منظومة شعب الإيمان - 7 | الصلاة والزكاة والصيام والاعتكاف والحج

للاستماع إلى الدرس

الدرس السابع للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في شرح كتاب: قامع الطغيان على منظومة شعب الإيمان، للعلامة محمد نووي بن عمر البنتني الجاوي في مسجد الاستقلال، جاكرتا، إندونيسيا، فجر الإثنين 28 ربيع الثاني 1447هـ

شرح الشعبة 21: الصلوات الخمس في أوقاتها، الشعبة 22: الزكاة لمستحقيها، الشعبة 23: صوم رمضان، الشعبة 24: الاعتكاف، الشعبة 25:الحج

لتحميل: (قامع الطغيان على منظومة شعب الإيمان) PDF

نص الدرس مكتوب:

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

وبسندكم المتصل إلى الإمام محمد نووي بن عمر البنتني الجاوي على منظومة شعب الإيمان للإمام العلّامة زين الدين بن علي المليباري في كتابه "قامع الطغيان على منظومة شعب الإيمان"، نفعنا الله به وبعلومه وعلومكم في الدّارين آمين، ورضي الله تعالى عنه وعنكم إلى أن قال:

 

الشعبة الحادية والعشرون

إتقان الصلوات الخمس في أوقاتها

قال رسول الله ﷺ : "عَلَمُ الإيمان الصلاة، فمن فرَّغ لها قلبه وحافظ عليها بحدودها فهو مؤمن". وسُئل رسول الله ﷺ عن علامة المؤمن والمنافق فقال: "إن المؤمن همُّه في الصلاة والصيام والعبادة، والمنافق همتُه في الطعام والشراب كالبهيمة".

  • قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء:103].
  • وقال: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) [البقرة:43].

عن ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين قال: سألت النبي ﷺ : أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة لوقتها". قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين". قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". 

وحديث ابن عمر: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ بسبعٍ وعشرين درجة".

 

الحمدُلله الذي يمُدّ بالتوفيق كل مُقبلٍ عليه لسلوك الطريق، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فاز مَن أَقبل عليه بالصدق والتصديق، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله سيد أهل معرفته ومحبته وعبادته على التحقيق، صلى الله وسلَّم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه خير فريق، وعلى من تبعهم بإحسان في أقوم طريق، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وبعد،،

 فيَذكر الشيخ المؤلف الإمام نووي بن عمر البنتني الجاوي -رضي الله تعالى عنه- "شعبة المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها من شعب الإيمان"، وأشار إلى أن الذين يراعون أوقات الصلوات الخمس؛ فهم من الذين اختارهم الله تبارك وتعالى لقربه ومحبَّته، وهم المتحققون بحقائق الإيمان.

فإن مَن أعظَم الفوارق بين المؤمن والكافر: اهتمامات قلوبهم؛ بماذا يهتم هذا، ويتولَّع قلبه، وينصرف فكرهُ إليه؟ والآخر كيف يكون؟

  • وذكر أن رسول الله ﷺ قال: "إن المؤمن همَّته في الصلاة والصيام والعبادة"؛ فيصبح ويمسي وهذا همُّه الأكبر، يفكّر كيف يتقرب إلى الله تعالى ويَستكثر من الأعمال الصالحة. 
  • وأن "المنافق همّته في الطعام والشراب كالبهيمة"، الذي يطرأ على فكره دائمًا، ماذا يأكل؟ ماذا يشرب؟ ماذا يلبس؟ ماذا يظهر به أمام الناس؟ فهذه علامة النفاق والبعد عن الخلَّاق.

وقال سيدنا علي بن أبي طالب: مَن كان همته ما يَدخل بطنه؛ فقيمته ما يَخرج منها. 

وفي الخبر:"من أصبح والدنيا همه، فرَّق الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن أصبح والآخرة همه، جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة".

 ولذا كان من الآداب والمعتاد عند الصالحين؛ أنه قبل نوم أحدهم يُردّد ويُحضِر في قلبه ما يمكِنه القيام به من الأعمال الصالحة في اليوم المُقبل، وينوي:

  •  أن يقوم من النوم في الليل.
  • وأن يستغفر في السحر.
  • وأن يحضر صلاة الجماعة.

إلى غير ذلك من أعمال اليوم، يَستحضِر نيَّتها قبل أن ينام.

وقال بعض العارفين: كانت لي همومٌ كثيرة، فجَعلتُ الهموم همًّا واحدًا، فكفاني كل همّ.

 فما أَعظَم حال المؤمن؛ يُصبح ويُمسي..وهمُّه الله، ومَقصودُه الله، ومُرادُه الله، ووُجهتُه إلى الله. 

وقال نبينا: "كلٌّ يغدو فبائعٌ نفسه فمُعتقُها أو مُوبقُها"، أي: أن أصناف الناس يَغدُون ويُصبِحون إلى أعمالهم بهممهم ومراداتهم:

  •  فمنهم مَن يَبيع نفسه لله تبارك وتعالى؛ فيُعتقُها ويَرقى في غُدوِّه ذلك مَراقِي الصالحات.
  •  ومنهم مَن يَبيع نفسه للهوَى والشهوات، أو لأهوا غيره من الغافلين؛ فيُوبِق نفسه، أي: يُهلكُها.

وفي الحديث: "مَن غدَا إلى المسجد أو راح، أعدّ الله له نُزُلًا في الجنة كلما غدَا أو راح". 

وقال الله تعالى في قِصَر وانحطاط أفكار وهِمم الكفار على ظهر الأرض وأنها مُنحصرة في الفانيات، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ) [محمد:12]، ليس لهم من خصوصية الإنسانية شيء، بل هم كالأنعام، بل هم أضل.

وكان من أَعظَم حِكَم توقيت الصلوات الخمس وتوزيعها على الليل والنهار؛ أن يَتسنَى ويتيسّر للمؤمن مراجعة همّته ووجهته واستحضار مولاه تبارك وتعالى في خلال آناء الليل وأطراف النهار. 

قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء:103] أي: فرضًا مؤقتًا بوقت معين محدد.

  •  فيبدأ المؤمن أول نهاره بتوقيت صلاة الصبح.

و"مَن صلى الصبح في جماعة ظل في ذمة الله حتى يُمسي"، وإذا جَمَع في الجماعة بين العشاء والفجر؛ فكأنما قام الليل كله.

قال العلماء: وإن تقديم الصلاة على وقتها وتأخيرها عن وقتها بغير عذر.. من كبائر الذنوب.

وجاء في الحديث في تفسير قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون:4-5]، قال: "هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها" 

  • فإذا انطلق المؤمن في أول نهاره إلى شيء من أعماله أو ترتيب أحواله.. يأتي وقت الظهر؛ ليكون تذكرةً له ماذا صنع؟ وكيف يقابل الله؟ فيعود لصلاة الظهر.
  • فإذا وضع ثيابه من الظهيرة، أو ارتاح، أو أخذ نصيبه من الطعام والشراب؛ فأراد أن يستأنف العمل آخر النهار.. جاءت صلاة العصر؛ ليُحسِن مراجعة حسابه.
  •  فإذا أقبل عليه الليل.. استفتحه بصلاة المغرب؛ ليُحسِن النظر كيف يستقبل الليل. 
  • فإذا تهيأ للعودة إلى راحته أو منامه.. خَتم أعماله بصلاة العشاء؛ لتكون الخاتمة في محاسبة نفسه واستعداده لليوم المقبل.

 

وذكر ما جاء في الحديث الصحيح أن نبينا سُئل: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة لوقتها"، وفي رواية "لأول وقتها".

وبماذا يُدرِك الإنسان فضيلة الصلاة في أول الوقت؟ 

للعلماء في ذلك أقوال: 

  • فالأول: أنّهُ بأن لا يَشتغل بعد دخول الوقت إلا بالاستعداد للصلاة من طهارة وصلاة سُنة وانتظار جماعة ودخوله في الصلاة؛ فمن فعل ذلك فقد أَدرَك فضيلة أول الوقت بالإجماع.

 

  •  وقيل يدرِك فضيلة أول الوقت.. بأن يصليها في النصف الأول من الوقت قبل أن ينتصف وقتها.

وأما إذا مضى نصف وقت الصلاة إلى الصلاة الأخرى أو إلى خروج وقت هذه الصلاة؛ فصلاته هناك لا يدرِك بها فضيلة أول الوقت.

 

  •  واختار الحنفية في صلاة الفجر الإسفار بها، وأخذوا بحديث: "أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر". 

 

  • وكذلك يجيء وقت الاختيار في صلاة العشاء  وهو تأخيرها إلى قريب من ثلث الليل، وهذا الذي ورد عنه كثيرًا صلى الله عليه وسلم أنه ينتظر في صلاة العشاء بعض الوقت.

 

وكان غالبًا يلاحِظ أحوال الناس؛ فإذا اجتمعوا وحضروا كلهم.. خرج يصلِّي بهم.

وتأخر بعض الليالي حتى كان الصحابة تَخفق رؤوسهم من النعاس وهم جالسون في المسجد، فجاء بعض الصحابة يقول: يا رسول الله، نام الصبية والنساء، والناس ينتظرونك، فخرج فصلى بهم صلاة العشاء؛ فبعد الصلاة قال لهم، وقد أطلَعه الله أنه لم يَبق على ظهر الأرض في تلك الساعة مصلٍّ إلا هُم، فقال: إن الناس قد رقدوا، ولم يَبق لله عابدٌ في هذه الساعة على ظهر الأرض إلا أنتم. مشيرًا إلى ما تعرّضوا له من عظيمِ نظَر الله وجزيلِ الثواب والفضل وهو ينظُر إليهم قائمين بين يديه وساجدين مع رسوله صلى الله عليه وسلم وحدَهم على ظهر الأرض.

 

  • وكذلك اختار الشافعية في صلاة الظهر لمَن كانوا في قُطرٍ حارٍّ ويصلّون جماعةّ في موضعٍ يصعُب عليهم المجيء فيه وقت شدة الحرّ، أن يُبرِدوا بالظهر بمعنى: أن يؤخروها بعض الوقت حتى يوجد للأشجار والحيطان ظلٌّ يمشي فيه الناس. 

 

  • وما عدا ما ذكرنا، فالمعتمد عند الشافعية أن الصلاة في أول الوقت هو الأفضل، والسنّة في الصلوات الخمس كلها.

 

ويُؤثَرُ أن الصلاة؛ 

  • أول الوقت رضوان الله
  • وأوسطه رحمة الله
  • وآخره عفو الله.

وجاء كذلك أن بعض العارفين يحب الحضور إلى مكان الصلاة من المسجد ومحلّ الجماعة قبل دخول الوقت، وقال العلماء: إن الذين يحضرون إلى الصلاة قبل دخول وقتها؛ يكونون مع السابقين يوم القيامة، وسُئل العارف عن حضوره إلى مكان الجماعة قبل الأذان، فقال: لئلا أكون كعبد السوء، لا يحضر إلا إذا ناداه سيده، وأما العبد الطيب الصالح فيكون حاضر بين يدي سيده قبل أن تأتي الحاجة فيكون حاضرًا عنده، وأما العبد السوء فيغيب عن سيده، فإذا نازلته الحاجة ناداه فجاء، قال: وأنا لا أنتظر حتى ينادوا: حيا على الصلاة حيا على الفلاح.. أجيب مثل عبدِ السوء؟! بل قبل النداء أحضر في مكان عبادة سيدي.

 

الشعبة الثانية والعشرون

أداء الزكاة لمستحقها بنية مخصوصة

 وهي أن ينوي الشخص بقلبه زكاة الفرض، وليس عليه تعيين الأموال، فإذا ملك نصابًا من الذهب والفضة والمواشي والحبوب والثمار من النخل والكَرْم، وجب عليه أن يدفع زكاتها للأصناف الثمانية أو الموجودين منهم كالفقراء والمساكين والمسافرين الذين يحتاجون لمؤنة السفر والذين ارتكبتهم الديون. قال رسول الله ﷺ: "ما خالطت الزكاة مالًا قط إلا أهلكته". وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري: "من أتاه الله مالًا فلم يؤد زكاته، مُثِّل له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع، له زبيبتان، يُطوِّقُه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك". قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)[البينة:5]، وقوله تعالى: (يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)[التوبة:35].

 

وهنا يذكر الشيخ عليه رحمة الله تعالى "شعبة أداء الزكاة وإخراجها لمستحقيها"

والزكاة المفروضة في الشريعة؛ زكاة مال، وزكاة بدن:

أما زكاة البدن: فهي صدقة الفطر الواجبة عند خروج رمضان ودخول شهر شوال.

وهي أربعة أمداد بمد النبي ﷺ من قوت أهل البلد، عن كل فرد من الذين تخرج عنهم زكاة الفطرة، ويجب أن يخرجها الإنسان عن نفسه وعن من تلزمه نفقته من: زوجة أو والدين أو أولاد، ويروى أن صوم رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرفع إلا بصدقة الفطر؛ كناية عن أن الله لا يقبل صوم الصائم حتى يخرج زكاة الفطرة.

  • وينتهي وقتها بغروب شمس يوم العيد، فتكون بعد ذلك قضاءً لمن أخرها ويأثم.
  • ويُكره تأخيرها عن صلاة العيد في يوم الفطر، فينبغي أن يخرجها قبل أن يصلي العيد. 
  • وأفضل أوقاتها -عند الشافعية- ما بين الفجر وصلاة العيد يوم العيد. 
  • ويجوز تقديمها عند الشافعية من أول رمضان. 

ولكن من أخرجها من أول رمضان أو في أثنائه، يجب أن يلاحظ عند يوم العيد أن يكون الذي أعطاه الزكاة:

  • لا يزال حيًّا.
  • ولا زال مستحقًّا للزكاة.

 فإذا صادف أنه مات الذي أعطاه الزكاة قبل يوم العيد أو تحوَّل غير مستحق للزكاة، فعليه أن يخرج بدلها، والأفضل أن يخرجها ليلة العيد أو قبل يوم أو يومين؛ خروجًا من خلاف من يقول أنه لا يدخل وقتها إلا قبل العيد بيوم أو يومين.

وأما زكاة الأموال: فهي تلزم في أموال مخصوصة:

  • أولها النقدان وهما الذهب والفضة:
  • فكل من ملك مقدار ثلاث أواق من الذهب ومر عليه عام وجب عليه أن يخرج الزكاة.
  • وكذلك من ملك مقدار إحدى وعشرين أوقية من الفضة ومرت عليها سنة وجب عليه إخراج الزكاة.
  • واستثنى الشافعية حلي المرأة المُعَدّ للاستعمال المباح، فإنه لا تلزم فيه الزكاة عندهم، فمهما تركته المرأة لاستعماله وهو في حالة الإباحة ومعنى الإباحة: أن يكون مقداره كأمثالها من النساء في منطقتها وزمانها، فإن أعدت حليًّا أكثر مما يعتاد أمثالها من النساء فهو مكروه فيجب فيه الزكاة. 
  • وقال عدد من أهل العلم تلزم الزكاة حتى في الحلي المباح للنساء.
  • والذي يقوم مقام الذهب والفضة في زمننا هذه العملات النقدية التي استعملتها الدول.

 

  • كذلك من ملكَ شيئًا من الإبل والبقر والغنم ومر عليه سنة وهي نصاب، وجب إخراج زكاتها.

 

  • وكذلك أصحاب الزروع والثمار.

 وخصصه الشافعية بما كان قوتًا فقالوا: 

  • يجب الزكاة في كل من الحبوب الذي يعد قوتًا للإنسان.
  • وخصصوا من الثمار التمر والعنب.

 وقال الإمام أبو حنيفة: يجب إخراج الزكاة من كل ما تنبت الأرض من مثل الخضروات والفواكه وأي شيء يستثمر.

  • كذلك فيما اتجر فيه الإنسان.

 والاتجار والتجارة في أي شيء كان ولو كان ترابًا أو حديدًا أو حجرًا أو أي شيء اتجر فيه الإنسان، فإنه يلزمه إذا مر عليه عام أن يزكي ذلك المال الذي للتجارة؛

  •  سواء رأس المال 
  • أو النقد؛ ما كان من النقد
  •  وما كان من البضائع. 
  • وما كان من دين له متعلق بالتجارة.

ومقدارها ربع العشر، فيما يسمى بالنسبة 2.5%.

أما زكاة الحبوب والثمار:

  •  فإن كانت تسقى بماء السماء أو الأنهار أو العيون وما إلى ذلك فعشر.
  • وإن كانت تسقى بكلفة ففيها نصف العشر.

فيجب أن لا يعطيها إلا أحد المستحقين من الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في القرآن، وفي الغالب يوجد أربع أصناف منهم كما ذكر الشيخ عليه رحمة الله:

  1. الفقراء.
  2. المساكين.
  3. الغارمين الذين عليهم ديون.
  4. وأبناء السبيل من المسافرين الذين لا يجدون مؤونة السفر.

 فما وقع في يد غير الأصناف الثمانية فلا يُقبل عند الله ولا يعد زكاة.

وذكر أن الذين يقصِّرون في الزكاة؛ فتختلط الزكاة بأموالهم تكون سببًا لهلكة أموالهم؛ فتُنزع البركة من أموالهم أولًا، ثم في الغالب تتلاشى وتضمحل حتى يصبح صاحبها فقيرًا.

  •  وأورد حديث: "ما خالطت الزكاة مالًا قط إلا أهلكته".
  • وجاء أيضا في الحديث: "داووا مرضاكم بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة".
  • وورد: ما هلك مال في بر أو بحر إلا بمنع الزكاة.

وكان أحد التجار الصالحين يقال له عقيل بن يحيى، وكان قد أرسل إليه وكيله كمية من السكر في الباخرة الفلانية، ثم جاءت الأخبار أن هذه السفينة والباخرة غرقت في البحر…جاء أناس يقولون له: ذهب مالك وقد غرقت السفينة والسكر قد ذهب في البحر، قال: لا، إن سكر عقيل ما يغرق، قالوا: أنت مجنون أوعاقل؟! الباخرة كلها غرقت بما فيها وسكرك فيها، قال: لا، إن رسول الله قال: "حصنوا أموالكم بالزكاة"، وأنا أخرج الزكاة كاملة وأزيد عليها.

ثم جاء خبر من الوكلاء عنده أننا اختلفنا مع أهل هذه الباخرة والسفينة في مقدار الأجرة، وإنا حولناها إلى السفينة الأخرى الفلانية، فوصل كما هو، فقال: قلت لكم سكر عقيل ما يغرق.

 ويقول فيمن يمنع الزكاة أن أي مال لا تؤدى زكاته يُمَثَّل شجاعًا أي: يتصور ويتشكل شجاع وهو الحية التي أقرعت، "شجاع أقرع" يعني: خرج شعر رأسها من شدة ما فيه من السم.

فالشجاع : الحيَّة الكبيرة، والأقرع: الذي ذهب ما فيه من شعر الرأس من شدة السم الذي فيه، فيُمَثَّل المال هكذا يوم القيامة الذي لم تُخرَج زكاته؛ فيُطوى بعنق صاحبه، ثم يكلمه يقول: أنا مالُكَ الفلاني، أنا كنزك، ثم لا يزال يلسعه في مدة القيامة؛ في يوم مقداره خمسين ألف سنة؛ وهذا الحديث تفسير قوله تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[آل عمران:180].

وذكر الآية فيمن لا يخرج زكاة الذهب والفضة أنها تتحول في القيامة إلى أن (يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) [التوبة:35] ومن الحكمة في هذا الترتيب أنه عندما يأتيه السائل والمسكين فيسأله:

  •  أول ما يقطب وجهه؛ فتكوى جبهته.
  •  ثم ينحرف عنه إلى الجهة الأخرى؛ فيكوى جنبه.
  • ثم يستدبره؛ فيكوى به ظهره.

(فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ)

ويعظم أجر الزكاة إذا كان يخرجها طيبة بها نفسه، وكان بعض الأخيار من التجار يخرج الزكاة مرتين، وفرَّق الله بين المحسنين وغيرهم:

  • فقال لعموم الناس: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[المعارج:24-25]
  • لكن لما ذكر المحسنين لم يقل حق معلوم؛ قال تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[الذاريات:16-19]، ليس محددًا بمقدار الزكاة، ولكنهم يعطون فوق ذلك.

 كان أحد الأولياء يشتغل برعي الغنم في بغداد يقال له شيبان الراعي، كان الإمام الشافعي من وقت لآخر يأتي ويزوره، فإذا زار شيبان الراعي جلس بين يديه كما يجلس التلميذ بين يدي المعلِّم في المكتب. 

    مرة صحبهُ الإمام أحمد بن حنبل، فوجداه يصلي، فسلم من الصلاة وردّ السلام عليهم، فقال الإمام أحمد للشافعي: إإذَنْ لي أن أسأله، قال: إن سألته وجدت علمًا عظيمًا، فقال: يا شيبان، كم مقدار زكاة الغنم التي ترعاها هذه؟ قال: على مذهبكم أو على مذهبنا؟ قال: وفيها مذهبان؟ قال: نعم، قال: فما هي على مذهبنا؟ قال: على مذهبكم في الأربعين شاة؛ شاة، حتى تبلغ مائة وواحد وعشرين ففيها شاتان، إلى أن تبلغ مائتين وواحدة فيها ثلاث شياه، إلى أن تبلغ أربعمئة ففي كل مائة شاة، قال: نعم، هذا الذي نعرفه، فما هي على مذهبكم؟ قال: على مذهبنا العبد وما ملك لسيد. 

   صاح الإمام أحمد، قال له الشافعي: ألم أقل لك؟!.. قال: أسأله سؤالً ثاني؟، قال: اسأل، قال: هذه الصلاة التي تصليها، لو شككت صليت واحدة أو اثنتين، كيف تعمل؟ قال: على مذهبكم أو على مذهبنا؟، قال: وفيها مذهبان؟ قال: نعم، قال: ما هي على مذهبنا؟ قال: يزيد ركعة احتياطًا، يبني على الأقل ويسجد للسهو، قال: هذا الذي نعرفه، فما هي على مذهبكم؟ قال: على مذهبنا، أن هذا قلب قليل الأدب مع الله، يغفل في الصلاة، لا يعرف كم يصلي، عليه أدب صوم سنة.

  وهؤلاء كبار العلماء في وقتهم، الشافعي وأحمد بن حنبل، وشيبان لا يؤبه له ولا يعرفه أكثر الناس، لكن انظروا كيف كان أدبهم وكيف كان حالهم عليهم رضوان الله. 

 

الشعبة الثالثة والعشرون: 

صوم رمضان 

وذلك بأن يترك سائر المُفطِرات في أيّامهِ بنيّة في الليل لطاعة المولى، من الفجر إلى غروب الشمس، مع سلامةٍ من الحَيض والنّفاس والولادة في جميع اليوم، ومن الإغماء والسُّكْر في بعضه، كالأكل والشُّرب والجِماعِ وشُرب الدُّخان المعروف. فإذا أكل أو شرب ناسيًا فصَومُه صحيح، وإنَّما أطعمَهُ الله وسقاه. قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) [البقرة:183]. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصَّحيحين: " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فم الصَّائم أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ" "الصِّيامُ جُنَّةٌ".

 

الله أكبر.

في هذا يذكر الشيخ "شُعبة الصَّوم لرمضان" بلَّغنا اللهُ رمضان وأعانَنا على الصِّيام والقِيام.

كان الأخيار في القرون الأولى يُودِّعون رمضان ستة أشهر ويستقبلونَهُ ستة أشهر؛ بعد رمضان خمسة أشهر ونصف يسألون الله قبول ما وفَّقهُم له من الصِّيام والقِيام، ثم يتحوَّلون أن يسألوا أن يُبلِّغهُم رمضان المُقبِل ويستعدُّون له، ومن هنا قيل: كان كلُّ زمانهم رمضان.

وفُرِضَ صيامُ رمضان في السَّنة الثانية من الهِجرة في شهر شعبان، كذلك فَرْضُ الزَّكاة كان في شعبان في السَّنة الثانية مِنَ الهِجرة. فأدرَك ﷺ في حياته تِسع رمضانات مِنْ بعد فَرض الصَّوم، وصادَف أن خرجَ أكثرُها تِسعة وعشرون يوما، ولكن واحد أو اثنان كان ثلاثون، وبقيَّتها كانت تسعة وعشرين، في كل سنة يُرَى هلال شوال فيصوم تسعة وعشرين ﷺ. وكان يُهيِّئ الأمَّة له من أوَّل رجَبَ، إذا رأى هلال رَجَب قال: "اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في رَجَبٍ وشَعْبانَ، وبَلِّغْنا رَمَضانَ". 

وفسَّر الصَّوم بأنه: الإمساك عن المُفطِرات من طُلُوع الفَجر إلى غُروب الشَّمس بنيَّة. 

  • النيَّة في صوم الفرض يجب أن تكون قبل طُلُوع الفجر.
  • ويجب تجديدها لكُلِّ ليلة عند الجمهور.
  •  وقال المالكية: من أوَّل ليلة في رمضان يجوز نيَّة صوم الشهر كُلُّه. 

وذكَرَ حُكم من أكلَ أو شرِبَ ناسيًا:

  •  كما جاء في الحديث: "فليتمَّ صومَه ، فإنَّما أطعمه اللهُ وسقاه"، وعليه أيضًا مذهب الجمهور. 
  • وقال المالكية: وإن أكل ناسيًا أو شرب فقد أفطَر، ولا إثم عليه لكونه ناسيًا، وعليه القضاء. 

وذكَرَ أن ثواب الحسنات بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلَّا الصَّوْمَ، قال تعالى في الحديث القدسي: "فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي". ولا يكمُل الصوم حتى يترك الإنسان جميع الذنوب، صغائرها وكبائرها. و"مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ". 

ومن كان مسافرًا أو مريضًا وكذلك المرأة الحائض، يقضون أيامًا عدد ما أفطروا فيه في غير رمضان. 

ومن صام مع رمضان سِتًّا من شوال فكأنَّما صام السنة كلها.

  • ومن واظب بعد رمضان على ست من شوال. 
  • وصام يوم عرفة أو ما تيسر من أيام العشر. 
  • وصام يوم عاشوراء. 
  • وصام ثلاثة أيام في كل شهر.

كان من الذين يُنادَون للدُّخول مِن باب الريَّان يوم القيامة؛ أحد أبواب الجنَّة الثمانية يُسمَّى الريان، يُدعَى منه الصَّائمون لا يدخل منه غيرهم. 

وقال النبي عن صَومِ سيدنا إبراهيم عليه السلام، إنه صام الدَّهر وأفطر الدَّهر، كان يصوم ثلاثة أيام مِن كل شهر.

 

الشعبة الرابعة والعشرون: 

الاعتِكاف

وهو اللُّبث في مسجد بنيّته. يُسَنُّ كل وقت ولو وقت كَراهة، لكن يحرُم اعتكاف المرأة والرَّقيق إلا بإذن الزوج والسيّد وإن صحَّ، وللزوج والسيد إخراجهما منه. وأركانه أربعة: 

  • أولها: نية مُقترِنةٌ باللَّبث، فلا تكفي حالَ دُخولِه وهو سائِر، وتجِبُ نيّة الفرضيّة أو النَّذر في الاعتكاف المَنذور.
  •  ثانيها: مسجدٌ خالصٌ، فلا يكفي المُشاعُ، بخلافه في التحيَّة. 
  • ثالثها: لُبثُ قدرٍ يُسمَّى عُكُوفًا؛ أي إقامة، ولو بِلا سُكون، بحيث يكون زمنها فوق زمن الطُّمأنينة، فلا يكفي التَّردُّدُ لا المرور فيه بلا لبث. ولو نذَرَ اعتكافًا مُطلقًا كفاهُ لحظةً فوق الطُّمأنينة في الرُّكوع ونحوَه. 
  • ورابعها: مُعتكِفٌ، وشرطُهُ إسلامٌ وعقلٌ وخُلُوٌّ عن حَدَثٍ أكبر، 

فلا يصُحُّ اعتكاف من اتّصف بضِدِّ شيءٍ منها. نعم، إن طرَأ الإغماء في أثناء الاعتكاف لم يَبْطُل، ويُحسَبُ منه زمنُ الإغماء. وينقطع الاعتكاف المتتابع بالرِّدَّةِ والسُّكْرِ إذا تعدَّى به. قال تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة:125] لحديث عائشة في الصحيحين: "أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ، حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ" . ولما رُوِيَ عن النبي ﷺ  قال: "من اعتكفَ فُواقَ ناقةٍ فكأنما أعتقَ نسَمةً أو رقبة".

 

هذه شُعبة الاعتِكاف في المسجد، معناه: مُلازَمتُه والجُلوسُ فيه بنيَّة.

فالشَّرطُ أن يكون المُعتَكَفُ به مسجدًا خالصًا، فلو كان وُقِفَ بعضُ الأرضِ مُشاعًا مسجدًا، لا يصحُّ الاعتِكافُ فيها حتى يُحدَّد مَوضِع المسجد، بِخلاف تحيّة المسجد تجوزُ في المُشاع. 

  • ولا يصحُّ الاعتكاف في غير المسجد عند الجمهور. 
  • وقال الحنفيّة: يصحُّ الاعتكاف من المرأة في مسجدِ بيتِها، وهو المكان المُخصّص للصلاة في البيت.

 والفرق بين من نَوَى ومن لم ينوِ، فمن لم يَنوِ مهما جلس في المسجد لا يُعَدُّ له اعتكاف.

  •  واشترط بعض العلماء للاعتكاف الصوم.
  • واشترط بعضهم أن يكون مقدار يوم وليلة. 
  • وأيسرُ المذاهب مذهب الإمام الشافعي، لا يُشتَرَط له صوم، ويكفي أن يعتَكِف فوق طُمأنينة الصلاة، يعني: أكثر من مقدار طمأنينة الصلاة، فلابد من اللّبث فلا يكفي المُرور؛ فأيّ وقتٍ نوى فيه الداخل للمسجد الاعتكاف، حصلَ له ثوابُ الاعتكاف.

وكان الصَّالحون عند باب المسجد يقفون قليلًا ينوُون الاعتكاف، ويقفون قليلًا ليبدأ الاعتكاف، حتى يكون مشيُه من عند باب المسجد إلى محلِّ الصلاة داخلًا في ثوابِ الاعتكاف، لأنه لو نوَى وهو يمشي فلا يبدأ الاعتكاف حتى يقف، فإذا وقف فوق طُمأنينة الصلاة بدأ الاعتكاف. قال الله تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة:125].

ومَنْ اعتكَف قدرَ فُواق ناقة كان له كعِتقِ رقبة، وفُواقُ الناقة له تفسيران:

  •  الأول: أنه ما بين الحَلبَتين؛ ما بين الحَلبة الأولى والحَلبة الثانية. 
  • والثاني: أنه ما بين أن يُقدَّم الفصيل -أي: ابن الناقة- لها ليرضع منها فتدرَّ باللَّبن، ثم يُبعَد ويأتي الحالب فيَحلب، فما بين استِدرار اللَّبن منها مِن تقديم ابنها يَرضع ثم الحَلب، فما بين هذين الوَقتين فُواقُ ناقة.

وهانحن في المسجد، مَنْ كان قد نوَى الاعتكاف فله الثَّواب، ومن لم ينوِ فاتَه ثواب الاعتكاف فيما مضى، فيَنوِي مِن الآن فيحصل له ثواب الاعتكاف فيما بقي. والمقصود من الاعتكاف: صَِرْفُ الشَّوَاغِل عن القلب ليجتمع على الله تعالى.

 

الشعبة الخامسة والعشرون

الحج

وهو قصد البيت بحج أو عمرة إن كان قادرًا بأن يجد زادًا وراحلة، والحج عبادة يلزمها وقوف بعرفة يوم تاسع ذي الحجة أو ليلة عاشره، وطواف ذي طُهر بالبيت سبعًا يقينًا، يدخل وقته بإنتصاف ليلة النحر ولا آخر لوقته، وسعي بين الصفا والمروة. قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)[آل عمران:97]، وقال: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)[الحج:27].

 

الله أكبر.

وهذه "شعبة حج بيت الله الحرام"، رزقنا الله وإياكم حج بيته الحرام.

وهو يلزم المؤمن المستطيع في العمر مرة، وكان فرْضُهُ في السنة السادسة من الهجرة على الأصح، ولم يحج  في العام السابع ولا الثامن ولا التاسع، وحج في العام العاشر حجة الوداع؛ وهو دليل من قال بأن فريضة الحج على التراخي ليست على الفور، والمراد بالحج: قصد البيت الحرام لأجل النُّسُك، وهو عبادة تعبد الله بها آدم فمن بعده من الأنبياء إلى سيدهم سيدنا محمد، وأعظم أركان الحج: "الوقوف بعرفة"، ويسن الجمع فيه بين الليل والنهار، خروجًا من خلاف من أوجب ذلك، ووقت الوقوف بعرفة من ظهر يوم التاسع إلى فجر يوم النحر.

وأركان الحج عند الشافعية خمسة:

  1. الإحرام: وهو نية الدخول في الحج.
  2. والوقوف بعرفة.
  3. والطواف طواف الإفاضة بعد الوقوف بعرفة.
  4. والسعي بين الصفا والمروة.
  5. والخامس الحلق أو التقصير والأفضل للمرأة التقصير، وللرجل الحلق.

وفي الحديث: "أما حِلاقك يعني- في الحج والعمرة- فإن لك بكل شعرة حسنة"، من حسنات الحرم، وحسنة الحرم تضاعف إلى مائة ألف، وكم عدد شعر رأسك؟ لو كلفناك تعدُّه لتعبت، ولكنه محسوب بالضبط عند ربك، لك بكل شعرة مئة ألف حسنة.

وكان قد حج ﷺ قبل الهجرة عددًا من الحجات، أما بعد الهجرة فما حج إلا حجة الوداع. وقال الصحابة: كنا نقول حجة الوداع ما ندري ما الوداع، فلما توفي علمنا أن قصده وداعه لأمته.

وكان قد جاء للعمرة في السنة السادسة فردوه من تحت الحرم، ورجع ﷺ في عام الحديبية ومعه ألف وخمسمائة، بعد سنتين جاء لفتح مكة ومعه عشرة آلاف، ثم بعد سنتين أخرى جاء لحجة الوداع ومعه مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، كلهم متشوقون إليه وإلى مقابلته ورؤيته والأخذ عنه، حتى أولادهم كانوا ملآنين بالشوق، وبينما بعض الصحابة كان يمشي، قال: انتظر حتى نصل لعرفات أُريك إياه، قال: لا أصبر، أرني إياها الآن، فقم على الجمل على رجليك وامسك بكتفي، قال: انظر إلى ذلك الجمل الأورق، رسول الله راكب عليه، فرضي الله عنهم وجزاهم عنا وعن الأمة خير الجزاء.

ومن فضل الله أن من صلى الصبح في جماعة وقعد في المصلى يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين أو أربع؛ انقلب بحجة وعمرة تامة تامة، تقبل الله منا ومنكم.

 

اللهم لا تجعله آخر العهد منا ولا من أحبابنا هؤلاء، واجمعنا على ما تجمع الأخيار بالأخيار في هذه الدار وفي البرزخ ويوم القيامة وفي دار الكرامة والنظر إلى وجهك الكريم، وأصلح أحوال أهل إندونيسيا وأهل المسلمين في المشارق والمغارب، وضاعف خيرات هذا المسجد وأنواره وبركاته، واجعلنا ممن ترعاهم عين عنايتك في جميع الأطوار، فلا يمنعهم عن الدخول إلى حضرتك قبيح الأوزار، ولا يحجبهم عن مواهب فضلك سيء الإصرار، وزدنا من نوالك ما أنت أهله، واقبلنا على ما فينا، وأقبل بوجهك الكريم علينا في لطف وعافية يا أرحم الراحمين.

 

بالقبول والإقبال وصلاح الأحوال وصلاح الشان، اللهم اجعلنا وإياكم من كُمّل الرجال أهل اليقين وأهل الكمال، بحق البدر مولى بلال، يحفظنا من شر ما تأتي به الأيام والليال، يغفر ذنوبنا، ويستر عيوبنا، ويكشف كروبنا، ويصلح قلوبنا وقالبنا، ويُبصِّرنا ببصائرنا، ويعطينا ما أمَّلناه وما طلبناه وما رجوناه من أمور ديننا ودنيانا وأُخرانا ومعاشنا، ولا يصرفنا من هذا المحل المبارك إلا بغفر الذنوب وستر العيوب وكشف الكروب، وصلاح القلوب وتفريج عن كل مكروب، ويعطينا كل مطلوب، ويجمعنا بالحبيب والمحبوب، على هذه النية وكل نية صالحة. 

وان الله لا يجعله آخر العهد، وأن يعيد مرات في مرات في عوافي ومسرات وزيادات، على هذه النية وكل نية صالحة. 

ويعطي الحاضرين ما أمَّلوه وطلبوه من أمور دينهم ودنياهم وأُخراهم ومعاشهم، يا الله، يا الله، يا الله، طلبناك، دعوناك، رجوناك،

 حاشا لجودك أن تَقنُطَ عاصياً *** الفضلُ أجزَلُ والمواهبُ أوسعُ 

مع طول العمر في عافية واستقامة وطاعة وعبادة، وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا بعد طول عمر لا إله إلا الله، ويحققنا بحقائق لا إله إلا الله، ويدخلنا في دائرة أهل لا إله إلا الله، ويحشرنا مع أهل لا إله إلا الله، على هذه النية، ويشفِ مرضانا، ويعافي مبتلانا، ويرحم موتانا، ويختم بالصالحات أعمالنا في خير وعافية، ونتشفع بها، 

وإلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

 بسر الفاتحة.

 

تاريخ النشر الهجري

01 جمادى الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

23 أكتوبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام