كتاب كشف الغمة -65- مواصلة: باب فضل الوضوء وبيان صفته

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: مواصلة: باب فضل الوضوء وبيان صفته

 صباح الثلاثاء: 20 صفر 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  غسل الوجه باليد اليمنى أم باليدين معاً
  •  مسح الأذن مسحا مستقل
  •  الزيادة في غسل اليدين والرجلين
  •  أحكام الاستعانة في الوضوء
  •  تحريك الخاتم عند الوضوء
  •  سنن في الوضوء تتدارك إذا نُسيَت
  •  من آداب الوضوء عدم الاستعانة
  •  على من يجب الوضوء لكل صلاة؟
  •  الوضوء من آنية النحاس
  •  يسن السواك بعد سنة الوتر
  •  الشرب من ماء الوضوء

نص الدرس مكتوب:

"قالت ميمونة: وكان رسول الله ﷺ يغسل وجهه بيده اليمنى وتارةً يغسله بيديه معًا، وكان يأخذ لأذنيه في أكثر أحواله ماءً جديدًا غير فضل ماء الرأس، وكان ﷺ يقتصر كثيرًا على غسل اليدين والرجلين إلى المرفقين والكعبين وتارةً يجاوزهما.

وكان ﷺ تارةً يصبُّ الماء على أعضائه بنفسه ويقول: "لا أحب أن يعينني أحد على طهوري"، وتارةً كان يستعين بغيره، وكانت أم عباس توضئه قائمةً وهو قاعد ﷺ، وكان ﷺ كثيرًا ما يترك تخليل اللحية والأصابع إذا كان قريب العهد بالتخليل والترجيل، وكان ﷺ يحرك خاتمه في الوضوء في أكثر أحواله.

 خاتمة: كان عبد الله بن مسعود يقول: من نسي مسح الرأس فذكر وهو يصلي فوجد في لحيته بللاً فليأخذ منه ويمسح به رأسه، فإن ذلك يُجزيه، فإن لم يجد بللاً فليعِد الوضوء والصلاة . 

وكان عثمان يأمر صاحب سلس البول أن يتوضأ لكل صلاة، وكان علي يرخّص في غسل اليسار قبل اليمين، ويقول: ما أبالي إذا تمّمت وضوئي بأي عضو بدأت، وكذلك كان ابن مسعود يقول. وكان علي رضي الله عنه إذا جدّد الوضوء وحضرت الصلاة دعا بماءٍ فأخذ كفًّا واحدًا فتمضمض منه واستنشق منه ونضح بفضله وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه ثم يقول: هذا وضوء من لم يُحدث، كما تقدم ذلك أول الباب. 

وكان رضي الله عنه يجمع ماء الوضوء في الطشت حتى يمتلئ ويطف ولا يبادر بإهراقه قبل الامتلاء مخالفةً للمجوس، وكان معاوية رضي الله عنه يقول: نُهيت أن أتوضأ في آنية النحاس، وأن آتي أهلي في غِرّة الهلال، وإذا انتهيت من سنة الصلاة أن أستاك، وسيأتي مزيد على ذلك مفرقًا الكلام على سنن الوضوء إن شاء الله تعالى، والله أعلم."

اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون

 

الحمد لله مُكرمنا بالشريعة الغرّاء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأهل بيته الذين حازوا به طُهرا، وأصحابه الذين رفع الله لهم به قدرا، وعلى من تبعهم بإحسانٍ سرًّا وجهرا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المرتقين في الفضل أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

 يواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث المتعلقة بالوضوء، ويقول: "قالت ميمونة: وكان رسول الله ﷺ يغسل وجهه بيده اليمنى وتارةً يغسله بيديه معًا" وذلك هو الأكثر المأخوذ من الروايات؛ أنه يحمل الماء باليدين معًا فيغسل وجهه ﷺ "وكان يأخذ لأذنيه في أكثر أحواله ماءً جديدًا غير فضل ماء الرأس" أي: يضع يده في الإناء ثم يمسح بها الأذنين، ولا يكتفي بالبلل الباقي من مسح الرأس، وعلى هذا قول من قال: أنّ الأذنين عضوان مستقلان ليسا من الرأس وليسا من الوجه فيُسنّ في الوضوء لهما مسحٌ مستقل؛ فلا يكفي أن يمسحهما من آثار بلل الرأس. قال: "وكان ﷺ يقتصر كثيرًا على غسل اليدين والرجلين إلى المرفقين والكعبين وتارةً يجاوزهما." أي: يجاوز المرفقين إلى العضد، وقد تقدّم معنا أن أعلاه وأكمله أن يصل إلى الكتف، وكذلك يجاوز الكعبين في الرجلين إلى نصف الساق، وقد مرّ معنا أن أكمله وأكثره إلى الركبة، فهذا مبلغ ما يُحسَنُ به الوضوء وتتمّ فيه المبالغة في إطالة التحجيل كإطالة الغرّة بالنسبة للوجه.

قال: "وكان ﷺ تارةً يصب الماء على أعضائه بنفسه ويقول: "لا أحب أن يعينني أحدٌ على طهوري"، وتارةً كان يستعين بغيره"؛ يصبُّ عليه غيره، ومن هنا تكلّموا عن الاستعانة في الوضوء والطهارة.

 وقال الشافعية أنها تنقسم إلى خمس:

  • استعانة مباحة في نحو تقريب الماء.
  • استعانة خلاف الأولى في الصبّ لمن يستطيع أن يصب بنفسه.
  • استعانة مكروهة؛ أن يستعين بمن يغسل له أعضائه وهو قادر على أن يغسل الأعضاء.
  • استعانة تكون واجبة؛ المريض العاجز الذي لا يستطيع أن يتوضأ بنفسه يجب عليه أن يستأجر من يعينه على أداء الوضوء. 
  • وأما الاستعانة المحرّمة ما يكون من الغصب؛ أن يغصب أحدًا على أن يعينه.

 فعلمنا أن الاستعانة في الوضوء منها مباحٌ ومنها خلاف الأولى ومنها مكروهٌ ومنها واجبٌ، يكون واجب للعاجز؛ يجب عليه أن يستعين بمن يوضئه. 

قال: "وكانت أم عباس توضئه قائمةً وهو قاعد" أي: تصبّ عليه الماء "وكان ﷺ كثيرًا ما يترك تخليل اللحية والأصابع إذا كان قريب العهد بالتخليل والترجيل، وكان ﷺ يحرك خاتمه في الوضوء في أكثر أحواله." أي: عند غسل اليدين؛ فعند غسل اليد من كان في إصبعه خاتم ينبغي أن يحركه لأجل يتيقّن وصول الماء إلى ما تحت الخاتم، هذا إذا كان يتوقّع وصوله بأن لم يكن ضيّق، فأمّا إن كان ضيق ملصق يمنع وصول الماء فيجب تحريكه لأجل غسل ما تحته، وأما إذا كان غير ضيّق ويمكن وصول الماء فيُسنّ التحريك للتيقّن وتأكد وصول الماء إلى ما تحت الخاتم.

وهو كذلك في التيمم، قالوا أنه يُسنّ نزع الخاتم في الضربة الأولى التي يمسح بها وجهه ويجب في الضربة الثانية؛ لأن أثر الغبار ليس بلطيفٍ كالماء فلا يدخل من نفسه، فلا بد أن يُخرج الخاتم حتى يصل أثر الغبار إلى الإصبع كله، ولن يصل إلى ما تحت الخاتم ولو كان الخاتم غير ضيّق؛ لأنه كثيف ليس بلطيفٍ كالماء. و"يحرك خاتمه في الوضوء في أكثر أحواله" وقد يكتفي لبيان الجواز بوصول الماء من دون أن يحرك الخاتم. 

ثم أن هذه السنن التي أشار إليها منها ما يُتدارك، يقول: "خاتمة: كان عبد الله بن مسعود يقول: من نسي مسح الرأس فذكر وهو يصلي فوجد في لحيته بللاً فليأخذ منه ويمسح به رأسه، فإن ذلك يُجزيه، فإن لم يجد بللاً فليعِد الوضوء والصلاة." هذا مذهب ابن مسعود، مع أن مسح الرأس واجب بالاتفاق، فرضٌ من فروض الوضوء وركن من أركانه جاء به القرآن الكريم.

  • ويقول المالكية في سنة المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين: أنه يتداركها في أي وقت إن كان تركها سهوًا أو عمدًا طال الوقت أو قَصُر؛ يفعلها استنانًا، دون ما بعدها.
  •  واختلف الشافعية في تقديم وتأخير المضمضة والاستنشاق؛ هما سُنّتان، ويقول الرملي: يُحتسب ما بدأ به، الذي يبدأ به يُحتسب وفات ما قبله، وقال في المجموع: لا يتداركه، بل قال ابن حجر: المتقدم لغوٌ ولابد أن يعود إلى الأول؛ فعنده الترتيب بينهم مستحقٌّ وإذا قفز لا يحسب له، والشريعة واسعة.

والتسمية في أول الوضوء أيضًا سُنّة، وعند الحنابلة: واجبة، فإن تركها يأتي بها في أثناء الوضوء تداركًا لما فاته، فيقول: بسم الله أوله وآخره، ولا يأتي بها بعد الفراغ من الوضوء؛ إذا قد أكمل الوضوء بخلاف في الطعام والشراب فإنه يُسنّ أن يأتي بها ولو قد فرغ من طعامه وشرابه، يقول: بسم الله أوله وآخره أو بسم الله في أوله وآخره، فإن الشيطان يتقيأ ما شرب معه أو ما أكل معه إذا سمّى الله تعالى. 

  • يقول الحنابلة: أنَّ المضمضة والاستنشاق فرض؛ واجب من الواجبات، يجب أن يتدارك المضمضة بعد الاستنشاق إذا قدَّم الإستنشاق عليها أو حتى بعد غسل الوجه، حتى بعد غسل سائر الأعضاء. ويقول الحنابلة: إذا لم يتذكر إلاَّ بعد غسل اليدين، تدارك المضمضة والاستنشاق وغسلَ ما بعدهما، وأما إن كان قبل غسل اليدين فلا يحتاج غسل ما بعدهما.

إذًا، يقول الجمهور: أن المضمضة سنة، ويقول الحنابلة واجبة، كذلك الإستنشاق؛ عند الحنابلة: واجب وفرض من فروض الوضوء، والجمهور أنه سنة.

وجاء في حديث أبي سلمة بن عبدالرحمن: "أنَّ رسول الله  كان يغسل وجهه بيمينه"، المراد: أنه في بعض الأحيان، وقد علمنا أن المشهور والأكثر من فعله أنه يحمل الماء بيديه معًا ويغسل بهما وجهه من أعلاه، يبتدي من أعلاه. وجاء عن ابن عمر يقول: "رأيت رسول الله  يستقي ماءً لوضوئه، قلت: ألا أعينك عليه؟ قال: لا أحبُّ أن يعينني على وضوئي أحد"، هكذا في رواية البزار. وعن سيدنا علي أيضًا أنه: "رآه أبا الجنوب يستقي ماءً لوضوئه -سيدنا علي- فقال له أبو الجنوب: ألا أستقي لك؟ قال: ما أحب أن يعينني عليه أحد".

والمعنى أن أنواع الطاعات والعبادات والقربات: 

  • مهما قدر المؤمن أن يستقلّ فيها بنفسه ويأتي عليها بلا معاونة أحد فذلك هو الأفضل وذلك هو الأكمل.
  •  فإذا عجز؛ فليَستعِن بمن يُعينه على القيام بها.

وجاء أيضًا عند أبي يعلى يقول أبو الجنوب: "رأيتُ عليًا يستقي ماءً لوضوئه، فبادرته أستقي له، فقال: مه يا أبا الجنوب، فإنِّي رأيتُ عُمر يَستَقي ماءً لوضوئِه، فبادَرتُه أستَقي له، فقال: مَهْ يا أبا الحَسن، فإنِّي رأيتُ رسولَ اللهِ  يَستَقي ماءً لوضوئِه، فبادَرتُه أستَقي له ، فقال: مَهْ يا عُمر ، فإنِّي أكرَهُ أنْ يُشْرِكَني في طُهوري أحَدٌ". فإذًا، ترك الاستعانة لمن لا يحتاج إليها سُنّة. وقال الحنفية: هو من آداب الوضوء أن يتولَّى الشخص وضوئه بنفسه مهما قدر على ذلك، وكما كان أيضًا يتولَّى  صدقته التي يحب أن يتصدق بها غالبًا. وجاء في رواية ابن ماجه عن صفوان بن عسّال يقول: "صببتُ على النبي  الماء في السفر والحضر في الوضوء". وكما أسلفنا يقول الحنفية: أنَّ من آداب الوضوء عدم الاستعانة؛ عدم استعانة المتوضئ بغيره إلا لعذرٍ، وحملوا ما جاء عنه  على بيان الجواز. 

يقول: "وكان عثمان يأمر صاحب سلس البول أن يتوضأ لكل صلاة"، وهو الحكم لمن كان دائم الحدث، فلا بدَّ من تجديد وضوئه لكل صلاة، كالمستحاضه وسلس البول. "وكان علي يُرخِّص في غسل اليسار قبل اليمين" وهذا لأن التيامن سُنّة، ويجزئ لو قدَّم اليسار، ولكنه خلاف الأوْلى وخلاف السنة الشريفة، وإنما من جهة الصحة يصحّ الوضوء. ويقول: "ما أبالي إذا تمّمت وضوئي بأي عضو بدأت" أي: في الحكم بصحته، "وكذلك كان ابن مسعود يقول: وكان علي رضي الله عنه إذا جدّد الوضوء وحضرت الصلاة دعا بماءٍ فأخذ كفًّا واحدًا فتمضمض منه واستنشق منه ونضح بفضله وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه ثم يقول: هذا وضوء من لم يُحدث، كما تقدّم ذلك أول الباب" أنه يحبّ تجديد الوضوء، وسيدنا عمر كذلك لكل فرضٍ، وإن كانوا متوضئين، فيجدّدون الوضوء، ويقرؤون قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ..) [المائدة:6].

ويقول الحنفية: المستحاضة ومن به سلس البول أو استطلاق البطن أو انفلات الريح أو رعاف دائم أو جرح لا يرقأ، يتوضؤون لكل صلاة؛ لأن هذه من نواقض الوضوء عندهم، فيُصلّون بالوضوء فرضًا واحدًا وما يشاؤون من النوافل .

يقول: "وكان رضي الله عنه يجمع ماء الوضوء في الطشت حتى يمتلئ ويطف ولا يبادر بإهراقه قبل الامتلاء مخالفةً للمجوس، وكان معاوية رضي الله عنه يقول: نُهيت أن أتوضأ في آنية النحاس" ولكن جاء بعد ذلك الوضوء من النحاس عنه ﷺ، "وأن آتي أهلي في غرة الهلال، وإذا انتهيت من سنة الصلاة أن أستاك" فهذا إنّما يكون في صلاة الوتر بعد الإنتهاء منها، يُسن أن يستاك.

 

جاء في صحيح البخاري: "عن سيدنا علي أنه صلَّى الظهر ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت صلاة العصر، ثم أُتيَ بماء فشرب وغسل وجهه ويديه ورأسه ورجليه، ثم قام فشرب فضله وهو قائم، ثم قال: إنَّ ناسًا يكرهون الشرب قائمًا، وإنّ النبي  صنعَ مثل ما صنعت" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. "وسيأتي مزيد على ذلك مفرقًا الكلام على سنن الوضوء" في الباب الذي يلي هذا إن شاء الله تبارك وتعالى.

فعلمنا أن الأواني غير الذهب والفضة يُباح استعمالها مهما كانت، ولا يُكره استعمال شيء منها، إلا ما رُوي عن ابن عمر: "أنه كَرِه الوضوء في الصفر والنحاس والرصاص"، وعليه هذا الذي ورد. وجاء عن عبد الله بن زيد قال: "أتانا  فأخرجنا له ماء في تورٍ من صفرٍ فتوضأ" رواه البخاري ومسلم، وجاء عن أبي داود في سننه عن عائشة: "كنت أغتسل أنا ورسول الله  في تور من شبه"، فالأصل الحِل نحاس أو صفر أو غير ذلك.

 

رزقنا الله الاستقامة، ومتابعة نبيّه  الموجِبة للكرامة في الدنيا والقيامة، وأن يقينا الأسواء والأدواء وكل بلوى في السر والنجوى، وأن يغمرنا بفائِضات الجود، ويسعدنا بأعلى السعود، ويجمعنا بصاحب المقام المحمود، ويفرّج كروب أمّته في الغيب والشهود، ويجعلنا في أنفعهم لهم وأبركهِم عليهم، وينفعنا بهم عامّة وبخاصّتهم خاصّة، وبنية صلاح القلوب والقوالب في الظاهر والباطن، ويجمعنا به ﷺ ويكشف الحجاب بيننا وبينه. 

 وإلى حضرة النبي محمد ﷺ 

اللهمّ صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه 

الفاتحة.

تاريخ النشر الهجري

20 صفَر 1445

تاريخ النشر الميلادي

05 سبتمبر 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام