(604)
(535)
(339)
الدرس الأول للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في شرح كتاب: قامع الطغيان على منظومة شعب الإيمان، للعلامة محمد نووي بن عمر البنتني الجاوي
في مسجد الرياض، مدينة صولو، إندونيسيا، فجر الأحد 20 ربيع الأول 1447هـ.
شرح مقدمة الكتاب، وشعب الإيمان: الإيمان بالله، الإيمان بالملائكة، الإيمان بالكتب، الإيمان بأنبيائه.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبسندكم المتصل إلى الإمام محمد نووي بن عمر البنتني الجاوي على منظومة شعب الإيمان للإمام العلّامة زين الدين بن علي المليباري في كتابه "قامع الطغيان على منظومة شعب الإيمان"، نفعنا الله به وبعلومه وعلومكم في الدّارين آمين، ورضي الله تعالى عنه وعنكم قال:
"الحمد لله الذي اتصف بالكمالات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أُيِّدَ بالمعجزات، وعلى آله وصحبه الذين فعلوا الحسنات واجتنبوا المنكرات.
أما بعد:
فيقول المرتجي من ربه عفو الزلات وقضاء الحاجات محمد نووي بن عمر: قد طال تردُّدُ فكرى في تصحيح منظومة الشيخ زين الدين بن علي بن أحمد، وهي في داخل كتابه المشهور بـ"شُعَبِ الإيمان" المعرَّبة المختصرة من "شعب الإيمان" الفارسية، للعلامة السيد نور الدين الإِيجي -بكسر الهمزة- نسبة إلى "إِيج" بلدة بفارس.
وهي من بحر الكامل، وأجزاؤه "متفاعلن" ست مرات، وعدد أبياتها: ستة وعشرون، والغالب أنها مخبونة.
ثم لمّا انشرح صدري أردت أن أكتب عليها شرحًا نافعًا لي ولأبناء جنسي ممن أراد فلاحًا، وزدت عليها ثلاثة أبيات في أولها، وزاد عبد المنعم بيتًا في آخرها؛ فصارت جملة الأبيات: ثلاثين، وسميته: "قامع الطغيان على منظومة شعب الإيمان".
وأسأل الله الكريم أن ينفع به بمنِّه وكرمه، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير آمين."
ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
هذه خطبة الكتاب للشيخ محمد نووي جاوي -عليه رحمة الله- وهو أحد أعلام هذه البلاد من إندونيسيا، من بلاد جاوة، من الذين كثرت منهم المؤلفات وكثر النفع بها وانتشارها في الأقطار-عليه رحمة الله تبارك وتعالى- الشيخ محمد نووي جاوي، أعلى الله درجاته، شَرَحَ هذه المنظومة التي نتحدث عنها؛ فابتدأ بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" ، وكل شيء قائم باسمه -جل جلاله- محُوط بعلمه.
والبسملة مع كونها آية من القرآن الكريم، هي ذكرٌ نُدِب المؤمن إلى أن يستحضره في مختلف أفعاله وأحواله.
وكلُّ ما اجتمع فيه ثلاث خصال سُنّ ابتداؤه بالبسملة:
الأول: أن يكون أمرًا ذا بال، أي: مهمٍ، ليس من سفاسف الأمور.
يخرج بـ ذي البال كل:
الثاني: ألا يجعل الشارع له مبدأً آخر؛
الثالث: ألا يكون ذكرًا محضًا، أي: خالصًا؛
وتتأكد البسملة للمؤمن عند:
فيتشرف ويتعزز بأن تكون شؤونه وأحواله باسم الإلـٰه الخلّاق البارئ الرحيم جلّ جلاله.
ثم ذَكَر "الحمد لله" -تبارك وتعالى- ومعناه: الثناء والمدح الذي هو لائق بجلال الله سبحانه وتعالى، وهو مستحب على كل حال.
وفي فضيلته قال ﷺ: "الحَمدُ لله تملأُ الميزانَ"، يعني: أن ثوابها لو جُسِّم لملأ الميزان، وكفَّة الميزان أوسع مما بين السماء والأرض.
وحقيقة الحمد: استشعار إنعام الله وإفضاله، وأنه ما من نعمة إلا وهي منه، وأن العبد لا يستطيع أن يشكر الله تبارك وتعالى؛ إلا بنعمة جديدة عليه من الله وهي: توفيقه للشكر؛
فإذًا لا يمكن أن يقوم بشكره إلا من حيث أن الله رضِيَ مِنّا ذلك شكرًا من خلال حمده، واعترافنا بالعجز عن القيام بشكره.
وقال: "اتصف بالكمالات"، في وصف الله تعالى أي: الكمالات المطلقة بكل معنى من كل وجه بلا غاية ولا نهاية، فله وحده الكمال المطلق، أما الخلق؛ فكمالاتهم نسبية، ولكل شيء من المخلوقات كماله، وترجع كمالاتهم إلى الحكمة التي خلقهم الله من أجلها وبلوغهم الغاية فيها.
وأعظم الكمالات بالنسبة للمخلوقات:
وبذلك يقول سيدنا الحبيب علي بن محمد الحبشي صاحب الحولية في صلاته على النبي ﷺ يقول: ما دام تلقِّيه منك وترقِّيه إليك، وإقبالك عليه وإقباله عليك. وقال في بعض صيغه في وصف النبي محمد: جامع الكمالات الإنسانية.
والكمال الخَلقي كله متفرع من كمالاته عليه الصلاة والسلام.
فنسأل الحق تعالى أن ينظر إلينا، وأن يكمِّل نقصنا ببركة الكُمَّل من عباده، ببركة سيدهم خير البريات صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
وقال المؤلف -رحمه الله- ونفعنا بعلومه وعلومكم:
" فقلت:
اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي قَـــدْ صَيَّّرَا *** إِيْمَانَ شَخْصٍ ذَا شُعَبْ فَتُتَمَّمُ
أي أُنشئ إقراري بالحمد معتقدًا أن كل ثناء لله والمراد بهذا البيت أن أعمال الإيمان ذوات أجزاء وخصال وهي التي تزيد أعمال الإنسان بالإتيان بها وتنقص بترك شيء منها، وأما أصل الإيمان الذي هو التصديق فلا ينقص لأنه لو نقص لكان شَكًّا، ولا يصح الإيمان مع الشَّك. فقولي: شُعب ، بضم الشين وفتح العين وسكون الباء للوزن: جمع شعبة بسكون العين. وقولي: فتتمم فيه ضمير راجع للشُّعب.
هَذِهِ بُيُوتٌ مِنْ كِتَابِ الْكُوْشِنِي*** مَنْ قَالَ بَعْدَ صَلَاتِنَا وَنُسَلِّمُ
لِمُحَمَّد وَلِالِهِ وَصَحَابَتِهْ *** مَا دَارَ شَمْسٌ في السَّمَاءِ وَأَنْجُمُ
التعريف بأصل صاحب الرسالة:
هذه الرسالة أبيات مأخوذة من كتاب الشيخ زين الدين بن علي بن أحمد الشافعي الكوشني الفناني المليباري، ولذلك كان عدد ما في الأبيات مثل ما في النشر. فقَولي: الكوشني بضم الكاف وسكون الواو وكسر الشين والنون، أي أن صاحب هذه الرسالة ولد في "كوشن" من مدن مليبار، بعد طلوع الشمس من يوم الخميس الثاني عشر من شهر شعبان سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، ونقله عمه القاضي زين الدين بن أحمد إلى فنان وهو صغير وله مصنفات كثيرة: كهداية الأذكياء، وتحفة الأحياء، وإرشاد القاصدين في اختصار منهاج العابدين للغزالي. وقولي: من قال ، عطف بيان، ومقول القول هو الأبيات التي بعد ذكر الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه. والمراد بقولي: بعد صلاتنا ونسلم، إنشاء الصلاة والسلام على من ذكر"
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
بهذا ابتدأ في المنظومة التي يشرحها، التي ابتدأت أيضًا بالحمد لله -تبارك وتعالى-. وذكر أنه "صَيَّّرَ إِيْمَانَ شَخْصٍ" أي: إيمان كل شخص يؤمن بالله من المؤمنين، "ذَا شُعَبْ فَتُتَمَّمُ" تلك الشُّعَب، بمعنى: أنه له أعمال ووجهات متعددات تتفرع عن أصل الإيمان وحقيقة الإيمان.
وأصل التصديق هو بداية الإيمان، ثم تكون بعد ذلك الزيادة، من غير ريب أن الشك ليس من الإيمان في شيء، ولكن الجزم بالتصديق هو بداية الإيمان.
وهذا الجزم بالإيمان من غير شك أنه يكون في حال أقوى من حال آخر، ومثاله:
ومن هنا جاء ما ورد من أن الإيمان يزيد وينقص، كما ذكر الشيخ لا أصل التصديق؛ فإن الشك ليس من الإيمان في شيء، ولكن الجزم بالتصديق يختلف من واحد لآخر، ومن هنا جاء اسم اليقين؛ لقوة الإيمان ورسوخه وثباته.
مع ذلك فاليقين ثلاث مراتب، لكل مرتبة درجات متفاوتة:
قال سيدنا الإمام الحداد في بيان السلوك الصحيح في المشي إلى الله والسير إلى الله:
وَالزَم كَتَابَ الله واتبَع سُنَّةً *** واقتَد هَدَاكَ اللهُ بِالأسلافِ
ثم وصفهم بقوله:
أهلُ اليَقِينِ لِعَينِهِ وَلِحَقِّهِ *** وَصَــلُوا وثَمَّ جَوَاهِرُ الأصدَافِ
راحُ اليَقِينِ أَعَزُّ مَشرُوبٍ لَنَا *** فَاشرَب وطِب واسكَر بِخَيرِ سُلَافِ
ومن مقاصد المجامع في هذا الحول أن يتحصل المؤمن على اليقين علمًا وعينًا وحقًا لأهله. فالله يوفر حظنا من هذه المواهب.
"قال الناظم:
إِيْمَانُنَا بِضْعٌ وَعَيْنٌ شُعْبَةً *** يَسْتَكْمِلَنْهَا أَهْلُ فَضْلٍ يَعْظُمُ
شَرَعَ المؤلف في بيان شُعَب الإيمان مرتبا فقال: أن الخصال المتفرعة عن الإيمان سبع وسبعون كما قاله ﷺ: "الإيمان بِضْعٌ وَسَبْعُون شُعْبةً فَأَفْضَلُهَا قَولُ لَا إِلهَ إِلَّا الله وَأدْنَاها إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبةٌ مِنَ الإيمان" رواه المحدّثون.
وقول الناظم: "إِيْمَانُنَا" أي: فروع إيماننا. وقوله: "بِضْعٌ" بكسر الباء وفتحها، ومعناه عند الخليل: سبع، وهو المراد هنا. وقوله: "وَعَيْنٌ" معناه: سبعون؛ لأن العين بسبعين كما أن الهمزة بواحد، والياء المثناة تحت بعشرة، والقاف بمائة، والغين المعجمة بألف. وقوله: "شُعْبَةً" منصوب على التمييز. وقوله: "يَسْتَكْمِلَنْهَا" بنون التوكيد الخفيفة والسين للعد أو للطلب، وهو فعل مضارع وفاعله. قوله: "أَهْلُ فَضْلٍ" بحذف التنوين للوزن. والمعنى: أن الفضلاء يعدون هذه السبع والسبعين مكملة للنفس، لأنه يصلح بها أمور الدنيا، ويحسن بها أمور الآخرة ويطلبون كمالها. كما قال الناظم:
آمِنْ بِرَبِّكَ وَالملَائِكِ وَالْكُتُبْ *** وَالْأَنْبِيَا وَبِيَومِ يَفْنَى الْعَالَمُ
ذكر الناظم في هذا البيت خمس شعب"
يقول:
"إِيْمَانُنَا بِضْعٌ وَعَيْنٌ شُعْبَةً *** يَسْتَكْمِلَنْهَا أَهْل فَضْلٍ يَعْظُمُ"
العين: من حروف الهجاء التي رقمها في حساب الجُمَّل سبعين، والبِضع: ما بين ثلاثة إلى تسعة، وهو عند الخليل سبعة.
فالبضع كما قال تعالى: (فِي بِضْعِ سِنِينَ) يعني: ما بين ثلاثة إلى تسعة، فكانت بعد ثمان سنين غلبت الروم فارس كما قال تعالى: (غُلِبَتِ الرُّومُ *فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ)[الروم:2-4].
والبضع: ما بين الثلاثة إلى التسعة وهو عند الخليل السبعة، إذًا فالعين معناها سبعون؛ لأن بحروف أبجد هوز حطي كلمن سعفص يأتي لكل حرف رقم، فأولها الألف بواحد وهكذا، فإذا وصلنا إلى العين وجدناها سبعين، أي مقابلها سبعون، "بضْعٌ وَعَيْنٌ" أي بضع وسبعون شعبة، جاء فيها الأحاديث المتعدد من :
"الإيمان بِضْعٌ وَسَبْعُون شُعْبةً فَأَفْضَلُهَا قَولُ لَا إِلهَ إِلَّا الله وَأدْنَاها إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبةٌ مِنَ الإيمان".
كانت الشعب كلها متفرعة عن "لَا إِلهَ إِلَّا الله".
وكان كثير من الصالحين يحب إذا مر في الطريق فوجد أذى يميطه ويقول مع إماطته: "لَا إِلهَ إِلَّا الله" جمعًا بين أعلى شعب الإيمان وأدناها.
فبذلك نعلم أن شريعة الله، دعتْ المؤمن إلى أن يكون من المُميطين للأذى عن الطرق والمصفِّين للطرق والمنظفين لها.
"قال الناظم:
آمِنْ بِرَبِّكَ وَالملَائِكِ وَالْكُتُبْ *** وَالْأَنْبِيَا وَبِيَومِ يَفْنَى الْعَالَمُ
ذكر الناظم في هذا البيت خمس شعب:
الشعبة الأولى
الإيمان بالله
الإيمان بالله هو: أن نؤمن بأنّ الله تعالى واحد، لا شريك له، فرد لا مثل له، صمد لا ند له، أزلي قائم أبدي دائم، لا أول لوجوده ولا آخر لأبديته، قيوم لا يفنيه الأبد ولا يغيره الأمد، بل هو الأول والآخر والظاهر والباطن، منزه عن الجسمية (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[الشورى:11] قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ)[النساء:136]، و حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حتّى يقولوا: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فمَن قالَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ ومالَهُ، إلّا بحَقِّهِ، وحِسابُهُ على اللَّهِ"
حسابُهُ على الله تعالى -جل جلاله وتعالى في علاه-.
"الشعبة الأولى" في الإيمان، أصل الإيمان وأساسه، وهو "الإيمان بالله" ومعناه: التصديق بأن الله تعالى موجود وأنه واحد لا شريك له، تنزه عن النِّدية والمثلية، فليس كمثله شيء، هو "الأول" فلا ابتداء لوجوده، وهو "الآخر" فلا انتهاء لأبديته، "منزه عن الجسمية" وتوابعها، وكل ما يخطر في البال، ليس يشابهه شيء من الخلق ولا يشابه شيئًا من الخلق. وكل ما خطر ببالك فهو من جملة الخلق، فهو (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الإخلاص:4].
فالله يرزقنا كمال الإيمان والتقديس والتنزيه له سبحانه وتعالى، ويزيدنا إيمانًا في كل يوم، في كل لمحة، في كل نَفَس.
الشعبة الثانية
الإيمان بالملائكة
"وذلك بأن تُصدِّق بوجودهم وبأنهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهم أجسام لطيفة ذوات أرواح، جعل الله لهم قوة على التشكل بأشكال مختلفة حسنة. قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)[البقرة:285]، ولحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصحيحين في سؤال جبرائيل: "الإيمانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ".
الشعبة الثالثة
الإيمان بالكتب
وذلك بأن تصدق بأنّ ما أنزل الله على أنبيائِه من الكُتب وحيٌ من الله مشتملٌ على أحكامِه وأخباره. قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ)[النساء:136]"
-سبحانه عز وجل-
ذكر لنا "الشعبة الثانية" الإيمان بسادتنا الملائكة صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم أجمعين.
والملائكة: هم الأجسام النورانية التي خلقهم الله من النور، لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتناكحون، و(لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم:6]، وهم أكثر خلق الله عددًا، هم على مراتب وموظفون بوظائف، أعلاهم من يقال لهم الكروبيون، ومنهم العشرة الذين أُمِرنا بمعرفة أسمائهم:
آمنا بملائكة الله.
ثم ذكر "الإيمان بالكتب"، وهي ما أوحاه الله إلى الأنبياء وما أنزله عليهم من الكتب -صلوات الله وسلامه عليهم-، وهي كثيرة، وإنما أُمرنا بمعرفة أسماء أربعة:
فكل ما في هذه الكتب حق وصدق من الله تعالى، وإنَّما أتباع الأنبياء حرَّفوا وبدَّلوا وغيَّروا فيها، فنحن نؤمن بما أنزل الله، وكل ما حرفوه وغيَّروه ليس من الكتاب في شيء، وجميع أسرار الكتب المنزلة وأنوارها مجموعة في القرآن الكريم .
الشعبة الرابعة
الإيمان بأنبيائه
"وذلك بأن تؤمنَ بأنّ الأنبياء صادقون فيما أخبروا به عنِ الله تعالى، وأنَّ منهم من أرسلهم إلى الخلق لهدايتهم وتكميل معاشهم ومعادهم، وأيَّدهم بالمُعجزات الدَّالة على صدقهم، فبلّغوا عنه تعالى رسالاته وبيَّنوا للمكلَّفين ما أُمروا ببيانه. قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)[البقرة: 285].
الشعبة الخامسة
الإيمان بفناء العالم الدنيوي وباليوم الآخر
يجبُ على كل مكلّف الإيمان بفناء العالم الدنيوي العلوي والسفلي، وباليوم الآخر مع ما اشتمل عليه من الجزاء والحساب والميزان والصراط والجنة والنار.
فقول الناظم: بربّك بفتح الكاف. وقوله: والملاَئك بكسر الكاف مع حذف الهاء. وقوله: وبيوم، بالجر مع حذف التنوين وهو أفصح لإضافتها للجملة الفعليّة المُعرَّبة، ويجوز بناؤها على الفتح في محل جر."
هكذا عليه رضوان الله -تبارك وتعالى- ذكر الإيمان بالأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-، والأنبياء كثيرون؛ وإن جاء في بعض الأحاديث أنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألف، والصحيح عدم حصرهم؛ لقوله تعالى: (مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ)[غافر:78].
والأنبياء أفضل الخلائق، وأفضلهم الرُّسل، وأولهم سيدنا آدم عليه السلام، وخاتمهم نبينا محمد ﷺ. وكلهم من الناس، وهم رجال يصطفيهم الله -تبارك وتعالى- ويأتمنهم على تبليغ عباده وإرشادهم، والواجب معرفة أسمائهم منهم خمسٌ وعشرون وهم المذكورون في القرآن الكريم.
وكلهم أُخذ عليهم العهد والميثاق بأن يؤمنوا بالنبي محمد لو بُعث في وقت أي أحدٍ منهم، وأخذوا العهود على أُممهم أن يؤمنوا بالنبي محمد إذا بُعث، وكلهم جُمعت أرواحهم في ليلة الإسراء والمعراج في بيت المقدس، وصلى بهم نبينا ﷺ. وكلهم يجتمعون تحت لواء الحمد في القيامة الذي يحمله نبينا محمد ﷺ.
الله يجمعنا بهم في ذلك المقام، فإن من لم يستظل بظل لواء الحمد لم يدخل الجنة، قال نبينا: "بيَدي لِوَاء الْحَمد يَوْم الْقِيَامَة آدم فَمن دونه تَحت لِوَائِي".
جمعنا الله تحت لواء الحمد، كما جمعتنا في هذه المجامع المُباركة على ذكرك وذكر رسولك ومحبَّة الصالحين، فاجمعنا معهم تحت لواء الحمد يا رب العالمين.
ثبتنا الله على الدرب، وسقانا من أحلى شرب، وأصلح لنا كل قالب وقلب، وجعله من أبرك الأيام علينا وعليكم وعلى الأمة المحمدية، وما يجعله في حوليات المحبوبين والمقربين من عباده، يجمعه لنا في حولنا وفي يومنا هذا، ويزيدنا من إفضاله، ويزيد من نواله ويفتح لنا من أبواب الفرج للمسلمين، وغياث المسلمين، وصلاح المسلمين، وجمع شمل المسلمين، ودفع الأذى عن المسلمين، وإغاثة الملهوفين والمكروبين والمظلومين منهم أجمعين، وتحويل الإحوال إلى أحسنها، وصلاح أحوال إندونيسيا والمسلمين فيها، والمسلمين في المشارق والمغارب، ودفع جميع المصائب والنوائب، وتحويل أحوال المسلمين إلى خير حال والختم بالحسنى وهو راضٍ عنَّا.
بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ
إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ
اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
الْفَاتِحَة
21 ربيع الثاني 1447