(536)
(228)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب جامع الصَّلاة.
فجر الثلاثاء 17 ربيع الأول 1442هـ.
باب جَامِعِ الصَّلاَةِ
473 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أبِي قَتَادَةَ الأَنْصَاري:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلأبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا.
474 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ وَصَلاَةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ".
475 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ،عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ". فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلِيُصَلِّيَ لِلنَّاسِ، قَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ، فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ". فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا.
476 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَي النَّاسِ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَارَّهُ، فَلَمْ يُدْرَ مَا سَارَّهُ بِهِ، حَتَّى جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فَإِذَا هُوَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِين، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ جَهَرَ: "أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ؟" فَقَالَ الرَّجُلُ: بَلَى، وَلاَ شَهَادَةَ لَهُ، فَقَالَ "أَلَيْسَ يُصَلِّي". قَالَ: بَلَى، وَلاَ صَلاَةَ لَهُ، فَقَالَ ﷺ: "أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْهُمْ".
الحمدُ لله مُكرمنا بِهُداه، وما بيَّنه على لسانِ مُصطفاه، سيدنا مُحمّد بن عبد الله، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ الهداة، ومن أحبّه واتّبعه ووالاه، وعلى آبائه وإخوانه من رُسل الله وأنبياهِ، وعلى آلهم وأصْحابهم ومن سارَ في سبيلهم، وعلى المَلائكة المُقربين، وعبادِ الله الصَّالحين، وعلينا معهُم وفيهم إنَّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل سيدنا الإمام مَالِكْ عليه رضوان الله في الموطأ الأحاديث المتعلقة بالصلاة ويقول: "باب جَامِعِ الصَّلاَةِ" وأوردَ حديث "أبِي قَتَادَةَ الأَنْصَاري رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ"، فأُمَامَةَ بِنت أَبي العَّاص، القُرَشية كانت صغيرة في عهده ﷺ، خرجَ يومًا إلى الصَّلاة، وقد جاءَ في بعضِ الرِّوايات أنهم كانوا ينتظرونهُ في صلاة الظُهر أو العَصّر قال: فخرج إلينا وأُمَامَةَ بِنت أَبي العَّاص على عاتقهِ ﷺ -على عنقه- فصلَّى بهم؛ وذلكَ أنَّهُ أرادَ الخروجَ إلى الصَّلاة فتعلقت به، فحملها معه عليه الصَّلاة والسلام، وكان إذا سجدَ وضعها، وإذا قامَ حَملها، حتى انتهى من صَلاته.
أُمَامَةَ بِنت أَبي العَّاص بْنِ الرَّبيع، أوصتْ سيدتنا فَاطِمة سيدنا علي، أن إذا توفيتْ أن يتزوجَ أُمَامَةَ، وَتَزوجها بعد وفاة السَّيدة فاطِمة، وبقيتْ عنده حتى قُتل سيدنا علي بْنِ أَبيِّ طالب، وتَزوجها المُغِيرة بْنِ نّوفل، يُقال ولدتْ لهُ يَحيىَ يُكنّى به، وماتَ صغيرًا، ولم تلدْ لِسيدنا علي بْنِ أَبيِّ طالب، وهكذا لم يبقَ مِنْ ذُريةِ بنات النبي ﷺ أحدْ إلا ذرية فاطمة، لم يبق ذرية لزينب، هذه بنت النبي ﷺ هي أكبر بناته، والخلافُ هل القاسم قبلها أو بعدها؟ أما في البنات فهي أكبر بناتهِ ﷺ زينب، بنتها أُمَامَةَ، وأَولهنَّ تزوجتْ زينب بنت الحبيب ﷺ بنتُ سيدنا رسول الله، وهاجرتْ إلى المدينةِ المُنورة بعد غزوة بدرٍ، فإنّ زوجها أبا العَاص بن الرَّبيع، كانَ مع المُشركين في يوم بدر فأُسِر، فجاء أخوهُ عملْ في فدائهِ، وكانتْ زينب زوجته أرسلت معهُ قلادة من جزع كانتْ أُمها خديجة أدخلتها بها على أبي الَعاص بن الرَّبيع، جهزتها بها وقت زواجها، فوصلَ أخوه بها إلى المدينة المُنورة، فلما عُرضت عليه ﷺ رآها فَعرفها، وأنها قلادة خَديجة التي جهّزتْ بها ابنتها زينب، فرَقَّ لها رُقَّة شديدة، وكلَّمَ الصَّحابة أنَّه قال: "إن شئتم تردُّوا عليها قلادتها، وتُطّلقوا لها زَوجَها" فقال الصَّحابة: يا رسول الله لو أردت أن نُطلق كل الأسرى.
ثمَّ إنَّه كان في تجارةٍ لقريش، لأنه اشترطَ ﷺ عليه لما يرجع أنَّه يُرسل إليهِ بنته، فأرسلَّ إليهِ سيدتنا زينب فبقيت عند النبي ﷺ جاءت صُلح الحُديبية وهي عنده ﷺ. ثُمَّ جاء تحريم المُسلمات على المُشركين، قُبيل الفَتح كان في تجارة لقُريش فنالتهُ سَرية مِنْ سَرايا النَّبي ﷺ وجاءوا بهِ إلى المَدينة، فجاءَ إلى بيتِ زينبْ، فأخبرتْ أباها قال لها: "أحسني إليه صنيعًا، ولا يخلصنَّ إليكِ فإنكِ لا تَحلِّينَ لهُ"، فأكرمتْ نُزله وأعلمته أنها حرامٌ عليهِ؛ لأنه لم يُسْلِم، وطلبَ أن تُجِيرَهُ فأجارته، وبعدَ صلاةِ الصُّبحِ قالت: إني قدْ أجرتُ أَبا العَاص بن الرَّبيع، فقالَ الرَّسول ﷺ: سمعتم؟ إني لم أدرِ - عَنْ الجِوارِ هذا- إلا مَا قالتْ الآن. فتكلمَ مع النَّبي ﷺ وخيَّرَ النَّبي الصَّحابة بينَ أن يُطلقوه أو يَردوه، واختاروا إطلاقهً، وَردّو ما كانَ معه مِنْ مالِ قُريش، فوصلَ إلى مكةَ المكرمة وأعطى النَّاس حُقوقهم، فلما أقبلَ قالَ: هل بقي عندي شيء لكم؟ قالوا: لا، قالَ: فإنِّي أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، و والله ما مَنعَني أن أقولها وأنا عنده إلا خَشيةَ أن تَظنوا أنَّ بيّ أكل أَموالكم، إني أردتُ آكل أموالكم، ولكنَّ الآنَ وقدْ وصلْ لكلِ واحد حقه، أنا أُعلنها ولِحقَ إلى المدينةِ المُنورة، فردَّ لهُ ﷺ ابنته زينبْ؛ والأكثر على أَنَّه ردَّها بعقدهِ الأول.
ثمَّ توفيتْ وذلكََ أنَّه عِندما أرسلها، وأرسلَ ﷺ سيدنا زيد بن حارثة يتلقونها في الطريق من أجل أن يأتوا بها إلى المدينة، تعرَّضَ لها هبار بن الأسود هذا أحد المُشركين، قال: من هذه بنت مُحمّد؟ نَخسْ بها الجمل فسقطت، وقعت على حجر، فتأثرت وبقيتْ مريضة بعدها إلى أن توفيت، فتوفيت في أولِ العام الثامن مِنْ الهجرة، توفيت في حياة أبيها ﷺ، فعلَّم النِّساء كيفية الغُسل، وأن يُغسلنَها خمسًا، أو سبعًا، أو تسعًا، أو تزدنّ على ذلك إن رأيتنَّ ذلكَ، ثم شيَّعها صلَّى الله عليهِ وآلهِ وصحبهِ وسلم وقَبرها. كما توفيتْ قبلها رُقية ثمَّ أُم كُلثوم، ثم توفيتْ زينبْ، فلم يبق من بناتهِ الأربعة إلا فَاطِمة، توفيتْ بعدهُ بستةِ أشهر، وأخبرها عند وفاتهِ أنّها أولَ أهل بيتهِ لحوقًا به، فلم يمتْ في السَّتة الأشهرِ أحدٌ من آلهِ حتى توفيتْ فَاطِمة رضي الله عنهم.
يقول: خرجَ "وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلأبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا." وعلى هذا جاءَ الاختلافُ بين أهلِ العلم في العمل اليَسير والعمل الكثير، وقالوا:
والحديث صريحٌ في ذلك، وجاءَ بعِدة رواياتٍ، وكما جاء في صحيح مُسلم وغيرهُ، وفي سُنن النَّسائي وابْنِ حِبّان ويقول مُسلم: "فإذا قامَ أعادها".
ولما انتقدوا على بعض الفُقهاء أصلحَ عِمامتهُ وهو يُصلِّي، وكانَ الذَّي يَنبغي لِمن انطلقتْ عِمامتهُ، أو سقطَ رِداؤه، وغيرَ ذلك في الصَّلاة أن لا يلوي على شيٍء من ذلك ولا يُبالي، فقالوا له: ُتصْلِح عِمامتكَ وأنت تُصلِّي؟ قالَ لهم: إصلاح أو رد العِمامة أهونْ من حَملْ أُمَامَةَ! فإنَّهُ ﷺ حملَ أُمَامَةَ وهو يُصلِّي.
وقد روَت السيدة عائشة -رضي الله عنها- حديث في فضلِ أُمَامة هذهِ، وقالتْ إنَّهُ أهديتُ للنَّبي ﷺ هديةً، وفيها قِلادةٌ من جزع، فقالَ: لأُعطِينَ أو لأُلبسنَ هذهِ القِلادةَ أحبَّ أهلي إليَّ، قالَ: فقالَ النِّساءُ: ذهبتْ بها بنت أبي قُحافة، قالتَ: فاستدعى أُمَامَة، وألبسها إيَّاها، هذا لمَّا استدعاها كان في عينها رَمَص، قالت فَمسَحهُ بيدهِ الشَّريفة، وألبسها القِلادة، بِنتُ زينبْ، في ملاطفتهِ ولطُفهِ ورحمتهِ ﷺ بالصِّغارِ.
والذين لا يرونَ أدنى حركة في الصَّلاة إلا مُبْطلة للصَّلاة كالحنفية، ويرونَ أنَّ حملَ الشيء في الصلاة مُبْطل للصَّلاة؛ لأنه شغل مِنْ غيرِ أفعال الصَّلاة، ولا يرى الناظر إليه أنَّه في صلاة، فقالوا: بالنسخِ لهذا الحديثِ أو بالخصوصيةِ لرسول الله ﷺ وكلٌ من النَّسخ والخُصوصية يَسْتدعيّ توقيفًا، يستدعيّ دليلًا.
ثمَّ ذكرَ لنا حديثهُ ﷺ عن تعاقُبِ الملائكة فينا، وذلكَ أنَّ الله وكَّلَ بكلِ إنسانٍ عشرةً من الملائكةِ بالليلِ، وعشرةً بالنَّهارِ، قالَ تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّه..) [الرعد:11] أيّ: بأمرِ الله، فكُلُ إنسانٍ وكَّلَ الله لهُ بهِ عشرةَ ملائكة بالليلِ، وعشرةَ ملائكة بالنَّهارِ.
ثُم ذكرَ لنا ﷺ قولهُ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ" قالوا وهذا الحديثُ نطقَ فيهِ بلُغةٍ للعربِ، وهو أنْ يُظهرونَ في الفعلِ المُضارع علامةَ التَّثنية أو الجمع من قبلِ أنْ يُذكرَ الفاعل، وهذا خلافٌ المشهور في لُغة مُضر و بقيةَ العربِ أنْ يقولَ: يتعاقبُ فيكم ملائكةٌ باللّيلِ وملائكة بالنَّهارِ، لا يقولُ يتعاقبونَ فيكم ملائكة؛ لأنَّ الفعل إذا تقدمَ يُفرد؛ ولكنَّ هذهِ اللُغة التي يُسموها أهلُ النَّحو عندنا لغة: أكلوني البراغيثُ، جاءَ فيها هذا الحديثُ "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ.." ولمّ يقُل يتعاقبُ، قالَ "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ.." فنطقَ بهذهِ اللغة، صلَّى الله عليه وعلى آلهِ وصَحبِه وسلم. بمعنى: يتناوبونَ عليكم طائفةٌ بعدَ طائفة، فهؤلاءِ العشرة باللَّيلِ، والعشرة بالنَّهارِ لكُلّٓ آدمي، يحفظونهُ من أمرِ الله تباركَ وتعالى، قالوا ولولاهُم لمَزّقتِ الجنُ بنيِّ آدم، لأنَّهم لا يرونهم، يلعبونَ عليكَ، أحدٌ يدقُكَ في رأسكَ، أحدٌ في رجلكَ، وأحدٌ في ظهركَ، وأنتَ لا تدري من يضرِبكَ؛ ولكنَّ الله وكَّلَّ الحفظة قالَ تعالى (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً..) [الأنعام:61]، (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّه..). فهؤلاءِ العَشرة بالنَّسبةِ للمؤمنينَ المُصلين يتواعدونَ في وقتِ استلام هؤلاءِ مِنْ هؤلاءِ، ومِنْ هؤلاءِ على وقتينِ، وقت صَلاة الصُّبحِ ووقت صَلاة العَصرِ، فيجتمعُ في هاتينِ الصَّلاتينِ لِمن كانَ مِنْ المسلمين يُصلّي الصَّلاتينِ، وخصوصًا في جماعةِ، يجتمعُ عندهُ ملائكةُ اللَّيلِ، وملائكةُ النَّهارِ، في هذا الوقت، فملائكةُ النَّهارِ يُريدونَ أنْ يَحضروا يَشهدوا معهُ صلاة العصر، ويكتبوها في صحائِفهم فهُم مع كونِهم حفظة أيضًا يكتبونَ على الإنسانِ ما يعملهُ خلالَ ما هم معهُ؛ غيرَ كتابةَ رقيب وعتيد، فَينتظرونَ معهُ صلاة العصرِ إنْ كانَ من المُصلين، وخُصوصًا المُصلين في جماعة، فيشهدونَ معهُ صلاة العصرِ، ثُم يرتفعونَ يعرِجُونَ إلى السَّماءِ، ويبقى معه ملائكةُ اللَّيلِ إلى وقتِ الفجرِ، فينتظرونَ ملائكةُ اللَّيلِ وقتَ الفجرِ فيُصلونَ معه، ويكتبونَ صلاتهُ ثُمَ يصعدونَ فتمسِكه ملائكةُ النهارِ، وهذانِ الوقتانِ فيها اجتماع ملائكة اللَّيلِ، وملائكةُ النهارِ فيزدادُ فضلُ هاتينِ الصَّلاتينِ، وفي صلاةِ الفجرِ على وجهِ الخصوص، خصُوصية زائدةٌ في قولهِ تعالى (..وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء:78] أي: تشهدهُ الملائكة.
ومنهُ اجتماع ملائكةُ اللَّيلِ وملائكةُ النَّهارِ، وهذا أيضًا يحصلُ في العَصرِ، ولا مانعَ أيضًا أن يكونَ هُناكَ ملائكة أكثر زائدينَ لصلاةُ الصُّبح، يحضرونَ صلاة الفجرِ مع النَّاسِ من غيرِ الحَفَظَة هؤلاءِ، وفيهِ أنَّهُ إذا اجتمعَ أربابُ القُربِ من الله كان لاجتماعهم فضلٌ، وللحضورِ معهم شأنٌ، فلهذا عظُمَ ثوابُ صلاةُ الصُّبحِ وصلاةُ العصرِ، وقالَ الحقُ تعالى عن فضلِ قُرآنَ الفجرِ، وقُرآنَ الفجرِ خصَ ذَكر القُرآن الفجر لأنَّها الصَّلاة جهرية، والعصر سرّية، لا يُجهر فيها بالقُرآنِ؛ ولكنَّ في صلاةِ الفجرِ يجهرُ الإمام بالقراءةِ (.. إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) تشهدَهُ الملائكة.
فكما لمَّا ذكرَ الله فضلَ ليلةُ القدرِ، ذكرَ حضورُ الملائكةِ فقالَ: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) [القدر:4] ففيهِ أنَّ عند حضور الملائكة والمقربينَ عند اللَّه يعظمُ الفضلُ، ويعظمُ الخيرُ وتتشرفُ بهم الأمكنة والأزمنة التي يحضرونَ فيها.
فقالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ وَصَلاَةِ الْفَجْرِ" أي: الصُّبح. قالَ: لطفٌ من الله بالعبادِ لتكونَ شهادتهم لهم بأحسنِ الشَّهادة، فلمَّا يصعدونَ يسألهم الحقُ تعالى عن الذَّي كانوا معهُ من المُكلَفينَ من أُمةِ مُحمّد، يقولونَ: يا رب أتيناهم وهم يُصلون، وفارقناهم وهم يُصلون، يعني أتيناهم في صلاةِ الصُّبح وفارقناهم في صلاةِ العصرِ، وتقولُ ملائكةُ اللَّيلِ: "وأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ" يعني: في صلاة العصرِ، وفارقناهم، "تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ" يعني صلاة الصُّبح. فيشهدونَ لهم بالصَّلاةِ عندَ اللّٰه تباركَ وتعالى، فكيفَ حالُ الذَّي لا يقومُ للصَّلاةِ؟ وما تقولُ عنهُ ملائكتُهُ؟ تركناهم وهم نائمونَ! ولكِن لمن يشهدُ الصَّلاة، تشهدُ لهُ الملائكة "أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ"، "وتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ" ويكونَ ذلكَ سبب الرَّحمةِ لهم. ثِم يعْرجُ، يعني يصعدْ إلى السَّماء، الذَّين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلمُ بهم، كيفَ تركتم عبادي؟ وفيهِ إشارة إلى آخر شيء، وأنَّ الأمورَ دائرةٌ على الخاتمةِ، "يَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ"، يعني: فاغفر لهم، وسامِحهم، وتجاوز عنهم لأننا "تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ". معناها: فاغفرُ لهم، وسامحهم، وتجاوز عنهم، وأكرِمهم. فهؤلاءِ الحَفَظة يشهدونَ للمُصلينِ صلاة الصَّبحِ وصلاةَ العصرِ. وفي الحديثِ: "من صَلَّى البَرْدَيْن دَخَل الجنة" والمُراد بهما: صلاةُ الصُّبحِ، وصلاةُ العصرِ.
أوردَ لنَّا بعدَ ذلكَ حديثُ عائشة عن النَّبي ﷺ قالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ" وذلكَ في مرضهِ الذَّي تُوفيَ فيهِ ﷺ، وكانَ ذلكَ في صلاةَ العشاءِ، من آخرِ شهر صَفر، نحوَ السَّابعة والعشرين من شهرِ صَفر، وذلكَ أنَّهُ صلَّى بهم المغربْ فكانتْ آخرُ صلاةٍ صلاها بهم قبلَ مرضهِ، قرأَ فيها (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا) [المرسلات:1] وقد ابتدأَ بهِ المرض، واشتَّدَ عليهِ وقتُ العشاءِ، ولمَّا أجْتمعَ النَّاسُ لصلاةِ العشاءِ آذنَّهُ بلال، فقامَ يتوضأ وأمرَ بوضعِ الماء، فوضعوا الماءَ، فقامَ ﷺ يتوضأ فأُغميَ عليهِ من شدةِ المرضِ، ثُم أفاقَ قالَ: "ما عملَ الناسُ؟" قالوا: ينتظرونكَ يا رسولَ الله، فأمرَ بالماءِ، ردَّ إليهِ الماء، ذهبَ يتوضأ فأُغميَ عليهِ، ثُم لمَّا أفاقَ قالَ: "ما صنعَ الناس؟" قالوا: ينتظرونكَ يا رسولَ الله في المسجد، فأمرَ بسكبِ الماءِ، فسكبوا لهُ الماءَ فأخذَ يتوضأ فأُغميَ عليهِ ثالثًا؟ فلمَّا أفاقَ قالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ"، "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ" السيدةُ عائشة تقولَ: إنَّها لَّما سمعتهُ يقولُ ذلكَ، وأنَّهُ لا يخرجْ الآنَ بسببْ مرضهِ، وسيقوم أبا بكرٍ مقامه، وتعرف شِدّة محبةِ الصَّحابةِ للحبيبِ ﷺ، وأنَّهم سيتشائمون ويجزعونَ من الذَّي يقومُ مقامَ النَّبي ﷺ، فما أرادتْ أنَّ أباها هو الذَّي يقفُ هذا الموقف، ويشمئِزَ النَّاسُ منه، وأنَّهُ قامَ مقامَ النَّبي ﷺ، لقوةِ محبتهم وتعلُقهم بهِ، فقالتْ: يا رسولَ الله إنَّ أبا بكرٍ رجل أسْيف، رقيقُ القلبِ يعني، لا يملكُ نفسه من البُكاءِ، "إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ" سيبكي ولا أحدْ سيسمع، ولن يعرِفُ يرفعُ صوته، فلن يسمعونَ النَّاسُ قرآءتهُ، "لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلِيُصَلِّيَ لِلنَّاسِ، قَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ" قالتٔ السيدةُ عائشة لمَّا رأتُ النَّبي ﷺ لا يقبلُ قولها قالتْ لحَفصَة، قالتْ لها كلِّميهِ، وكلَّمتهُ حفصة، "فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ" قالتْ حفصة: فقلتُ لهُ، "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ" يعني: النَّساء اللاتي قد يُظهرنَ خلافَ ما يُبطنَ، تُكلُمني عائشة عن أبيها خائفة عليهِ من المقامِ، وتعذّرتْ بأنَّهُ رقيقٌ، وأنَّهُ سيبكي، وقصدُها ثاني، وقصدُها أنَّها ما أرادت النَّاس يتشائمونَ بأبيها، ولا أنْ يتحاملوا عليهِ، يشمئِزونَ منهُ، "إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ" فلمَّا قالَ كذا ﷺ وذكرهُنَ بصُويحباتِ يوسف، قالتَ السيدةُ حفصة: أنتِ نكدتيني تقولُ للسيدةِ عائشة: "مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْراً" تجعليني أُكلّمه في شيء لا يُحبهُ، وأجابني هذا الجواب لا أنالُ من ورائكِ الخير، أنتِ تضحكينَ عليَّ لمَّا رأتِ النَّبي يقولُ: "إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ"
قالوا وفي هذا إيماءٌ إلى إستخلافهِ، وارتضاءه أنْ يقومَ مقامهُ وبدله في أعظمِ شؤونِ الدينِ وهو الصَّلاة، ولذا قالَ: قالَ الصَّحابةُ نرتضي لدُّنيانا من رَضيهِ ﷺ لِديننا، رضيهُ أنْ يكونَ إمامنَا في الصَّلاةِ، وخلِيفتهُ من بعدهِ في الصَّلاةِ، فللدُّنيا من بابِ أولى. فبايعوه على الخلافةِ، عليهم رضوانُ اللّٰه تعالى، وقالَ لهم سيدنا عُمر وهم في السَّقيفةِ قال للأنَّصارِ: أُشهدكم الله هل تعلمونَ أنَّهُ ﷺ أمرَ أبا بكر أنْ يُصلّي للنَّاسِ؟ قالوا نعم، قالَ: أَيُّكم تطيبُ نفسهُ أنْ يزيلهُ عن مقامِ أقامهُ فيهِ ﷺ؟ قالوا: كُلُّنا لا تطيبُ نفسهُ بذلكَ، فاتفقوا على أنْ يُولّوا أبا بكرٍ وبايعوهُ.
وفي هذا أيضًا يأتيَ أنَّ بعضُ الصَّحابةِ اشتهروا بالقراءةِ أكثرَ من سيدنا أبي بكر؛ ولكنَّ النَّبي ولَّى سيدنا أبو بكر الصَّديق، ومن هُنا اختلفَ العلماءُ في الأحق بالإمامةَ:
فقالوا وتقديمهُ ﷺ لأبي بكرٍ يشيرُ إلى الأفضلِ والأفقهِ، وكانَ في الصَّحابةِ من هو أسنّ منهُ، وكانَ في الصحابة من هو أقرأُ منهُ؛ ولكنَّ قدَّمهُ عليهِ الصَّلاة والسَّلام عليهم. وكانوا يقولونَ إنَّ الأقرأَ في ذاكَ الوقتُ هو الأفقهُ في الغالب، وأختلفَ ذلكَ فيما بعد، وكان أُبيّ مِنْ جُملة الحَاضرينَ، وهو المشهودُ لهُ "أقرأكم أُبيّ"، عليهِ الرضوان، ولكنَّه ﷺ أختارَ سيدنا أبا بكر عليهِ السَّلام، وهو أيضًا من أَفقهَ الصَّحابة في أمرِ الصَّلاة وما إليها.
وبذلكَ جاءَ كلامُ الفُقهاء فيمن هو أحقُ بالإمامةِ؟ وقالَ الشَّافعية إنَّ الأقرأ هو الأفقهُ، بحُكم أنَّهم كانوا يتفقهونَ في الدِّينِ عبرَ القرآن، ويكونُ الأقرأُ أفقهُ بأحكامِ الدِّين؛ بخلافِ ما حدثَ بعدَ ذلكَ من حفظِ القرآنِ مِنْ دونِ تفقّه في الدِّينِ.
ثُم ذكرَ لنا حديث "عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَي النَّاسِ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَارَّهُ" تكلم معه بالسرِ، هذا عُتبان بنُ مالكٌ؛ وردَّ بعضُهم أنَّهُ آخر، "فَلَمْ يُدْرَ مَا سَارَّهُ بِهِ، حَتَّى جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ" بالكلامِ؛ لأنَّهُ أرادَ أنْ يَسمعَ النَّاسَ هذا الأمرُ، والحُكم منه، فإذا بهِم عرفوا بعدَ ذلكَ من جهرِ النَّبي بالكلامِ، أنهُ "يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِين" وذلكَ أنَّهُ مع ما هو معلومٌ من هديهِ ﷺ في تركِ هؤلاءِ المُنافقين، وأنْ يكّلَ سرائرهم إلى اللّٰه؛ إلا أنَّهُ حصلَ من بعضهم شِدةَ أذى، وكلامٌ قبيح على الرِّسالةِ والرَّسولِ وما إلى ذلكَ، فتَّأثرَ هذا الصَّحابي، فجاءَ يستأذنهُ في قتلِ هذا مالك ابن الدُّخشم، من المُنافقينَ، ويُكلم النَّبي سر والنَّبي ﷺ رفعَ صوتهَ يُسمعُ الصَّحابة؛ ليعلموا أنَّهُ جاءَ لهذهِ القضية، وأنَّ هَدْيَه لا يسمحُ بهذا القتل، فقالَ لهُ ﷺ: "أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ؟" سَمعوا الصَّحابة، هو كلّمهُ سرًا، وهم لا يدرون ماذا قال له، فعلَّموا بعدَ ذلكَ من كلامُ النَّبي، "فَقَالَ الرَّجُلُ: بَلَى وَلاَ شَهَادَةَ لَهُ" يا رسول الله، يعني: لا يقولها من قلبهِ هذا، "فَقَالَ أَلَيْسَ يُصَلِّي، قَالَ: بَلَى، وَلاَ صَلاَةَ لَهُ، فَقَالَ ﷺ: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْهُمْ". واحد يشهد أنْ لا إله إلاَّ اللّٰه، ويُصلَّي ليس لدي طريقٌ أقتله! فَتعمَّد النَّبي الجهرَ بالكلامِ، من أجل أن يفقهُ الصَّحابة حُكم المَسألة ويعرفوه، وهو إنما كلّمهُ سرًا يستأذنهُ في قتلِ هذا: "أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ؟" فَقَالَ الرَّجُلُ: بَلَى، وَلاَ شَهَادَةَ لَهُ، فَقَالَ "أَلَيْسَ يُصَلِّي". قَالَ: بَلَى، وَلاَ صَلاَةَ لَهُ، فَقَالَ ﷺ: "أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْهُمْ".
من شهدَ أن لا إله إلاّ الله، وأقامَ الصَّلاة، لا طريقةٌ لقتلهِ حتى يقتلَ، إلا أن يكونَ ثيبًا زانيًا غيرَ هذا لا يوجد ، صلَّى الله عليه وألهِ وصحبهِ وسلم . فبيَّنَ هديهُ، وطريقتهُ، وواجبُ دينهِ "أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَن قتلهم" نُهي عن قتلهم، مِنْ جُملتِهم المُنافقين؛ "..حتى يقولوا لا إله إلاَّ الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم"، ففيهِ ذكرُ الصَّلاةِ، وأنَّ الذَّي لا يُصلّي يُقتلُ، ومن تعمَّدَ تركُ الصَّلاةِ فالإمام لهُ أنْ يقتلهُ، ومن أقامَ الصَّلاة فلا طريقَ لقتلهِ، "لاَ يَحلُ دمُ امرئٍ مُسلمٍ إلاَّ بإحدى ثلاث: الثَّيب الزَّاني، والنَّفسَ بالنَّفسِ، والتَّاركَ لدينهِ المُفارقُ للجماعةِ". ولم يُؤمر عن تفتيشِ ما في قلُوبهم، وسرائرهم موكولةٌ إلى علَّامِ غِيوبهم جلَ جلاله (..وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: 284].
نسألُ الله أن يعفو عنَّا وأنْ يُسامحنا، ويرزقنا إقام الصَّلاة على الوجهِ الأتم، وأن يُطَّهرَ قلوبنا من النِّفاق، ويُبعدنا عن جميعِ ما يُبعد عنه، وعن جميعِ ما يَقطعنا عن صفاءِ مودتهِ، وكمالِ معرفتهِ، وأن يُدخلنا في دائرةِ حبيبهِ وصفوتهِ، ويرزقنا حُسنَ متابعتهِ، ويحشرنا في زمرتهِ بسِرّ الفاتحة إلى حضرةِ النَّبي ﷺ.
20 ربيع الأول 1442