(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب فضل الوضوء وبيان صفته
صباح الأحد: 11 صفر 1445هـ
باب فضل الوضوء وبيان صفته
"قال ابن عباس رضي الله عنهما كانت فريضة الوضوء بمكة ونزول آيته بالمدينة، وكان ﷺ يقول : "دخل رجل القبر فأتاه ملكان، فقالا : إنا ضاربوك ضربة، فضرباه ضربة فامتلأ قبره نارًا فتركاه حتى أفاق وذهب عنه الرعب فقال لهما: علام ضربتماني؟ فقالا : لأنك صليت صلاة وأنت غير طهور، ومررت برجل مظلوم فلم تنصره".
وكان ﷺ يقول : "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرج كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًا من الذنوب، حتى تخرج خطاياه من تحت أظفاره وأشفار عينيه، ثم يكون مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة".
قال أبو هريرة رضي الله عنه : وكثيرًا ما كان رسول الله ﷺ يحدثنا بهذا الحديث ثم يقول : ولا تغتروا وكان ﷺ يقول: "ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقوم في صلاته فيعلم ما يقول إلا انفتل وهو كيوم ولدته أمه"".
اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون
الحمد لله مكرمنا بالشريعة العظيمة وبيانها على لسان عبده وحبيبه محمدٍ ﷺ ذي المراتب الفخيمة، صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله أزكى صلاته وتسليمه، وعلى آله وصحبه ومن سار في منهجهم ودأب على طريقهم المستقيمة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين نالوا التشريف من الرّحمن وتكريمه وتعظيمه، وعلى آله وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين
وبعد: فيذكر لنا الشيخ -عليه رضوان الله- الأحاديث المتعلقة بالوضوء في فضله وبيان صفته وفرضيته وما تعلّق بذلك، والوضوء هو أحد مقاصد الطهارة في الشريعة الغرّاء؛ فإنها تحمل في مقاصدها الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة؛ فهذه الأربعة هي مقاصد الطهارة في الشرع المصون. فأولها: الوضوء الذي نزل به القرآن تأكيداً لفرضيته التي سبقت، وذلك أنه قد كان مفروضاً من قبل نزول الآية، والآية نزلت في المدينة المنوّرة، وقد فرض علينا الصلوات في ليلة الإسراء والمعراج قبل الهجرة بنحو سنة.
ثم بعد ذلك أن هذا الوضوء كان هو الشرع لجميع الأنبياء والمرسلين -صلوات الله وسلامه عليهم- هم وأتباعهم، وقد توضأ ﷺ وقال: "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي"، فدلّ ذلك على أنه شريعة جميع الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- فيتوضؤون وقومهم، وقد جاء في حديث سيدنا الخليل إبراهيم أنه لما أُدخلت زوجته سارة على الملك الجبّار توضأت وصلّت ودعت الله تعالى.
وكذلك جاءنا في حديث جريج أنه لمّا أخذوه إلى الملك واتهموه، توضأ فصلّى ركعتين، ثم قال للطفل: من أبوك؟ فقوله توضأ: دلّ على أن الوضوء من الشرائع القديمة التي كانت مع الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-؛ إلا أن المخصوص بهذه الأمة أن يُظهر الله من آثار الوضوء على وجوههم وعلى أيديهم وأرجلهم نورا، فيجعل لهم نورا مخصوصا لا يظهر على الأمم السابقة وإن كانوا يتوضؤون، وليجعله الله ميزة للنبي محمد ﷺ يميّز بها أمته عن بقية الأمم، "من أمتي غرٌّ محجلون من آثار الوضوء يوم القيامة"، فالنور الذي يُحدثه أو يُظهره الله على وجوه أمة النبي محمد من آثار الوضوء، فمن أطال غرّته كان أولى بأن يكثر النور عليه في وجهه، ومن أطال تحجيله في غسل اليدين والرجلين كان أولى أن يُشرق النور على يديه ورجليه فيتميّز في هذه الأمة المميزة عن بقية الأمم.
وهذا الوضوء في اللغة: مأخوذ من الوضاءة، وهي الحسن والجمال والنظافة، ويقال: فيها وضئة وضاءة، يعني: إذا حَسُن ونَظُف، وبعد ذلك اُستعمل في الشرع لهذه الأعمال المخصوصة، فيُعرفه الأئمة بتعريفات متقاربة تدل على معنى واحد:
فهذا معنى الوضوء الذي هو من الشرائع القديمة كما أسلفنا، خلافا لقول ضعيف عند بعض الأئمة أنه من خصائص هذه الأمة، وإنما أخذوه من قوله: "إن من أمتي غر محجلين من آثار الوضوء يوم القيامة" وذلك لا يدلّ على خصوصيتهم في الوضوء ولكن يدل على خصوصيتهم في ظهور النور عليهم بسبب الوضوء.
فقد شُرع الوضوء بالكتاب والسنة والإجماع ولهذا قال أهل العلم: من أنكر وجوب الوضوء للصلاة كفر -والعياذ بالله تعالى-، لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (سورة المائدة:6)،
وإنما يبقى الاستحباب والسّنية كما يأتي آخر الباب معنا أنّ سيدنا علي كان يتوضأ للصلاة وإن كان متوضئًا وكذلك يُذكر عن سيدنا عمر -رضي الله عنهم- أنهم يتوضؤون وإن كانوا متوضئين. وهذا هو التجديد -تجديد الوضوء- وهو السنّة.
إذا علمنا مشروعيته في الكتاب والسنة، قال ﷺ: "لا تُقبل صلاة بغير طهور"، وإذًا يتعرض مُنكره، أي: منكر وجوب الوضوء للكفر، والحنفية قالوا: إن أنكر وجوب الوضوء للصلاة يكفر أما لغير الصلاة ما يكفر؛ يفسق، أو أنكر وجوب الوضوء لمس المصحف أو نحو ذلك فما يكفر؛ لأن النّص جاء في الوضوء للصلاة {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ}، وأطلق غيرهم أن منكر وجوب الوضوء يقع في الكفر -والعياذ بالله تعالى- والوضوء على الوضوء نور على نور.
وذكر لنا في فضل الوضوء أنه عُذّب رجل في قبره لأنه دخل مرة الصلاة بغير وضوء، ومرّ بمظلوم يستطيع أن ينصره فلم يبالي ولم ينصره، فضُرب ضربة في قبره اشتعل عليه القبر فيه نارا، وفي الحديث دلالة لقول جمهور العلماء من أهل السنة: أنه يُعذب الإنسان في قبره أو يُنعم، أي: في المدة البرزخية التي يقضيها ما بين خروج الروح من الجسد إلى وقت النفخة الأولى، ثم الثانية في الصور التي يتم بعدها القيامة، أنه في خلال هذه المدة إلى وجود قيام الساعة يتعرض إمّا للنّعيم إن كان من المؤمنين الصادقين المخلصين، وإمّا الجحيم إن كان كافراً أو فاسقاً -والعياذ بالله تبارك وتعالى- اللهم اجعل قبورنا رياضاً من رياض الجنّة، وقبور آبائنا وأمهاتنا وقراباتنا وذوي الحقوق علينا وأصحابنا وأحبابنا وطلابنا ولا تجعل فيها حفرة من حفر النار.
فقد جاء في الحديث: "القبر إما روضاً من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار" وقال الله عن قوم فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (سورة غافر:46)، فهذا العرض غدو وعشي على النار من عذاب القبر وكان ﷺ يستعيد بالله من عذاب القبر ويعلمنا الاستعاذة من عذاب القبر في كل صلاة، حتى قال سيدنا عبد الله بن عباس: بأن الاستعاذة من عذاب القبر في الصلاة واجب من واجبات الصلاة، وأن من صلى ولم يتعوذ من عذاب القبر لا تصح صلاته يجب عليه أن يعيد الصلاة، التعوذ من عذاب القبر علمنا ذلك ﷺ.
اللهم اجعل قبورنا من رياض جناتك.
"يقول : دخل رجل القبر-يعني أُقبر وأُلحد فأتاه ملكان فقالا : إنا ضاربوك ضربة ،فضرباه ضربة فامتلأ قبره ناراً فتركاه-والعياذ بالله حتى أفاق وذهب عنه الرعب فقال لهما علام ضربتماني؟-لمَ هذه الضربة؟- فقالا : لأنك صليت صلاة وأنت غير طهور، ومررت برجل مظلوم فلم تنصره"فعُذِِب بهذا العذاب وكان بقية أعماله صالحة أو قد عفي عنه فيها، فبقي العذاب على هذين العملين أنه دخل الصلاة بغير وضوء، وأنه مر على المظلوم فلم ينصره.
علمنا أن فرض الوضوء متقدمًا وأنه ﷺ لما كان يصلي قبل فرض الصلاة ركعتين في الغداة وفي العشي وغيرها من الصلوات كان يتوضأ ﷺ وكان يصلي بالوضوء ثم فُرضت الصلاة مع الوضوء وما بيَّنه سيدنا جبريل أيضًا، واعتنى به ﷺ ومن عناية الله بالوضوء أن أنزل آية الوضوء في المدينة المنورة والوضوء معلوم من قبل لكن أكَّد هذا الوجوب وبيَّن سبحانه وتعالى.
وكان من اعتنائه ﷺ بالوضوء كما يجي معنا في الأحاديث أنه يتعمد الوضوء أمام الصحابة ويُريهم كيف الوضوء؛ وحتى أخذه منه أصحابه فكانوا قد يتوضؤون أمام جمعٍ من الناس يُرونهم كيف كان يتوضأ رسول الله ﷺ فهو: من الأفعال المهمة في الشريعة والتي ينبغي الاعتناء بها وإحسانها وأداءها على التمام؛ ولذا كان الإمام الداعي إلى الله الحبيب أحمد بن عمر بن سُميط يقول: ما ندري بعامة الناس كيف يتوضؤون؟! فوددت أن تنزع الأبواب من على الجوابي لما كانوا في سابق العهد عامة الوضوء والناس في الجوابي وتكون مقفلة الأبواب، يقول: يريد أن ننظرهم كيف يتوضؤون وقد جعل عنده مكانًا للوضوء ومن جاء عنده من البادية والعامة يقول: كيف تتوضؤون؟ ويُريه ويأمره أن يتوضأ أمامه؛ حرصًا على الشريعة المطهرة وعلى العمل بها. وهكذا نُدبنا إلى الإسباغ في الوضوء. لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ.
يقول: ما حكم من تعمد أن يصلي بغير وضوء؟ يعني وهو متمكن وقادر على الوضوء، والعاجز قد شرع الله له التيَيم، قال:(... فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا…) [النساء:43]،
ولكن ترك الصلاة كسلًا :
وكذلك يقولون: من ترك شرطًا مجمعاً عليه أو ركنًا مثل الطهارة والركوع والسجود فهو كتارك الصلاة؛ فإنهم يُستتابوا في وقت كل صلاة ثلاثة أيام فإن أقامها على الوجه وإلا قُتل.
ثمَّ ذكر لنا خروج الخطايا؛ بسبب الوضوء فهو من المُكفرات للذنوب "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرج كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب حتى تخرج خطاياه من تحت أظفاره وأشفار عينيه، ثم يكون مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة" أي: زيادة من الفضل وقد غُفِرت ذنوبه بسبب الوضوء، قالوا وفي هذا كفارة الذنوب الصغائر، وأمََا الكبائر وما بينه وبين الخلق فلا تصح فيه التوبة ولا تكون كفارة إلا بالتوبة النصوح و رَدِِ المظالم إلى أهلها. ومن هناك كان قول مرجوح قديم عند الحنفية: أن الماء الذي توضأ به من وجب عليه الوضوء يكون نجسًا لخروج الخطايا فيه، المعتمد عندهم كغيرهم من الأئمة: أنه طهور أن الماء طهور وإنما هذا أمر معنوي في خروج الأقذار الباطنة من الإنسان مع الماء.
"يقول أبو هريرة رضي الله عنه : وكثيراً ما كان رسول الله ﷺ يحدثنا بهذا الحديث-أو خروج الخطايا- ثم يقول : ولا تغتروا" يعني لا تتجرأو على ارتكاب الذنوب والمعاصي وتتركوا الواجبات وتقولون سنتوضأ ويُغفَر لنا وإنما ذلك يكون من فضل الله على من قَبِلَ منه وضوءه وكان ذنوبه في الصغائر التي بينه وبين الله تعالى، أما التي بينه وبين الخلق فلا كفارة ولا مغفرة حتى يسامحه أهل الحق ويرد إليهم حقوقهم، وأما الكبائر فلا تُكَفََر إلا بالتوبة الصادقة.
رزقنا الله كمال التوبة والغفران وأصلح لنا كل شأن ورفعنا أعلى مكان
بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ وبارك عليه وعلى آله وصحابه الفاتحة.
11 صفَر 1445