(535)
(365)
(605)
الدرس الثالث للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في شرح كتاب: قامع الطغيان على منظومة شعب الإيمان، للعلامة محمد نووي بن عمر البنتني الجاوي، في المسجد الكبير بولاية ترنغانو – ماليزيا، فجر الأربعاء 23 ربيع الثاني 1447هـ.
شرح شُعب الإيمان: الإيمان بالقدر، الإيمان بأن الخلق يُساقون إلى أرض المحشر، والإيمان بالجنة والنار.
لتحميل: (قامع الطغيان على منظومة شعب الإيمان) PDF
بسم الله الرحمن الرحيم
وبسندكم المتصل إلى الإمام محمد نووي بن عمر البنتني الجاوي على منظومة شعب الإيمان للإمام العلّامة زين الدين بن علي المليباري في كتابه "قامع الطغيان على منظومة شعب الإيمان"، نفعنا الله به وبعلومه وعلومكم في الدّارين آمين، ورضي الله تعالى عنه وعنكم إلى أن قال:
الشعبة السابعة
الإيمان بالقدر
وذلك بأن تعتقد أنّ الله تعالى أَوجد الأشياء على طِبق ما سَبق به علمه تعالى؛ فجميع أفعال الخلق بتقدير الله تعالى؛ فينبغي للإنسان أن يَرضى بكل ما يَجري به القضاء. قال تعالى: (قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ) [النساء:78].
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "والذي نفْسُ محمد بيده لتقومَنَّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما لا يتبايعانه ولا يطويانه، و لتقومَنَّ الساعة وهو يليط خوضه لا يسقيه، ولتقومَنَّ الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته من تحتها وقد رفع أكلته إلى فيه لا يطعمها"... الحديث.
ويُحكى عن الشيخ عفيف الدين الزاهد: أنه كان بمصر؛ فبلغه ما وقع ببغداد من قتل الكفار للمسلمين حتى خربت بغداد، ثلاث سنين ونصف سنة بغير خليفة، ومن تعليق الكفار المصاحف في أعناق الكلاب وإلقائهم كتب الأئمة في الدجلة؛ حتى صارت كالجسر تمر الخيل عليها، فأنكر ذلك وقال: ياربِّ كيف هذا وفيهم الأطفال ومَن لاذنب له.
فرأى فى المنام رجلًا وفي يده كتاب؛ فأخذه فإذا فيه هذان البيتان، من بحر المتقارب:
دَع الاعتراض فما الأمر لَكْ *** ولا الحُكم في حركات الفَلَكْ
ولا تسـأل الله عـن فعلـه *** فـمن خاض لُـجَّة بحرٍ هلكْ
الحمد لله مُقدِّر الأقدار ومُطوِّر الأطوار، مُولج النهار في الليل ومُولج الليل في النهار، لا يكون في المُلك والملكوت والحِس والمعنَى والظاهر والباطن شيء إلا بأمره وإذنه. فنشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، تعرَّف إليه ما لم يَتعرَّف إلى أحد من خلقه؛ فكان أعرف الخلق بالله الخالق، وانتخبه واجتباه واصطفاه؛ فجعله خاتم الأنبياء الطاهر الصادق.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم على عبده المختار خير الخلائق، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربهم الحق الرائق، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل الحقائق، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
أما بعد،،
فيَذكر الشيخ عليه رحمة الله تعالى في هذا الباب: "الشعبة السابعة، وهي: شعبة الإيمان بقضاء الله وقدره".
فـ"ماشاء اللهُ كان، وما لم يَشَأْ لم يَكُنْ".
أَوجد الأشياء على ما سَبق به عِلمه تبارك وتعالى وإرادته.
وكان من جملة ما قضَى وقدَّر؛ أن جعل للمكلَّفين اختياراتٍ، وإراداتٍ، وقدراتٍ محدودةٍ معينةٍ؛ فتَرتَّب على ذلك:
-وهو الذي رتَّب سبحانه على ذلك-
ورتَّب على ذلك:
فكلّ ذلك لا يَخرج عن إرادته السابقة وقضائه وقدَره وعِلمه الأزلي.
قال سيدنا الإمام الشافعي، مخاطبًا لله تبارك وتعالى:
فما شئتَ كان وإن لَم أشأ *** وما شئتُ إن لم تَشأ لَم يكن.
خلقتَ العباد على ما أردتَ *** ففي العِلم يَجري الفتى والمُسِنّ
على ذا مَنَنْتَ وهذا خَذَلْتَ*** وهذا أَعَنْتَ وذا لَم تُعِن
وما مِن أحدٍ من المخلوقين إلا وهو يُفرِّق بين:
ولا يَتعلَّق تكليف الله تبارك وتعالى للمكلَّفين بما لا اختيار لهم فيه؛ ولكن يُحاسبهم ويُجازيهم بما جَعل لهم فيه القدرة والإرادة والاختيار.
ثُم إنّ الأقضية والأقدار التي لا تَتعلَّق بإرادة الخلق واختيارهم ليس للمؤمن فيها إلا التّسليم والرّضا، والأشياء التي تَدخل تحت دائرة الاختيار للناس ففيها وجهان:
وبما ذكرْنا يُعلم أنه وإن سبقت الأشياء كلها بقضاء الله وقدَره؛ فإن على الإنسان خطابٌ وتكليفٌ فيما يَدخل تحت دائرة اختياره، ولمّا سُئل نبيَنا: "ألَا نتّكل على ما سَبق في القضاء والقدَر؟ قال: "لا، اعملوا فكلٌّ ميسّر لِما خُلِق له".
وهذا الذي ذكرناه هو الوسط الحق والعدل لأهل السنة والجماعة بين طرفي إفراط وتفريط:
وهؤلاء بعيدون عن الإدراك والمنطق والعقل؛ فلو لُطِم أحدُهم لَطمة وقيل له: إنه قضاء الله وقدَره؛ لَم يَقبل ذلك.
وهؤلاء خالفوا النصوص في الكتاب والسنة ونسبوا العجز إلى الله تعالى:
فلو اجتمع أهل السماوات والأرض على أن يُحرِّكوا ذرَّة لم يُرِد الله تحريكها.. ما قدَروا أن يحرِّكوها، ولو اجتمعوا على أن يُسكِنوها ولم يُرِد الله تَسكينها.. فلا يَقدِروا أن يُسكِنوها.
-الله، لا إله إلا هو-
قال تعالى: (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر:2]
وذكر الحديث الذي في الصحيحين، بعد أن ذكر قول الله تعالى: (قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّه) [النساء: 78] يعني: ما أصابكم من حسنة أو من سيئة.
وحديث الصحيحين: أنه لا تبلغ إرادة الإنسان مبلغا إلا أن يشاء الله.
فذكر أنه يقف مشتر عند بائع يبيع الثوب فيبسُطان الثوب يُقلِّبانه فتقوم الساعة فلا يستطيع هذا أن يبيع ولا هذا أن يشتري، بل كما قال: "لا يتبايعانه ولا يطويانه"، فتقوم عليهم الساعة فيرحلون إلى عالم البرزخ، وأحدهم قد رفع اللقمة إلى فيه فلا هو يطعمها ولا يسيغها حتى ينفخ في الصور فينتهي كل إرادته.
ثم إن جميع الأقدار والأقضية جارية بحكمة لله -تبارك وتعالى- عظيمة. ليس فيها شيء صدفة ولا عبث أبدا:
ومن الحكمة الإلهية أن كلما يجري للمؤمن له فيه خير من حيث يدري ومن حيث لا يدري، ومنها ما قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: عجباً لحال المؤمن إن حاله كله خير "إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له"
وكان بعض الوزراء الصالحين لملك من الملوك كلّما حصل للملك شيء مما لا يحبه قال له: في ذلك خير، أي: حكمة من حِكم الله -تبارك وتعالى-، حتى أصيبت عين ذلك الملك يوما؛ فعميت فقال له ذلك الوزير: في ذلك خير وصالح، فقال: هكذا تقول وعيني قد أصيبت، أن فيه خير؟ احبسوه؛ فأمر بحبس ذلك الوزير فحُبس.
وكان ذلك الملك يحب الصيد فخرج للصيد في بعض الجبال والقفار فوقع ومن معه في قبضة قوم يأكلون بني آدم فحملوهم إلى أماكنهم، فكانوا يعرضون من أرادوا ذبحه على أطباء لهم فيُقررون أنهم صالحون لذلك، فلما وصلوا عنده قال طبيبهم: إن هذا بسبب عينه يحصل له في دمه كذا ولا يصلح، فأطلقوا سراحه فرجع إلى البلد. فقال: تبين أن في إصابة عيني خير وصالح كما قال الوزير، اطلِقوا الوزير، فأطلقوه، فقال له: صدقت، وقد حصل لي كذا وكذا، ثم قال له: ولكن أنت ما الخير في سجنك؟ ما هو الخير والصلاح في سجنك لما سجناك هذه المدة؟ قال: لولا لم تسجنني لكنت معك في هذا الصيد وحملني أولئك وذبحوني.. فسبحان الذي طوى حِكمته في كل شيء قدَّره!
ولا أدل على ذلك من أن الله -تبارك وتعالى- لما ذكر تجرّؤ المنافقين على سيدتنا عائشة زوج النبي ﷺ وتكلموا عليها بالإفك وقال الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) [النور:11] بل فيه خير لكم، وكله ظاهره مشكلة في مشكلة، ولكن طيّه حِكم وأسرار يعلمها هو، قال:(بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) ولمّا كانت علوم الخلق -مهما اتسعت- لا تحيط بالحكمة الإلهية، قال جلّ جلاله: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].
وذكر "عن الشيخ عفيف الدين الزاهد" من أولياء مصر أنه لما وقعت الحوادث ببغداد وهي حوادث التتار الذين دخلوا البلاد وسفكوا الدماء وقتلوا في المسلمين وعملوا مفاسد كثيرة واستهانوا بالقرآن وجمعوا كتب المسلمين فوضعوها في نهر دجلة والفرات حتى صار لون الدم أسود من كثرة المداد الذي في الكتب، وامتلأ به ماء البحر، فلما بلغ الخبر لهذا الشيخ الصالح تعجب وأنكر "وقال: يا رب كيف حصل هذا وفيهم أطفال وفيهم من لا ذنب له" وفيهم صالحون وأولياء؟ فرأى في المنام من يعرض له هذين البيتين:
دَع الاعتراض فما الأمر لَكْ *** ولا الحُكم في حركات الفَلَكْ
ولا تسـأل الله عـن فعلـه *** فـمن خاض لُـجَّة بحرٍ هلكْ
وفي اللفظ الآخر:
ولا تعترض على الله في مُلْكهِ *** فـمن خاض لُـجَّة بحرٍ هلكْ
أي: أن لله حِكماً وراء عقلك، ووراء فهمك في كل هذا.
وفي الحديث: إذا أحب الله قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أصاب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كان له فيها أجر".
الشعبة الثامنة
الإيمان بأن الخلائق يساقون إلى أرض المحشر
"وهو أن نؤمن بأن الخلائق يساقون جميعًا بعد البعث والنشور إلى أرض المحشر أي الموقف، وهي أرض بيضاء قاع صفصف لا فيها عوج ولا أمت ولا عليها ربوة يختفى الإنسان وراءها، ولا وهدة ينخفض عن الأعين فيها بل هو صعيد واحد بسيط لا تفاوت فيه يساقون إليه زمراً. ومراتب الناس في الحشر متفاوتة، فمنهم الراكب وهو المتقي، ومنهم الماشي على رجليه وهو قليل العمل، ومنهم الماشي على وجهه وهو الكافر.
ثم يصرف الناس من الموقف إلى الجنة أو النار ويمرون على الصراط فأمة سيدنا محمد ﷺ على سبعة أنواع: الصدِّيقون والعالمون والبدلاء والشهداء والحجاج والمطيعون والعاصون. فالصدِّيقون يمرون على الصراط كالبرق الخاطف، والعالمون كالريح العاصف، والبدلاء كالطير في ساعة يسيرة، والشهداء كالفرس السابق يمرون في نصف نهار، والحجاج يمرون في يوم كامل والمطيعون في شهر، والعاصون يضعون أقدامهم على الصراط وأوزارهم على ظهورهم فيعبرون، فتقصد نار جهنم احراقهم فترى نور الإيمان في قلوبهم، فتقول: جز يا مؤمن فإن نورك أطفأ لهبي. كما أفاده محمد الهمداني.
فقول الناظم: والقَدَر بفتح الدال،. وقوله: تَحْشَمُ من باب تعب يتعب، أي تخجل وتستحيي من الافتضاح عند العرض على الملك الجبار. ومعنى قوله: فيه الخلائق تحشم أي كل أحد يشتغل بحاله في المحشر ويشتبك الناس كالجراد المنتشر في الأرض، ويبصر الأحياء بعضاً، ويتعارفون ولا يتكلمون، وهم حفاة عراة مشاة.
قال رسول الله ﷺ يبعث الناس حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان. فمعنى حفاة: أي غير لابسين النعال، ومعنى عراة: أي غير مستورين، ومعنى غُرْلاً: أي غير مختونين.
يقول -عليه رحمة الله- في هذه الشعبة الثامنة: سَوق الخلق إلى أرض المحشر، وهو بعد خروجهم من القبور، وأرض المحشر هي هذه الأرض التي نحن عليها ولكن بعد تبديلها وتغييرها، وبداية الجمع يكون في أرض بيت المقدس، لكن لم يبق على ظهر الأرض بناء ولا شجر ولا جبل.
قال تعالى: (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً)[الحاقة:14]، وقال:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا..) أي: يجعل الأرض سبحانه وتعالى يجعلها (قَاعًا صَفْصَفًا) أي: مستوية لا ترى فيها عوجًا أو انخفاضًا (لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا) أي: انخفاضًا (وَلَا أَمْتًا) [طه:105-107] أي: ارتفاعًا واعتلاء، فلا عقبة ولا جبل ولا شجرة ولا جدار ولا شيء على ظهر الأرض، بل مسوّاة كلها تسوية واحدة.
قال تعالى:(وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) [الكهف:47]، وتختلف أحوالهم عند الحشر:
وذكر مرور الناس على الصراط واختلافهم فيه، وذلك على حسب إيمانهم وأعمالهم؛ فلا قوة لجسد الناس للمرور على الصراط إلا بحسب إيمانهم وعملهم، كما نرى الآلات التي تمشي في الدنيا إما بوقود وطاقة من البترول أو الديزل أو الكهرباء أو الغاز وما إلى ذلك… ولكن أجساد الناس على على الصراط لا قوة لها إلا الإيمان والعمل الصالح.
والصراط مسيرة ثلاثة آلاف سنة:
وعُتاة الكفار والطغاة يحشرون على وجوههم -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، قال ﷺ: "أليس الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم"
قال تعالى: يحشرون في النار على وجوههم، نسأل الرحمن أن يجعلنا في زمرة نبيه في ذلك اليوم ومع العباد الصالحين وأن يمر بنا على الصراط أسرع من لمح البصر مع الفرقة الأولى، آمين.
لقد قال بعض العارفين: سرعة المرور على الصراط على قدر سرعة إعراض المؤمن عن خاطر المعصية إذا خطر على باله، فالمعاصي هي النار، والإعراض عنها هو المرور على الصراط؛
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.
قال الناظم:
وبأنَّ مَرْجِعَ مُسْلِمٍ لِجِنانِهِ *** وبأنَّ مَرْجِعَ كافِرٍ لَـجَهَنَّمُ
الشعبة التاسعة
الإيمان بالجنة
"وهو أن نؤمن بأن الجِنان دار خلود لمسلم وهو من مات على الإسلام وإن تقدم منه كفر،ودخل في المسلم العصاة فمرجعهم ودار خلودهم الجنان فلا يخلدون في النار إن دخلوها، بل لا يدوم عذابهم فيها مدة بقائهم، لأنهم يموتون بعد الدخول بلحظة ما يعلم الله مقدارها، فلا يحيون حتى يخرجوا منها، والمراد بموتهم: أنهم يفقدون إحساس ألم العذاب، لأنهم يموتون موتًا حقيقيًا بخروج الروح. والإيمان بأن جهنم وهو اسم لمجموع النيران دار خلود لكافر: وهو من مات على الكفر وإن عاش طول عمره على الإيمان، ودخل في الكافر: من بالغ في النظر فلم يصل إلى الحق وترك التقليد الواجب عليه، ولا يدخل فيه أطفال المشركين بل هم في الجنة على الصحيح ولا فرق في المسلم والكافر بين الإنس والجن، وقول الناظم: لجهنم، بضم الميم لأجل القافية"
يقول الإيمان بالجنة والإيمان بالنار من أعظم شعب الإيمان بل هو رأسٌ في هذا الإيمان، فإن المصير لجميع المكلفين؛ إما الجنة أبدا وإما النار أبدا.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، اجعلنا ممن يدخل الجنة بغير حساب، اجعلنا ممن يدخل الجنة بغير حساب، اجعلنا ممن تدخله الجنة بغير حساب، وأهلينا وأولادنا وقراباتنا وجيراننا وأصحابنا وذوي الحقوق علينا يا الله.
وكل من مات ولو في قلبه مثقال ذرة من إيمان مآله الجنة، يعذِّب الله من شاء من عصاة المؤمنين على قدر عصيانهم الذي لم يعفُ عنهم فيه ثم ينقلهم إلى الجنة، وهذا أيضا هو الاعتقاد الوسط الصحيح لأهل السنة.
والنبي ﷺ يقول: يَخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فكيف يخرج منها إن لم يدخلها؟ وكيف يخلد فيها والنبي قال يخرج منها؟
اللهم اجعلنا ممن سبقت لهم منك الحسنى، فهم عن النار مبعدون لا يسمعون حسيسها.
وقد أعد الله فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وذكر أن الصحيح أن أطفال المشركين يجعلهم الله في الجنة.
وذكر أن من جزَم بعقيدة الإيمان والحق فهو مخلد في الجنة، وأن من أعمل النظر والتفكير حتى جزم أيضًا بعقيدة الإيمان فهو في الجنة، وأن من لم يؤمن نظر في الأدلة أو لم ينظر فهو مخلد في النار؛ فلا ينفعه أنه فكر وكان تفكيره خاطئا لم يوصله إلى معرفة الإله.
الشعبة العاشرة
محبة اللّه تعالى
قال سهل: علامة حب اللّٰه حبُّ القرآن، وعلامة حبهما حبُّ النبي، وعلامة حبه ﷺ وَالِي حب السنة، وعلامة حبها حب الآخرة، وعلامة حبها بغض الدنيا، وعلامة بغضها أن لا يأخذ منها إلا زادا وبلغة إلى الآخرة.
وقال حاتم بن علوان قدس سره: من ادعى ثلاثًا بغير ثلاث فهو كذاب: من ادعى حب اللّه تعالى من غير ورع عن محارمه فهو كذاب، ومن ادعى محبة النبي من غير محبة الفقر فهو كذاب، ومن ادّعى حب الجنة من غير إنفاق ماله فهو كذاب. وقال بعض العارفين: إذا كان الإيمان في ظاهر القلب، احب اللّٰه تعالى حبا متوسطا، فإذا دخل سويداء القلب أحبه الحب البالغ وترك المعاصي. وبالجملة في دعوى المحبة خطر فلذلك قال الفضيل: إذا قيل لك أتحب اللّٰه تعالى؟ فاسكت فإنك إن قلتَ لا كفرت، وإن قلت نعم فليس وصفك وصف المحبين. قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ)[البقرة:165]، ولحديث أنس بن مالك رضي اللّٰه عنه في الصحيحين: ثلاث من كُنَّ فيه وجدَ حلاوة الإيمان: أن يكون اللّٰه ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبه إلا لله، و أن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن توقد له نار فيقذف فيها.
اللهم اجعلنا من أهل المحبة وخرج فينا أوصاف المحبين، والمحبة من أعظم مقامات اليقين، وكل ما قبلها فهو وسيلة إليها وكل ما بعدها فهو ثمرة لها، ومحبة الله مرتبطة بمحبة رسوله والجهاد في سبيله؛ ولذا حذرنا في القرآن أن يكون شيء من شؤوننا وأحوالنا وأهلينا وأولادنا وتجاراتنا أحب إلينا من الله ورسوله وجهاد في سبيله.
اللهم اجعل هذه الصفات الثلاث في كل واحد منا، فنظل يومنا ونحيا ونموت والله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، ونعيش على المحبة في الله -تبارك وتعالى- ومن أجل الله، ونكره الكفر والفسوق والعصيان كما نكره الحريق بالنار؛ فنذوق حلاوة الإيمان، ولا يذوق الإنسان احلى منها، لا مطعم ولا مشرب، ولا ملبس ولا مسكن، ولا مركب ولا منكح، ولا شهرة ولا إمارة، لا شيء ألذ من حلاوة الإيمان.
اللهم أذقنا حلاوة الإيمان، وأذقنا برد عفوك، ولذة مناجاتك، وحلاوة الإيمان ورحمتك، اللهم أكرمنا بذلك.. اللهم أكرمنا بذلك.. اللهم أكرمنا بذلك.. واجعل لأهل هذا المسجد وأئمته والقائمين عليه نصيبًا وافرًا، وأكرم جميع الحاضرين بنصيب كبير يا عليم يا قدير، يا سميع يا بصير، يا لطيف يا خبير، يا أكرم الأكرمين.
انظر إلينا وإليهم أجمعين واجعلنا في الهداة المهتدين واقبلنا على ما فينا واقبل بوجهك الكريم علينا، ثبتنا على الحق فيما نقول وثبتنا على الحق فيما نفعل وثبتنا على الحق فيما نعتقد، واجعلنا أسباب الهداية والنور وانشر الخيور في البطون والظهور وادفع عنا وعن أهل هذه البلدة وعن أهل ماليزيا وعن أهل شرق آسيا وعن أهل آسيا كلها وعن المسلمين جميعًا البلايا والشرور وكل محذور وشر كل كفور وغادر وفاجر وفاسد ومفسد ومثبط وظالم ومجرم، اللهم اجعلنا في حصونك الحصينة وخروجك المتينة و أصلح شؤوننا ما أصلحت به شؤون الصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين، واغفر للمتقدمين في مساجدنا وفي ديارنا ومعاهدنا واجمعنا بهم في دار الكرامة وأنت راض عنا، وأصلح لنا أحوالنا كلها برحمتك،
بسرِّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
الفاتحة
24 ربيع الثاني 1447