(536)
(228)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الجمعة، تتمة باب العمل في غُسل يوم الجُمُعة.
فجر الأحد 25 محرم 1442 هـ.
تتمة باب الْعَمَلِ فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
269 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ.
270 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ : دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ، فَقَالَ عُمَرُ : أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ ؟ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، انْقَلَبْتُ مِنَ السُّوقِ، فَسَمِعْتُ النِّدَاءَ، فَمَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ. فَقَالَ عُمَرُ : وَالْوُضُوءَ أَيْضاً, وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ.
271 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ".
272 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ".
273 - قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ نَهَارِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَة، فَإِنَّ ذَلِكَ الْغُسْلَ لاَ يَجْزِي عَنْهُ، حَتَّى يَغْتَسِلَ لِرَوَاحِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ".
274 - قَالَ مَالِكٌ: وَمَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُعَجِّلاً أَوْ مُؤَخِّراً، وَهُوَ يَنْوِي بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ، فَأَصَابَهُ مَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ الْوُضُوءُ، وَغُسْلُهُ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ.
الحمد لله مُكرمنا بالشريعة العظيمة، وبيان أحكامها على لسان عبده المصطفى محمّد الهادي إلى السُّبل القويمة، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه، وأهل محبته وقربه، وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم أجمعين، وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل سيّدنا الإمام مالك -عليه رضوان الله- ذكر الأحاديث المتعلِّقة بالعمل في غُسل الجُمُعة، يقول: "وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ". ومعنى قول "واجبٌ"؛ أي: ثابتٌ مؤكد الثبوت، وبه قال جماهير العلماء: أنّه مَسنونٌ سنة مؤكدة، ويُذكر عن أبي هريرة أنه يرى وجوب الغُسل في يوم الجُمُعة وجوبًا شرعيًا، وهذا قول الظاهرية، و رواية تروى عن الإمام أحمد بن حنبل -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-. ووجهٌ يذكر عند المالكية، لكن المعتمد عندهم كالمعتمد عند الحنابلة ما هو عند الحنفية والشافعية كذلك أنه سنة مؤكدة.
قال الظاهرية بوجوبه، وهذا القول من أبي هريرة احتُملت دلالته على أنه يرى الوجوب الشرعي، وقد ورد مرفوعًا أنه واجبٌ فحملوه على الثبوت واللزوم، ليس على الوجوب الذي يترتب على تركه إثمٌ ولا معصية وفي الانتباه منه والاهتمام به، جاء عن سيدنا الإمام الشافعي أنه قال: ما تركت غُسْل الجُمُعة سفرًا ولا حضرًا، فكان لا يفوته غُسل يوم الجُمُعة ولو كان مسافرًا، فإنه صَرَفَهُ عن الوجوب أحاديث كثيرة وروايات كثيرة.
يذكر عن داود والحَسَن عدم رؤيتهم أو اِستحبابهم للغُسْل في الجُمُعة، ثم يُذكر كذلك عن الحنفية: أنه من السُّنن الزوائد؛ أي: غير المؤكدة، فتَبَيَّن بذلك أقاويل أهل العلم وأن المعتمد في المذاهب الأربعة أن غُسل الجُمُعة سنة مؤكدة لكل من أراد حضور الجُمُعة، ولو لم تكن الجُمُعة واجبةً عليه كالمريض، وكالمرأة إذا كانت تحضر الجُمُعة إذا أرادت حضور الجُمُعة، وكالمسافر الذي لا يلزمه إقامة الجُمُعة إذا أراد حضور الجُمُعة فَيُسَنُّ له أن يغتسل لأجل حضور الجُمُعة.
وفي الحديث: "من اغْتَسَل يوم الجُمُعة فَبِهَا ونِعْمَتْ" أثنى على ذلك، قال: "ومَنْ لمْ يَغْتَسِلْ فلا حَرَجْ"، وفي الحديث: "من توضَّأَ يوم الجُمعة…، ومن اغْتَسَل فالغُسْلُ أفْضَل" فَدَلَّ ذلك كله على الاستحباب، "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالغُسْلُ أَفْضَلُ" واللفظ الآخر: "من اغْتَسَل فَبِهَا ونِعْمَتْ ومَنْ لمْ يَغْتَسِلْ فلا حَرَجْ" أي: لا إثم عليه في ذلك.
وقد تقدم معنا ما استنبط بعض أهل العلم من مجموع الأحاديث: أنّه ينبغي للمسلم أن يغتسل في كل أسبوعٍ ولو لم يشهد الجُمُعة، بِأن كان في مكان لا تلزمه فيه الجُمُعة.
وذكر أيضًا "عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ:" وفي بعض الروايات عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر "دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ" جاء في البخاري: "إذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ مِن أصْحَابِ النبيِّ ﷺ" وقد جاء في روايات تسميته أنه سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنهم- كما جاء في صحيح مسلم بتسمية أبي هريرة له أنه سيدنا عثمان، دخل "الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ،" على المنبر فلما رآُه سيدنا عمر ناداه وخاطبه "فَقَالَ عُمَرُ : أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟" مُنَكِّرًا عليه تأخُّره ومجيئه وقد صعد الخطيب المنبر، وكان الأولى أن يأتي من قبل. "أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟" ففيه استفهام توبيخٍ وإنكار؛ يعني: لِمَ تأخرت لهذه الساعة؟ "أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ ؟" وجاء في رواية: "لِمَ تَحْتَبِسُونَ عَنِ الصَّلَاةِ؟" وفي لفظٍ قال: "ما بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ؟" فأشار إلى المقصود من الخطاب، وربما أنه تعدّدت ألفاظ سيدنا عمر في الوقت نفسه "فَقَالَ:" مجيبًا له سيدنا عثمان معتذرًا، "يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،" وفي هذا قيام الإمام بالأمر والنهي وهو في خطبته، ومَن خَاطبه الإمام لَهُ أن يُجيبه و لا يكون في ذلك شيءٌ من اللغو، إنما الكلام بغير مخاطبة الإمام وبغير الجواب عليه؛ بمخاطبة أي مخلوقٍ يُعَدُّ من اللغو المُفَوِّتْ لثواب الجُمُعة في الحديث: "إِذَا قُلْتَ لِأَخِيكَ: أنْصِتْ أو صَهْ، والإِمَامُ يَخْطُبُ، فقَدْ لَغَوْتَ" هكذا جاء في صحيح الإمام البخاري عنه ﷺ. حتى قالوا: إذا رأيت من يتكلم أو يلهو فأردت أن تزجُرَهُ فليكن ذلك بالإشارة دون أن تتكلم بكلمة، بل وفي الحديث: "مَن مسَّ الحصى فقد لغا" مَسَّ الحصى والإمام يخطب؛ يعني: تشاغل عن الخطبة وعَبَث بيده ولو بمجرد أن يَمَسَّ الحصى، وكان الحصى في فراش المسجد الذي هو من التراب، فأمر بالتركيز والإنصات التام وأن أي حركة تخرج عن معنى الإصغاء يكون صاحبها في لغوٍ؛ أي: في تفويتٍ لثواب الجُمُعة، فَكَلَّمه وأجابه سيدنا عثمان.
وإن قالوا يكره التكلم فيها إلا لأمرٍ بمعروف؛ لأنه من جملة الخطبة أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعليه يتعلق بتفقُّد الإمام للرعية، وبأنّ ذوي المراتب و الاِعتبار الخاص يجب أن يكونوا قدوةً، ويُستنكر منهم ما لا يُستنكر من غيرهم.
والروايات جاءت بمثل رواية الإمام مالك: "أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟"، وجاءت بلفظ "لِمَ تَحْتَبِسُونَ عَنِ الصَّلَاةِ؟"، وجاء كما في صحيح مسلم بلفظ: "ما بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ؟" وهكذا عَدُّوا للخطيب ما تعلَّق بإرشادٍ وأمرٍ ونهيٍ أنه داخل في معنى الخطبة فقال: "انْقَلَبْتُ"؛ يعني: رجعت "مِنَ السُّوقِ،" أي: في ما كان يشتغل به من بيع وشراء "فَسَمِعْتُ النِّدَاءَ، فَمَا زِدْتُ" إسراعًا للحضور "عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ" وحضرت للصلاة "فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءَ أَيْضاً" أي: تفعل الوضوء أيضًا مع كونك تأخرت وكذلك أيضًا لم تغتسل "وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ." ففيه تثبيت سُنيّة الغُسل و اعتناء الصحابة به.
أَما إنه قد علم أنّا قد أُمرنا بغير ذلك، ثم هم قالوا أنه الغُسل، قلت: أنتم أيها المهاجرون الأولون أم الناس جميعًا؟، قال: لا أدري. "إذَا رَاحَ أَحَدُكُمُ إلى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ". جاء في عددٍ من الروايات الأمر بالغُسل يوم الجُمُعة فحملوه على الاستحباب أو المؤكد أو السنيّة المؤكدة كما سمعت الكلام فيما مضى.
"وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ" " يعني: بالغ، أي كل من بلغ، والحديث أيضًا في الصحيحين وغيرهما، وعلمت معناه أنه مؤكدٌ ثابتٌ فهو واجبٌ وجوبَ سُنية لا وجوب فرض إلا ما قال الظاهرية بوجوبه، وما يروى من أقوال غير معتمدة في روايات عن الإمام أحمد بن حنبل وفيما يذكر أيضًا عن المالكية و المعتمد عند الجميع السُنيَّة.
"وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ" " وهذا هو مستند الظاهرية إلى القول بالوجوب، هذان الحديثان اللذان ذكرهما ما احْتَجَّ به الظاهرية في وجوب الغُسل للجُمُعة، إذًا، فالغُسل للجُمُعة؛ أي: لصلاة الجُمُعة لا ليوم الجُمُعة، كما هو أيضًا عند الجمهور كما سمعت، وقيل أنه ليوم الجُمُعة.
جاء في الحديث: "حَقٌّ الله على كُلِّ مُسلِمٍ أنْ يَغتَسِلَ في كُلِّ سَبْعةِ أيَّامٍ" وأن يكون ذلك في يوم الجُمُعة أولى، و بالنسبة لمن لا جُمُعة عنده، أما من يحضر الجُمُعة فيتأكد عليه الغُسل لحضور الجمعة. و في الحديث أيضًا عن سيدنا جابر عن النبي ﷺ "على كل رجلٍ مسلمٍ في كل سبعة أيام غُسل يومٍ وهو يوم الجمعة" فهذه من أجل النظافة المُطْلَقة المندوب إليها في الإسلام، وإن كان في باديةٍ لا تُقام فيها الجُمُعة لقلة ساكنيها ولغير ذلك.
"قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ نَهَارِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَة، فَإِنَّ ذَلِكَ الْغُسْلَ لاَ يَجْزِي عَنْهُ، حَتَّى يَغْتَسِلَ لِرَوَاحِهِ" وهذا مذهب الإمام مالك كما أشرنا إليه، كما يذكر أيضًا عن الأوزاعي: أنّه لا يُجزئ إلا عند إرادة الذهاب إلى الجُمُعة، فلا يحصل له الثواب إلا إذا صلّى صلاة الجُمُعة بهذا الغُسُلْ. والجمهور كذلك على أنه لو اغتسل للجُمُعة ثم طرأ له حدثٌ لم يَضُرْ فيتوضأ ويصلي وقد كفاه ذلك الغُسُلْ، وقال قائلون: لا بُدَّ أن يصلي بذلك الغُسْل.
وذلك أن رسول الله ﷺ قال: "عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ" وهكذا استدلَّ الإمام مالك "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ" يعني: إذا أراد الذهاب إلى الجُمُعة، كقوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا..) [المائدة:6] إذا أردتم القيام إلى الصلاة "قَالَ مَالِكٌ: وَمَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُعَجِّلاً أَوْ مُؤَخِّراً" أو غُسلًا مُعَجَّلًا أو مُؤخَّرًا، إمّا هو يُعجِّل أو يُؤخِّر أو الغُسل مؤجَّلْ و مُعجَّلْ "وَهُوَ يَنْوِي بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ، فَأَصَابَهُ مَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ الْوُضُوءُ، وَغُسْلُهُ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ." فلا حاجة لإعادة الغُسُلْ، بل قال الإمام النووي وغيره: لو اِحتلم بعد ذلك وجب عليه الغُسل لرفع الجنابة، وغُسْل الجُمُعة قد ثبت بالغُسْل السابق.
يقول سيدنا عثمان: "فَمَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ" اعتذارًا منه على أنه لم يشتغل بغير الفرض والمبادرة لسماع الخطبة؛ لأن الوقت فَاجأهُ عند رجوعه من السوق، ورُبما كان يظن أن الوقت لا يزال مُتَّسِعًا فَفُوجئ بسماع النداء فأسرع بالوضوء والحضور عليه رضوان الله تبارك وتعالى.
ويُروى عنه ﷺ أنّ أعرابيًا وقف يسأله ﷺ وهو يخطب فخرج عن المنبر وعلَّمه و أجاب سؤاله وعاد إلى خطبته ﷺ، ففي ذلك أيضًا تعليم الإمام والخطيب للمتعلم وإرشاده، و ما تعلّق من كلام الخطيب بأمرٍ أو نهيٍ ولو بخطاب أحدٍ لا يكون لغوًا، وكذلك جواب المسؤول للإمام وللخطيب لا يخرجه إلى اللغو في يوم الجُمُعة، وإنما اللغو أيُّ كلامٍ آخر ولو بقول: أنصت أو بقول: صَهْ؛ إذا قلت لأحدٍ ذلك والخطيب يخطب فقد لغوت وأبطلت ثواب جُمُعتك.
وقرأنا حديث: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ" يعني: إذا أراد الذهاب إليها؛ لا أنه يروح الجُمُعة و يغتسل وسط الجُمُعة وإلا كيف!! "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ"؛ يعني: إذا أراد الذهاب والانصراف إلى الجُمُعة. وعَلِمنا إناطة الإمام مالك بصحَّة الغُسل بذلك؛ أنه لا يَصِحُّ ولا يُعتَبر إلا إذا كان عند الذهاب إلى الجُمُعة متصلًا بالرواح لها، واستحبّ ذلك غيره، وقالوا: مع دخول وقت الغُسل من الفجر فالأفضل أن يكون عند الذهاب.
ويواصل عليه رحمه الله بما يتعلق بآداب الجُمعة وسننها وبقية أحكامها كما سيأتي معنا. و ما جاء في الإنصات.
هل التيمم يجزئ في الجمعة، إذا تيمّم للجمعة ثم وجد ماء بعد الجمعة هل يغتسل؟
التيمم لأنه ينوب عن الوضوء وعن الغُسل اِستحبه جماعة وأنكره بعض أهل العلم وقالوا: إن المقصود التنظيف وإزالة الروائح وما إلى ذلك، فماذا يحصل من هذا بالتيمم؟ ولكن الجمهور ما دمت على أنه يمكن لمن عجز عن استعمال الماء أن يتيمم بدلًا عن استعمال الماء، وأمّا إن وجد الماء بعد الجُمُعة:
ولكن على القول بأن الغُسل لليوم أو أنه غُسل الأسبوع إذا لم يغتسل طوال الأسبوع فليغتسل ولو بعد الجُمُعة، وكون الغُسل الإسبوعي يوم الجُمُعة أفضل.
نظر الله إلينا وأصلح شأننا، ورعانا بعين عنايته حيث ما كنّا، وتولّانا بما هو أهله في الحسِّ والمعنى، ورزقنا الاِستقامة على منهج المصطفى ﷺ ظاهرًا وباطنًا في لطف وعافية، بِسِرِّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
26 مُحرَّم 1442