(339)
(610)
(388)
(535)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، باب ما جاء في النَّرد.
فجر الثلاثاء 1 شعبان 1444هـ.
باب مَا جَاءَ فِي النَّرْدِ
2775 - حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي هِنْدٍ, عَنْ أبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ".
2776 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهُ بَلَغَهَا: أَنَّ أَهْلَ بَيْتٍ فِي دَارِهَا كَانُوا سُكَّاناً فِيهَا وَعِنْدَهُمْ نَرْدٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ لَئِنْ لَمْ تُخْرِجُوهَا لأُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ دَارِي، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
2777 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَداً مِنْ أَهْلِهِ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ ضَرَبَهُ وَكَسَرَهَا.
2778 - قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: لاَ خَيْرَ فِي الشَّطْرَنْجِ، وَكَرِهَهَا، وَسَمِعْتُهُ يَكْرَهُ اللَّعِبَ بِهَا وَبِغَيْرِهَا مِنَ الْبَاطِلِ، وَيَتْلُو هَذِهِ الآيَةَ: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ) [يونس:32].
الحمد لله مُكرمنا بشرع الأحكام، وبيانها على لسان خير الأنام، عبدِه الهادي إليه سيدنا محمد، سيِّد وإمامِ كل من استقام، اللهمّ صلّ وسلم وبارك وكرّم عليه أفضل الصلاة والسلام، وعلى آله المطهرين وصحبه الكرام، ومن مضى على منهاجهم إلى يوم القيام، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين معدِن الشرف والفضل والمنّة والإكرام، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
يذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله- في هذا الباب حكم اللعب بالنَّردِ، وهو أيضًا يقابله أو يكون في إزائِه الشطْرنج.
والحديث يدلّ على عظمة الشريعة، وأنها شاملةٌ لِمَا يتحرك فيه الإنسان في الحياة من لعب وغيره؛ لتتبين فيه الحكم؛ فالنظام الإلهي الموضوع للمكلّفين قائمٌ على هذه الأحكام الخمسة من:
فلا يبقى حركةٌ لإنسانٍ في الحياة ولا لعبة ولا جدٍّ ولا أخذٍ ولا عطاء إلا وهي داخلة في هذا النظام الشامل، تحت واحدٍ من هذه الأحكام، وما أعظم نظام رب الأنام جلّ جلاله.
فأما ما أشار إليه من النّرد، فإنها أيضًا لعبةٌ تقوم فيها بيوتٌ تتصل بعدد أشهر السنة، وبعدد أيام الأسبوع، وبعدد فصول السنة.. وما إلى ذلك؛ ولكن مبناها على التخمين والحَدْس، ليس فيها تشغيل فكر، أو إعمال الذهن للوصول إلى غرضٍ معيّن، فخالَفَت في هذا لعبةَ الشطرنج، وصار الحكم بالنسبة للعب بالنَّرد عند جمهور السلف وجمهور الفقهاء أنه: حرام، كذلك يقول المالكية والشافعية والحنابلة.
كذلك يقول الحنفية أنه: مكروهٌ تحريمًا، يُكره تحريمًا، ففيه الاثم أيضًا عندهم؛ إلا أنهم يتفنّنون في التعبير، ويخالفون بين الحرام والمكروه تحريمًا، كما يخالفون في التعريف بين الفرض وبين الواجب، فكذلك في هذا، فعندهم يُكره تحريمًا؛ لأجل الحديث، وهو حرامٌ عند المالكية والشافعية والحنابلة. وكذلك بعض الحنفية عبَّر بالتحريم، ومقابل الصحيح عند الشافعية: أنه يُكره، والمعتمَد: أنه حرام.
فهو حرام إذًا عند عامة الفقهاء والعلماء هذا اللعب، ومثلُه كلُّ لعب لهوٍ لا فائدة فيه ذهنية، ولا مقصودة جسدية ولا غيرها، هذا إذا سَلِمَ عن القِمار وعن شرط المال.
أمّا إذا دخل فيه القمار فهو محرّم بالاتفاق وبالإجماع، أيّ لعبٍ كان دخل فيه المقامرة، والإلزامُ بتسليم مالٍ على أحد الطرفين، فذلك مَيْسِرٌ محرّمٌ بالاتفاق، أيّ لعب كان على الإطلاق.
ولكن ما عدا ذلك لاحظ الشافعية:
وهكذا عرفنا الحكم عند الأئمة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- واختلف ذلك الحكم عندهم في الشطرنج.
فمأخذ الكراهة: أنه من اللهو واللعب، "كل شيء ليس من ذكر الله -عزّ وجل- فهو لهو وسهو"، -جاء في الحديث- "إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعلم السباحة"، هكذا جاء في حديث عند الطبراني أن هذه ليست من اللهو أو السهو؛ لأن فيها مقاصد في الشرع.
المشيُ بين الغرضين، وتأديب الفرس من أجل إعداده للجهاد، وملاعبةُ الأهل من أجل الألفة وإقامة الأُسَر على المودة والمحبة، وتعلُّم السباحة.
ويتصل بذلك ما كان أيضًا من ركوب الخيل أو ما كان من رماية؛ فهذا له مقاصد، حتى جاء في روايةٍ عند الإمام الحاكم: "ليس من اللهو تأديبُ الرجل فرسه، أو ملاعبةُ زوجه، ورميُه بنبله عن قوسه". فهذه الأشياء تخرج عن مجرد اللعب.
وكذلك يقول الشافعية: إذا لعب بالشطرنج مع مَن يعتقد حرمتَه، يعني مذهبُه الحرمة، فيحرم عليه؛ لأنه يُعينه على فعل شيء يعتقد تحريمه؛ فلا يجوز له، ولكن إنما يكون مكروهًا؛ إذا كان يلعب به مع مَن يعتقد كراهتَه لا يعتقد تحريمه.
فمأخذ الكراهة: أنه يُلهي عن الذكر والصلاة في أوقاتها. وأما الذين قالوا بالتحريم في الشطرنج فإنهم استأنسوا بما جاء عن سيدنا علي بن أبي طالب: أنه مرّ بقومٍ يلعبون الشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ ومعنى كلامه يَحتمل الكراهة، وأن يرفعوا وجهتَهم وتقضية أوقاتهم عن أن تذهب في مثل هذا.
فمأخذُ عدم الحرمة: كونُه قائمٌ على شيء من التدبير، وأشبهَ اللعب بالحِرَاب والرمي بالنشاب، بخلاف النرد، النرد يعتمد على الحَزْر والتخمين، ويؤدي إلى غايةٍ من السفاهة والحمق، وأشبهَ الأزلام. فهو من المسائل المختلف فيها؛ وحينئذٍ ينبغي للمؤمن أن يُرتِّب نفسه.
ومن الواقع في المسلمين أيضًا ضعفُ اختيارهم في الفترات الأخيرة لنوعية الألعاب لأطفالهم، وأطفالُهم يحتاجون إلى اللعب في السن الأول، وهو ثابتٌ من القرون الأولى، وهو من طبيعة الإنسان، ولكن كانوا يختارون لهم الألعاب، فكانت ألعابُ أبناء المسلمين غالبًا ترجع إلى إعدادٍ لأمر خير، أو تنشيطِ جسد، أو تنشيط ذهن، أو تعليم رماية وسطها، لعب المدِّ وغيره، إلى غير ذلك، ومخلوطةٌ غالبها بأنواع من الذكر، فهكذا كانت ألعاب أطفال المسلمين.
واليوم كلُّ ساعة يُحدثون لهم لعبة، ويحضرون لهم لعبة، وأحضروا لهم الكترونيات يلعبون بها؛ وأكثرها لا ذكر لله فيها، وأكثرُها خيالٌ وخبال بلا عقل.. تجعل الطفل أبله بليد! لا ثوابتَ عنده، كل شيء ريض مقبول؛ سيارة تتحوّل آدميا، وآدمي يرجع حجَرة، وحجرة يرجع جبلاً، وجبل يرجع دار، ودار يرجع..! ولا ثوابت أبدًا في الذهن! كلُّ شيء غير مستحيل.. الحكم العقلي؛ الواجب، المستحيل، الجائز، ما عاد يبقى واضح عنده، يجعلونه بلا عقل!
بل يُشاهَد في هولاء الأطفال الذين يلعبون بالألعاب الإلكترونية هذه.. ضيقٌ وشدّة في تعاملهم مع الآخرين، أبعِدها منهم يهدأُ ذهنُه وعقله وتحصل طفل على الفطرة! ولكن صاروا ما عاد يعرفون حتى يختاروا اللعب! لا لعب ولا جد، كلُّه تبعٌ لمن يُخطّط من الفجّار والكفار! واللباسات من عندهم، والألعاب من عندهم، حتى الأطعمة والأشربة هم يتحكمون فيها، ويحطّون المواد التي أرادوها! ولا حول ولا قوة إلا بالله! وصرنا بلداء وبلهاء إلى هذا الحدّ في تبعيةٍ وإمّعةٍ بلا عقل ولا قياس!! والله يوقظ قلوب المسلمين ويأخذ بأيديهم.
وهكذا يقول: وضعَ هذا النرد واحدٌ يُقال له: أَرْدَشير، وسُمي اللعب نردشير، وهو من ملوك ساسان، ووضع الشطرنج مقابله واحد من ملوك الهند، وعلى كلٍّ فالحكم فيه إذا سَلِمَ من القمار ما أشرنا إليه من هذا الاختلاف؛ فالجمهور على حرمة النرد، وعلى كراهية الشطرنج.
وذكر لنا قوله ﷺ: "مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ"؛ لأنه ممّا يُوقع في العداوة والبغضاء، ويصدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة.
وجاء في صحيح مسلم حديث بُريدة أن النبي ﷺ قال: "من لعب بالنردشير فكأنّما صَبَغَ يده في لحم خنزيرٍ ودمِه"، هكذا جاء في صحيح الإمام مسلم. فالنصُّ جاء؛ فلذلك قال جمهورُ السلف والعلماء بحرمة النرد.
وجاء "عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهُ بَلَغَهَا: أَنَّ أَهْلَ بَيْتٍ" كانوا في دارها، يعني: في دار السيدة عائشة، "كَانُوا سُكَّاناً"؛ أي: يسكنون في دارها، إما بالكِرَاء أو أعطتهم إياه إعانةً لهم، واحدة من الغرف التي كانت تسكن فيها بجوار الحجرة الشريفة، التي فيها قبر الحبيب ﷺ "وَعِنْدَهُمْ نَرْدٌ" يلعبون بها، "فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ لَئِنْ لَمْ تُخْرِجُوهَا لأُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ دَارِي، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ"، وهكذا علمتَ أن السلف قالوا بتحريم ذلك.
وأورَد لنا حديث ابن عمر: "أَنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَداً مِنْ أَهْلِهِ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ ضَرَبَهُ وَكَسَرَهَا." تغييرًا للمنكر، وكَسْرُها ليمنعَ من اتخاذِها أيضًا، لأنه لا منفعة في اتخاذها، وإبقائها داعٍ لمعاودتها واللعب بها، فلذلك يكسرُها، وأمّا ما جاء من ضَرْبِه لبعض أهله ممّن لعب بها فعلى سبيل التأديب والزجر؛ لأنه مسؤولٌ عن أهله وأولاده.
"قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: لاَ خَيْرَ فِي الشَّطْرَنْجِ"، وقال الإمام مالك: من لعب بالنَّرد أو الشطرنج فلا أرى شهادتَه طائلة؛ قال بسقوط شهادته، وقال: من باشر لَعِبَها لا تُقبَل شهادته.لا إله إلا الله!..
وما الأمر الآن جاري في عامة المحاكم في بلد الإسلام إلا على قول: اعتبار شهادةِ الأمثل فالأمثل، وأما شروط العدالة المذكورة فلا تكاد توجَد في أكثر الشهادات في العالم. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون! والله يصلح أحوال المسلمين.
يقول الإمام مالك: "لاَ خَيْرَ فِي الشَّطْرَنْجِ"، وبذلك علمتَ قول الإمام مالك أيضًا في ردِّ الشهادة لمن يلعب بالشطرنج إذا أدامَه أو تعدَّد منه، وهذا الذي وضَعه يُقال له بَلْهيت، أحد ملوك الهند.
قال: "وَسَمِعْتُهُ يَكْرَهُ اللَّعِبَ بِهَا وَبِغَيْرِهَا مِنَ الْبَاطِلِ، وَيَتْلُو هَذِهِ الآيَةَ: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ) [يونس:32]". فلا مجال في مسلك الإمام مالك لللهو واللعب، وكان بانيًا أموره على الجِدِّ والهمّ بأمر الله وبلاغ رسالة النبي محمد ﷺ، وبذلك عَظُمَ أثرُه، وسما خبرُه، وحُمِلَ عليه قولُ سيدنا رسول الله ﷺ: "يوشكُ أن يضربَ الناسُ أكبادَ الإبل فلا يجدون عالمًا أعلمَ من عالم المدينة"، وقالوا هو هذا عالم المدينة، وهو أعلمُ الناس في وقته، وكان على ورعٍ واحتياط وأدبٍ جمّ، عليه رضوان الله. سنوات في المدينة لا يقضي حاجته إلا خارج حدود حرم المدينة كلها، وكان يأكل في الثلاثة أيام وقعة واحدة، فما يحتاج التردُّد إلى الخلاء كثيرًا عليه رضوان الله.
وعاش سنواته يمشي في المدينة، لا يركب دابّةً ولا يلبس نعلا، حافيًا، ويقول: أستحي أن أطأَ بنعلي أو حافر دابّتي تربةً تردّد فيها جبريلُ بالوحي على رسول الله، ومشى رسولُ الله ﷺ في نواحيها. هذا حال الإمام مالك -عليه الرضوان- فكم نفع الله به، وكم أجرى على يده! ومع ذلك من عقله وأدبه لمّا أراد أبو جعفر المنصور أن يحملَ الناس على ما في موطئه قال: لا! إن تفعلْها تكن فتنة، إن أصحاب رسول الله تفرّقوا في الأمصار ومع كل قومٍ علم، لِم تحصر الناس في علم مالك؟ لا! هذا من معرفته بالشريعة وعقله وأدبه.
وكان قد أرسل إليه قبل مدةٍ دنانير -نحو تسعين ألف دينار وزيادة- فأبقاها، فلمّا عزم على الخروج من المدينة قال له: أريدك أن تعزم معي، وأريد أن أحمل الناس على الموطأ، قال له: أمّا الخروجُ من المدينة فلا سبيل إليه، ورسول الله ﷺ يقول: "والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون"، وأمّا حملُك الناس على الموطأ فلا يصلح ذلك، فإن تفعلْها تكن فتنة؛ إن أصحاب رسول الله تفرّقوا في الأمصار ومع كل قومٍ علم، وأمّا ما أرسلتَه إليّ فهو هذا، ردَّه إليه، أي المال، ما استعمل منه شيئا، حتى جاءه الطلب منه، ردّه إليه -رضي الله عنه- كان تهابُه الملوك والحكام.
حتى لمّا وصل الشافعي إليه في صغره، كان خالد الزنجي -هذا شيخ الشافعي الذي في مكة- يعرفه أمير مكة، وأخبره أنه سيرسل الولد إلى المدينة عند مالك، فكتب الأمير إلى أمير المدينة أن يعتني بالولد وينظر تدريسه عند الإمام مالك، وتعجّب الشافعي لما وصلت الورقة، قال: متى نكلم مالك؟ وكيف نقدر نكلم مالك؟ ونسأل مالك؟.. قال له رجل: أرسل إليه، قال الأمير: أرسل إليه!! هذا لا يكون أبدًا! حمل هم عظيم كيف يخاطبه! ومن أجل خاطر صاحبه هذا الأمير الثاني، خرج بالورقة وجاء إلى عند الإمام مالك يقصده، فلمّا قرأ الورقة قال: متى صار هذا العلم بين الأمراء يتناولونه بأيديهم؟ يتواصَون به، ويوصوننا نحن به؟! علم إرث للنبي ﷺ يجيء الأمير قال الأمير متى هذا؟! قال: الولد الذي معكم قل له يأتينا إلى الدرس يحضر! بعد ذلك رآه وراقبه، وأحبّه وقرّبه وعلّمه، وأخبره أنه يكون له شأنٌ، فكان هذا حالهم عليهم رضوان الله. حننّ الله أرواحهم علينا، وأدخلنا وإيّاكم دائرة أهل الصدق معه والإنابة إليه والتوفيق لمرضاته.
وفيه انتباه المؤمن من دينه ألّا يكون في دياره وفي بيوته وفي محلٍ منسوبٍ إليه مَن يُخالف الشرع وهو يسكت، ساكت! قالت لهم السيّدة عائشة: تخرجونه هذا وإلّا أُخرجكم من بيتي؟! اخرجوا منه لا أعطيكم المكان، اخرجوا من داري إذا ما تتركون اللعب بالنرد، وهكذا يغارُ المؤمن على دينه، ولا يسمح بِمُخالفة الشرع في محيطه، وفي دياره، وفيما هو منسوب إليه.
رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، ودفع عنّا كل سوء أحاط به علمه في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، وجمعنا في دار المُقامَة بسيد المرسلين خاتم النبيين إمام أهل الإمامة، ودفع به عنّا الأسواء والأدواء في السرّ والنجوى، وحققّنا بالتقوى، وأصلح شؤون أمّته في المشارق والمغارب، ودفع عنّا وعنهم جميع المصائب والنوائب، وجعل لنا ولهم في شهر شعبان هذا وفي شهر رمضان من فَرَجه وتأييده ونصرتِه وتسديده وتوفيقه وإضاءة القلوب بالنور ما هو تعالى أهلُه، بما يدفع به كيد أعدائه أعداء الدين، وإبليس وجنده عنّا وعن شعوب المسلمين وعن ولاة المسلمين، وأن يحوّل الأحوال إلى أحسنها، ويُصلح الشؤون سرّها وعَلَنها، بسرّ الفاتحة.
01 شَعبان 1444