للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب حكم الأواني

 صباح الأربعاء: 29 محرم 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  معنى الآنية، وشمولية الشريعة للأحكام
  •  حكم استعمال آنية الذهب والفضة
  •  هل يصح الوضوء من آنية الذهب؟ 
  •  حكم الإناء المضبب بالذهب أو الفضة
  •  الآنية المموهة والمطلية بالذهب والفضة
  •  هل يجوز اقتناء آنية الذهب والفضة للزينة؟
  •  وصف قدح للنبي فيه ضبة من فضة
  •  محافظة الصحابة على آثار النبي ﷺ
  •  وصف أواني رسول الله ﷺ واستعمالها
  •  كان ﷺ يمتشط بمشط العاج

نص الدرس مكتوب:

باب حكم الأواني

 "قال أبو هريرة رضي الله عنه : "كان رسول الله ﷺ يعجبه الإناء المنطبق الرأس"، وكان ﷺ ينهى عن استعمال أواني الذهب والفضة ويقول : "من شرب من إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم"، وكان له ﷺ قدح مسلسل بفضة وفيه ضبة منها، وكان قدحاً عريضاً من نضار وهو شجر بنجد، وكان أنس يخرجه يريه لبعض الناس فيبكون حين يرونه ويتذكرون صاحبه ﷺ، وكان أنس يقول: لقد سقيت رسول الله ﷺ في هذا القدح ما لا أحصي وكان فيه حلقة من حديد فأراد أنسٌ -رضي الله عنه- أن يجعل مكانها حلقة ذهب أو فضة فقال له أبو طلحة : لا تغيره عما كان عند رسول الله ﷺ، فتركه . 

وقالت عائشة رضي الله عنها: "كنا نضع لرسول الله ﷺ ثلاثة أوانٍ تخمَّرُ من الليل : إناءٌ لطهوره وإناء لشربه وإناء لسواكه"، وكان ﷺ كثيراً ما يتوضأ من آنية النحاس، وسيأتي آخر الوضوء قول معاوية: نُهيت أن أتوضأ في آنية النحاس. 

وكان ﷺ يمتشط بمشط العاج، وكان عمر يكره الإدهان في عظم الفيل، وكان ﷺ يقول: "غطوا الإناء واذكروا اسم الله، وأكفوا الإناء واذكروا اسم الله، وأوكوا السقاء واذكروا اسم الله فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء"، قال الإمام الليث : وكانوا يتقون الوباء في كانون الأول.

اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون 

 

الحمد لله مكرمنا بالشريعة وبيانها على لسان صاحب الرتب الرفيعة سيدنا محمّد ذي الوجاهات الوسيعة، صلّى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه وأضحى تبيعه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ويتحدث الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- ويذكر ما ورد في حكم الأواني وهي جمع آنية، والآنية جمع إناء، فالإناء يُجمع على آنية والآنية تُجمع على صيغة منتهى الجموع أواني، والإناء: الوعاء وهو كل ظرف يمكن أن يستوعب غيره فيقرب منه الظرف والماعون، وهذا الاستعمال الأواني جاءت الشريعة فيها بأحكام، وفيه بيان شمول الشريعة لشؤون الحياة وشؤون الإنسان في الحياة، وهو نظام الحق -جل جلاله- لعباده في جميع ما يزاولونه في هذه الحياة الدنيا {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة:50)، وليس الحق لأحد في التحريم والتحليل إلّا للخالق الذي خلق فهو أهل ذلك ومستحقه، وأما اتخاذ المسلك بعد ذلك في تحريم وتحليل من الناس على بعضهم البعض فهو اتخاذ بعضهم بعضا أربابًا من دون الله -والعياذ بالله تبارك وتعالى- كما قال تعالى في الذين اتبعوا الأحبار والرهبان وقد حرّموا ما أحلّ الله وأحلّوا ما حرم الله {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة:31).

 فأول ما يتعلق بالأواني آنية الذهب وآنية الفضة، فجميع أنواع الأوعية والظروف والأواني من الذهب والفضة لا يجوز استعمالها، لا ملعقة ولا فنجان ولا مشط ولا أي شيء يُستعمل من الأواني، فالذهب والفضة محرّم استعماله وعليه الأئمة الأربعة لقول نبينا ﷺ "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" اللذين هم الكفار لهم في الدنيا ولكم في الآخرة، هكذا جاء في رواية الإمام أحمد والصحيحين وعند أصحاب السنن الأربعة.

ونهى ﷺ عن الشرب في آنية الفضة وقال: "من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة" كما جاء في روايات عند الإمام مسلم في صحيحه، فالنهي للتحريم؛ وإن كان ذكر الشرب والطعام والأكل فليس المراد خصوصها، فإن العلة موجودة إلا إذا قال أنا  اتوضأ فيها ما بأشرب، قال أنا اكتحل بها، كل نوع من أنواع الاستعمال لأي آنية من فضة أو ذهب حرام على الرجال وعلى النّساء هكذا.

 فإذا توضأ من آنية فضة أو ذهب:

  •  يقول الحنفية والمالكية والشافعية مع أكثر أهل الحنابلة: أنه يصح.
  • وقال بعض الحنابلة: يصح مع الإثم مأثوم؛ مأثومٌ والوضوء صحيح، لأنه ما هناك شيء متعلق بالوضوء وإنما متعلق باستعمال الإناء وهو حرام عليه فهو مأثوم من حيث استعماله إناء الفضة ولكن الوضوء صحيح. 
  • قال بعض الحنابلة: والوضوء باطل ما يصح ما دام نُهي عنه، فالوضوء منه لا يصح وهو باطل، فذهب بعض الحنابلة إلى عدم صحة الطهارة إذا توضأ أو اغتسل من آنية ذهب أو فضة قال: لأنه استعمل المحرم في العبادة، كما أن عندهم أن المصلي في أرض مغصوبة ما تصح صلاته، فكذلك المتوضئ من إناء ذهب أو فضة.

ثم بقي بعد ذلك المُضبَّب أو المطلي بالذهب أو الفضة فما حكمه؟

  • فالذي يُروى عن الإمام أبي حنيفة وأحمد وصاحبه محمد: أنه يجوز استعمال المفضّضة والمضبّبة إذا كان يتقي موضع الفضة.
  • وأكثر الحنابلة يقولون: إذا كانت الفضّة قليلة يجوز وإن كانت كثيرة ما تجوز.
  • وهكذا جاءت روايتان عند الإمام مالك في المفضّض بالفضة وكذلك المضبّبة.
  • يقول الشافعية: لا يجوز استعمال المضبّب بالذهب أصلا بالذهب ما يجوز. ولكن بالفضّة تأتي فيه أحكام: إن كان لزينة والضبّة كبيرة فهو حرام، أو كان لزينة وشكة وحلية كبيرة أو صغيرة فهو حرام استعماله، وأما إن كانت لحاجة والضبّة صغيرة فهذه مباحة، وإن كانت الضبّة صغيرة لزينة أو الضبّة صغيرة بعضها لزينة وبعضها لحاجة، أو كانت الضبّة كبيرة بعضها لحاجة وبعضها لزينة فهذه ترجع إلى الكراهة تكون مكروهة. 

حكم الضبّة عندهم: 

القلّة: الصغر والحاجة إذا اجتمعن صارت مباحة؛ وإذا انتفين الاثنين صارت حرام، وإذا وُجد واحد منهما فهي مكروهة. 

  • فإن كانت الضبّة كبيرة فهي حرام سواء كانت لزينة أو اختلطت بعضها، أو إذا كانت لزينة وهي كبيرة فهي حرام.
  •  وإذا كانت لزينة وشك في صغرها وكبرها فهي حرام.
  • ثم إن كانت صغيرة كلّها لحاجة بقدر الحاجة فهي مباحة.
  •  وإن كانت كبيرة كلّها لحاجة فهي مكروهة.
  • وإن كانت كبيرة بعضها لحاجة وبعضها لزينة فهي مكروهة.
  •  وإن كانت صغيرة لزينة فهي مكروهة.
  • وإن كانت لحاجة وشك في الكبر والصغر فهي مكروهة. 

فصارت في أربعة تُكره وفي واحدة تُباح وفي اثنتين تحرم، هذه صور الضبّة عند الشافعية.

يقول  أبو يوسف من الحنفية: إذا أنه يكره استعمالنا المضبّب والمفضّض وهي رواية أخرى عن محمّد والرواية الأخرى عن محمد بن الحنفية كرواية الإمام أبي حنيفة أنه إذا اتقى موضع الفضّة فيجوز، وقال: لأنه تابع ليس إناء هذا ولكنه تابع ما دام المفضّض المضبّب تابع، ولا اعتبار بالتوابع الاعتبار بالإناء، والإناء ما هو فضّة ولا ذهب.

وقال الآخرون: أن قدح النبي ﷺ لما انكسر، فاتخذ مكان الشعب الكسر سلسلة من فضة، وأن الحاجة تدعوا إليه وليس فيه سرف ولا خيلاء، فحينئذ يُباح.

 ويأتي بعد ذلك المموّهة: المطلي مغشّى بالذهب أو فضّة:

فعند الحنفية وهو أحد روايتين عن الإمام مالك الآنية المموّهة بالذهب أو الفضة يجوز استعمالها؛ لكن الحنفيّة أيضًا قيّدوا ما قيّدوا غيرهم بإذا كان التمويه لا يمكن تخليصه ما يمكن يتحصل منه شيء.

يقول الشافعية: يجوز الاستعمال إذا كان التمويه والطلاء يسير لا يتمكن الصائغ أن يحصل منه شيء، 

وكذلك الحنابلة يقولون المموّه والمطلي والمكفف مثل: الذهب والفضة الخالصَين، فآنية الذهب ولكن هو إناء من ذهب أو من فضُة، ثم غُشي بالنّحاس أو بشيء آخر غير الذهب والفضّة عند المالكية فيها قولان: و اعتبره كذلك بعض الشافعية أنه باطل مع هذا الحكم ولا يسمى إناء ذهب أو فضة؛ إذا قد تغطّى تغطية كاملة. هذا من جهة الاستعمال، فجهة الاتخاذ والاقتناء هذا إناء من ذهب وفضة ما أستعمله بخليه بس هكذا سأتركه. 

 يقول الحنابلة وهي رواية عند الإمام مالك وهو مذهب الشافعي والأصح فيه: أنه يحرم اتخاذ آنية الذهب والفضة لأن اتخاذها يؤدي إلى استعمالها فلماذا اتخاذها؟! قال: بس كذا. ما كذا زينة؟! وزينة بالذهب والفضة فيها إشكال، إذًا مثل تحريم استعمالها فلا يجوز استعمالها ولا اتخاذها.

 وقال الحنفية وقول عند المالكية يقولون: إذا كان يقتنيها من دون أن يستعملها يجوز. 

وفهمت مذهب الحنابلة ورواية عند المالكية والأصح عند الشافعية: أنه كما لا يجوز استعمالها فلا يجوز اتخاذها، حتى قالوا إذا كان استعمل ميلًا لمرض في عينه من ذهب أو فضّة يكتحل به لأجل المداواة، قالوا: يجوز للضرورة فإذا تداوى يجب عليه كسر ذلك الميل، إذا انتهى مرض العين، قال خلاص، قال ما أستعمله، لأنك إذا خليته فقد اتخذت آنية فلا يجوز لك أن تتخذ آنية من فضة ولا من ذهب وهكذا.

ويقول الحنابلة: أنه لا يجوز اتخاذ الإناء الذي فيه ذهب أصلًا إلا للضرورة وأن القليل من الفضة يجوز.

يقول:«كان رسول الله ﷺ يعجبه الإناء المنطبق الرأس»، كما جاء في رواية بن أبي شيبة يعني: مغطى، "وكان ﷺ ينهى عن استعمال أواني الذهب والفضة ويقول: «من شرب من إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم" يعني: أن هذا يوصله إلى أن تدخل النار بطنه التي أدخل إليها الماء أو الطعام من إناء ذهب أو فضة، فقال: "إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" الجرجرة: صوت وقع الماء في الباطن، وكما قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} (النساء:10)، أي: هذا يؤديهم إلى دخول النار فهو نار، فكذلك الي يشرب في آنية الذهب والفضة.

"وكان له ﷺ قدح مسلسل بفضة"أي: محل الكسر حقه ربّطوه بسلسلة من فضة، "وفيه ضبة منها،وكان يعني: كسر سُد بالفضة، "وكان قدحاً عريضاً من نضار وهو شجرٌ بنجد؛ وكان أنس يخرجه يريه لبعض الناس"هذا القدح،"فيبكون حين يرونه" إذا أخرج لهم القدح نظروا إليه أنه قدح للرسول ﷺ بكوا؛ لما في قلوبهم من محبة الله ورسوله وتعظيمه والشوق إليه، فإذا رأوا آنيته بكوا، قال:"فيبكون حين يرونه ويتذكرون صاحبه"ﷺ. "كان أنس يقول: لقد سقيت رسول الله ﷺ في هذا القدح ما لا أحصي، وكان فيه حلقة من حديد فأراد أنس رضي الله عنه أن يجعل مكانها حلقة ذهب أو فضة فقال له أبو طلحة : لا تغيره عما كان عند رسول الله ﷺ"  فتركه قال: دعه، الذي كان يستعمله النبي بهذا الصورة دعه، سلسلة حديد سلسلة حديد، والمضبّب بفضّة مضبّب كما هو لا تغير شيء، قال: يغير السلسلة حقه ويجعلها فضة، قال له أبو طلحة: لا تغيره عما كان عند رسول الله، على الحال الذي كان عند رسول الله ﷺ فتركه. 

فيه محافظة الصحابة على الآثار واعتنائهم بها، وهذا مشهور من حياتهم وشهادتهم في آثاره ﷺ؛ فقد عظّموها واعتنوا بها واتخذوها عدّة عند الله -تبارك وتعالى- لشفاء المرضى ولنيل المطلوب ولدفع المرهوب -رضي الله تعالى عنهم-.

 "وقالت عائشة -رضي الله عنها-: كنا نضع لرسول الله ﷺ ثلاثة أوان تُخَمََر من الليل: إناء لطهوره وإناء لشربه وإناء لسواكه" أي: يبلل فيه السواك، وكان صغير الإناء، "وكان ﷺ كثيراً ما يتوضاً من آنية النحاس؛ وسيأتي آخر الوضوء قول معاوية: نهيت أن أتوضاً في آنية النحاس".

"وكان ﷺ يمتشط"والمراد: إذا كانت مشمّسة سوا، إذا كانت مشمسة وتعلوها زهومة في وقت الصيف فهذا مكروهة وإلا فالنّحاس مثل غيره."وكان ﷺ يمتشط بمشط العاج" العاج: أصله اسم لأنياب الفيل، للناب حق الفيل، وبعد ذلك صار لعظم الفيل كله يُطلق عليه عاج، والأصل: العاج إلا الناب، الناب حق الفيل، ويكون لذلك نجساً؛ ولكن كان عمر يكره الإدهان في عظم الفيل باعتبار نجاسته وفيه اختلاف بين الأئمة.

 ثم ذكر ما يتعلق بالأواني عند المنام من تغطيتها وإيكاء السقاء وما إلي ذلك كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى. 

 

رزقنا الله الاستقامة واتحفنا بالكرامة، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين، ورقّانا إلى أعلى مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين في سعادة واستقامة وإتحاف بالمنن، والمواهب والمزايا والكرم ودفع للآفات والعاهات وصلاح للظواهر والخفيات في عافيات تامات.

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابة

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

30 مُحرَّم 1445

تاريخ النشر الميلادي

16 أغسطس 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام