شرح الموطأ - 386 - كتاب الأقضِيَة: باب القضاء فيمن هَلَك وله دَيْن وعليه دَيْنٌ له فيه شاهد واحد، و باب القضاء في الدَّعوى

شرح الموطأ - 386 - كتاب الأقْضِيَة: باب الْقَضَاءِ فِيمَنْ هَلَكَ وَلَهُ دَيْنٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الأقْضِيَة: باب الْقَضَاءِ فِيمَنْ هَلَكَ وَلَهُ دَيْنٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، و باب الْقَضَاءِ فِي الدَّعْوَى.

فجر الثلاثاء 29 ذي القعدة 1443هـ.

 باب الْقَضَاءِ فِيمَنْ هَلَكَ وَلَهُ دَيْنٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ

2133 - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَهْلِكُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ لَهُمْ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَيَأْبَى وَرَثَتُهُ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى حُقُوقِهِمْ مَعَ شَاهِدِهِمْ، قَالَ: فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يَحْلِفُونَ وَيَأْخُذُونَ حُقُوقَهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الأَيْمَانَ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ قَبْلُ فَتَرَكُوهَا، إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا لَمْ نَعْلَمْ لِصَاحِبِنَا فَضْلاً، وَيُعْلَمُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا تَرَكُوا الأَيْمَانَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْلِفُوا، وَيَأْخُذُوا ما بَقِيَ بَعْدَ دَيْنِهِ.

 باب الْقَضَاءِ فِي الدَّعْوَى

2134 - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: عَنْ جَمِيلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُؤَذِّنِ: أَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ، فَإِذَا جَاءَهُ الرَّجُلُ يَدَّعِي عَلَى الرَّجُلِ حَقًّا، نَظَرَ، فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ مُلاَبَسَةٌ، أَحْلَفَ الَّذِي ادُّعِيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُحَلِّفْهُ.

2135 - قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الأَمْرُ عِنْدَنَا، أَنَّهُ مَنِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِدَعْوَى، نُظِرَ، فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ مُلاَبَسَةٌ، أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ الْحَقُّ عَنْهُ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، فَحَلَفَ طَالِبُ الْحَقِّ أَخَذَ حَقَّهُ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرِمنا بالشريعة، وبيانها على لسانِ عبدِهِ الذي جمع فيه الحُسْنَ جميعه، صلَّى الله وسلَّم وكرّمَ وبارك عليه وعلى آلهِ وأصحابهِ أهل المراتب الرفيعة، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الوقوف بين يديِّ الملِك الديَّان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من رفع الله لهم القدر والشأن، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين. 

ويذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله- مسائل في القضاء لمن مات وله دينٌ أو عليه ديْن ، يقول: في "الرَّجُلِ يَهْلِكُ"؛ يعني: يموت "وَلَهُ دَيْنٌ"، والدَّيْن الذي له "عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ"، أو يكون عليه ديْنٌ لأناسٍ؛ للناس أولئك أيضًا شاهدٌ واحد، "فَيَأْبَى وَرَثَتُهُ"؛ يمتنعوا "أَنْ يَحْلِفُوا" مع الشاهد الواحد للديَّن الذي لمورِّثهم على الغريمِ، فيمتنِعوا أن يحلفوا مع هذا الشاهد، فإذا امتنعوا عن الحلف قال الإمام مَالِك: "فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يَحْلِفُونَ" مع الشاهد الذين لهم دين على الميت، "وَيَأْخُذُونَ حُقُوقَهُمْ" ما دام هؤلاء امتنعوا، فإن حلَف ورثة الميت مع الشاهد قُضِيَ لهم بالدَّيْن، ويجب على الغريم أن يُسلِّم الدَّيْن الذي عليه لذلك الميت فيدخل في جملة ترِكته.

وفي المسألة الثانية كذلك إذا كان عليه ديْنٌ، فكذلك الغُرماء الذين لهم ديْن على الميت يُحلَّفون معهم شاهد واحد، فيضعون يمينهم فوق الشاهد ويأخذون حقوقهم، أي: يستوفون ديْنهم عن الذين عليهم ديْن الميت. 

 "فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ"؛ يعني: بقي شيء من المال بعد استيفاء الدَّيْن الذي لهم على الميت، "لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ مِنْهُ"؛ أي: من الفضل "شَيْءٌ" لماذا؟ لأنهم أبوا أن يحلفوا، وجه عدم استحقاقهم: "أَنَّ الأَيْمَانَ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ" على الورثة "قَبْلُ" الغُرماء "فَتَرَكُوهَا"؛ نكلوا عن الإيمان، فهذا مذهب مالك، وإذا كان في الترِكة زيادة على الدَّين الذي على الميت تبدأ الورثة باليمين. 

 وإذا كان الدَّين يستغرق الترِكة، فهل يبدأ الورثة أو الغُرماء؟ أيضًا المُعتمد في مذهب مالك أن الورثة هم الذين يبدؤون باليمين، قال محمد وسحنون: ما دام الدَّين مستغرق فالذي يبدأ باليمين الغرماء. "إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا" -أي الورثة- إنا نكلنا عن الأيمان لأننا "لَمْ نَعْلَمْ" أولًا أن "لِصَاحِبِنَا"؛ لمورثنا "فَضْلاً" بالمال بعد استيفاء الغُرماء، قال: "وَيُعْلَمُ أَنَّهُمْ" يظهر صدق قولهم ويتحقق منه "إِنَّمَا تَرَكُوا الأَيْمَانَ" أولًا "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ" الذي قالوه، قال مَالِكْ: "فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْلِفُوا" بعد نكولهم ويرجعون للحلِف "وَيَأْخُذُوا ما بَقِيَ" من الفضل "بَعْدَ دَيْنِهِ"؛ أي: بعد أداء ديْن الميت.

وهكذا فرّعوا في هذه المسألة: 

  • يقول الحَنَابِلَة: إذا الرجل مات مُفلس، وادعى ورثته أن له ديْن على رجل ، أنكر ذلك الرجل أقاموا شاهد عدل واحد وحلفوا معه، خلاص يُحكم بالديٌن للميت ثُمَّ تقضى منه ديونه وتنفذ وصاياه من الثُلث. فإذا أبى الورثة أن يحلفوا لم يكن للغريم أن يحلف مع شاهد الميت.
  • وهكذا أيضًا مذهب الشَّافعي، يقول: ما دام هناك قائم شاهد فإن اليمين متوجهٌ للورثة عليهم أن يحلفوا مع هذا الشاهد، فإذا نكلوا عن اليمين لم يرجع اليمين إلى ذلك الغريم.
  • كما هو مذهب الإمام مَالِكْ يحلف الغرماء أنه ما عليهم شيء من هذا الدَّين ويأخذون الدَّين أو يحلفون أنَّ لهم دين على الميت. 

 

باب الْقَضَاءِ فِي الدَّعْوَى

 

ثُمَّ ذكر الْقَضَاءِ فِي الدَّعْوَى؛ إن ادعى أحد بشيء كيف يُقضى به باعتبار الشهادة ولزوم الدعوى. 

يقول: "قَالَ مَالِكٌ: عَنْ جَمِيلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُؤَذِّنِ: أَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ" في مجلس الخليفة الراشد سيدنا "عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ"؛ لأنه كان في أيام إمارته على المدينة المنورة، كان أمير على المدينة ثُمَّ صار خليفة. قال: "فَإِذَا جَاءَهُ الرَّجُلُ"؛ يعني: المُدّعي "يَدَّعِي عَلَى الرَّجُلِ الآخر حَقًّا" من الحقوق له، "نَظَرَ" عُمَر بْنَ عبد العزيز، "فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا" بين الطالب والمطلوب "مُخَالَطَةٌ أَوْ مُلاَبَسَةٌ" وعجِز الطالب عن إقامة البيّنة، "أَحْلَفَ الَّذِي ادُّعِيَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ" بينهما من الملابسة أو المخالطة أو "شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُحَلِّفْهُ"؛ لم يحلّف المطلوب، فهذا قول عُمَر بْنَ عبد العزيز، وكذلك يُذكرُ عن الفقهاء السبعة في المدينة المنورة، وهو مذهب الإمام مَالِكْ. لكن قال أبو حَنِيفَة والشَّافعي: يُستَحلف المدَّعى عليه من غير إثبات خِلطة، لأنَّ مجرد الدعوى لا يوجب حُكمًا إلا لوجه الضرورة، واستحلاف المدّعى عليه مَضرة تلحقه، فلا يجوز أن يؤذى باليمين بمجرّد الدعوى عليه إلا أن تكون ضرورة.

 إذًا؛ قال الأئمة الثلاثة: أن اليمين في هذه المسألة تتوجّه على المُدَّعى عليه، سواء كان بينهما خِلطة أم لا، لعموم ما ورد أنَّ النَّبي ﷺ قضى باليمين على المُدعى عليه، "واليمينُ على من أَنكَر"، وحمله الإمام مَالِكْ ومن وافقه على إذا كانت هناك خِلطة بينهم، لِئَلا يتبذَّل أهل السفه أهل الفضل بتحليفهم مرارًا في اليوم الواحد، واشترطت الخِلطة لأجل هذه المفسدة؛ وإلا سيأتون  وسيدَّعون على الأبرار والأخيار والصَّالحين، ويخليه يحلف في المحكمة، كل ساعة يأتون به، قال مَالِكْ: هل بينك وبينه خِلطة من قبل؟  في بينك وبينه شراكة في شيء؟ قال: لا ، قال: هات بيِّنة على الدعوى وإلا اذهب ما لك شيء، لا نُحلِّف هذا، لا نريدك تحلِف هذا، ما لك حق تحلف على إيش! عند الأئمة الثلاثة لو ثبتت الدعوى.

لكنّ الإمام مَالِكْ لاحظ أنه يكون محل لعبة للسفهاء، أن يؤذوا الأخيار فيدّعون عليهم ويجرجرونهم  إلى المحاكم ويحلِفوا كما حصل لكثيرٍ من النَّاس هكذا، كما قال ﷺ: "لو يُعْطى الناس بدعْوَاهم لادَّعَى رجالٌ أموال قومٍ ودماءهم، ولكنَّ البينة على المدَّعي، واليمينَ على من أنكرَ".

وهكذا .. حتى تجرَّأ من تجرَّأَ وادَّعى على سيدنا الإمام الحداد -عليه رحمة الله تعالى- ولمّا أُخْبِرَ بالدّعوى ورأى أنَّ في ذلك تجرِّي من هذا المُدّعي وأنّه لو ترك له الحق لكان مفسدةً في واقع الناس وحياتهم، فخرج القاضي إلى عنده وحلَّفَه، فحلَفَ الإمام الحداد على حقِّه ثُمَّ قال: إنا ذكرنا ربنا وأخذنا حقنا، ولا يساوي هذا الحق عندنا شيء؛ ولكن لو تركناه لمثل هؤلاء السفهاء لَلعبوا على عباد الله،  ولا تركوه، وكان كثير الإنفاق كثير الصدقة لكن لا يفسح المجال للأدعياء الكذَّابين لِئَلا يتسع طمعهم في الأخيار ويؤذونهم بالكذب.

وهذا ملحظ الإمام مَالِك -عليه رضوان الله تعالى- أنه يتجرّأُ الأشرار على الأخيار بالدَّعاوي فيضطرونهم للحلف ، فيقول لا نُحلِّفه إلا إذا وقعت بينك وبينه مُخالطة ومُلابسة في شيءٍ من الأموال في سابق الوقت، هل عملت أنت وإياه؟ والآن ادَّعيت أنَّ هذا مما كان بينكم لك، وأنه لا يستحقه في شيءٍ أو أخذ شيئًا زائدًا عن حقه، حينئذٍ نحلِّفُه.

وأما إن لم يكن بينك وبينه مُعاملة ولا ُملابسة وجئت تدعي، أي شيءٍ يُعجبك ستقول حقي وإلا ماذا؟ لا بُدَّ من بيِّنة كاملة ولا نُحلِّف الثاني حتى يكون لك هناك وجه في الدعوى عليه، إن لم يكن لك وجه في الدعوى عليه؛ فدعواك مردودة عليك حتى تأتي بوجهٍ، إما أن يكون معك شاهد أو بيِّنة؛ أو يكون مع اليمين أو شاهدان، أو يكون بينك وبينه مُلابسة ومُخالطة ومُعاملة، أما واحد ما عرف أنه عاملك أو دخل معك في شيء وتأتي تدّعي عليه ، فرأى الإمام مَالِكْ أنه لا يحلَّفُ بذلك من ادُّعِيَ عليه.

"قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الأَمْرُ عِنْدَنَا، أَنَّهُ مَنِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِدَعْوَى، نُظِرَ. فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ مُلاَبَسَةٌ، أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ الْحَقُّ عَنْهُ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، فَحَلَفَ طَالِبُ الْحَقِّ أَخَذَ حَقَّهُ". وهذا عند النكول نعم. فأيضًا قال بذلك أكثر الجمهور من الأئمة فإنه يرجع باليمين من المُدَّعى عليه إلى المُدّعي فيحلِف أنه يستحق ذلك ويأخذه. 

والأيمان هذه إذا كانت على غير حقيقة أو على غير صدقٍ فإنها المُسمّاة باليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار والعياذ بالله تبارك وتعالى. أيُّما مسلم حلفَ يمينًا يقتطع بها مال امريءٍ مسلم أدخله الله النار، قالوا يا رسول الله ولو كان يسيرًا؟ قال: ولو كان قضيبًا من آراك". ولو قضيبًا من آراك.

فالأيْمان شأنها شديد عند الله جلَّ جلاله، والمُستخف بالحلف بالله وهو على باطل جريءٌ على الله يستحق الغضب والعياذ بالله تبارك وتعالى.

ولذا قالوا في شهادة الزور: أنه لو زاد الشاهد كلمة واحدة أو نقص كلمة تؤثر على الحُكم عند أدائه الشهادة لم يرفع رجله من مكانه إلا وقد حلَّ عليه سخط الله -والعياذ بالله- ما زاد من كلمة أو نقّص من كلمة. ولذا يقول: "على مثلها فاشهد"، مثل الشمس الواضحة الجلية تكون الشهادة، ما عدا ذلك فانتبه لنفسك!.. فإنه ﷺ لمّا ذكر أكبر الكبائر وذكر الشرك بالله وعقوق الوالدين ثُمَّ قال: "ألا وقَوْلُ الزُّورِ"، وكانَ مضطجعًا فَجَلَسَ وقال: ألا وقَوْلُ الزُّورِ، ألا وشَهادَةُ الزُّورِ، ألا وقَوْلُ الزُّورِ، ألا وشَهادَةُ الزُّورِ.. حتى خاف من عنده من الصحابة من تشديده في الأمر وقال ليته سكت؛ خوفًا من أن يغضب الله تبارك وتعالى لغضب رسوله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، فاشتدَّ كلامه على أهل شهادة الزور وقول الزور. لا إله إلا الله..

إذًا؛ فالحلِف باليمين على من أنكر إذا تقدّمت عليه دعوى صحيحة وطلب الخصم أن يحلِف، والخصم ليس له بيَّنة، وطلب الخصم أن يحلِف فتتوجه عليه هذه اليمين، ويتوجه عليه الحلِف، إلا في مسائل مستثناة. 

  • وهكذا فيقول الحَنَفِية والمَالِكْية: يترتب طلب اليمين على عدم وجود بيَّنة حاضرة في المجلس معلومة له، فإذا قال المُدَّعي أنَّ له بيَّنة حاضرة في المجلس ولكن أطلب يمين المُدَّعى عليه.. 
    • قال أبو حَنِيفَة ومُحمّد لا حق له في طلب اليمين؛ لأن اليمين بدل عن البيَّنة، وما دام لديك بيَّنة هاتِ بيّنتك. 
    • وأجاز ذلك أبو يوسف ومُحمّد. 
  • وكذلك يقول الشَّافعية و الحَنَابِلَة: للمُدَّعي حق طلب اليمين سواءً كان له بيَّنة أم لم يكن، لأنه مُخيّر بين تقديم البيَّنة أو طلب اليمين، وتوجيه اليمين يكون من القاضي لكن بطلب المُدَّعي، فإذا طلب المُدَّعي توجّه اليمين على من أنكر، فإذا لم يطلب سقط حقه، ولا يُحكم له بشيء.

 ولا يُكلّف المُدَّعى عليه باليمين إلا إن طلب الخصم. إن طلب الخصم إذا تقدّم بدعوى صحيحة، ولم يكن له بيَّنة حاضرة عند أبي حَنِيفَة والإمام مَالِكْ، وكذلك اشترط الأمام مَالِكْ أنه إذا طلب اليمين من المُدَّعى عليه أن يكون بينه وبينه مُلابسة ومُخالطة.

وقال الشَّافعية: أنَّ اليمين تردُّ على المُدَّعي في جميع الدعاوي إذا نكل المُدَّعى عليه، لما جاء عن ابن عُمَر أن النَّبي ﷺ ردَّ اليمين على طالب الحق فيما رواه الدارَقُطني والحاكم والبيهقي؛ لأنه إذا أبى اليمين ظهر صدق المُدَّعي وقويَ جانبه، فينتقل اليمين إليه.

رزقنا الله الورع في الدين، ومتابعة النَّبي الأمين، ووقانا شر النفوس وشياطين الإنس والجن أجمعين، وجعلنا في الحِصن الحصين، والحرز المتين، وألهمنا الرشد في كل ما نقول ونفعل ونأتي ظاهرًا وباطنًا في لطفٍ وعافية بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النَّبي مُحَّمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

05 ذو الحِجّة 1443

تاريخ النشر الميلادي

04 يوليو 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام