(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (10) باب الأذان
صباح السبت 24 جمادى الآخرة 1445هـ
قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "خيار أمتي من دعا إلى الله وحبب عباده إليه". وكان عاصم بن هبيرة يقول: كنت أؤذن لابن مسعود فكنت إذا قلت : لا إله إلا الله أقول: وأنا من المسلمين لأجل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ ﴾ [فصلت: ۳۳] الآية. وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ما من ثلاثة لا يؤذنون ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان"، وكان ﷺ يقول: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمُّكم أكبركم"، وكان ﷺ يقول:الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين".
وسُئِل ابن عمر عن الضمان فقال: ضامن إذا قدَّمَ أو أخَّر وأحسن أو أساء".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددَ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مُكرمنا بدينه وبيانه على لسانِ عبده وحبيبه وأمينه سيدنا محمد صلى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أئمة دين الله تعالى وحزبه وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المُقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرّاحمين.
بدأ يتكلم الشيخ -عليه رحمة الله- عمّا ورد في السنة الغراء عن الأذان الذي هو شعار من شعائر دين الله -تبارك وتعالى- قال: "باب الأذان وفضله وبيان كيفيته وسبب مشروعيته"، وذلك أن الأذان معناه في اللغة: الإعلام؛ وهو في الشرع: النداءُ للإعلام بدخول وقت فريضة بألفاظ مأثورة مخصوصة؛ فهذا هو الأذان الذي عظُمَ فضله وارتفعت درجات أهله.
يقول ﷺ فيما رواه أنس: "خيار أمتي من دعا إلى الله وحبَّبَ عباده إليه"، ويدخل في ذلك المؤذنون؛ لأنهم يدعون إلى الله أي: إلى الحضور إلى الجماعة في الصلاة، وفيه أن معنى الدعوة إلى الله تبارك وتعالى الدعوة إلى فعل ما يحب وترك ما يكره، الدعوة إلى الفرائض والسنن والمستحبات، والدعوة إلى اجتناب المحرمات والمكروهات والشبهات، هذه الدعوة إلى الله تبارك وتعالى بتعليم أحكام الله تعالى والحث على تطبيقها وتنفيذها، فهذه الدعوة إلى الله وهو أساسها وبابها ويرتقي الداعي والمدعو إلى الله -تبارك وتعالى- في درجات بعد ذلك على حسب ما تهيأ لهم من السابقة وأُمِدوا به من الاستعداد؛ لفهم السير إلى الله وفهم الوصول إلى الله -تبارك وتعالى-.
ومن هنا قال الإمام الحداد -عليه رحمة الله- في ألسن الدعوة إلى الله إن ألسن الدعوة إلى الله خمسٌ:
فبدايةً بالدعوة إلى الله: دعوة العامة بلسان الشريعة إلى الشريعة هي الأمر المطروح لجميع أهل الإيمان والإسلام كل بما يقدر عليه بالرفق والحكمة والأدب واستعمال الأساليب المختلفة في التقريب والتحبيب إلى إقامة أمر الله -تبارك وتعالى-، وما عدا ذلك فبالتأهل والتهيؤ لذلك واختصاص الله -تبارك وتعالى- من يشاء، وقيام هذه الدعوة العامة له أثرٌ كبيٌر في رضوان الله، وفي دفع البلايا عن المسلمين أُسرهم ومُجتمعاتهم؛ ما دام فيهم من يدعو إلى الله ويبذل الوُسع باستعمال الوسائل في تقريب الخلقِ إلى الرَّبِ وفي الأمر بالمعروف وفي النهي عن المنكر؛ فإن الله يدفع البلاء عن أهل تلك الدائرة وعن أهل تلك البلدة، وإذا تواطؤو على السكوت ولم يُبالوا بأمر الله ولم يقم بينهم مُصلحون ودُعاة؛ فإنه بشؤم فُسّاقهم والمُتجاهرين بمُخالفة الشرع يعمهم العذاب، ويعمُّهُم الأخذ من الله تبارك وتعالى، بل وحذّرﷺ عند ترك هذه الفريضة والواجب أن يُسلط الله تعالى عليهم أشرارهم فيدعوا خيارهم فلا يُستجاب لهم؛ بتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر؛ ولهذا قال تعالى:(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117] ما دام في أهلها مصلحين قائمين بالأمر ظاهرين منتشر بينهم الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-؛ فلا يعمهم عذاب ولا ينزل عليهم العذاب، وإذا لم يكن فيهم مصلحون؛ فتهلك القرى.. تهلك القرى وتَهلكُ المدن بعدم وجود المصلحين الدعاة الصادقين المخلصين لوجه الله جلّ جلاله؛ وكان مظهر الأذان من مظهر الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-.
وذكر "عن عاصم بن هبيرة يقول: كنت أؤذن لابن مسعود فكنت إذا قلت : لا إله إلا الله أقول: وأنا من المسلمين لأجل قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت:33]".
فينبغي للمؤذن إذا كمّل أذانه قبل أن يأتي بالدعاء بعد الأذان أن يقول: وأنا من المسلمين (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33]، وهذا الحديث جاء في رواية سعيد بن منصور في سننه ولكنه المؤذن كان فضيل بن رفيدة، يقول فضيل بن رفيدة: كنت مؤذنًا في زمن أصحاب رسول الله ﷺ فقال لي عاصم بن هبيرة: -هذا الذي ذكره هنا-: "إذا أذنت وفرغت من أذانك فقل الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وأنا من المسلمين، ثم قرأ قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )"، "خِيارُ اُمَّتي مَن دَعا إلَى الله تَعالى، وحَبَّبَ عِبادَهُ إلَيهِ"، فالله يلحقنا بهم ويجعلنا منهم، يدعون إلى باب الله وإلى طاعة الله وإلى البعد عن معصية الله وإلى تطبيق شرع الله وإلى اتباع عبده ومصطفاه محمد ويحببون عباد الله إلى الله؛ بدعوتهم إلى ذلك الخير فهؤلاء خيار الأمة، وفي لفظٍ: "أَحَبَّ العبادِ إلى اللهِ مَن دَعا إلَى الله تَعالى، وحَبَّبَ عِبادَهُ إلَيهِ"، ويقول: أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء من حديثِ أبي هريرة ولم أجده من حديث أنس.
نعم يقول ابن عباس رضي الله عنه، لكن جاء في الحديث عن أبي الدرداء في الروايات يقول سبحانه وتعالى: " ما من ثلاثة لا يؤذنون ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان"، فضعف الذكر والإهمال للذكر سبب تسلط عدو الله على الإنسان، قال تعالى :" وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ"[الزخرف،٣٦]، ومن ذلك إذا كانوا ثلاثة نفر يعيشون في أي مكان او في قرية، ولا يؤذن فيهم لأجل الفرائض فالشيطان راكب على رؤوسهم ويلعب بهم كما يشاء، يستحوذ عليهم بتركهم لهذا الذكر وترك إقامة هذه الشريعة العظيمة شعيرة الأذان، لا إله إلا الله .
يقول :" ما من ثلاثة لا يؤذنون ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان" أي: ما من ثلاثة في بدو ولا قرية لا يؤذن فيهم لصلاة الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان، قال تعالى :" اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُوْلئَكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ" [المجادلة،١٩] ولا يتفق ذكر لله تعالى يتعلق بقلب الذاكر مع استحواذ الشيطان ما يجي أي ما يتأتى استحواذ الشيطان مع الذكر، لكن إما ذكر يغلبُ القلب خالص والشيطان عن صاحبه بعيد، وإما غفلة عن الله واستحواذ للشيطان على قلب ابن آدم والعياذ بالله -تبارك وتعالى-، فلا تجتمع حقيقة الذكر مع استحواذ الشيطان، إنما يستحوذ الذين يغفلون عن الله -تبارك وتعالى-، قال تعالى :(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف،٣٦]،
يقول : وكان ﷺ يقول: " إذا حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدكم وليَؤُمّكم أكبركم" وكان يقول ﷺ:" الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين" أمر ﷺ بالأذان إذا حضرت الصلاة أي: المفروضة ، فالأذان مستحبٌ للصلاوات المفروضة، أما الصلاوات النوافل، وإن كان فيها جماعة فلا يؤذن لها، وإنما ينادى لها الصلاةُ جامعة أو الصلاةَ جامعةً كمثل التراويح ،وكمثل الاستسقاء ،وكمثل صلاة العيدين، وكمثل الخسوف والكسوف، كلها نوافل تستحب فيها الجماعة فلا أذان لها ، ولكن ينادى لها الصلاة جامعة.
فالأذان في اللغة: هو الإعلام. قال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) [الحج،٢٧]. وقال تعالى: (وأذانٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إلى النّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَرِ أنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ ورَسُولُهُ) [التوبة،٣]، أي: إعلام أن الله بريءٌ من المشركين والرسول بريءٌ من المشركين ﷺ.
فالإعلام بوقت الصلاة المفروضة بألفاظ معلومة مأثورة على أوصاف مخصوصة يسمّى الأذان، وهذا إعلام بحضور الوقت، إلا ما يكونُ من الأذانِ الأول للصبح فهو إعلام باقتراب الوقت، هذا الوقت ما دخل لكن إعلام باقتراب الوقت، وكذلك الأذان الأول للجمعة، فهو إعلام باقتراب الوقت؛ أما غيرها فإعلام بدخول الوقت، ولكن الأذان الأول للفجر والأذان الأول للجمعة فإعلام باقتراب الوقت، بعد ما دخل الوقت ولكن إعلام بأنه قد قَرُب، قُم يا نايم.. قُم يا غافل.. واستعد لصلاة الفجر، وتنبَّه يا متأخر عن الجمعة قد قَرُب الوقت، قُم إلى فريضة ربك وتعال إلى الجامع. فيكون الأذان الأول قبل دخول الوقت من أجل الإعلام بقرب الوقت ليحضر المتأخر في الجمعة، ويقوم النايم الغافل في الفجر فيذكرون الله -تعالى- ويستغفرونه في السَّحَر قبل أذان الفجر.
وكذلك الإقامة في اللغة: تأتي بمعنى الاستقرار والاستمرار والإظهار والنداء وإقامة القاعد إلى غير ذلك.
وهي في الشرع :إعلام بالقيام إلى الصلاة بألفاظ معلومة مأثورة على صفة مخصوصة.
"فليؤذن لكم أحدكم.." وينبغي أن يكون أنداهم صوتاً أي أكثرهم بلوغاً لصوته إلى مسافةٍ أبعد، يقول ﷺ لسيدنا عبد الله بن زيد: " ألقِهِ على بلال فإنه أندى منك صوتاً" ، فكان أظهر المؤذنين لسيدنا رسول الله ﷺ سيدنا بلال، وكان من المؤذنين ابن أم مكتوم، وكان من المؤذنين أبو محذورة بمكة المكرمة، فهؤلاء أشهر المؤذنين لسيدنا رسول الله ﷺ .
وقد جاءت روايات في الحديث عن أول دخول الناس للجنة أنهم: الأنبياء ،ثم الشهداء،ثم مؤذنوا المسجد الحرام، ومؤذنوا المسجد الأقصى، ومؤذنوا مسجدي هذا، ثم سائر المؤذنين، ذكر هؤلاء أول الناس دخولاً للجنة في يوم القيامة.
"فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم ..":
وإذا استووا فالأكبر سناً هو الذي يتقدم لأجل الإمامة في الصلاة.
ويقول ﷺ :" الإمام ضامن.." معنى ضامن أي: صاحب ضمان في التقديم والتأخير، فهو ضامن إن تعدى وإن تقدم وتأخر، وفي إحسانه، وإتقانه، وفي إخلاصه لوجه الله تبارك وتعالى وفي نظره إلى البيوت إذا كان يرتفع على مكان مرتفع، فهو ضامن.
"والمؤذن مؤتمَن.." على إخلاص القصد لوجه الله تبارك وتعالى، وإخلاص الخضوع والخشوع والتضرع والدعاء، "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمَن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين.." من حديثه ﷺ فيما رواه الترمذي، وفيه الدعوة بالإرشاد للأئمة وبالمغفرة للمؤذنين، ولا يسمع مدى صوت المؤذن -كما سيأتي معنا- إنس ولا جنّ إلا وشهد له يوم القيامة "يُغفر للمؤذن مدى صوته"
ويأتي في أذان الصبح التثويب وهو أن يقول: الصلاةُ خيرٌ من النوم ، يزيد عبارة (الصلاة خير من النوم) بعد الحيعلتين: حي على الصلاة وحي على الفلاح، فيقول: الصلاة خير من النوم.
ويشمل التثويب عند الحنفية النداء بين الأذان والإقامة بمثل تكرير حي على الصلاة ،حي على الفلاح، وأي شيء يعتاد للتنبيه، فجعلوه من جملة التثويب ،ويتأكد هذا في صلاة الصبح أي التثويب .
وقد بدأ الأذان في السنة الأولى من الهجرة لأنه ﷺ لما هاجر بنى مسجده .
وكان من أول شغله بالمدينة عند الهجرة:
فكانت هذه أوائل أعماله عندما جاء المدينة المنورة.
فبنى المسجد وكانوا يحرصون على الصلاة مع نبيهم ﷺ فقد يتأخر بعضهم، ويتقدم ويجلس وقت طويل، وما يعرف تحديد الوقت وتعينه، فتشاوروا كيف يعملون؟
فعندما قدم النبي ﷺ المدينة كانوا يجتمعون وهم حريصون أن يصلوا مع نبيهم ﷺ، فيتحينون الصلاة وليس ينادي به أحد تكلمو يوما في ذلك ويقولوا: يوجد ناس يتقدمون ويجلسون وقت طويل منتظرين، وناس يتأخرون وقد فاتهم شيء من الجماعة أو الجماعة، فنريد علامة نعلم بها دخول الوقت من أجل أن يجتمعون في الوقت المحدد .
قالوا بعضهم: ناقوس، قالوا: مثل ناقوس النصارى.
قالوا بعضهم :قرن -بوق- قالوا :مثل قرن اليهود.
قالوا بعضهم : نشعل نار، قالوا :هذا مثل علامة المجوس -الفرس الذين يعبدون النار- وتفرقوا لم يتفقوا على شيء.
فإذا عبد الله بن زيد رأى من معه ناقوس يقول له: تبيعني هذا، قال: لماذا تريده؟ قال: أريده من أجل الإعلام بالصلاة، قال: ألا أدلك خير من هذا؟ إذا جاء وقت الصلاة قل: الله أكبر الله أكبر….، وعلمه الأذان، وإذا أقمت الصلاة قل كذا كذا كذا، فعلمه الأذان والإقامة.
ورأى سيدنا عمر مثل هذه الرؤية، وعدد من الصحابة رأوا مثل هذه الرؤية، ولكن سبق سيدنا عبد الله بن زيد إلى النبي ﷺ وأخبرهم فقال ﷺ: إنها لرؤية حق، وجاء عند بعض الأحناف وغيرهم: أنّ مَلَكَاً نزل من السماء فعلَّمَ الأذان .
وعلى كل حال فإن رؤيا عبد الله بن زيد والصحابة توافقت مع الوحي الشريف، فقال له ﷺ: "إنها لرؤيا حق، قم مع بلال فألقي عليه ما رأيت، فليؤذن به"، وفي رواية: "ألقِهِ على بلال فإنه أندى صوتا منك"، وفي رواية فقال: "عمرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: أَوَلَا تَبعَثونَ رجُلًا يُنادي بالصَّلاةِ؟ قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا بِلالُ، قُمْ فنادِ بالصَّلاة"، وهكذا سيدنا عبد الله بن زيد اشتهرت رؤيته للأذان.قال: فلما تعلَّمَ الأذان جاء وأخبر النبي ﷺ قال:" إنها لرؤيا حق"، فثبت الأذان بتقريره ﷺ، وهو في السنة الأولى من الهجرة.
حكم الأذان :
فهو مشروعية اختلف العلماء فيها هل هو سنة مؤكدة ؟ وهو كذلك عند جمهورهم أو هو فرض كفاية؟
ومع ذلك فكلهم مجمعون على أنه إذا تركه أهل بلدة قوتلوا على ذلك، وأمروا به فهو سنة مؤكدة كما هو الراجح عند الحنفية، والأصح عند الشافعية، وبه قال بعض المالكية.
وأنه أيضا سنة مؤكدة في السفر عند الحنابلة، ولكن المعتمد عند الحنابلة أنه فرض كفاية على أهل الحضر، يعني على كل ساكنين بمنطقة يكون فرض كفاية أن يؤذن بينهم وإلا أثموا كلهم.
ومع ذلك فلو صلوا من دون أذان ولا إقامة فالصلاة صحيحة بالاتفاق، سواء عند من قال أنه سنة مؤكدة، أو عند من قال أنه فرض كفاية فالصلاة صحيحة، ولكن يفوته الثواب العظيم من أجل الأذان الذي لو علمنا فضله لتساهمنا عليه، لاتخذنا القرعة وما بيحصل فرصة واحد منا أذان يأذن له على راحتهم -بيحصل له منافسين يقول أنا بأذن والثاني يقول أنا بأذن وأنا بأذّن- فما بيقدر أحد يأذن إلا بعد القرعة لو عرفوا فضل الأذان، لكنهم ما عرفوا فضله فيمر على الواحد من المسلمين أسبوع ولا أذّن، وشهر ولا أذّن أذان واحد لا في بيته ولا في السفر ولا في الحضر ما يأذِّن أبداً!
ما لك رغبة في الخير العظيم هذا ؟ ما تعلم ما فيه من الثواب؟ اغنم الفرصة متى قدرت أن تأذّن أذّن، وادخل في دائرة المؤذنين، "والمؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة".
"قال: وسُئِل ابن عمر -ما معنى ضامن؟- عن الضمان فقال: ضامن إذا قدَّمَ أو أخَّر وأحسن أو أساء".
اكتبنا في ديوان أهل الصدق من خيار الخلق الحائزين لقصب السبق، المقيمين لشعائر الله ولشريعة الله ولدين الله وللفرائض والسنن، المقتفين بجد الحسين والحسن في السر والعلن، المجتنبين المبتعدين عن الآثام والذنوب والشبهات والمكروهات والمحرمات ظاهراً وباطناً، ويثبتنا وإياكم في ديوان أهل الصدق، ويعيذنا من كل سوء أحاطه بعلمه ، ويصلح لنا وللأمة الشأن كله لكي يختم لنا بالحسنى وهو راضٍ عنا.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
26 جمادى الآخر 1445