شرح الموطأ - 501- كتاب صفة النبي ﷺ: متابعة باب جامِعِ ما جاء في الطعام والشَّرَاب (2)

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب صفة النبي ﷺ، متابعة باب جامِعِ ما جاء في الطعام والشَّرَاب (2).

فجر الأربعاء 3 رجب 1444هـ.

متابعة باب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ (2)

2707 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: "طَعَامُ الاِثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاَثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ".

2708 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: "أَغْلِقُوا الْبَابَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، وَأَكْفِؤُوا الإِنَاءَ، أَوْ خَمِّرُوا الإِنَاءَ، وَأَطْفِؤُوا الْمِصْبَاحَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ غَلَقاً، وَلاَ يَحُلُّ وِكَاءً، وَلاَ يَكْشِفُ إِنَاءً، وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى النَّاسِ بَيْتَهُمْ".

2709 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ، أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَضِيَافَتُهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ".

 

نص الدرس مكتوب:

 

  الحمدُ لله مُكرِمنا بالشريعة والآداب، وحُسن الأخلاق وجميل الصفات وتنوير الألباب، على يد عبده سيدنا مُحمَّد أحب الأحباب، المجاوز لقوس قاب، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحبه خير آلٍ وأصحاب، وعلى من والاهم في الله واتبعهم بإحسان إلى يوم المآب، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادة أولي الألباب، أوعى من فقِهَ عن الخالق الخِطاب، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

يوالي لنا الإمام مالك إرشادات نبينا ﷺ وتعليماته وتأديباته وتوجيهاته التي بها يصلح حالنا ويصفو بالنا ويسعد مآلنا، فصلَّى الله على المبلِّغ الهادي المعلّم المرشد الحادي صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى آله وأصحابه.

وذكر لنا حديث: "طَعَامُ الاِثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاَثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ" وكما جاء في رواياتٍ في البخاري ومسلم وغيرها من كتب الأحاديث. وجاء في روايةٍ: "طعام الواحد كافي الاثنين، وطعام الاثنين كافي الأربعة، وطعام الأربعة كافي الثمانية"، والقصد الإرشاد إلى الحرص على المواساة، وأن يكون غرضهم من الطعام:

  • ما يسد الجوعة ويعين على القيام بالأمر.
  • وأن لا يغلب عليهم فيه شَرَهٌ ولا نهم.
  • وأن يتحابّوا و يتعاونوا بينهم البين ويحبّ أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه.
  • ويفرحوا بوفرة الطاعمين والآكلين، وإن أكثر الطعام بركة ما اجتمعت عليه الأيدي.

 وكان أحب الأكل إلى رسول الله ﷺ ما كان على ضَفَف؛ يعني: اجتمعت عليه أيدي كثيرة. 

فقال: "طَعَامُ الاِثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاَثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ"، يعني ينبغي من كان عِندهم طعام الاثنين فحضَرهم ثالث أن يفسحوا له المجال ويفرحوا بحضوره، ويقدموا له ما معهم. وكذلك فيما جاء من عدد الروايات أن الله يبارك في الطعام إذا اجتمعت عليه الأيدي. وسمعنا أيضًا حديثَ: "كلوا جميعًا ولا تفرَّقوا فإن طعام الواحد يكفي الإثنين، وطعام الثلاثة يكفي الثلاثة والأربعة، كلوا جميعًا ولا تفرقوا فإن البركة في الجماعة".

وواصل ذكر الآداب بعد ذلك فيما يتعلق بحياتنا اليومية و شؤوننا الليلية في البيوت والمنازل فقال: "أَغْلِقُوا الْبَابَ" في الرواية "عَنْ سيدنا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ" -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَغْلِقُوا الْبَابَ"؛ أي: عند المبيت وعند النوم، لا تجعلوا أبواب بيوتكم مفتوحة فيؤدي إلى قلقٍ أو حرجٍ أو اتهام بعضكم البعض، أو إغراء ذي النفس المريضة بالتسلل أو السرقة أو غير ذلك، فأمرَ بإغلاق البيوت صلَّى الله عليه وصحبه وسلَّم. "أَغْلِقُوا الْبَابَ" وفي ذلك من المصالح الدينية والدنيوية ما يتعلق بحراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد، والشياطين أيضًا تُسلَّط البيوت المفتوحة، فإذا كان مفتوحة أبوابها فسهل عليهم كثرة الدخول والخروج فيها والعبث بمن فيها.

وجاء في الرواية: إذا كان جنح الليل أو قال أمسيتم، فكُفّوا صبيانكم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله جلَّ جلاله وتعالى في علاه.

فهكذا عند إرادة النوم تكتنِفنا تعليماتٌ نبوية و آدابٌ عديدة ومنها ما يتعلق:

  •  بإِيكاء السقاء وإِكفاء الإناء، أو تغطية الآنية "خمروا الإناء".
  • وإطفاء المصابيح المشتعلة بالنار.

 وقال: "فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ غَلَقاً"، ما يُمكِّنه الله تعالى من فتح باب ومَن معه من حزبه الشياطين، ولهذا يقول العوام عندنا في أمثلتهم: مائة جني ما يغلقون باب؛ لا يستطيعون إغلاقه إذا تركته مفتوح ولا يستطيعون فتحه إذا أغلقته، ما يُمكِّنهم الله من ذلك، ولو مكَّنهم للعبوا على الإنس، وما بقي استقرار في وضع؛ ولكن الله تعالى جعل لهم حدودًا ويمنعهم منها، فإذا تصرف الإنس بما شرَّع الحق له وقفت سدود أمام الجن وغيرهم من أن يتجاوزوا حدودهم التي حدَّها الله لهم، "لاَ يَفْتَحُ غَلَقاً، وَلاَ يَحُلُّ وِكَاءً، وَلاَ يَكْشِفُ إِنَاءً، وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ -يعني الفأرة- تُضْرِمُ عَلَى النَّاسِ بَيْتَهُمْ"، إذا وجدت مصباحًا مشتعلًا جاءت فأسقطته فيسقط ما فيه من المادة المشتعلة مع أثر النار فيَحترق الفَرش أو البيت ومن في البيت.

فهكذا أرشد ﷺ أيضًا يُسن تخمير الآنية أي الإناء، أي: تغطيتها، ويُذكر أن في السنة ليلة ينزل فيها بلاء من السماء إلى الأرض، فلا يجد وكاءً مفتوحًا ولا إناءً مكشوفًا إلا دخل فيه ذلك الوباء والبلاء. ولمَّا كانوا يحتاجون أحيانًا لإبقاء بعض أطعمتهم مفتوحة لئلا ينالها التعفّن والتغير، فأرشَدهم لأن يجعلوا عليه عودًا يسمّوا الله تعالى، ويعرضوا عليه عودًا أو شيء لأنه ما عندهم ثلاجات يضعون فيها أطعمتهم، ولا أسباب حوافظ أخرى ويعرضونه للهواء حتى لا يتغير. قال: فضعوا عليه عوداً وسموا الله -تبارك وتعالى- ولو أن يعرض عليه عودًا، وكذلك إيكاء السقاء -أي: القِرَب- وهو شدّ أفواهها بشيءٍ من الخيط أو الحبل حتى لا يبقى فيها فجوة.

"إذا كانَ جُنْحُ اللَّيْلِ -أوْ أمْسَيْتُمْ- فَكُفُّوا صِبْيانَكُمْ؛ فإنَّ الشَّياطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ" بل وعند غروب الشمس، عند غروب الشمس أمر بكف الصبيان عن اللعب، فإن للشياطين انتشار عند غروب الشمس. ثُمَّ في جنح الليل، فعند غروب الشمس يُكره أن يترك الصبيان في اللعب، وينبغي أن يُحازوا إلى الديار والمنازل ولا يتركوا في الشوارع، فإن للشياطين أعمال مخصوصة في هذا الوقت يتسلطون بها على من يجدونه في غفلته، ولهذا عَظُم فضل إحياء ما بين المغرب والعشاء، ونزلت فيه الآيات وجاءت فيه الأحاديث عن نبينا صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: "فإذا ذَهَبَ ساعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخلُّوهُمْ، فأغْلِقُوا الأبْوابَ، واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ؛ فإنَّ الشَّيْطانَ لا يَفْتَحُ بابًا مُغْلَقًا، وأَوْكُوا قِرَبَكُمْ"؛ أي: شدوا على أفواهها "واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وخَمِّرُوا" غطوا "آنِيَتَكُمْ واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، ولو أنْ تَعْرُضُوا عليها شَيئًا، وأَطْفِئُوا مَصابِيحَكُمْ كما جاء في الصحيحين وغيرهما.

فهذه آداب تتعلق بأحوال الناس في اليوم والليلة، فلا ينبغي ترك الأبواب مفتوحة لغير استقبال ضيفٍ، أو استعدادٍ لوافدٍ وداخلٍ وما إلى ذلك، وخصوصًا عند منام النَّاس. وكذلك ينبغي أن تكون الأسقية والقِرب مَوكوءة، مغطاة، مشدودٌ على أفواهها، وأشار هنا إلى الحديث يقول: روى القعقاع بن الحكم عن جابر "إنَّ في السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فيها وَباءٌ، لا يَمُرُّ بإناءٍ ليسَ عليه غِطاءٌ، أوْ سِقاءٍ ليسَ عليه وِكاءٌ؛ إلّا نَزَلَ فيه مِن ذلكَ الوَباءِ".

يقول أنه أصله في صحيح مسلم: "فإن في السنةِ ليلةٌ ينزلُ فيها وباءٌ، لا يمرّ بإناءٍ ليسَ عليهِ غطاءٌ، أو سقاءٌ ليسَ عليهِ وِكاءٌ إلا نزلَ فيهِ من ذلكَ الوباءِ"، فلو غفلوا وتركوا إناءً مكشوفًا فأصبحوا فينبغي أن لا يستعملوه حتى يغسلوه، فيغسلوه أولا ثُمَّ يستعملوه، فلا يضعوا فيه طعامًا ولا شرابًا حتى يغسلوه أولًا مهما بات مكشوفًا. 

"وَأَكْفِؤُوا الإِنَاءَ" إناء الطعام والشراب، "أَوْ خَمِّرُوا" غطوا، يعني إذا كان فارغ اكفئه أقلبه، لا تجعله هكذا مكشوف تقلبه، وإن كان فيه شيء غطِّه، فلهذا جاء رواية أكفئوا أو خمروا، يعني إن كان فيه شيء طعام غطه، خمّره وإن كان فارغ اكفئه.

"وَأَطْفِؤُوا الْمِصْبَاحَ" أي السراج، وهي المصابيح التي تشتعل فيها النار، ثُمَّ فيما يتعلق الآن بسُرج الكهرباء التي يقل فيها الاشتعال ينبغي أيضًا أن يُقتصَر منها على الشيء اليسير، فإن إخفات الشعاع عند النوم أصحّ للإنسان، وأيضًا ما يؤمن بالكهرباء أن يحصل فيها الالتماس والاحتراق كذلك، فينبغي أن يخفف فلا يترك من السُرُج إلا بمقدار الحاجة، ويكون في أماكن النوم خفيفة إذا احتاج إلى أن يبصر ما حواليه، وكذلك كل ما يتعلق بشأن النار وما يشتعل لا يترك عند النوم.

وفي الحديث: "إنَّ هذِه النّارَ إنَّما هي عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذا نِمْتُمْ فأطْفِئُوها عَنْكُمْ"، والحديث في صحيح مسلم عند سُنن الأربع: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء".

  • إذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت.
  • فإن ذكر اسم الله عند العشاء قال: أدركتم المبيت ولا عَشاء لكم.

وَإِنَّ "الْفُوَيْسِقَةَ" الفأرة "تُضْرِمُ" أي: توقد "عَلَى النَّاسِ بَيْتَهُمْ" فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيُحرقهم.

وجاء في رواية أبي داود وابن حِبان والحاكم عن ابِن عباس قال "جاءت فأرةٌ تَجُرُّ الفَتِيلةَ، وأَلْقَتْها بين يَدَيْ رسولِ اللهِ ﷺ على الخُمْرَةِ التي كان قاعدًا عليها، فأَحْرَقَتْ منها مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهمِ"، وبهذا جاء الحديث يقول لهم: "إنَّ الشيطانَ يَدُلُّ مِثْلَ هذه على هذا، فيُحْرِقُكم" 

وذكر لنا بعد ذلك حديث المكارم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ"، رابطًا ضبط اللسان وكثير من المكارم بحقيقة الإيمان، فإن الإيمان يقتضي أن يُعَدِّلَ المؤمن مسلكه ومساره، ويضبط أقواله وأفعاله بحكم الإيمان مهما كان صادقًا في الإيمان، فإن الإيمان يقتضي منه أن يضبط قوله. 

"فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ"؛ يتكلم بما يُثاب عليه يقول خير؛ وإلا فيسكت ويكف عن الشر، ولا ينطق بكلمة توجب عليه تبعة ولا خطاب ولا عقاب في الدنيا ولا في الآخرة، فيَضبط كلماته "فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ"، فإن لم يرَ فيما يقول قُربةً إلى الله ورضوانًا عند الله فليتحَرّج عن إرسال لسانه بما لا ينبغي، وبما لا يليق أو بما يجلب له سوءًا -والعياذ بالله تبارك وتعالى- "وَهَل يَكُبُّ النّاسَ في النّارِ على مَناخرِهِم إلّا حصائدُ ألسنتِهِم".

ويقول عليه الصلاة والسلام: "المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ." لمَّا قال سيدنا عقبة بن عامر، لما ذكر الفتن والعقاب ما النجاة قالَ: "أَمسِكْ عليك لِسانَك، ولْيَسَعْك بَيْتُك" دع لقلقة النَّاس والثورات التي ليس لها معنى، واللعب بالحياة، أمسِكْ لِسانَك، واقعد في بيتك "ولْيَسَعْك بَيْتُك".

فما آمنه وأوثَقه من مرشدٍ حكيم، ومُعلمٍ عظيم صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) [الحجرات:7] فلما خالفوه عنِتوا جاءتهم المشقات لما خالفوه، لو اتبعوه لما كان وصلت الشعوب إلى هذه المشاكل ولا هذه المصائب ولكن خالفوا أمره ﷺ (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63]. 

 قال: "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ"، يتفقّد الجار ويعطيه حقوقه وينتبه منه، وينتبه من أولاده، ولا يوصِل إليهم سوءًا بأي كيفية، ولا شيئًا من الشر، ولما سُئل عن امرأة صوّامة قوامة ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها قال لا خير فيها هي من أهل النار، والعياذ بالله تبارك وتعالى.

 "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ"، فإن للضيافة حق، وللضيف حق، وما يفرح به إلا مؤمن، ولا يكره الضيف إلا منافق، ومن هنا أمر أن لا يُتكلّف للضيف فيُبغض فيبغضهم الله -تبارك وتعالى- إذا بغضوا الضيف. وبكى سيدنا علي قيل: ما يبكيك؟ قال: ثلاثة أيام ما نزل بي ضيف، ما أدري بأي ذنب، أي ذنب وقعت فيه حرمني الله وجود الضيف. ومن خيار الأمة من لا يأكل إلا مع ضيف، في كل يومٍ من أيامه، فصارت سُنة من السُّنن كانت في أول الإسلام على المقيمين واجبة لمن هاجر إليهم ولمن وصل إليهم من المهاجرين. ثُمَّ صارت سُنَّة من السنن بل لا يبعد تنزيلها منزلة فرض الكفاية للوافدين وخصوصًا ذوي الحاجة، ومن وقعوا في نكبة أو في شدة فانتقلوا إلى أماكن أُخر. 

وصار النَّاس في فقد القيَم والشيَم إذا حصل مثل هذه الكوارث والآفات يجعلون إكرامهم أن يرفعوا أسعار المواد والأماكن وهكذا، ولمّا هدَّموا بيوت كثير من المساكن في جدة غَلَت بقية البيوت ورفعوا السعر وضاعفوه، ولما تقع كوارث في بلدة فينزَح الناس منها، فالمكان التي انتزحوا فيه يرفعون أسعار الإيجارات ويرفعون أسعار البضائع، فيا خير إكرام!! وما هو هذا الإكرام للضيف!...  ولكن اختلت الموازين عند النَّاس وما عاد صار حِسّهم إلا مع القريشات، من أين تكثر ومن أين تأتي بلا بصر، وبلا عقل. ويقول: من لم يبالي من أي باب دخل عليه الرزق؛ لم يبالي الله به أي وادي من أودية جهنم أهلكه.

قال: "وَضِيَافَتُهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ". 

  • والضيافة ثلاثة أيام لمن جاء قاصدًا. 
  • وأما من كان مارًّا في طريقه فالضِيافة يوم وليلة. 

"فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ" على الضيف. قال: "وَلاَ يَحِلُّ لَهُ"؛ أي: الضيف "أَنْ يَثْوِيَ"؛ أن: يقيم "عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ" يوقعه في الحرج، وهو يُضَّيق عليه، يُثقله من الحرج، فليكن النَّاس على مروءات بينهم. جاء في بعض الروايات يقول له: وكيف يؤثِمه؟ قال: "يقيم عنده ولا شيء له يقريه به"

ويواصل لنا ذكر المكارم، حلَّانا الله بحميد الشمائل، وجعلنا من مكتسبي الفضائل، وخلّانا عن جميع الرذائل، وبسَطَ لنا بساط الفضل والإحسان مع أهل الامتنان في عافية بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النَّبي ﷺ.

 

 

تاريخ النشر الهجري

03 رَجب 1444

تاريخ النشر الميلادي

25 يناير 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام