(536)
(228)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الصلاة، باب افتتاح الصَّلاةِ.
فجر السبت 3 محرم 1442هـ.
باب افْتِتَاحِ الصَّلاَةِ
198 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضاً وَقَال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". وَكَانَ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ.
199 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكَبِّرُ فِي الصَّلاَةِ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ صَلاَتَهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ.
200 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قال: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلاَةِ.
201 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ، فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ: وَاللَّهِ إنِّي لأَشْبَهُكُمْ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
202 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلاَةِ، كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ.
203 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ.
204 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمُ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلاَةِ. قَالَ: فَكَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُكَبِّرَ كُلَّمَا خَفَضْنَا وَرَفَعْنَا.
205 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ الرَّكْعَةَ، فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً، أَجْزَأَتْ عَنْهُ تِلْكَ التَّكْبِيرَةُ.
قَالَ مَالِكٌ : وَذَلِكَ إِذَا نَوَي بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ افْتِتَاحَ الصَّلاَةِ.
206 - وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الإِمَامِ، فَنَسِيَ تَكْبِيرَةَ الاِفْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ، حَتَّى صَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الاِفْتِتَاحِ، وَلاَ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ؟ قَالَ: يَبْتَدِئُ صَلاَتَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَلَوْ سَهَا مَعَ الإِمَامِ عَنْ تَكْبِيرَةِ الاِفْتِتَاحِ، وَكَبَّرَ فِي الرُّكُوعِ الأَوَّل، رَأَيْتُ ذَلِكَ مُجْزِياً عَنْهُ إِذَا نَوَى بِهَا تَكْبِيرَةَ الاِفْتِتَاحِ.
207 - قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، فَنَسِيَ تَكْبِيرَةَ الاِفْتِتَاحِ: إِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ صَلاَتَهُ.
208 - وَقَالَ مَالِكٌ فِي إِمَامٍ يَنْسَى تَكْبِيرَةَ الاِفْتِتَاحِ، حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلاَتِهِ قَالَ: أَرَى أَنْ يُعِيد، وَيُعِيدُ مَنْ خَلْفَهُ الصَّلاَةَ، وَإِنْ كَانَ مَنْ خَلْفَهُ قَدْ كَبَّرُوا، فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَ.
الحمد لله مُكرمنا بشريعته الغَرَّاء، وبيان رسوله خير الورى، اللهمّ صلِّ وسلم على عبدك المصطفى المرتقي في القرب منك أعلى الذرى، وعلى آله وأصحابه، وعلى نبيّك هودٍ وآله وأصحابه، وعلى من تبعهم بإحسانٍ وعلى آبائه جميعًا من الأنبياء والمرسلين وآلهم وأصحابهم، وعلى ملائكتك المقربين، وعلى جميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ويَذْكُرُ لنا الإمام مالك عليه رحمة الله -تبارك وتعالى- في مُوَطئه: التكبيرات في الصلاة، والتكبيرات التي بها تُفتتح الصلاة؛
وبعد ذلك تأتي سُنّة التكبير:
فالتكبيرات في هذه المواطن هي التي قال جماهير من العلماء إنها سُنَّة، وتنبغي للإمام وللمأموم وللمنفرد؛ فيكبرون هذه التكبيرات: عند الركوع، وعند السجود، وعند الرفع من السجود، وعند الهوي للسجود الثاني، وعند الرفع من السجود الثاني، وعند القيام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة.
فهذه مواطن التكبير التي قال جمهور العلماء بسُنِيَتِها. وقد كان لقوّة ما يغلب على سيدنا عثمان بن عفان عليه رضوان الله -تبارك وتعالى- من الحياء، أنه كان قد يخفض صوته بكثيرٍ من التكبيرات حتى يظنّ كثيرٌ ممن صلّى معه أنه لم يكبر، ويسمعه من كان بِقُرْبِه. وجاء بعد ذلك الأمراء من بني أُمَيَة فكانوا يسكتون ولا يذكرون تكبيرًا عند رُكُوعِهم، ولا عند هُوِيِهُم للسُجُود، فاشتهر من الناس عدم التكبير في هذه المواطن.
وبذلك جاءت الروايات التي أوردها الإمام مالك -عليه رضوان الله- عن صلاة رسول الله ﷺ وصحابته، القيام بذلك التكبير، وقد تقدّم الكلام معنا عن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وخلافهم بعد ذلك في رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه، ولم يقل بذلك أبو حنيفة ورأى أن الرَفع اليدين عند تكبيرة الإحرام فقط، وبعد ذلك لا يرفع يديه في شيءٍ من التكبيرات، و قال الإمام الشافعي كما جاء في الأحاديث الصحيحة أيضًا أنه في أربع مواطن يرفع يديه:
فهذه مواطن رفع اليدين عند الإمام الشافعي ومن وافقه عليهم جميعًا رضوان الله تبارك وتعالى.
أورد علينا حديث "عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكَبِّرُ فِي الصَّلاَةِ كُلَّمَا خَفَضَ"؛ أي: للركوع وللسجود، "وَرَفَعَ"؛ أي: من السجود ومن التشهد إلى القيام، "فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ صَلاَتَهُ" ﷺ "حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ". وكذلك حرص عليها أكابر الصحابة رضي الله تعالى عنهم. وأورد حديث: "سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلاَةِ." وأطلقها؛ فمن ذلك ما اتُّـفق عليه من الرفع عند تكبيرة الإحرام، ومنه ما قال به بعد ذلك جماعة من أهل العلم من الرفع عند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول.
ويذكر حديث: "عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ، فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ: وَاللَّهِ إنِّي لأَشْبَهُكُمْ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ" ونبينا هو القائل: "صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي". فينبغي ايضًا إحضار المؤمن قلبه بسِرّ التكبير، و معنى التكبير الذي به ينسلخ عن رِقّ الأكوان؛ بتكبير المُكَون إلهَنَا الرحمن جلّ جلاله وتعالى في علاه، ومن أيقن أن الله أكبر لم يشغله صغيرٌ عن الأكبر، ولم يُحبَس مع صغيرٍ عن الأكبر، ولم يجرؤ أن يلتفت عن الأكبر إلى صغير، و يبقى مع الأكبر جلّ جلاله وتعالى في علاه؛ وهذا من سر افتتاح الصلاة بِالله أكبر؛ حتى تترك كل ما سواه.
قال الإمام الغزالي: أرأيت أنه فرض عليك في استقبال الكعبة؛ لتَنصرف عن بقية الجهات كُلها إلى جهة واحدة أتظن ذلك مقصودًا و ليس مقصودًا أن ينصرف قلبك عن كل الكائنات إليه؟ قال: لا، بل هذا المقصود الأكبر من الصلاة. وكما أنه من انصرف إلى جهة القبلة انصرف عن الجهات غيرها، ولا يمكن أن يكون مستقبلًا للقِبلة وهو مستقبل لجِهة غير جهة القبلة؛ كذلك هذا القلب إذا توجّه إلى الله تبارك وتعالى انصرف عن جميع الكائنات، ولا يمكن أن يكون مستقبلًا متوجّهًا إلى الحق تعالى وهو متوجّه لشيء من الكائنات، علوية أو سفلية، أرضية أو سماوية، فلابد أن يتخلى عنها بقلبة حضورًا مع مُكَون الأكوان جل جلاله وتعالى في علاه.
وفي مثل هذا الموطن الذي أنتم فيه يقول فيه:
كم قد صفا قلب هناك لمذنبٍ *** و كم رقوا من مراقي عاليات الصعود
في مثاني قيام أو مثنى سجود *** تحت ستر الدياجي والورى في رقودِ
كم سقوا من رحيق في كؤوس الشهود *** في مثاني قيام أو مثنى سجود
فحصل لكَثير في هذا الموطن ذوق الصلاة، وصدق التكبير، وصدق الجمعية على الله -تبارك وتعالى- فاطلبها في خلال ساعاتك التي تقضيها في هذا الشِعَبْ المنور.
يقول: "وَاللَّهِ إنِّي لأَشْبَهُكُمْ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ". وذكر: "عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلاَةِ، كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ". وكذلك يُذكر عن ابن عمر "كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ". وقال الشافعية الرفع في كل المواطن مثل الرفع عند تكبيرة الإحرام؛ لا يقصر عنه، وهذا مذهب ابن عمر: أن رفعه عند الركوع أو إذا رفع رأسه من الركوع، دون رفعه عند التكبير من خلال المسافة التي يرفع فيها اليدين، و يُسنّ محاذاة الكفّين للكتِفين لكل رفعٍ في الصلاة.
ويذكر: "عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمُ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلاَةِ. قَالَ: فَكَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُكَبِّرَ كُلَّمَا خَفَضْنَا وَرَفَعْنَا". وجاء عن ابن شهاب كان يقول "إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ الرَّكْعَةَ، فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً، أَجْزَأَتْ عَنْهُ تِلْكَ التَّكْبِيرَةُ"؛ أي: لأنها الفريضة الواجبة من بين التكبيرات، وبقية التكبيرات تأتي في مرتبة السُّنة التي ينبغي المحافظة عليها. الله أكبر. إلا عند الرفع من الركوع فإنه يقول بدل ذلك: سمع الله لمن حمده، عند رفعه من الركوع إلى الاعتدال يقول: سمع الله لمن حمده، إن كان إمامًا أو مأمومًا عند الشافعية أو منفردًا. وخصّ بعض الأئمة الإمام بقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم بقوله: ربنا لك الحمد، كما أن مذهب الإمام مالك تكبير وشروع في القراءة مباشرة بعده لم يذكر شيئًا من أدعية الإفتتاح ها هنا. وسيأتي يمكن في بعض الأبواب:
فَعَلِمْنَا بذلك ما ذهب إليه الإمام مالك، من أنه لا قراءة بين التكبير والفاتحة؛ وإنما يكبر ويقرأ الفاتحة مباشرة. وبعد ذلك علمنا سُنِيَة التكبير عند الانتقالات وأن المفروض منها واحدة وهي: تكبيرة الإحرام، وما عدا ذلك فسُنّة لو لم يأتِ بها أجزأته صلاته وفاته الثواب العظيم، واتباع الحبيب الكريم ﷺ. "قَالَ مَالِكٌ : وَذَلِكَ إِذَا نَوَي بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ افْتِتَاحَ الصَّلاَةِ".
"وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الإِمَامِ، فَنَسِيَ تَكْبِيرَةَ الاِفْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ، حَتَّى صَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الاِفْتِتَاحِ، وَلاَ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ؟ قَالَ: يَبْتَدِئُ صَلاَتَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ"؛ أي: يبدأ من جديد ويدخل الصلاة؛ لأنه لا دخول للصَلاة إلا بالتكبير."وَلَوْ سَهَا مَعَ الإِمَامِ عَنْ تَكْبِيرَةِ الاِفْتِتَاحِ، وَكَبَّرَ فِي الرُّكُوعِ الأَوَّل" قال الإمام مالك: "رَأَيْتُ ذَلِكَ مُجْزِياً عَنْهُ إِذَا نَوَى بِهَا تَكْبِيرَةَ الاِفْتِتَاحِ"؛ فإنّه عنده يكبّر في افتتاح الصلاة، ولم يشترط أن ذلك قبل القراءة وهو عند غيره لا بد أن يكون قبل القراءة؛ ولا يصح إلا للمسبوق، فإنّه يكبّر ويلحق الإمام في الركوع حينئذٍ و تسقط عنه القراءة. أما غير المسبوق فلا بد أن يقرأ الفاتحة قبل أن يركع، ولا يجزئ قراءة الفاتحة قبل تكبيرة الافتتاح: الله اكبر.
"قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، فَنَسِيَ تَكْبِيرَةَ الاِفْتِتَاحِ: إِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ صَلاَتَهُ"، و"فِي إِمَامٍ يَنْسَى تَكْبِيرَةَ الاِفْتِتَاحِ، حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلاَتِهِ قَالَ: أَرَى أَنْ يُعِيد، وَيُعِيدُ مَنْ خَلْفَهُ الصَّلاَةَ"؛ فإنه لم تنعقد صلاته وأيضًا صلاة المأمومين وراءه باطلة؛ لأن إمامهم لم يكبّر تكبيرة الافتتاح، وهي ركنٌ من أركان الصلاة يأتي بها باسم الجلالة: الله، و بلفظ: أكبر؛ الله أكبر، والسُنّة أن لا يزيد على ذلك؛ فلا يقول الله العظيم الجليل أكبر، الله الرحمن أكبر ولا شيء من ذلك. وقال الشافعية: إن فصل بوصف واحد أو وصفين صحّت تكبيرة إحرامه وإن زاد على ذلك بطلت تكبيرة الإحرام. واتباعه ﷺ هو الأجمل والأفضل والأكمل، فكان يقول: الله أكبر، و بهذا التكبير يكون حضور العليُّ الكبير جل جلاله.
واستجمع للتكبير يومًا الإمام الحداد فلما كبّر انشقّ الجدار من أثر تكبيره، الله اكبر.. لا اله الا الله!! وهكذا ذكر لنا ﷺ فيما يحصل آخر الزمان من قلوبٍ تكبّر الله تعالى بتعظيمٍ وإجلال، وأن الله يفتح بها مواطن على ظهر هذه الأرض في آخر الزمان، إذا كبّروا اهتزت لهم عروش الفجار والكفار، واهتزّت لهم الأبنية من حواليهم؛ يقولون: الله أكبر فتهتز لهم القصور ويُفتح لهم بلفظ الله أكبر. جَعَلَنَّا الله من خواص أهل التكبير والتسبيح والتحميد والتهليل؛ فهي أحب الكلمات إلى الله، أحب الكلام إلى الله: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر.
والتي سمعتم ترتيبها من قبل السلف في زيارتهم، إذا مشوا من حصاة سيدنا عمر إلى موضع بئر التسليم، ومنها إلى قبر النبي هود، فاشتغالهم بأحب الكلام إلى الله، أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله اكبر. و"لَأنْ أقولَ: سُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إلهَ إلَّا اللهُ واللهُ أكبَرُ أحَبُّ إليَّ ممَّا طلَعَتْ عليه الشَّمسُ" تطلع الشمس على دول؟ تطلع الشمس على منابع النفط حق البترول أم ما تطلع؟ وعلى مناجم الذهب؟ تطلع الشمس عليها؟ قال: "أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس" كل ما تطلع الشمس عليه من قصور ودور ومعادن ومنابع وجبال وأودية وأنهار وبحار، أن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليّ من ذلك كله، وكذلك هو أحب إلى قلب إلى كل مؤمنٍ صادقٍ مع الرحمن جل جلاله.
الله يُعلمنا حقائق الذكر وتعظيم ذكره، ويجعلنا من المُعَانَيْنَ على ذكره وشكره وحُسن عبادته. اللهمّ أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك برحمتك يا أرحم الراحمين، و أثبتنا في ديوان أهل اليقين وأهل الصدق والإخلاص والتمكين، وفرّج كروبنا وكروب المسلمين، واقبلنا وجميع الوافدين أتمّ القبول، وافتح أبواب الفرج لعبادك المسلمين يا بَرَّ يا وصول، وارفع عنهم الغمم والشدائد والبلايا والآفات والهموم والكروب والعاهات في الظواهر وفي الخفيات، وحوّل أحوالهم إلى أحسن الحالات بوجاهة حبيبك والنبي هود وأنبيائك ورسلك والصالحين من عبادك، ثبتنا على الحق فيما نقول، وثبّتنا على الحق فيما نفعل، وثبّتنا على الحق فيما نعتقد، واختم لنا بأكمل الحسنى وأنت راضٍ عنّا، في خيرٍ ولطفٍ وعافية وإلى حضرة النبي ﷺ.
06 مُحرَّم 1442