(536)
(228)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب السهو، باب الْعَمَلِ فِي السَّهْوِ.
فجر الأربعاء 21 محرم 1442هـ.
باب الْعَمَلِ فِي السَّهْوِ
265 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي، جَاءَهُ الشَّيْطَانُ، فَلَبَسَ عَلَيْهِ حَتَّى لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ".
266 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّي لأَنْسَى، أَوْ أُنَسَّى لأَسُنَّ"
267 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: إنِّي أَهِمُ فِي صَلاَتِي، فَيَكْثُرُ ذَلِكَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: امْضِ فِي صَلاَتِكَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَذْهَبَ عَنْكَ حَتَّى تَنْصَرِفَ، وَأَنْتَ تَقُولُ : مَا أَتْمَمْتُ صَلاَتِي.
الحمدُ للهِ مكرمِنا بشريعتِه، وبيانِها على لسانِ خيرِ بريتِه، سيدِنا محمدٍ خيرةِ اللهِ وصفوتِه، اللهُمَّ أدِمْ صلواتِكَ على عبدِك المقرَّبِ الكاملِ سيدِنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أهلِ الفضائلِ، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ، فيما هو معتقِدٌ وفاعِلٌ وقائِل، وعلى آبائِه وأخوانِه منَ الأنبياءِ والمرسَلين ساداتِ كلِّ كاملٍ، وعلى آلِهم وصحبِهم وتابعيهِم، والملائكةِ المقرَّبين، وعبادِكَ الصالحينَ، وعلينا معَهُم، وفيهِم، برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ.
وبعدُ،
يتحدَّثُ الشيخُ الإمامُ مالكٌ -عليه رضوانُ اللهِ تعالى- عمَّا يتعلقُ بمَن حصَل له السَّهْوُ في الصَّلاةِ، ويذكرُ لنا حديثَ أبي هريرةَ: أنَّ رسول الله ﷺ قال: "إنَّ أحدَكم إذا قامَ يصلي جاءَه الشَّيطانُ"، وقد جاءَ في الأحاديثِ توزُّعُ الشَّياطينِ على أحوالِ الإنسانِ، فمنهم من يُخصَّصُ للوسوسةِ عندَ الوضوءِ، ويقال لكلٍّ منهم: الولهان، ومنهم مَنْ يُخَصَّصُ للوسوسةِ في قلوبِ المؤمنينَ عندَ دخولِ الصَّلاةِ، ويُقالُ لكلٍّ منهم: خِنزَب، وهؤلاءِ غيرُ القُرَناءِ الذينَ يقارِنُ كلٌّ منهم أدميًا، يولَدُ بولادتِه ويموتُ بموتِه، هؤلاءِ الذين يوكَّلونَ بالإنسانِ كما يوكَّلُ به ملائكةٌ من الرَّحمنِ -جلَّ جلالُه-، وهكذا في أنواعِ الشياطينِ، منهم من يُسيِّرُهُ إبليسُ في إغواءِ الناسِ بمعصيةٍ معيَّنَةٍ، ومنهم أهلُ مساعدةِ القرينِ على المؤمنِ ليوقِعَهُ في أيِّ معصيةٍ كانت عمومًا لا معصية بخصوصِها، إلى غير ذلك ممَّا جاءَ في أخبارِ الشياطينِ، وأبيهِم إبليسَ المرجومِ -أعاذَنا اللهُ منهم-، (وإما ينزعنَّك من الشَّيطانِ نزغٌ فاستعذ بالله إنَّهُ هو السَّميعُ العليم)[فصلت:36].
قال: "جَاءَهُ الشَّيْطَانُ، فَلَبَسَ عَلَيْهِ"؛ خلط عليه أمرَ صلاتِه، قال تعالى: (..ولَلَبَسنا عليهِم مايلبِسون) [الأعراف:9]. فمعنى لَبَسَ الأمرُ: خلطَ بعضَه ببعضّ. "حَتَّى لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى"؛ أي: قدْرَ ما صلى ذلك المُصَلِّي من كثرةِ ما يوسوسُ، ويلبِسُ عليهِ الشيطانُ. "فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ" وهو في صلاتِه؛ فلم يدرِ كم صلّى، "فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ"؛ أي: سجدتي السَّهوِ، ترغيمًا للشيطانِ، لكونِه لبَس عليه، وليس أثقلَ على الشيطانِ من السجود، حتى سمعنا ما روي في الأثر: أنه إذا سجد ابن آدم اعتزل الشيطان يبكي ويقول أُمِر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، ويقول على نفسه أنه أُمِرَ بالسجود فلم يسجد، فله النار-والعياذ بالله تبارك وتعالى-. فيكون في السجود إرغامًا لإبليس، وتعلم أن أشد ما يُرغم إبليس -عدوّ الله وعدوك- هو التَّحقُّقُ بحقائق السُّجود، فإذا سجد القلب.. لم يتمكن إبليس من القرب منه أصلًا! فالله يكرمنا بسجود القلب الذي لا يرفع عنه صاحبه أبدًا.
قال: "فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ"، فظاهره ما ذكر بعضهم: أنه إذا شكّ فما عليه إلّا أن يسجدَ السجدتين فقط، وعلمت فيما تقدم أنَّ الائمة اختلفوا في هذا:
علمنا أن سجود السهو:
فالتفصيل عند المالكية والحنابلة. وتفصيل المالكية: أن ما كان من سهوٍ بنقصانٍ فيجب له سجود السهو، وما كان من زيادةٍ فلا يجب له سجود السهو، كما علمنا أن مذهبهم ما كان من سهوٍ فيه نقصان فيكون السجود قبل السلام، هذا هو الواجب عندهم، وماكان بزيادةٍ: فيكون سجوده بعد السلام، و هذا الذي هو سنة عندهم. أما تفصيل الحنابلة: ما كان من شرطٍ من الشروط أو الواجبات في الصلاة، تصحّ من دونه، فيسجد للسهو وجوبًا. وما كان من نحو ترك سنةٍ قوليةٍ، ونحوها، فلا يجب السجود للسهو، بل يُسَنُّ.
يقول: "فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ"، إذًا قلنا أن حكم سجود السهو: سنةٌ مطلقًا عند الشافعية، وواجبٌ مطلقًا عند الحنفية. وقال المالكية السجود للنقص واجب دون الزيادة. وعلمنا قول الحنابلة؛ الواجبات غير الأركان يجب لتركها سجود السهو، وكذلك عندهم إذا سها بزيادة فعل أو قول يُبطلها عمده فيجب، وإلا فهو سُنّة.
ثم قال: "وَهُوَ جَالِسٌ"
ثم أن الحكم عند الشافعية وكذلك عند المالكية:
وعلمت ما قال الحنفية:
يقول: "وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ" هذا من البلاغات التي لم يذكر لها سند سيدنا الإمام مالك -عليه الرضوان- ولكن مع ذلك، فإن بلاغات الإمام مالك التي لم يعثروا لها على سندٍ، عَدُّوها في رتبة الحديث الضعيف، البلاغات التي لم يجدوا لها سندًا، بل كان يقول سفيان الثوري: إذا قال مالكٌ: بلغني، فهو إسنادٌ صحيح. ولذا يقول العراقي أحيانًا في بعض الأحاديث في تخريجه على حديث الإحياء، يقول: ذكره مالك بلاغًا.
وهذا أيضًا بلغَنا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّي لأَنْسَى، أَوْ أُنَسَّى لأَسُنَّ"؛ لأبين لكم حكم من نسي في ذلك العمل وتلك العبادة ماذا يعمل؛ فهو المشرّع بأمر الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وجاء في روايةٍ: "إني لأنسى، ولكن أُنَسَّى لأسنّ" أي: لأبيّن لكم السُّنة والطريقة فيما ينبغي لكم عند الوقوع في النسيان. والحديث كما سمعت: "إِنَّي لأَنْسَى" أو قال: "أُنَسَّى"، فيكون للشكِ من الراوي، ولكن يقول عيسى بن دينار وابن نافع: أنه للتنويع. كيف هذا؟
معنى التنويع: أضاف أحد النسيانَين إليه، أراد أحدهما في اليقظة والآخر في النوم، فأضاف نسيانَ اليقظة إلى نفسه "أَنْسَى" لأنه آلة التحرر في غالب الأحوال، أو التحرّز، وأمَّا بخلاف حاله في النوم، فأضافه للحق، وقال "أُنَسَّى". وعلى كلٍّ، جاءنا في التحدّث عن القرآن لمن كان حفظ شيئًا من القرآن فلا ينبغي أن يقول: نَسِيتُ ولكن نُسِّيت؛ لأنَّ نَسِيتُ من معانيها: الإهمال والرفض والترك والإعراض، وليس ذلك مرادًا، فلهذا يقول: نُسِّيت آية كذا، ولا يقول: نَسِيت آية كذا؛ لأنَّ معنى نَسِيت يحتمل معنى الإعراضَ والإدبار وتعمُّد الإهمال والترك لها.
وجاء في الأحاديث ما يشعر بسبب حصول النسيان أو السهو للإمام بسببٍ قد يرجع إلى المأمومين، فمنه ما جاء عن ابن مسعود، قلنا للنبي ﷺ: يا رسول الله! إنك تهمُّ، قال: "ما لي لا أهمُّ ورفغ أحدكم بين ظفره وأنامله؟" فعـدم إحسانهم للوضوء يؤثر على الإمام، كما قال: من ينازعني في قراءتي أو صلاتي؟ لمن يقرأ خلفه وهو مأموم، لمن يقرأ السورة خلفه وهو مأموم في الجهرية. قال: أيكم ينازعني قراءتي؟ كما جاء أيضًا عنه ﷺ في الحديث: "ما بال أقوام يصلون معنا لا يُحسنون الطهور؟ فإنما يلبّس علينا القرآن أولئك"؛ وجود هؤلاء المأمومين الذين ما أحسنوا الوضوء، فيكون له بعض التأثير على الإمام.
وأورد: "أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ" بن أبي بكر الصدّيق "فَقَالَ: إنِّي أَهِمُ فِي صَلاَتِي"؛ يعني: أتوهم، وهو المعنى الذي قاله هنالك، إنك تهمّ يا رسول الله؛ يعني: تسهو في الصلاة وتنسى، قال: "مالي لا أهمّ ورفغ أحدكم" أي: وسخ ظفره "بين ظفره وأنامله؟" أي: ما يُنظِّف تحت ظفره، لا يصله ماء الوضوء. فقال السائل: "إنِّي أَهِمُ فِي صَلاَتِي" أي: أتوهَّم، فَيَكْثُرُ ذَلِكَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: امْضِ فِي صَلاَتِكَ"؛ لا تقطعْها ولا تعمل على هذا الوهم، "فَإِنَّهُ لَنْ يَذْهَبَ عَنْكَ حَتَّى تَنْصَرِفَ"؛ أي: لا يزال يتربص بك الشيطان ويُحب أن يوسوس عليك حتى يُدخِلَ عليك الحزنَ وعدمَ الحُضورِ في العبادة بسبب الوسوسة إذا استرسلْتَ معها واستجبت لها، فلا تلتفت إليها، واحضر قلبك فيما أنت بصدده، فإنما مقصود الشيطان أن يحزنك ويذهب بهجة وجهتك إلى الرب وحضورك معه، حتى لا تستقر في الحضور مع الرب بما يُلقي عليك من الوسوسة، فلا تستجب له، وأعرضْ عنه، وعُدْ إلى الحضور مع ربكَ -جلّ جلاله، وتعالى في علاه-. "فَإِنَّهُ لَنْ يَذْهَبَ عَنْكَ حَتَّى تَنْصَرِفَ، وَأَنْتَ تَقُولُ: مَا أَتْمَمْتُ صَلاَتِي."
فمن أدوية الوسواس: الإعراضُ عنه، وأن لا يلتفت إليه. وهكذا جعل الله تبارك وتعالى:
هذا من الأدوية التي دلَّه عليها، قال له: "امْضِ فِي صَلاَتِكَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَذْهَبَ عَنْكَ حَتَّى تَنْصَرِفَ، وَأَنْتَ تَقُولُ: مَا أَتْمَمْتُ صَلاَتِي." حتى يتغلَّب عليك في غالب الصلواتِ، وغالب الوضوءات، أو غيرها من العبادات، حتى لا تستقر في عبادة. فيحب إبليس وجنده أن يدخلَ من أي بابٍ عليك حتى يقطعَ قلبَك في الحضور مع الله تبارك وتعالى، فمنها في باب الصلاة، وهو من أهمها وأعظمها، ومنه عند الوضوء، ومنه عند كل عبادة أخرى.. قراءة قرآن، أو ذكر، فيقول: ما نطقت صحيح.. غلطت.. حتى لا يدري إيش يقرأ! وإيش الخطابُ الرباني! وهو وراء وسوسة إبليس؛ يقول: لا هذا غلطة.. هذا زائد.. هذا ناقص.. وارجع أعِد الآية ما قرأتها قراءة صحيحة.. طيب تأمَّل معنى ما قال.. تأمَّل الخطاب! ما هو حول الخطاب!! لا حول ولا قوة إلا بالله.. هذا هو خديعة إبليس عليه يخدعه بمثل ذلك. وكذلك عند أي عمل من الصالحات يحب أن يضيّع عليه روح العمل وهو الحضور فيه مع الله عز وجل.
ويحمل المالكية قول القاسم بن محمد بن أبي بكر هذا على من كان يغلبه كما يقولون يستنكحه الوهم والسهو وما يكاد يثبت له يقين، فهذا لا يبالي به أصلا، وعندهم أيضًا، وماعليه إلا سجدتي السهو، من دون أن يزيد شيئًا في الصلاة.
ثم يتحدّث معنا عن بعض الأعمال فيما يتعلق بيوم الجمعة، وسُنِّيَّة التبكير إليها، والغسل أيضًا لها، كما سيأتي معنا -إن شاء الله- مفصّلًا، بعض أحكامه وفوائده. جمع الله قلوبنا عليه، ورزقنا الصدق معه والإقبال عليه.
وفي الحديث الأول الذي ذكره: ترتيب الساعات، وحملها الجمهور من الفجر إلى وقت دخول الخطيب، أنها توزّع إلى خمسة أجزاء، وفي رواية: ستة أجزاء، لكل جزءٍ منها ساعة. وفي قولٍ عند المالكية: أنها تُحسَب من بداية الزوال، إلى صعود الخطيب، لقوله: "راح"، وإنما يُقال: راحً فيما بعد الزوال. وفي الحديث هذا أيضًا الذي يورده لنا في كتاب الجمعة: أنَّ الملائكة يوكلون في كل يوم جمعة بكلِّ مكانٍ تُصلَّى فيه الجمعة، فيأتون ويكتبون الداخلَ الأوَّل فالأوَّل، وأنَّه إذا بدأ الخطيب يخطب، تجمَّعتِ الملائكة حول المنبر يستمعون الخطبة، فلا يدوَّن في دواوين هؤلاء الملائكة من جاء بعد صعود الخطيب على المنبر وبداية خطبته، فحينئذٍ ما يكتبون، إنما يُكتب من جاء قبل ذلك، وبذلك تعلم أن هذا التأخر حتى يدخل الخطيب من أكبر المَعيب؛ من أكبر العيب الذي يصيب كثيرًا من المسلمين، ولا يبالون في تأخرهم في استجابة النداء يوم الجمعة حتى يدخل الخطيب، مع أنه يتقدّمه الزوال، ويتقدّمه الأذان الأول، حتى يحضرَ من وجبت عليه الجمعة قبل ذلك، وإنما يدخل الخطيب ليخاطب الناس أهل الجمعة، فهؤلاء الذين يتأخرون، فكأنهم يقولون: إن المقصود بالخطبة سوارَي المسجد وفرشُه وسرجُه!! المقصود السارية أم أنت؟! أنت المقصود بالخطبة، تعال اسمع إيش يقول! أم تريده يكلم السواري وأنت تأتي بعدين؟ تريده يكلم فُرُش المسجد؟ أو يكلم السُّرُج؟! هو يكلمك أنت، مخاطَب بسماع الذكر، (..فاسعَوا إلى ذكرِ الله، وذروا البيعَ ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون) [الجمعة:9]، فما هي هذه الدقائق التي يغالط فيها الشيطان الإنسان المؤمن؟ ماهي إلا دقائق معدودة يستطيع أن يحضر بها قبل دخول الخطيب.
وقد كان أهل القرون الأولى يمشون إلى الجمعة مبكرين، حتى أن بعضهم ليمشي بالسراج؛ يعني: قبل ظهور الضوء مع الفجر، ما بين قرب الفجر وبعد الفجر، فيمشي وليس في الطريق ضوء فيحمل السراج ماشيًا إلى الجمعة! لا اله الا الله! فإذا حصل هذا في الأمة فكيف تقر نفسك جمعة بعد جمعة، وأنت متراخٍ، يدخل الخطيب وأنت غير موجود! إيش الإيمان الذي عندك هذا! إيش الهمّ بدين الله هذا؟ إيش التعظيم لشرائع الله وشعائر الله؟! (..ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) [الحج:32]. هو إنما يوم في الأسبوع ينبغي أن تفرّغه للآخرة.
جعلنا الله من أهل التذكرة والتبصرة والسير في سواء السبيل، وأعلى درجات المنتقل إلى رحمة الله علوي بن حسين بن أحمد العيدروس، جمعنا الله به في دار الكرامة، ومستقر الرحمة، وجعله لديه في الشهداء، وجعله لديه في خواص السعداء، وتقبل جميع حسناته وضاعفَها إلى مالا نهاية، وتجاوز عن جميع سيئاته وبدّلها إلى حسنات تامات، وتحمَّل عنه وعنّا جميع التبعات، ورفع له المراتب والدرجات، وجمعنا به في أعلى الجنات، وبارك في أولاده وأحفاده وأسباطه أكمل البركات، وفي إخوانه وقراباتهم، وأصلح لنا ولكم ولهم جميع الشؤون في الظهور والبطون، وتولّانا بما هو أهله، وأكرَم وفادته عليه ونزله وقِراه -سبحانه وتعالى- واجعل قبره روضة من رياض الجنة، واجعل مستقر روحه في الفردوس الأعلى، وارحم موتانا وأحيانا بالرحمة الواسعة، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
24 مُحرَّم 1442