شرح الموطأ - 49 - كتاب الصلاة: تتمة باب التَّشَهُّد في الصلاة، وباب ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام

شرح الموطأ - 49 - كتاب الصلاة، باب التَّشَهُّد في الصلاة، من حديث عبدالرحمن بن القاسم
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الصلاة، تتمة باب التَّشَهُّد في الصلاة، وباب ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام.
فجر الأربعاء 14 محرم 1442هـ.

تتمة باب التَّشَهُّدِ فِي الصَّلاَةِ

244 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُول: إِذَا تَشَهَّدَتْ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ.

245 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَاري، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا تَشَهَّدَتْ: التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ.

246 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ وَنَافِعاً مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ، وَقَدْ سَبَقَهُ الإِمَامُ بِرَكْعَةٍ، أَيَتَشَهَّدُ مَعَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَالأَرْبَعِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وِتْراً؟ فَقَالاَ: نَعَم لِيَتَشَهَّدْ مَعَهُ.

قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الأَمْرُ عِنْدَنَا.

باب مَا يَفْعَلُ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ

247 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ مَلِيحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيِّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الإِمَامِ، فَإِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ.

248 - قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَهَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ: إِنَّ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ رَاكِعاً أَوْ سَاجِداً، وَلاَ يَنْتَظِرُ الإِمَامَ، وَذَلِكَ خَطَأٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ، لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ".

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الإِمَامِ، إِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرِمنا بالشَّريعةِ ومنهاجها، وبيانها على لسانِ عبده المصطفى محمدٍ  نورها وسراجها. اللّهم أدِمْ صلواتك على عبدك المجتبى المختار سيّدنا محمد منقذِ البشرية من اعوجاجها، وعلى آله وأصحابه ومن سارَ في دربه واقتدى به، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم والتَّابعين، وعلى ملائكتك المقربين وجميعِ عبادك الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

وبعدُ..

 فيُواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في الموطأ ذكر الأحاديث المتعلقة بالتّشهد وأبواب الصلاة. وتقدّم معنا الكلام عن التَّشهد ومجيئُه عن عددٍ من الصحابة، وأشهرها الثّلاث الروايات الّتي أخذ بها الأئمة الأربعة.  ومنه ما ذكرنا أنّ ممّن روى التَّشهد السيّدة عائشة، وهو المذكور في هذه الرواية عند الإمام مالك يقول: "عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُول: إِذَا تَشَهَّدَتْ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، أَشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" ونَبَّهْنا على الغلط في إظهار النّون من قولهم: "أشهد أن لا إله إلا الله"، وأنّه يجب أن يُدغم في الّلام أشهد ألّا إله إلا الله، وأنّه لو شدَّد النّون تغيّر المعنى وبَطُلت بذلك الصلاة. "أشهد أنّ.." فما هناك أشهد أنّ لا إله إلا الله! ولكن أشهد ألّا إله إلاّ الله وأنَّ محمدًا عبده ورسوله.

 وقد تقدّم الكلام معنا في تكرير الشهادتين؛ "وأشهد أنَّ محمدًا.." فجاء في بعض الروايات من دون تكريرها، وبعضها بتكريرها، وذكرنا أنّ ذلك هو المختلف ونقله في أقل التّشهد عند الإمام الشَّافعي: وأنَّ ذلك في ثلاثة ألفاظ:

  • في تكرير لفظ التشهد.
  • وفي قولهم كذلك: "وبركاته"، قول: "وبركاته" عند السَّلام على النَّبي ﷺ "السَّلام عليك أيَّها النّبي ورحمة الله وبركاته"، فإنَّها في بعض الروايات لم تردْ.
  • وأنَّ محمدًا رسول الله وأنَّ محمدًا رسوله؛ بالضمير، أو بإثبات اسم الجلالة.

 وقلّنا أنّ ما اجتمعت عليه الروايات من الألفاظ عَدَّه الإمام الشَّافعي أقل التشهد.

"السَّلام عليك أيَّها النَّبي ورحمة الله وبركاته" كما هي ثابتة في عامة أكثرِ الروايات. "السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" علمنا أنَّ الصَّالح من أدّى حقوق الله وحقوق خلقه.  وذكر في آخر الحديث قول: "السَّلام عليكم" 

  • وهذا موافق لمذهب الإمام مالك في أنَّ الإمام والمنفرد يُسلِّمان تسليمةً واحدة، وأنَّ المأموم يسلمُ عن يمينه، وعن يساره، وللرد على الإمام، فتكون ثلاث تسليمات.
  • وقال الإمام أحمد ابن حنبل في المشهور عنه: أنّ التسليمتان واجبتان، يجب أن يُسلمَ التسليمة الأولى والتسليمة الثانية. وقال بعض علماء الحنابلة: أن التسليمة الأولى هي الواجبة والثّانية سُنّة، كما هو مذهب الإمام الشافعي عليه رحمة الله تبارك وتعالى.
  • كذلك جاء عند الحنفية: أنّ التسليمتين واجبتين، وإن كان يجوز الخروج من الصلاة من دون السلام؛ لأنه واجبٌ ليس فرض. والقول الثاني كذلك عندهم: أنَّ الأولى هي الواجبة، والثّانية صحيحة. 
    • وأنَّه لو خرجَ من الصّلاة بأيِّ مبطلٍ للصلاة، كان بذلك خارجًا من الصلاة وصحَّت صلاته، ما دام تعمَّد الخُروجَ من الصلاة بأيِّ مبطلٍ من مبطلات الصلاة من كلامٍ وغيره.
    • فإن فعل ذلك ناسياً لم يخرجْ من الصّلاة، ولكن عليه أنْ يذهبَ فيتوضأ ثمَّ يُكمل صلاته، ولكنْ يكون مقصرًا إذ لم يختمْ بالتسليم.

 فقيل يجب التسليمتان معًا كما هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل، والقول الثّاني عند الحنفية وهو الموافق لمذهب الشافعية: أنّ التسليمة الأولى هي الواجبة والتسليمة الثّانية سُنّة. وقد جاءت بذلك أحاديث يستدلّ بها ومنها سلامه ﷺ على الجانبين، ومنها أحاديث التسليمة الواحدة. إذن، فالجمهور على أنّ الواجب تسليمة واحدة والثّانية سُنّة، خلافًا للإمام أحمد بن حنبل، وفي قولٍ عند الحنفية أنَّ الإثنتين واجبتان. وكذلك يقول الجمهور: أنّه في الصّلاة تسليمتان لكل مُصَلٍ، سواءً كان إمامًا أو منفردًا أو مأمومًا، وعند الإمام مالك: يُسلّم الإمام والمنفرد سلامًا واحدًا تلقاء وجهه كما، أشار إليه في هذه الرواية "السّلام عليكم"، 

  • والمأموم ثلاثاً، إن كان على يساره أحد.
  • وإن كان آخرَ واحد على اليسار - لا أحد بجانبه- فتسليمتان، تسليمةٌ للخروج وتسليمةٌ للرد على الإمام. 
  • وإلا فعن يمينه وعن يساره وللرد على الإمام. 

 ثمّ ذَكرَ لنا: عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ وَنَافِعاً مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ، وَقَدْ سَبَقَهُ الإِمَامُ بِرَكْعَةٍ" فيجلس الإمام في الركعةِ الثَّانية والمأموم في ركعته الأولى، "أَيَتَشَهَّدُ مَعَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَالأَرْبَعِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وِتْراً؟" بالنسبة للمأموم "فَقَالاَ:" يعني: ابن شهاب ونافع مولى ابن عمر "نَعَم لِيَتَشَهَّدْ مَعَهُ." فيتبعُ الإمام. "قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الأَمْرُ عِنْدَنَا." وكذلك عند الجمهور، فيتشهّد مع الإمام.

 بل اختلفوا هل تُعد بالنسبة للمأموم الركعة الأولى أم تصير الثّانية بالنسبة له ثم يقضي اُولَته بعد سلام الإمام؟ 

  • على روايته: فليقضِ "وما فاتكم فاقضوا"؛ بمعنى: أنّ ركعته الأولى يقضيها بعد سلامِ الإمام، فهو الركعة الثانية للإمام بالنسبة للمأموم أيضًا ثانية، هذا المسبوق وقد فاتته الركعة الأولى.
  • وعند الشافعية وغيرهم: لا، بل هي اُولاه وعليه أن يتشهدَ في اُولاه تبعًا للإمام، وكذلك يتشهّد في ثالثته تبعًا للإمام -الإمام في الرابعة- ثمّ يقوم فيصلّي الركعة الّتي عليه ويتشهد، فيصير تشهدَ ثلاث تشهدات. 

ويمكن أن يتشهّد أربع تشهداتٍ في الفريضة. وذلك بأن يُدركَ الإمام متشهدًا في الركعةِ الثَّانية من المغرب، فيَحرمْ ويجلس يقرأ التشهد مع الإمام، يقوم الإمام إلى ثالثته فيجلس فيتشهّد وهو عند المأموم أُولى، فيتشهد معه تشهدًا ثانيًا بالنسبة له أيضًا، ثمَّ يُسلمُ الإمام، فيقوم المأموم إلى ثانيته فيتشهّد لأجل أنَّه في الركعة الثَّانية، هذا ثالث تشهد، ثمَّ يقوم إلى ثالثته في المغرب فيتشهد لأنَّها الركعةَ الثّالثةَ من المغرب فيصير جمع أربع تشهدات في فريضةٍ واحدة. لكن إنّما تشهّد تشهدان تبعًا للإمام، وأمَّا التشهد الثَّالث الّذي تشهده فهو في ركعته الثّانية، وأمّا الرابع الذي  تشهّده في ركعته الأخيرة، لكن تشهّده بعد إحرامه قبل أن يبدأ شيئًا من الركعات في تبعية الإمام، وتشهّده الثّاني أيضًا في تبعية الإمام لأنه لم يزل هو في ركعته الأولى. إذا أدرك الإمام في صلاة المغرب وهو في التشهّد الأول فأحرم وجلس يتشهّد معه، فتصير على هذا الترتيب، يأتي بأربع تشهدات.

 وأيضًا الجمهور: على أنّ فيها: "ورحمه الله"؛ "السلام عليكم ورحمه الله" وقد أشرنا إلى قولٍ: "وبركاته"، قلنا إنّها ثابتةٌ عند الشّافعية في الجنازة: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" على اختلافٍ بينهم، ولذا تجد الأئمة في البلدة اذا صلّوا على الجنازة، جهروا الجهر التَّام بقول: "السّلام عليكم ورحمة الله"، وجعلوا الجهر بـ "وبركاته" أخفَّ من الجهر بـ "السَّلام ورحمة الله"، إشارةً إلى لخلاف في زيادة لفظ: "وبركاته" على أنّ الخلاف أيضًا يمتد إلى الصلوات كلها. ولكن في صلاة الجنازة الخلاف أقوى فيه، وفي غير الجنازة فضعيفٌ؛ القول بزيادة: "وبركاته"،

 "السَّلام عليكم ورحمة الله" وفي سفينة الإمام عبد الله بن عمر بن يحيى سفينة الصّلاة ذكر: "وبركاته" ذكر في كيفية الصّلاة وذكر في السّلام: وبركاته، "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته". ويكون على هذا القول حِيازةَ المُسَلِّم العشرَ الحسنات المترتبة على: "بركاته". لأنّ من سلّم وقال:

  • "السّلام عليكم" فله عشر حسنات. 
  • وإذا قال: "ورحمة الله" فله عشرون. 
  • وإذا قال: "وبركاته" فله ثلاثون حسنة.

ولامانع أن تُضاعف على أعداد الّذين نوى السّلام عليهم، فينبغي للإمام وكذلك للمنفرد، والمأموم أن ينووا بالسّلام الخروج من الصلاة. قيل بوجوبه وقيل هو سُنّة؛ يعني: ينوي بالسّلام الخروج من الصّلاة، كما أنّه يدخلها بنية فيخرجها كذلك بنية، والمعتمد: لا يجبْ عليه نية الخروج.

 ثمّ مع نية الخروج، ينبغي  أن ينوي السَّلام على من أمامه ومن على يمينه من المصلِّين، والملائكة ومؤمني الإنس والجن إلى آخر العالم. وينوي بالالتفات عن يساره: السَّلام على من على يساره ومن خلفه من المصلين والملائكة ومؤمني الإنس والجن إلى آخر العالم. إذا قُبِل منه ذلك فله ثواب التسليم عليهم أجمعين، كما أخبر النبي ﷺ عن ثواب قول المصلي "السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين في قوله فإنك "إذا قلتها أصابت كل عبدٍ صالحٍ لله في الأرض و السماء". "السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين"، فكل صالح يبلغه منك هذا السّلام من أهل الأرض ومن أهل السماء. وفيهم من يردّ السَّلام على من سلّم عليه.

  • والمأموم إن كان خلف الإمام فينوي الرد على الإمام مع التسليمة الأولى والثانية، والأولى أولى.
  • وإن كان عن يمين الإمام فينوي الرد على الإمام مع التسليمة الثانية.
  • وإن كان عن يسار الإمام فينوي الرد عليه مع التسليمة الأولى.

 مع التسليم على بقية المصلين ومن على يمينه في الأولى إلى آخر العالم ومَن أمامه، وكذلك مَن على يساره ومن خلفه في التسليمة الثانية الى آخر الدنيا.

 

باب مَا يَفْعَلُ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ

 

 ثمّ أورد لنا الأحاديث المتعلقة باتّباع الإمام وأنَّه من نسي فرفعَ قبلَ الإمام أو ركع أوسجد قبل الإمام يعود فيتابع الإمام. كما ختم الباب الذي قبله أنّه يتشهدُ بالركعتين والأربع بتبعية الإمام. والأمر عندنا وكذلك عند بقية الأئمة الثّلاثة: على المأموم أن يتابع الإمام.

  • من قال منهم إنّها بالنسبة له نفس العدد الذي للإمام، ويقضي مافاته.
  • ومن قال إنّه بالنسبة له أُولى وثانية وهكذا بحسب ترتيبه ويقضي ما فاته بعد سلام الإمام.

 فكلهم قالوا يتشهّد مع الإمام ولو كان في غير موضع التشهّد للمأموم.

 كذلك في وجوب المتابعة للإمام والحذر من التقدّم عليه الذي يقع فيه بعضُ المتساهلين، فروى لنا أنّ: "الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الإِمَامِ، فَإِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ." يجرّه حيث يشاء، حتى يقعوا في حرمة التّقدم على الإمام، فهو وعيدٌ لمن فعل ذلك، وأخبر أنَّ الشيطانَ تسلطَ عليه ولعب به. وهكذا فيجب على المؤمن يُحرّر نفسه من أن يكون في تبعية الشيطان وهو يعلم إنّما هو مأموم ولن يُسلّم إلا بعد الإمام فما هذا التقدم؟ وما هذه المنازعة؟!  فلا يركع حتى يركع الإمام، ولا يرفع حتى يرفع الإمام، ولا يسجد حتى يسجد الإمام، ولا يجلس حتى يجلس الإمام .

"قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَهَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ" ساهيًا "إأنَّ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ" إنّ السنَّة إذا رفع رأسه، ظنّ الإمام ارتفع من الركوع ارتفع، فرأى الإمام لايزال راكع.. ارجعْ! قال: إأنَّ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ رَاكِعاً أَوْ سَاجِداً، وَلاَ يَنْتَظِرُ الإِمَامَ، وَذَلِكَ خَطَأٌ مِمَّنْ فَعَلَه"؛ يعني: فعل الإنتظار، أما الرفع نفسه:

  •  إن كان ساهي ما يوصف بالخطأ 
  • وإن كان متعمدًا 
    • فقد قيل ببطلان صلاته، وهو مسيء بالاتفاق. وقيل إنّ صلاته باطلة، 
    • وقال الجمهور: صلاته صحيحة وهو مسيء مفوّت فضيلة الجماعة على نفسه في ذلك الركن الذي تقدّم فيه على الإمام.

وقالوا ساداتنا الصحابة في صلاتهم خلف النبي ﷺ فكان لا يهوي أحدنا للركوع حتى يركع رسول الله ﷺ ويستوي راكعًا، ولا يرفع حتى يستوي ﷺ قائمًا ولا يسجد حتى يضع ﷺ جبهته على الأرض ثم يبدأ في السجود، وهكذا المتابعة، وإنّما جُعلَ الإمام لِيؤْتمَ به؛ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ" وسيأتي هذا الحديث معنا، "فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ" ترفعوا قبله أو تخفضوا قبله.

 وعمّم ذلك أيضًا الحنفية في النيّة، وقالوا: لا يختلف على الإمام، يعني: فلا يصح أن يُصلي خلف الإمام إلا ما نوى الإمام؛ إذا كان سيصلّي الظهر والإمام يصلي عصر أو غير ذلك أو فرض مع نفل ما يصحّ عندهم.  وقال الشافعية: إنما المراد بعدم مخالفته في الركوع والسجود والرفع والخفض والجلوس وهكذا "فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ" 

"وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الإِمَامِ، إِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ." يلعب به، ويضحك عليه، يفوّت عليه ثواب الجماعة. فأي ركنٍ تقدّم فيه على الإمام لم يحسبْ له فيه ثواب الجماعة، فكأنه في هذا الركن منفرد لتجاوزه الحدّ وإساءته في التقدّم على الإمام.

  • وأمّا تقدّمه عليه في التحريمة في تكبيرة الإحرام،
    • فالإمام مالك يستحسن أن يكبّر بعد فراغ الإمام من تكبيرة الإحرام يقول: وإن كبّر معه أجزأه وقيل في مذهب المالكية ومذهب الشافعية: أنه لا يجزئه بل يجب أن يتأخر عن تكبيرة الإمام.
    • أبو حنيفة قال: يكبر مع تكبيرة الإمام، ثم إن فرغ قبل الإمام لا يجزئه، وإن فرغ بعد الإمام فيُقارنه ولو في آخر تكبيرة الإمام، فيكون آخر تكبيرة الإمام يكبر المأموم ليقارنه.
    • ومعلوم عند الشافعية: أنّه لا يجزئ التكبير إلا بعد أن يُكبر الإمام فيتأخر الهمزة من الله عن نطق الإمام بالراء من أكبر، فإذا قال الإمام الله أكبر، يبدأ المأموم في: الله اكبر.
    • وكذلك عند الحنابلة كالشافعية: إذا كبّر معه الإحرام لم تنعقد صلاته وهي باطلة. 
  • وإن سلّم معه 
    • كُرِه، عند الحنابلة
    • وكذلك يقول الشافعية: لابد أن يتخلّف سلام المأموم عن سلام الإمام، فمقارنة المأموم للإمام في السّلام تبطل الصلاة،  لمتعمّد ذلك عند المالكية وعند الشّافعية وعند الحنابلة.

 فالمقارنة تبطل الصلاة عند الجمهور. فيتبع الإمام، فيتأخر يقينًا ابتداء التحرّم عن انتهاء تحرم إمامه، فإذا قارن جزء من تكبيرة جزء من تكبيرة إمامه لم تنعقدْ الصلاة هكذا هو عند الشاّفعية.

وبقيةُ الأركان غير التحريم والتسليم فالجمهور على: أنّه مسيءٌ، وصلاته صحيحة وعليه الإثم. فإن تعمّد التقدّم على الإمام يأثم به، فلا يجوز أن يتقدّم على الإمام ببعض الركن متعمدًا، يُحرم التقدّم على الإمام ببعض الركن متعمدًا.

  • فإن تقدّم بركنين فعليين أو تأخر بركنيين فعليين.. بطلت صلاته عند الشافعية.
  • وفي رواية عند الإمام أحمد وغيره: أنه بالتقدم بركن واحد تبطل الصلاة.

 فيحذر المأموم من التقدّم على الإمام.

 ثمّ ذكر لنا حديث ما يفعل من سلَّم من ركعتين ساهيًا، وأورد لنا حديث ذو اليدين -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- يأتي معنا فيه الكلام إن شاء الله تعالى في أبواب: ما يفعل من سلَّم من ركعتين ساهيًا.

 رزقنا الله إقامةَ الصّلاة على الوجه الأحبّ الأرضى له، وجعلنا ممن يُحْسنُ ركوعَها وسجودَها، ويصدق مع الله ويحضر قلبه فيها، وجعلنا عنده من خواصِّ أهليها في عافية، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.

تاريخ النشر الهجري

16 مُحرَّم 1442

تاريخ النشر الميلادي

03 سبتمبر 2020

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام