(612)
(535)
(390)
(339)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الشُّفْعَةِ، باب مَا تَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةِ.
فجر الأربعاء 16 ذي القعدة 1443هـ.
باب مَا تَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةِ
2089 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ بَيْنَهُمْ، فَلاَ شُفْعَةَ فِيهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ الَّتِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهَا عِنْدَنَا.
2090 - قَالَ مَالِكٌ: إِنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنِ الشُّفْعَةِ هَلْ فِيهَا مِنْ سُنَّةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ الشُّفْعَةُ فِي الدُّورِ وَالأَرَضِينَ، وَلاَ تَكُونُ إِلاَّ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ.
2091 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ.
2092 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا مَعَ قَوْمٍ فِي أَرْضٍ بِحَيَوَانٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعُرُوضِ، فَجَاءَ الشَّرِيكُ يَأْخُذُ بِشُفْعَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَوَجَدَ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ قَدْ هَلَكَا، وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ قَدْرَ قِيمَتِهِمَا، فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوِ الْوَلِيدَةِ مِئَةُ دِينَارٍ، وَيَقُولُ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ الشَّرِيكُ : بَلْ قِيمَتُهُمَا خَمْسُونَ دِينَاراً.
قَالَ مَالِكٌ: يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّ قِيمَةَ مَا اشْتَرَى بِهِ مِئَةُ دِينَارٍ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ أَخَذَ أَوْ يَتْرُكَ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ الشَّفِيعُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ أَوِ الْوَلِيدَةِ دُونَ مَا قَالَ الْمُشْتَرِي.
الحمد لله مُكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريّته سيدنا محمد عبد الله ورسوله وصفوته، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومحبته ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الله في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
يتكلم الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- عن الشّفعة، وجعل هذا الكتاب للحكم المخصوص في الشريعة المطهرة بما يتعلق بحق الشركاء إذا باع أحدهم حصته، ولم يؤذِنْ الشريك قبل البيع ولم يخبره أنه يريد أن يبيع، فباع على شخص آخر شيئًا من الثوابت من الأرض والبناء عليها وما إلى ذلك، ثم ما عَرَفَ شريكه إلا وقد باع على فلان، وهنا جعل الشارع الحق للشريك الأول في أن يأخذ بحق الشُّفعة، فيأخذ النصيب الذي باعه هذا بنفس ما باعه به.
ومن هنا قالوا عن الشُّفعة:
إلى غير ذلك من معنى الشُّفعة..
وقالوا من تعريفاتهم لمعناها شرعًا:
فهذا حكم ما يتعلق بالشفعة؛ انتقال حصة شريك إلى شريك كانت انتقلت إلى أجنبي بِمِثل العِوَض المُسمَّى. أو استحقاق شريك أَخْذَ مبيع شريكه بثمن. فهي مشروعة، وحُكي الإجماع عليها وحكاه غير واحد ونازع من نازع فيه، فالأصل أنها مشروعة بالسُّنّة، وقول الجمهور إن لم نقل الإجماع على ذلك، فهي ثابتة بالسنة كما نقرأ في الحديث.
وهكذا؛ حكى الإجماع غير واحد، فتكلّم الشيخ -عليه رحمة الله- "باب مَا تَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةِ"، فالشفعة تثبت على خلاف الأصل المعهود لأجل إبعاد المشاكل والأضرار عن الكل، فإن الشركاء يبغي بعضهم على بعض؛ (وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ) [ص:24]؛ فلأجل ما يحصل من ذلك الضرر جاءت الطرق في الشريعة المطهرة للتخلّص من تلك الشركة:
إذًا؛ فجاء حكم الشرع المصون بما فيه من رعاية المصالح للعباد، فقد جاءت الشرائع لإصلاح المعاش والمعاد.
فهي إذًا: انتقال حصة شريكٍ إلى شريكٍ كانت انتقلت إلى أجنبي بمِثل العِوض المسمى. وهكذا؛ سمعنا الأخبار في هذه الشفعة التي تقوم على وجود:
فالمُلك يجب أن يكون مشاعًا غير مقسوم، فأمّا إذا قد قُسِمْ؛ فالجار لا حقّ له في الشفعة عند عامة الفقهاء.
وقال الإمام أبو حنيفة: تثبت الشركة بالجوار، وبحق الطريق إذا لم يكن للشريك مدخل إلا مدخل واحد يدخل فيه هو والشريك الجديد فله حق الأخذ بالجوار. والمبيع يكون شيء ثابت على الأرض؛ لأنها التي تبقى على الدوام وضررها يدوم، أما ما يُنقل ويُبدّل ويُغيّر فأمره سهل.
وتوسّع الإمام أبو حنيفة والإمام مالك فقالوا أيضًا فيما اتصل بالأصل من زرعٍ ونحوه يؤخذ بالشفعة فيه، إذا باعه على آخر فشريكه أحقُّ به؛ فله أن يأخذه بحق الشفعة.
وإذا باعه، كيف؟ ماذا باع؟ باع نصفه من الأرض بزرعها، الزرع الذي فيها..
أما الذي لا يمكن قِسمته؛ ما يتأتّى قسمته كحمّام صغير أو رحى صغيرة أو طريق ضيقة أو عراص ضيقة… جاء عن أحمد فيه روايتان:
وجاءت أيضًا روايتان عن الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- في أن إذا كان المبيع مما لا يمكن قسمته؛
قال -رضي الله تعالى عنه-: "عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى"؛ أي: حكم، "بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ"؛ حكم بالشفعة بين الشركاء فيما لم يقسم بين الشركاء، جاء في لفظ الإمام البخاري من حديث سيدنا جابر يقول: "جعل رسول الله ﷺ الشفعة في كل ما لم يُقسَم"؛ فبعمومه أخذ من قال بالشفعة في المنقول، قال: "في كل ما لم يُقسم"؛ سواءً كان ثابتًا كالعقار أو منقولًا، ولكن جاء في الروايات الأخرى. "فيما لم يُقسَم"؛ فما لم يُقسِم شامل للمنقول وغيره بحيث استدل من استدل على جواز الشفعة في المنقول.
وهكذا، جاء في رواية عن الإمام أحمد: أن الشُّفعة تجب في البناء والغراس وإن بِيع مفردًا وهذا قول الإمام مالك أيضًا، وقال الآخرون: إنما أراد ما لم يُقسم من الأرض أنه تجب، في الرواية الأخرى قال: إذا وقعت الحدود، الحدود ما تجيء في المنقول تجيء في الأرض؛ فلهذا خصصوا الشفعة بالثابت من الأرض دون المنقول.
قال: "فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ"؛ جَمْعُ حَدْ، تتميز به الأملاك، وقيل: هذا قسم هذا، وهذا قسم هذا. "فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ"، جاء في رواية عند البخاري: "وصُرِّفَتْ الطرق"؛ أي: بنيت مصارفها وشوارعها، "بَيْنَهُمْ"؛ بين الشركاء، "فَلاَ شُفْعَةَ فِيهِ"؛ ومن هنا قال الحنفية: إذا كان لا يزال الطريق واحد والمدخل واحد فتثبت الشفعة، فأما بعد القسمة ففي النَّص: أنه لا شفعة فيه كما هو عند الأئمة الثلاثة.
والذين قالوا بالشفعة للجار الحنفية ومن وافقهم، استدلوا بأدلة: كمثل قوله ﷺ: "الجار أحق بسقبه"، وفي رواية عند الترمذي قال حديث حسن صحيح: "جار الدار أحق بالدار"، وما جاء أيضًا عن سيدنا علي وعبد الله بن مسعود قالا: "قضى رسول الله ﷺ بالجوار"، وفي لفظ ابن أبي شيبة: "قضى رسول الله ﷺ بالشفعة للجوار"، وفي رواية: "الجار أحق بِشُفعة جاره، فإن كان غائبًا اِنْتُظِرْ إذا كان طريقهما واحدًا" في رواية الطحاوي، إذًا فلكلٍ استدلاله.
"قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ"؛ أي: الذي ذُكر في الحديث المرفوع، أن تكون في العقار قابل للقسمة ولم يُقسم بعد. "وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ الَّتِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهَا عِنْدَنَا"؛ بالمدينة المنورة، فيما تبين أنه:
فإذا كان كذلك من كونه عقار وكونه لم يُقسم وهو قابل للقسمة، على ذلك مضت السنة يقول سيدنا الإمام مالك.
"قَالَ مَالِكٌ: إِنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنِ الشُّفْعَةِ هَلْ فِيهَا مِنْ سُنَّةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ الشُّفْعَةُ فِي الدُّورِ وَالأَرَضِينَ، وَلاَ تَكُونُ إِلاَّ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ"؛ يعني: أنه جاءت في ذلك سُنّة ثابتة، أنّ الشفعة تكون: "فِي الدُّورِ"؛ جمع دار، "والأَرَضِينَ، وَلاَ تَكُونُ إِلاَّ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ"؛ يعني: لا تكون للجار.
وكذلك ذكر مالك: "أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ".
"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا مَعَ قَوْمٍ فِي أَرْضٍ بِحَيَوَانٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعُرُوضِ، فَجَاءَ الشَّرِيكُ يَأْخُذُ بِشُفْعَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَوَجَدَ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ قَدْ هَلَكَا، وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ قَدْرَ قِيمَتِهِمَا، فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوِ الْوَلِيدَةِ مِئَةُ دِينَارٍ، وَيَقُولُ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ الشَّرِيكُ: بَلْ قِيمَتُهُمَا خَمْسُونَ دِينَاراً".
"قَالَ مَالِكٌ: يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّ قِيمَةَ مَا اشْتَرَى بِهِ مِئَةُ دِينَارٍ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ أَخَذَ أَوْ يَتْرُكَ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ الشَّفِيعُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ أَوِ الْوَلِيدَةِ دُونَ مَا قَالَ الْمُشْتَرِي"؛ اشترى بشئ معين مِنْ مثل مملوك ولكن هلك، ولم يُعلم كم كانت قيمته فأخذ هذا بحق الشفعة، قال: سَلِّم قيمة العبد، قال هذا المشتري: هذا عبدي يجيء بمائة دينار، قال: كذبت، هذا العبد الذي مات على صاحبك لا يجيء إلا بخمسين أو ستين، لا أحد يشتريه بمائة دينار! قال: أقول لك مائة دينار، فالقول قول المشتري بيمينه، يحلف يمين على أن قيمته تساوي كذا ويستحق تلك القيمة، إلا أن تكون هناك بيِّنة مع هذا الذي أخذ بحق الشفعة، معه بيّنة أن هذا لا يساوي هذه القيمة، فيؤخذ بالبيِّنة.
وفَرَّع على هذه المسائل فيما يأتي معنا في الباب إن شاء الله تعالى.
رزقنا الله الاستقامة واتباع المخصوص بأعلى الكرامة، سيدنا محمد الشفيع الأعظم في الدنيا ويوم القيامة، وأصلح لنا به شؤوننا وشؤون أمته الخاصة والعامة، وكفانا الآفات والعاهات في الظواهر والخفيات، بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
20 ذو القِعدة 1443