَ ذَلِكَ مَرَّة كَمَا جَاءَتْ الرواية في صحيح الإمام المسلم وغيره: "تعرض له بشعلة من نار ثم قال كلمات فخرَّ لفيهِ ، يقول: وَلَقد هَمَمْتُ أَنَ آخُذَهُ، ولو أخذته لأصبح يلعب به ولدان أهل المدينة"، هكذا جاء في لفظ البيهقي يقول: "قام رسول الله ﷺ فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك "ثلاث مرات"، ثم قال ألعَنُكَ بِلعْنَةِ اللَّه "ثلاثاً "، فبسط يده كأنه يتناول شيئاً، فلما فرغ من الصلاة، قلنا: يارسول الله سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، قال: إن عدو الله جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات، ثم قلت ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر ثلاث مرات، ثم أردت أن أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة" ﷺ، لا إله إلا الله.
يقول: "وجاءه ﷺ يومًا شيطان بشهاب من نار فلم يستأخر حتى كررها رسول الله ﷺ"، قال ﷺ وفي رواية أخرى، أنه كان في خارج الصلاة، واعترض له بعض الشياطين أيضًا بشعلة، فقال له جبريل: أعلمك كلمات إذا قلتها خرَّ لفيه، فقالها فخر لِفيه.
"وكان ﷺ إذا دخل أحد وهو في الصلاة واستأذن يتنحنح له"، هذا الذي جاء في رواية الإمام أحمد والبيهقي وابن ماجه، عن سيدنا علي بن أبي طالب، جاء في لفظ الإمام أحمد يقول:عن سيدنا علي: "كان لي من رسول الله ﷺ مدخلان بالليل والنهار، وكنت إذا دخلت عليه وهو يصلي تنحنح، قال: مشير بالإذن بالدخول"، وجاء في لفظ غير الإمام أحمد يقول: كان لي من رسول الله ﷺ ساعة آتيه فيها يقول سيدنا علي: "فإذا أتيته استأذنت فإن وجدته يصلي تنحنح دخلت، وإن وجدته فارغا أذن لي"، وهذه من الساعات التي كان يختلي فيها برسول الله ﷺ ويتلقى عنه في الليل والناس نيام، وماذا يصدر من خير الأنام؟ وفي رواية جاء فيها: "لي ساعة أدخل فيها عليه لا يدخل فيها عليه أحد غيري".
إذًا: التنحنح إن كان لغير عذر وظهَر حرفان تبطل الصلاة، هكذا يقول الجمهور مثل الشافعية والحنفية والحنابلة.
وإذا تنحنح فظهر حرفان بطلت صلاته.
فإن كان لعذر: ومثَّله الشافعية بما إذا تعذر عليه القراءة الواجبة فيتنحنح، فلا يضر ولو ظهر حرفان، إن قال: إحم أو أح، ظهر حرفان حاء وميم، أوألف وحاء، فإذا ظهر الحرفان بطلت صلاته إلا للضرورة، مثل أن امتنع عن القراءة، بخلاف الجهر وهو إمام، ويستطيع يقرأ لكن ما يستطيع يجهر إلا إن تنحنح، فهذا ان ظهر منه حرفان بطلت الصلاة، لأن الجهر ليس بواجب بل سنة.
كان يلحظ الحبيب علوي -عليه رحمة الله- بعد الخطباء يصلي في الجمعة، يقول: من فقهه قد يتحشرج عليه حلقه فلا يتنحنح وإن تغير صوته بالقراءة خشية من أن يظهر حرفان فتبطل الجمعة على الناس، قال: ورأيتم مِن فقهه من يبالي بمثل هذا خشية من بطلان الصلاة.
فإذا كانت هناك حاجة أطلق الحنابلة وقالوا: اذا كان لحاجة ولو بان حرفان فلا يضر. ويقول كنت آتي أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل، فيتنحنح في صلاته لِأعلمَ أنه يصلي.
يقول الشافعية إن كان لِغلبة مثل: غلَبه سعال أو عطاس، امتنع عليه القراءة الواجبة فهذا معذور ولا يضر أن يتنحنح وإن ظهر عليه حرفان، كمن ابتلي بالسعال وصار ملازما له مثلا؛ فما يضر.
ويقول المالكية: أن التنحنح لحاجة لا يُبطل الصلاة، وأما التنحنح لغير حاجة فالصحيح عندهم أنه لا تبطل به الصلاة ولا سجود فيه، وهذا الذي أخذ به ابن القاسم من المالكية.
والقول الثاني: أنه مثل الكلام لايفرق بين العامد والساهي،
"وكان ﷺ كثيرًا ما يسبح إذا استأذنوا عليه ﷺ"،وقد قال: "من نابه شيء في صلاته فليسبح"، وهكذا يقول ابو هريرة قال رسول الله ﷺ: "إذا استُؤذن على الرجل وهو يصلي فإذنُه التسبيح وإذا استُؤذن على المرأة وهي تصلي فإذنُها التصفيق" سوا.
قال: "وكان إذا دخل أحد وهو في الصلاة واستأذن يتنحنح فكأن ذلك إذن لهم بالدخول فيدخلون عليه ﷺ، فإذا دخلوا خفف صلاته وسلم وقال: هل من حاجة؟ وكان ﷺ كثيرًا ما يسبح إذا استأذنوا عليه ﷺ، وكان ﷺ ينفخ في الصلاة كثيرًا من شدة ما يجد"، وقد تقدم أنه يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل، أي القدر إذا استجمعت غليانها.
"ورأى رسول الله ﷺ غلامًا له ينفخ التراب إذا سجد فقال له: ترب وجهك وفي رواية تربت وجهك".
وكان أبو هريرة وابن عباس -رضي الله عنهما- يقولان: النفخ في الصلاة کلام -يعني إذا ظهر حرفان- وكان الصحابة -رضي الله عنه- ينفخون ريش الحمام ونحوه إذا تأذوا به في سجودهم". يكون بشرط لا يظهر حرفان.
قال: "وكانوا يقرؤون القرآن في المصحف ويتفهمون منه وهم في الصلاة".
وكان كثيرا ما يسجد على التراب ﷺ، وجعل من علامة ليلة القدر في بعض السنين، أنه يسجد صبيحتها على ماء وطين، وثارت السحب في ليلة إحدى وعشرين، فنزلت المطر من سقف المسجد وبلت الأرض -الطين- وكانت من الطين، فلما سجد في الصباح، سجد على الماء والطين، فلما انتهى من الصلاة، ورأوا آثار الطين على جبهته عليه الصلاة والسلام، فذكروا كلامه في البارحة وفي الأمس، وعلموا أن البارحة كانت ليلة القدر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وفي سنة أخرى ذكر نفس العلامة وكانت ليلة ثلاثة وعشرين، وفيه تأييد القول بأن ليلة القدر تتنقل في أيام الشهر، سنة تكون ليلة كذا، وسنة تكون ليلة كذا، وسنة ليلة كذا وهكذا.
قال :"ترب وجهك لله"، ثم اكتشفوا فوائد صحية للسجود على التراب، وإن اكتشفوا أم لم يكتشفوا فمتابعة سيد الأحباب عمدة الباب، وسبب رضا رب الأرباب جل جلاله وتعالى في علاه.
ولما كان الحبيب أحمد بن حسن العطاس في سفر في الطريق يصلون، قدموا له سجادة بعدَّها، قال: اغنموا الفرصة، إذا قد نحن في الطريق في السفر خلونا نسجد على التراب، واغنموا الفرصة في تواضعكم لله تبارك وتعالى، وهكذا تعفير الجبهة بالتراب من أجل الله تبارك وتعالى قربة للعبد وسبب بأسنى المجد.
يقول: "وكانوا يقرؤون القرآن في المصحف ويتفهمون منه وهم في الصلاة، وكان ذكوان يؤم عائشة رضي الله عنها في المصحف في رمضان" يقرأ في المصحف "وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد صلاته، وسمع ﷺ رجل يذكر قصة جريج، فقال رسول الله ﷺ: لو كان جريج فقيهاً لعلم أن إجابة دعاء أمه أولى من عبادة ربه"، يقول: ربي أمي أم صلاتي؟ فاستمر في الصلاة وترك أمه تنادي، حتى دعت عليه فحقت دعوتها، بأن لا يميته الله حتى يريه وجوه المومسات، فهاجر إلى اليمن.
يقول: "وكان ذكوان يؤمُّ عائشة رضي الله عنها في المصحف في رمضان وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد صلاته"، وعلمت الخلاف في مسألة الإشارة أو إرادة الخطاب بنظم قرآن أو بذكر.
"وسمع ﷺ رجل يذكر قصة جريج…"، جريج لما آثر أن يستمر في الصلاة وترك أمه، فدعت عليه فحقق الله دعوتها، وظهرت له بها بعد ذلك كرامة عليه رضوان الله، ولكن هذا الحديث فيه إشارة إلى أنه كان يودُّ أنه لو أضاف مع كثرة عبادته نصيبا من الفقه في الدين كان ذلك أولى به.
يقول: "وكان ﷺ لا يأمر جاهلا بإعادة صلاة فعل فيها ما نهى عنه في الصلاة"، معروف أن الجهال إنما يكونوا معذورون بجهلهم، لأنهم قدموا عليه من البوادي وحديثو عهد بالإسلام، أما الصحابة والذين بين يديه فهم أفقه الأمة.
"بل كان يتلطف به. ودخل أعرابي مرة المسجد فقال له في صلاته : اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً -لاحول ولاقوة إلا بالله- فلما سلم قال له النبي ﷺ: لقد تحجرت واسعاً -ماتقدر تحجره- يريد رحمة الله عز وجل".
نسأل الله أن يرزقنا الإيمان واليقين والإخلاص والصدق، ويدخلنا في خيار الخلق، ويقينا الأسوأ والأدواء وكل بلوى، ويصلح السر والنجوى، و يرزقنا الاستقامة ويتحفنا بالكرامة، ويمن علينا بفايضات الجود، ويسعدنا بأعلى السعود، ويجمعنا بصاحب المقام المحمود، ويرزقنا إقامة الصلاة على الوجه الذي يرضاه، ويذقنا لذة المناجاة، ولا يحرمنا خير ما عنده لشر ما عندنا ظاهرا وباطنا، مع صلاح أحوالنا والمسلمين أجمعين.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
23 شَعبان 1445