شرح الموطأ - 9 - كتاب الطهارة: باب العمل في الوضوء

شرح الموطأ - 9 - كتاب الطهارة، باب العمل في الوضوء، من حديث: (هل تستطيعُ أنْ تُريني كيف كان رسول الله يتوضأ؟..)
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطهارة، باب العمل في الوضوء.

فجر الإثنين 8 ذي القعدة 1441هـ.

باب الْعَمَلِ فِي الْوُضُوءِ 

34 -حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِ بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ -وَهُوَ جَدُّ عَمْرِ بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ- وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلهِ وَصَحْبِهِ وَسلّمَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ: نَعَمْ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثاً، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثاً، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرمِنا برسولهِ، و بلاغهِ عنهُ، وصلّى اللهُ وسلّم وبارك وكرَّم عليهِ وعلى آلهِ وصَحبهِ المُتلقَّين منه، وعلى مَنْ تَبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ وضعِ الميزان، وعلى ساداتِنا الأنبياء والمرسلين، وآلِهم وصَحبِهم أجْمعين، وعلى الملائكةِ المُقربين، وعلى جميعِ عبادِ للهِ الصَّالحين، وعَلينا مَعهم وفَيهِم إنَّه أكرمُ الأكرمين وأرحمُ الرَّاحمين. 

وَبعدُ،

 فيواصل الإمام مالك -عليهِ رحمة اللهِ تعالى- في مُوطَّئهِ، ذكرَ الأحاديث المُتعلّقةِ بالطَّهارة، والتي إنَّما تكونُ واجبةً بدخولِ وقت الصَّلاة. وقدْ تَقدمَت الأحاديثُ عن وقُوتِ الصَّلاة. فَيتحدّثُ عليهِ رَحمةُ اللهِ تباركَ وتعالى عن الطَّهارةِ، وَيقولُ: "عن عبدِ الله بِنْ زيدٍ بِنْ عاصمٍ أنَّ عَمْرَ بِنْ يحيى المازنيَّ، قَالَ لهُ -وهُو جدُّ عمرَ بِنْ يحيى المازنيّ -فَقالَ لهُ حفيدَهُ أَو سِبْطَهُ- يقولُ لهُ: هل تستطيعُ أن تُرِيَني كيفَ كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلهِ وَصَحْبِهِ وَسلّمَ يتوضأ؟". فأرادَ أنْ يرى الكَيفيةَ مباشرةً بالفعلِ أمامهُ والتّمثيل، وذلك أبلغُ في التَّلقي والإدْراك، وهُو ما كانَ يَحرصُ عليه ﷺ مع أصحابهِ. 

فكانَ عليهِ الصَّلاة والسَّلام يَتوضأُ كثيرًا أمامَ الصَّحابة ويُشاهِدونه، وكذلِك كانَ الصَّحابة من بعد يَتَعمَّدونَ الوُضوءَ أمامَ مَن يُشاهِدَهُم، لِيَتلقّوا الكَيفيةَ؛ كَيفَ كانَ نبينا ﷺ يَتوضأ. "فَقالَ لهُ: نَعمْ،" يعني: يُمكن ذلك. "فَقالَ لهُ: نَعمْ؛ فَدعا بوَضُوءٍ" -بفتح الواو- وهو ما يَتوضأ بهِ؛ الماء، "فأفرغَ" صبَّ "على يَدهِ فَغسلَ يَدَيهِ"، والمرادُ: الكَفَّانِ منهما، "فغسلَ يَديهِ"، يَعْني: كفيِّ يديهِ، "فغسلَ يَديهِ مرتينِ مرتينِ". وجاءَ هذا الحديثُ في الموطأِ كما سمعتُه "مرتينِ" بروايةِ بعض الحُفَّاظِ. ولكن عددٌ من الحُفَّاظِ جَاءوا بهذهِ الرَّوايةِ بِقولِهم "ثلاثاً". فالثَّلاثُ هي الكمالُ، وتحمل المرتين على بيانِ الجوازِ. 

"فغسلَ يَديهِ"؛ أَيِّ الكفَّين، "مرتينِ مرتينِ"؛ فَفيهِ اسْتحبابُ غسل اليدين قبلَ إِدخالِهِما الإناء. لأنَّهُ قالَ: "فأفرغَ" صبَّ، ما وضع الكفّينِ في الإناء ولا أدخلهما الماء، ولكنَّ أفرغَ صبَّ من الإناءِ على كفَّيهِ، فَغسلَهُما خارجَ الإناءِ؛ وذلك هُو المستحبُ عندَ الإمام مالك عليه رضوان الله: 

  • لكلِ مُحْدِثٍ، سواءً قام من النّومِ أَو لَم يَقمْ من النّوم، وسواءً كانت يداهُ طاهِرتين أَو لا، فيُستَحبُ أنْ يغسلَ الكفَّين خارجَ الإناء. مَن كانَ محدثاً. 
  • أما مَن كانَ متوضئًا وأرادَ أنْ يُجَدِّد، فَلا عليهِ أنْ يضعَ يديهِ. 

لكِن مَن كانَ محدث، هذا مَشهور في مذهبِ الإمامِ مالكٍ، أنَّ من كانَ مُحدثاً فلا يضعُ يديه في الإناءِ، ليلاً أو نهارًا حتى يُفرغَ عليهِما ويغسلَ الكفين ثلاثاً خارجَ الإناءِ.

والحديث جاءَ بألفاظ، بلفظِ: "إذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَلَا يغمس يَده فِي الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده"، 

  • وفي هذا خصَّصَ بعضُ أهلِ العلمِ غسل الكفَّين لِمن كانَ قامَ من النومِ في اللَّيل. فإنَّه قالَ: "باتَتْ" 
  • وجعلَ ذلك على الأغلبِ بعضهم فقال ليسَ المراد نومَ الليلِ وحده ولكن أيُّ نوم، لكنَّ الغالبَ أنَّ النَّاسَ ينامون بالّليلِ. فَلِهذا قالَ: "أينَ باتَتْ يَده". 
  • وجعلَ بعضهم أنَّ هذا الغُسلِ خارجَ الاناءِ؛ لأجلِ الاحتياطِ والاحترازِ من النَّجاسةِ. 
  • ولكنَّ مسلكَ الإمام مالكٍ وغيره أنَّه سُنةٌ في حدِّ ذاته، لا يتعلّقُ بالنَّجاسةِ ولا احتمالَها. 

ومِنَ المعلوم أنَّ من كانَ يعلمُ أنَّ في يَديهِ نجاسة، فلا يجوزُ لهُ أن يُنجّسَ الماء بوضعِ يدهِ فيهِ، ولكنْ يصب عليه، فإنَّهُ إذا وضعَ يَديهِ وفيها نجاسة في الإناءِ، صارَ الماءُ كُلهُ نجسًا وإن لمْ يتغيرْ؛ إلا عندَ الإمام مالك: أنَّه لا ينجسُ إلا بالتغيرِ.

وهكذا عرفنا المشهورَ في مذهبِ الإمامِ مالكٍ -عليهِ رحمة الله تبارك وتعالى- وعلِمْنا القولَ بالاستحبابِ: 

  • لِمنْ قامَ من النومِ في اللَّيلِ بالاتِّفاق. 
  • ولِمنْ قامِ من النَّوم في ليلٍ أو نهارٍ عندَ بعضِ أهلِ العلمِ.

"ثُمَّ تَمَضْمَضَ واسْتَنثر ثلاثاً" بأن أخذَ غَرفةً فأدخلَ الماءَ في فمهِ فَحرّكهُ؛ هذا هُو المَضْمَضة. 

  • فالمَضْمَضة: إدخال الماء في الفمِ مع تحريكهِ. 
  • والاستنشاقُ: إدخال الماء في الأنفِ بواسطةِ النَّفسِ. 

وذَكر هُنا قَولَهُ: "اسْتَنثر"، ومِنَ المعلوم أنَّ الاستنشاقَ والاستنثارَ مُقترِنان، فإخراجُ الماء مِنَ الأنف، يُقال له: استنثارٌ. ولكن هل يَتأتّى يَخرجه مِن دونِ ما يدخل؟ لا يكون ..فالاستنشاقُ داخلٌ فيهِ بيقين، وقدْ يُستعملُ أَحَدُهُما موضعَ الآخر، ويُقالُ استِنشاق ويُرادُ بهِ الاثنان، وَيُقال استنثار ويُرادُ بهِ الاثنان. فإنَّهُ لا يمكنُ خروجُ الماءِ مِن الأنفِ إلا بعدَ دخولهِ. 

فالمَضْمَضةُ والاستنشاقُ مِن سننِ الوضوءِ المؤكدةِ، التي قَالَ بِوجوبِها بعضُ الأئِمةِ، فمالكٌ والشَّافعيُ يقولان إنَّهُما سُنة، المَضْمضةُ والاستنشاقُ والاستنثارُ سنةٌ في الوضوءِ وفي الغُسلِ . وهكذا قَالَ بهِ جماعةٌ مِن العلماءِ، فَمَن لَمْ  يأتي بِهما فَوُضوئِه صحيح ولا إعادةَ عليهِ.

وقال الإمامُ أبو حنيفة: إنَّها في الغُسلِ فرضٌ وفي الوضوءِ سُنة. فإِذا وَجبَ عليهِ الغُسلَ، وَجبَ عليهِ أن يَتَمضمضُ وَ يَستنشقُ، ويأخُذُ بأنَّ "تَحتَ كُلِ شعرةٍ جَنابة" فَيكونُ الفمُ واللِسانُ فيهِا جَنابة، والأنفُ وَشَعْرها وجِلدَها جنابة، فكيف يصلُ إليها الماء إلا بالمضمضةِ والاستنشاقِ؛ فَيجبُ عليهِ أَن يَتَمضمض ويَستنشق في غُسلِ الجنابةِ. أمَّا في الوضوءِ، فهي عندَهُ سنةٌ، ومُستَحب.

وجاءت روايَتان عن الإمامِ أحمدِ بِنْ حنبل عليهِ رحمةُ اللهِ تباركَ وتعالى، وذلك: 

  • القولُ الأول: أنَّهُما واجِبتان في الغُسلِ والوضوءِ
  • والروايةُ الثَّانية عَنِ الإمامِ أحمد: أنَّ المَضْمضةَ سُنة والاستنشاقُ واجب

وذلك أنَّ المضمضةَ كانَ مِن فِعلهِ ﷺ، والاستنشاقُ من فِعلهِ وأَمْرِه. لقولهِ: "وبالِغْ في الاستنشاقِ، إلاَّ أن تكونَ صائمًا" فكانَ فيهِ أمر، والأمرُ للوجوبِ، فأوجبَ الاستنشاقَ دون المضمضة. هذه الرِّوايتان عن الإمامِ أحمد، كما هُما القولان لداوود الظَّاهري، أنَّهما: واجبان معاً، أو أنَّ المَضْمَضةَ سُنة والاستنشاقُ واجب. 

وهذان يُسنُ المبالغةُ فيهما بإيصالِ الماءِ إلى أقصى الغَلصَمة، وإيصالُ الماءِ أيضاً برفعهِ بالنَّفسِ إلى الخَيشوم، إلاَّ للصّائم، كما قال ﷺ: "بالغ في الاستنشاقِ إلاَّ أن تكون صائماً". فلا يبالغُ الصائمُ، فإن لم يبالغْ فَسَبقهُ شيءٌ فصومه صحيح، وإن سَبقهُ شيءٌ فَصومُه باطلٌ، على المقررِ عند الشَّافعية.

"ثُمَّ تَمَضَمضَ واستنثرَ ثلاثاً، ثُمَّ غسلَ وَجهَهُ ثلاثاً" وذلك هو الكمالُ والأفضلُ. وكذلك التَّثليثُ، هو الكمالُ والأفضل، مع إجماعهم أنَّ الغَسلةَ الواحدةَ إذا استوعبت، فهي مُجزيةُ عندَ الكلِّ. ولكنَّ الثَّانية والثَّالثة سنةٌ للاتباع. يقولُ: "ثلاثًا" أي: على سبيلِ السُّنةِ، مع إجماعهم أنَّ الغَسلةَ الواحدةَ إذا استوعبتْ جميعَ الوجهِ أَجزأتْ وكَفَتْ. وهذا غَسلُ الوجهِ مِن منابتِ شعرِ الرأسِ إلى منتهى اللَحيَيّن والذقن طولاً، ومِن الأُذنِ للأُذنِ عرضًا. والجُمهور على أنَّ البياضَ الَّذي بين العارضِ والأُذنِ من الوجهِ، بل اختلفوا في الأُذنِ نفسَها، فِيما يَتوازى مع الوجهِ منها، وهي الباطنُ الَّذي ظاهِرَهُ ظاهرَ الأُذن، هَلْ هي من الوجهِ أَم لا؟ فَدلَّ على أنَّ ما بينَ العارضِ والأُذنِ من بابِ أَولى. فالخلافُ فيهِ ضعيفٌ، أنَّ ما وراءَ العارضَ مِن البياضِ إلى الأُذنِ ليس مِن الوجه، قَالَ بهِ بَعضُ الأئمةِ والجُمهور: أنَّه من الوجهِ، بل الخلافُ في الأُذنِ إلى وتدِ الأُذنِ، وإلى جميعِ ما يكونُ مِن جانبِ الأُذن فيهِ الخلاف،  والَّذي عليهِ الجُمهور: أنَّ الأذنَ ليست مِنَ الوجه؛ ولِذا جاءَ مَسحُهُما مُستَقلّينَ بعدَ مسحِ الرأسِ.

 قالَ: "ثُّمَ غَسلَ وَجهَهُ ثلاثاً"، قالَ تعالى: (..فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ..) [المائدة:6]، فَهوَ ما يواجهُ بهِ الإنسان من منابتِ شعرِ الرّأس، إلى العارضِ والذّقن عرضاً، فَعلمنا الاختلافُ في هذا البياض بين الأُذنينِ والعارض.  

  • ففي روايةٍ عنِ الإمام مالك: ليسَ ما خَلْفَ الصّدغ الَّذي من وراء شعرِ اللِّحية إلى الاُذنِ من الوجه، ليس مِنَ الوجه. عَرفت َقولُ الجُمهور أنَّهُ مِنَ الوجه. 
  • وهكذا يقولُ الإمام أحمد: غَسلُ الوجهِ مِن منابتِ شعرِ الرأسِ إلى ما انْحدرَ من اللّحيين والذقنِ وإلى أصُولِ الأُذنين، يتعاهدُ البياضَ الَّذي بين العارضِ والاُذن.  
  • وكذلك يقول الإمام أبو حنيفةَ وأصحابَهُ: أنَّ هذا البياضُ الَّذي بينَ العارضِ والأُذنِ من الوجهِ، وغُسْلُه واجبٌ

ففيه ذِكرُ التَّثليث وَهُو كما عَلمتَ سُنّة. فيكررُ كَلَّ غَسلٍ ومسحٍ ثلاثاً. 

  • واستثنى بعضَهُم مسحَ الرّأسِ، وَهُم الجُمهور؛ وَجَعلُوهُ مرةً واحدةً. لأنَّ أكثرَ الرِّوايات جاءَتْ كذلك. 
  • وأخذَ الإمامُ الشَّافعي بالعُمومِ، في أنَّهُ ﷺ توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ولَمْ يستَثنى الرأس. وفي روايةٍ عن عثمانَ عَنهُ ﷺ أنَّهُ مسحَ برأسِهِ ثلاثًا. وقالَ: هكذا توَضأَ رسول الله ﷺ، فأَخذَ بهذهِ الرِّواية الإمامُ الشَّافعي، وقالَ: مسحُ الرَّأسِ ثلاثاً.

وعامَّةُ الرِّواياتِ جاءَتْ أنَّهُ مسحَ رأْسَهُ مرةً واحدةً ﷺ؛ ولِهذا: 

  • عِندَ الحنفيةِ والحَنابلةِ: لا يُسنُّ تثليثُ الرَّأسِ. 
  • وكذلك يقولُ أكثرُ عُلماءُ المالكيةِ: أنَّ ردَّ اليَدَين ثالثةً فضيلةً، إذا كانَ في اليَدَينِ بللٌ. ولا يَستَأنِفْ الماء للثَّاني ولا للثَّالثة؛ هذا عِند المالكية. 
  • وفي روايةٍ عِند الإمامِ أحمد، كالشَّافعي في تثليثِ مسحِ الرأسِ. 

 لكن علمتْ أنَّ الصحيحَ مِن مذهبِ الحنابلةِ أنَّه مرّةً واحدةً، مسحُ الرَّأسِ. في روايةٍ عَن الإمامِ أحمد مثلُ الشَّافعي، أنَّهُ يُسَنُّ مَسحهُ ثلاثاً. والصَّحيحُ في مَذهبِهم: أنَّهُ يُسَنُّ مرةً واحدةّ مسحُ الرَّأسِ. أمَّا الزِّيادةُ على الثّلاثِ فلا مَعنى لها بَلْ هي مكروهةٌ، وهي من جملة ما عَدّوهُ مِن الإسرافِ في الوضوءِ. 

وقالَ: "ثُمَّ غسلَ يَديهِ مَرّتينِ مَرّتينِ إلى المِرفَقينِ" وعلمتَ أنَّ هذهِ الرِّوايةُ قابَلها روايةُ أكثرِ الحُفاظِ بأنَّها ثلاثٌ ثلاث. "ثُمَّ مَسحَ رأسهُ بيديهِ فأقبلَ بِهما وأدْبر" بدأَ بمقدمِ رأسهِ. فرواية: "بدأَ بمقدمِ رأسه"، تُفسرُ معنى: "فأقبلَ بهما وأدبرَ"، وليسَ معناهُ أنْ يبدأُ مِنَ القفا، ولا أنْ يضعَ يَدهُ في وسطِ الرَّأسِ ويُقبلُ بها ثُمَّ يدبر، كما تَوَهّمَهُ بعضُهم.  ولكنْ بدأَ بمقدمِ الرَّأسِ هذا الإقبالُ، ثُمَّ مرَّ بها الى القفا،  ثُمَّ ردَّها؛ الردَّ هذا هُو الَّذي أقبلَ، لأنَّه أقْبَلَ وأدبرَ، لا يوجد: ثُمَّ أدبرَ، فيمكن المراد بالإقبالِ بهما بعدَ أنْ مشى بهما، لأنَّهُ قالَ بدأَ بمُقدمِ ثُمَّ ذهبَ بهما إلى القفا ثُمَّ ردَّهما. فبيَّن تمامًا معنى قولهِ: "فأقبلَ بهما وأدبرَ، حتى رجعَ إلى المكانِ الَّذي بدأَ منهُ، ثُمَّ غسلَ رجلَيهِ" واللهُ أعلم. 

الفاتحة أن يكتُبنا في ديوان الصَّالحين الهداة المُهتدينَ المُوفَّقين للخيرِ، مع السَّلامةِ من الشَّرِ والضَّيرِ، والى حضرةِ النَّبيِّ مُحَمّد ‎ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

09 ذو القِعدة 1441

تاريخ النشر الميلادي

29 يونيو 2020

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام