(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: مواصلة: باب فضل الوضوء وبيان صفته
صباح الإثنين: 19 صفر 1445هـ
"وكان ﷺ يقول لمن ترك من أعضاء الوضوء مثلاً موضع الظفر: "ارجع فأحسن وضوءك، فيرجع فيتوضأ"، وكان كثيراً ما يأمر من ترك لمعةً أن يعيد الوضوء والصلاة، ويقول : "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار"، وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا جاءوا ورأوا الوقت قد قرب خروجه يعجلون بالوضوء خوف خروج الوقت فينتهون إلى المسجد وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، فرآهم النبي ﷺ فقال : "أيها الناس أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار".
ورأى عمر رجلاً توضأ وترك في ظهر رجله لمعةً لم يصبها الماء فقال له: اغسل ما تركت من قدميك، فتعلل بالبرد فأمر له بخميصة يتدفأ بها، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تأمر النساء بغسل ما على أيديهن من الخضاب، وتنهاهن عن المسح على الخضاب بالماء إذا توضأن، وكانت تقول: لأن تقطع يدي بالسكين أحب إلي من أن أفعل ذلك .
وكان أزواج النبي ﷺ يختضبن بعد صلاة العشاء فينمن عليه فإذا كان الفجر نزعنه فتوضأن وصلين، ثم يختضبن إلى الظهر بأحسن خضاب؛ وكان لا يمنعهن ذلك عن الصلاة. وسيأتي في باب مسح الخف قول جابر لمن سأله: هل يجزيني المسح على العمامة ؟ قال: لا حتى تمسح الشعر بالماء .
وكان ﷺ تارة يمسح رأسه كله، وتارة بعضه، وتارة يقتصر على مسح العمامة، وتارة يمسح بعضه ويكمل على العمامة، وكان رسول الله ﷺ يترك المضمضة والاستنشاق في بعض الأحيان كما يشهد له رواية عبد الله بن زيد السابقة، وربما أخرهما إلى بعد غسل الوجه، ولم يبلغنا أنه ﷺ أخل بترتيب الوضوء إلا في إحدى روايات عبد الله بن زيد السابقة، بالنظر لتأخير مسح الرأس عن الرجلين فقط، وكذلك لم يبلغنا أنه أخل بموالاة الوضوء أبداً، ولكن كان يقر أصحابه على تفريق الوضوء.
وكان ابن عمر يتوضأ في السوق إلا رجليه ثم يجيء إلى المسجد بعد ما جف وضوءه فيمسح على خفيه ويصلي، وأما أمره ﷺ من ترك لمعة بإعادة الوضوء فذلك زجر لهم، وسيأتي ذلك آخر الباب."
اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون
الحمد لله مكرمنا بدينه وبيانه على لسان عبده وحبيبه وأمينه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه، الواعين لحق بلاغه وتبيينه، وعلى آلهم وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان وعلى ساداتنا آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من رفع الله لهم القدر والشأن، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم وأكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الشيخ عليه رحمة الله تبارك وتعالى ذكر الأحاديث المتعلقة بالوضوء وإحسانه وإتقانه وتمامه، وذكر لنا أنه كان ﷺ يقول لمن ترك من أعضاء الوضوء مثلاً موضع الظفر: "ارجع فأحسن وضوءك"، وجاء في رواية الدارقطني والبيهقي: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى رَجُلًا وَبِظَهْرِ رِجْلِهِ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ , فَقَالَ لَهُ -سيِّدنا- عُمَرُ : أَبِهَذَا الْوُضُوءِ تَحْضُرُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْبَرْدُ شَدِيدٌ وَمَا مَعِيَ مَا يُدَفِّينِي، فَرَّقَ لَهُ بَعْدَمَا هَمَّ بِهِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: اغْسِلْ مَا تَرَكْتَ مِنْ قَدَمِكَ وَأَعِدِ الصَّلَاةَ، وَأَمَرَ لَهُ بِخَمِيصَةٍ؛ يتدفى بها من البرد.
وجاء في رواية ابن أبي شيبة عن السيدة عائشة رضي الله عنها، سَأَلَتِ امْرَأَةٌ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَأُصَلِّي فِي الْخِضَابِ؟ قَالَتْ: اسْلِتِيهِ وَارْغِمِيهِ، والخضاب مثل الحناء وغيره من كل ذي جِرْمٍ؛ لا يجوز أن يتوضأ المرء وهو فيها فلا يصل الماء إلى ما تحت جِرْمِ ذلك الخضاب؛ وما تحت جِرْمِ تلك الحناء؛ فيجب أن تزيلها حتى يصل الماء إلى البشرة إلى بشرة أصابعها وكفيها، فلا يجوز أن تبقي ولا لُمْعَةٌ ولا مقدار أظفر من الحدِّ الذي فرضه الله من أطراف الأصابع للمرفقين، ومثله ما يستعملونه ما يسمون أيضًا الخضاب أو غيره؛ وأيضًا ما يستعملونه في الأظافر يستعملنه يقولون أنه مناكير؛ فإذا لم تغسله لأجل الصلاة فهو مناكير جمع منكَر بصيغة منتهى الجموع، وبلية من البلايا ورزية من الرزايا فيجب إزالة كل مانع يمنع وصول الماء إلى البشرة؛ حتى يصل الماء إلى البشر والظفر من الحَدِّ الذي حدَّهُ الله تعالى الوجوه واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الكعبين.
وجاء أيضًا في رواية البيهقي وعند ابن أبي شيبة والدارمي أنه سمع ابن أبي نجيح السيدة عائشة رضي الله عنها لما تذكر بعض نساء يختضبن ثم تمسح إحداهن على خضابها في الوضوء إذا توضأت، قالت: "لأن تقطع يدي بالسكين أحب إلي من أن أفعل ذلك"، أحسن لي أقطع هذه اليد ولا أتوضأ وضوء باطل وصلاة باطلة أدخل فيها حضرة الله تعالى فيعذبني على ذلك؛ أحسن تنقطع اليد كلها لا إله إلا الله، وهكذا من يعظم دين الله وشعائر الله جل جلاله وتعالى في علاه.
وجاء في رواية البيهقي وعند الدارمي كذلك، يقول التابعي: سألت ابن عباس عن الخضاب، قال: أما نساؤنا فيختضبن من صلاة العشاء إلى صلاة الصبح ثم ينظفن أيديهن فيتطَهَّرن ثم يُعِدْنَ عليه من صلاة الصبح إلى صلاة الظهر بأحسن خضاب ولا يمنعهن ذلك من الصلاة، يعني: إذا أرادت أن تتزين خصوصًا المتزوجة لزوجها فتتزين ولكن تَتَحَيَّن الأوقات التي لا تُخِلُّ فيها بالوضوء، فتأخذ لها وقت من العشاء إلى ما قبل الفجر ويكون كافي، وما بعد الفجر إلى وقت الظهر فيكون وقت كافي، حتى يعلَمَ الخضاب وغيره بالبشرة ثم تزيل جرمه ولا يضر بقاء اللون، اللون الذي ليس له جرم لا يضر ولا يمنع حصول الماء للبشرة.
وجاء عند الإمام مالك في الموطأ وكذلك في الترمذي وعند البيهقي عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أنه "سئل عن المسح على العمامة؟ فقال: لا حتى يمسح الشعر بالماء"، وهذا الذي تقدم معنا من أنه يجوز تكميل المسح على العمامة لا المسح على العمامة دون شيء من الرأس.
إذًا علمنا من هذا أنه يشترط لصحة الوضوء:
يجب أن يتعلم المؤمن كيفية الوضوء ويقيم أمور دينه على فقه في الدين "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"
"يا أيها الناس أسبغوا الوضوء ويلٌ للأعقاب من النار" والمشهور غير ما ذكر الشيخ أن ذلك وقع في سفرة من السفرات رأى أرجلهم تلوح أو أعقابهم تلوح بيضة لم يمسها الماء فنادى بأعلى صوته "ويل للأعقاب من النار".
وذكر حديث سيدنا عمر رضي الله عنه وحديث السيدة عائشة وما ذكر ابن عباس من أن نسأهم يختضبن بعد العشاء ويزلنه لأجل الوضوء لصلاة الفجر.
"وكان ﷺ تارة يمسح رأسه كله وتارة بعضه" وقد تقدم معنا الكلام في الواجب الذي يمسح في الرأس:
///إلا في إحدى روايات عبد الله بن زيد السابقة، بالنظر لتأخير مسح الرأس عن الرجلين فقط، وكذلك لم يبلغنا أنه أخل بموالاة الوضوء أبداً، ولكن كان يقر أصحابه على تفريق الوضوء.
يقول: "وكان رسول الله ﷺ يترك المضمضة والاستنشاق في بعض الأحيان كما يشهد له رواية عبد الله بن زيد السابقة، وربما أخرهما إلى بعد غسل الوجه، ولم يبلغنا أنه ﷺ أخل بترتيب الوضوء"، وبذلك قال عامة الأئمة يجب الترتيب في الوضوء وهكذا يقول الشافعية والحنابلة وقول أيضا عند المالكية: أن الترتيب في الوضوء ركن من أركان الوضوء.
ورأى الحنفية: استحباب ذلك وأنه ليس بركن ولا شرط.
وقال الذين أوجبوا الترتيب في أعضاء الوضوء أن النبي ﷺ قال: "أبدأوا بما بدأ الله به"، ولأنه ذكر سبحانه وتعالى ممسوحًا بين مغسولات فدلَّ على الترتيب، غسل الوجه واليدين ثم ذكر مسح الرأس ثم الرجلين وهو غَسل؛ فذكر وسطها مسح فدلَّ على وجوب الترتيب؛ وإلا كان يذكر المغسولات ثم يذكر الممسوح فسيقت الآية لبيان الوضوء الواجب لا الوضوء المسنون؛ ما ذكر فيها شيء من السنن، (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِۚ) [المائدة:6]،وفي قراءة (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).
وكل من حكى وضوء رسول الله ﷺ حكاه مرتبًا، يقول الحنفية وهو قول عند المالكية: أن الترتيب في الوضوء سنة.
وبعد ذلك الموالاة بين أعضاء الوضوء سنة عند الجمهور، وقال المالكية: تجب الموالاة، لكن كان يُقِرُّ أصحابه على تفريق الوضوء فدل على أن الموالاة سنة عند الجمهور وأوجبها المالكية، قال العلماء معنى الموالاة: أن يوالي بين أفعال الوضوء؛ فيغسل العضو الثاني قبل أن يجف الأول في وقت اعتدال الريح والهواء؛ والزمان لا صيف ولا شتاء ولا هبوب ريح؛ ولا كان مزاج الإنسان حار شديد الحرارة تنشف أعضاءه بسرعة ولا شديد البرودة؛ ولكن بحكم الاعتدال، باعتبار الاعتدال إذا مضى وقت بين غسل العضو وعضو يجف العضو الأول فيه مع اعتدال الهواء والمزاج والزمان فقد أخلّ بالموالاة، وإذا غسل العضو الثاني قبل أن يجف الأول فهو موالٍ لأفعال الوضوء.
"وكان ابن عمر يتوضأ في السوق إلا رجليه ثم يجيء إلى المسجد بعد ما جف وضوءه فيمسح على خفيه ويصلي، وأما أمره ﷺ من ترك لمعة بإعادة الوضوء فذلك زجر لهم."
وإلا الواجب فقط يغسل الذي لم يصبه؛ أما إذا كان في الرجل فباتفاق؛ وإذا كان في غير الرجل ففيه خلاف، واعتمد الشافعية وغيرهم أنه يغسل المحل الذي لم يصبه الماء وما بعده من أعضاء الوضوء.
رزقنا الله الإحسان والإتقان واتباع سيد الأكوان في السر والإعلان، ونقانا به عن جميع الأدران ورفعنا به إلى أرفع مكان واصلح شؤوننا وشؤون أمته، وارحم موتانا وأحيانا برحمته الواسعة.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
19 صفَر 1445