(230)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (35) شروط صحة الصلاة - الفصل الرابع في وجوب استقبال القبلة (2)
صباح السبت 14 شعبان 1445هـ
"وكان إذا علم أحدًا الصلاة يقول: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر" وكان ﷺ كثيراً ما يقول: "ما بين المشرق والمغرب قبلة"، وفيه دليل على أن الواجب على من لم يشهد الكعبة إصابة الجهة لا العين، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول وهو بالمدينة: إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة إذا استقبلت القبلة، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض كلها.
وكان -رضي الله عنه- يقول: لكل بيت قبلة وقبلة البيت الحرام الباب، وكان -رضي الله عنه- يقول: استقبل النبي ﷺ مرة الباب وقال: "هذه القبلة مرتين أو ثلاثاً"، وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يستقبل الميزاب ويقول: هذه القبلة التي قال الله لنبيه: ﴿ فَلَنُوَلِيَنَّكَ قِبْلَةً ترضها) [البقرة: ١٤٤]".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله على نعمة الشريعة، وبيانها على لسان صاحب الجهات الوسيعة والمراتب الرفيعة، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وعلى من اتبعه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من وهبهم الله -سبحانه وتعالى- من الفضل شريفه ورفيعه ووسيعه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين ورحم الراحمين.
وتقدم معنا بعض الأحاديث المتعلقة بوجوب استقبال القبلة في صلاة الفريضة والنافلة، وأدرج فيها حديث "لا يجتمع قبلتان في قرية" وقد جاء الحديث بألفاظ متعددة عند الإمام أبي داود وعند الترمذي وغيرهما، والخلاصة فيه: أنه لا ينبغي أن يكون في البلد قبلتان. فحمل الحديث معنى:
فلا يصلح أن يكون قبلتان في بلدة، إلى غير ذلك من الألفاظ التي وردت في أن "لا تجتمع قبلتان في بلد"، ولا تجتمع قبلتان في موضع واحد، ولا في قرية، وبخصوص جزيرة العرب: أكَّدَ ﷺ أن لا يبقى فيها غير دين الإسلام، ولا يجتمع في جزيرة العرب دينان، وتابع الخلفاء من بعده ﷺ على أمره حتى طهروا جزيرة العرب من وجود ملل أخرى غير مِلَّةِ الحق والهدى مِلَّةِ الإسلام -ثبتنا الله عليها وجعلنا من خواص أهلها-.
وتعرض فيما مضى أيضًا لذكر سبب تحوِّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، ومحبة رسول الله ﷺ التي جَبَلَهُ الله عليها في محبة الكعبة المشرفة قبلة أبيه إبراهيم، وما أنزل: (قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ) [سورة البقرة-144]، وفي سبب تسمية مسجد القبلتين لصلاة ركعتين فيه إلى جهة بيت المقدس والركعتين الأخريين إلى الكعبة المشرفة.
ثم ذكر لنا أيضًا: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء" بمعنى: أتمَّه وأكمله وأحسنه، فالإسباغ: التمام والإحسان،" ثم استقبل القبلة فكبر"، فاستقبال القبلة واجب بالاتفاق لصلاة الفريضة والنافلة إلا ما استُثنِي من مثل صلاة النافلة في السفر، ومن مثل الصلاة عند التحام الحرب، في الالتحام الحربي صلوا مهما أمكنهم ركبان أو بالإيماء، وكذلك الصلاة تكون للضرورة إلى أي جهةٍ كان؛ قال تعالى: (فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِ) [سورة البقرة-115]، يقول أيضًا في الآية الأخرى في أواخر سورة البقرة (حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ* فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانٗاۖ) [سورة البقرة 238-239] صلوا رجالًا أو ركبانًا، قال ابن عباس: مستقبل القبلة وغير مستقبليها، أي بحسب الضرورة والحاجة، (فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانٗاۖ) [سورة البقرة-239].
يقول: "ما بين المشرق والمغرب قبلة" إشارة إلى أنه يُكتفَى في القبلة بالجهة، فأمَّا من كان أمام الكعبة فيجب عليه أن يستقبل عين الكعبة، ومن كان غايب عن الكعبة فليستقبل المسجد في مكة المكرمة، ومن كان خارج مكة فليستقبل مكة وجهة مكة، فأمَّا من كان يُعاين الكعبة يجب علي أن يستقبل عين الكعبة بالاتفاق، ولا له في ذلك اجتهاد ولا مجرد استقبال الجهة لمن يُعايُنها.
واختلفوا بعد ذلك فيما إذا كان وسط مكة أو أمام الكعبة فاستقبل ببعض بدنه وبعضه خارج عنها:
أما من لم يكن من أهلها غايب عن الكعبة ففرضه ما جاء في الخبر:
وفيه دليل على أن الواجب على من لم يشاهد الكعبة إصابت الجهة لا العين، "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول وهو بالمدينة: إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة إذا استقبلت القبلة، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم -حرم مكة- والحرم قبلة لأهل الأرض كلها"، من كان خارج مكة إلى آخر الدنيا إلى آخر الأرض.
وعلى كل الأحوال:
من تيسر له استقبال عين الكعبة؛ فينبغي أن يستقبل عين الكعبة. ومن لا فالدين واسع لاستقبال الجهة.
قال كما تقدم: "لا تستقبل القبلة ببول ولا غائط ، ولكن شرقوا أو غربوا"؛ استقبلوا الشرق أو الغرب، فجعل ما بين المشرق والمغرب جهة، وجعل أنه باستقبال الشرق يخرج عن جهة الكعبة بالنسبة لأهل المدينة وباستقبال الشرق كذلك، قال تعالى: (وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)[البقرة:150].
"وكان -رضي الله عنه- يقول: لكل بيت قبلة وقبلة البيت الحرام الباب"، وكان أسامة بن زيد -رضي الله عنه- يقول: استقبل النبي ﷺ مرة الباب وقال: "هذه القبلة مرتين أو ثلاثاً"، يعني: الكعبة المشرفة ليس مجرد الباب، يعني: الكعبة المشرفة هي القبلة المسلمين، أمر ثابت لا يتغير إلى آخر الزمان إلى يوم القيامة.
فَالقبلة الكعبة المشرفة:
"وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يستقبل الميزاب ويقول: هذه القبلة التي قال الله لنبيه: ﴿ فَلَنُوَلِيَنَّكَ قِبْلَةً ترضها) [البقرة: ١٤٤]". مشيرا إلى أنه لما كان ﷺ في المدينة وجهه الله إلى الكعبة فاستقبل، فكانت قبلته إلىى الميزاب؛ فالقبلة في المحراب النبوي تسقط على الميزاب الشريف، ( فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ ) [البقرة: 144] فيشير إلى أن قبلة المدينة على الميزاب، فيقول: "هذه القبلة التي قال الله لنبيه: ﴿ فَلَنُوَلِيَنَّكَ قِبْلَةً ترضها) [البقرة: ١٤٤]"، المراد: الكعبة ولكن وهو في المدينة المنورة إذا صلى يكون مستقبلًا للميزاب؛ ميزاب الكعبة إلى وسط الحجر إلى وسط الكعبة، فلهذا يقولون قبلة أهل المدينة على الميزاب.
رزقنا الله متابعة سيد الأحباب، ورفعنا به أعلى مراتب الاقتراب، ودفع عنا به الأوصاب، وأصلح بِه أحوالنا وأحوال المسلمين في المشارق والمغارب، و ونظمنا في سلك أهل الصدق معه، من خواص أهل الإنابة إليه والإخلاص إلى وجهه فيه لطف وعافية ويقين، وتمكين مكين وعلى كل نية صالحة.
بسِرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
17 شَعبان 1445